حين تتحول فتاة الأحلام إلى فتاة كوابيس!! … بقلم: علي يس
20 January, 2010
معادلات
علي يس
حين تتحول فتاة الأحلام إلى فتاة كوابيس!!
• صديقي (ميم) أفضل نموذج على قدرة هؤلاء الآدميين على تزييف الحقائق ، وتبرير الشيء ونقيضه .. هذا الإستنتاج أصل إليه دائماً ، حين أُقلِّبُ أوراقي القديمة ، فأعثر بينها على رسالتين بعث إليَّ بهما ، قبل رُبع قرنٍ من الزمان ، صديقي (ميم) ، ولقد ظللتُ ، كلما عثرتُ على هاتين الرسالتين قرأتهُما بدهشة جديدة ، فالرسالتان المتشابهتان تماماً في إيراد الحقائق تختلفان اختلافاً عبقريَّاً في تبرير وتوصيف هذه الحقائق ..
• دعنا نأخذ المسألة من بدايتها ، وأرجو أن تنتبه إلى أنني أتحاشى ذكر اسم صديقي هذا كاملاً ، كما أتحاشى ذكر اسم فتاة أحلامه التي كان يحدثني عن أوصافها في الرسالة الأُولى – والتي أصبحت "فتاة كوابيسه" في الرسالة الثانية – لدواعٍ "أمنية" .. يعني : حتى لا يظن الرجُل أنَّني أتعمَّدُ التشهير به على رؤوس الأشهاد ، مع أنني ما أردتُ من الحديث عن رسالتيه هاتين إلا إثبات مهارة هؤلاء (البني آدمين) حين يقررون تزييف الحقائق !!
• كنا صديقين ، أيام الشباب ، لا نفترق ، حتّى أكملنا الدراسة وفرَّقت بيننا السبل ، ورجع صديقي (ميم) إلى بلده في إحدى أصقاع السودان النائية ، ولكن ظلَّت الرسائل بيننا لا تنقطع ، حتّى جاءتني رسالة حميمة جداً ، عام خمسة وثمانين من القرن الماضي ، يتحدث فيها ميم ، بفرح عظيم ، عن نبأ عثوره على فتاة أحلامه ، ووداعه عهد التشرد ، ونيته الصادقة في الدخول إلى ذلك القفص .. وقد أبدع في الحديث عن فتاة أحلامه التي عثر عليها فجأةً ، فتشبث بها .. وقدم لي أوصافها ، في الرسالة ، فهنَّأته عليها ، وظل التراسل بيننا ، حتى مرَّ عامان ، لتأتي إليَّ رسالة منهُ يتحدث عنها عن "تخلُّصه" بل نجاته من تلك الفتاة ، ويصفها لي ذات الأوصاف التي جاءت في الرسالة الأُولى ، ولكن يبرر ذات الأوصاف تبريراً منفراً وفظيعاً !!
• وها أنذا ، أختصر الرسالتين ، اللتين يفصل بينهما عامان ، وأقتصر من كل منهما على الجزء الذي يصف فيه تلك الفتاة ، حتى أُباركها ، في رسالته الأولى ، وحتّى أهنئه بالخلاص منها ، في الرسالة الثانية !!
الرسالة الأولى .. مايو عام 1985م
........................................................................
أخي ...
• ربما كنت تتساءل الآن ، عن مواصفات هذه "الملاك" التي أخرجتني عن صمتي ، والتهم الحديث عنها ثلاثة أرباع رسالتي إليك ، برغم شوقي إليك وافتقادي رفقتك العزيزة.. سأقول لك كل شيءٍ عنها ، إنها الوعد التي ظللتُ أنتظره طوال حياتي ، وهذه أوصافها ، واحكم بنفسك ، وسوف تتيقن بأنّني لستُ "خفيف الرأس" كما كان يحلو لك ، دائماً ، أن تصفني .. إنها :
1- طويلةٌ ، كالنخلة !!
2- صفراءُ كالذهب
3- مستديرة الوجه ، كالقمر ليلة تمامه ..
4- رشيقةٌ ، كالغزال ..
5- رقيقةٌ كالنسمة ..
6- قليلة الكلام ، وهذا دليلُ رزانة ..
7- لهجتها حاسمةٌ ، قاطعة ، كأنها ملكة ..
8- غضيضة الطرف ، وهذا شاهد حياءٍ و خَفَر ..
9- ذكيَّةٌ ، غير أنها تتغابى ، وهذا دليلٌ على حكمتها
10- أسنانها بيضاءُ متناسقةٌ ، كاللؤلؤ ..
11- عيناها (غابتا نخيلٍ ساعة المطر ... أو شُرفتان راح ينأى عنهما القمر) كما قال الشاعر بدر شاكر السياب !!..
12- شعرها غابةٌ ، تسكنُها الفراشات !!
13- خفيفةٌ ، كالحُلم ..
الرسالة الثانية .. مارس عام 1987م
................................................
أخي ...
• ربما كنت تتساءل الآن ، عن مواصفات هذه "الكارثة" التي أخرجتني عن صمتي ، والتهم الحديث عنها ثلاثة أرباع رسالتي إليك ، برغم شوقي إليك وافتقادي رفقتك العزيزة منذ أيام الدراسة .. سأقول لك كل شيءٍ عنها ، إنها "الكابوس" الذي ظللتُ أحذَرُهُ طوال حياتي ، وهذه أوصافها ، واحكم بنفسك ، وسوف تتيقن بأنني كُنتُ فعلاً "خفيف الرأس" – كما يحلو لك دائماً أن تصفني – حين وقعتُ ذات يومٍ في غرام هذه السلحفاة .. إنها :
1- طويلةٌ ، كالأفعى !!
2- صفراءُ ، مثل أوراق الشجر الميتة ..
3- مستديرة الوجه ، مثل كرة القدم ..
4- رشيقة، كالقرد ..
5- رقيقة ، مثل فيروس الأنفلونزا ..
6- قليلة الكلام ، وهذا دليل "تخلُّف"
7- لهجتها حاسمةٌ وقاطعة ، كأنها (الشاويش حسن حُمبك ، مدرِّب "الكديت")
8- غضيضة الطرف ، وهذا شاهد خُبثٍ ومَكر..
9- ذكيّةٌ تتغابى ، وهذا دليلٌ على الغتاتة وسوء الطوية ..
10- أسنانها بيضاء مرصوصة كحب القرع ..
11- عيناها (غابتا حرازٍ ساعة المطر .. أو حُفرتان راح ينمو فيهما العُشر ) ، كما قُلت أنت ذات مرة في إحدى المتصابيات ..
12- شعرُها غابةٌ ، تسكنها الوحوش
13- خفيفةٌ ، كالنمر قبل الإنقضاض !!
• هذا ، وبعد ثلاثة أعوام أُخرى ، عثر صديقي (ميم) على فتاة أحلام أُخرى ، لم يحدثني عن أوصافها مطلقاً ، ولم يكتب فيها بيت شعر واحد ، فقط دعاني لشهود عقد قرانه منها ، وما يزالُ أسيراً لها ، وقد أنجب منها بنين وبنات ..
• تتساءل عن مناسبة هذا الحديث .. حسناً .. صديقي "ميم" هذا ، اليوم ، أحد كبار الساسة المشهود لهم بالكفاءة ، وقد ظللتُ أتساءل كثيراً عن سر نجاحه الباهر في انتزاع ثقة "الكبار" ، الذين أصبحوا ينتدبونه لعظائم المهام السياسية ، ولا يسمعون لقادحٍ فيه قول .. ظللتُ محتاراً في سر هذا النجاح ، حتّى عثرت، وأنا أقلِّبُ أوراقي القديمة ، على رسالتيه ، ففوجئتُ بالدليل على نبوغه السياسي الباكر ، الذي ظل بين يدي لربع قرن ، دون أن أدري !!
• السياسة هي : أن تعرف كيف تمتدح أحدهم ، حين يكون وليّاً لك ، ثم تعرف كيف تشتمهُ بذات الكلمات ، عندما يصبح خصماً لك !!!
ali yasien [aliyasien@gmail.com]