حين تصبح كراهية الكيزان وقوداً لدعايتهم
شهاب طه
22 March, 2025
22 March, 2025
في خضم الفوضى التي تعيشها بلادنا، وفي ظل الحرب التي فتكت بنا، برزت مفارقة غريبة ومؤسفة: بعض السودانيين الذين يكرهون الكيزان بشدة أصبحوا، دون أن يشعروا، هم الداعم الأكبر لدعايتهم. لقد ساهموا، بوعي أو بغير وعي، في ترسيخ فكرة أن الجيش السوداني بالكامل هو كتيبة كيزانية، وبالطبع يكون أي إنتصار له هو إنتصار حصري للكيزان، وبل يتمادون بأن كل من حمل السلاح، من المدنيين، ضد الغزو الجنجويدي, هو كوز, متجاهلين ومُنكرين حقيقة أن قرابة المليون من المواطنين العاديين حملوا السلاح ليس طمعاً في سلطة، ولا خدمةً لأجندة سياسية، بل دفاعاً عن أنفسهم وانتقاماً لكرامتهم التي استبيحت، وأعراضهم التي هُتكت، ومنازلهم التي دُمِّرت، وأسرهم التي قُتلت وشُرِّدت. إنكار هذا الدور الشعبي، وحصر الحرب في صراع بين الكيزان والجنجويد، هو اختزال خطير، بل وخيانة ضمنية لتضحيات أناس قاوموا من أجل بقائهم، حتى أن هناك مئات الآلاف من المقاتلين الديسمبربين الثوريين
هذه الدعاية، التي بدأت في الأصل كخطاب معادٍ للكيزان، انتهت إلى أن أصبحت هدية ثمينة لهم، إذ عززت لديهم الوهم بأنهم هم القوة الوحيدة التي تدافع عن السودان، وأنهم أصحاب الفضل في التحرير. وبهذا، يجد الكيزان أنفسهم أمام فرصة ذهبية لإعادة إنتاج أنفسهم، مستخدمين تلك الدعاية التي صنعها خصومهم، لتقديم أنفسهم كأبطال الحرب والتحرير ودحر الجنجويد، في حين أنهم هم من صنعوا هذا الوحش الجنجويدي لحمايتهم.
حين أوشك البرهان على توقيع الإتفاق الإطاري مع حميدتي، كفّره الكيزان وأهدَروا دمه وبل أدانوا الجيش كله لتهاونه مع الثورة وعدم القضاء عليها، لكن ما إن اندلعت الحرب، حتى أصبح البرهان في نظرهم القائد الملهم والبطل الفذ. هذه الازدواجية في المواقف تكشف أن المبدأ لم يكن هو الذي يحكمهم، بل المصالح السياسية الخاصة بهم وحماية ثرواتهم ومكاسبهم. أما عن الاتفاق الإطاري نفسه، فرغم أنه لم يكن خياراً مثالياً، إلا أنه قد يكون أفضل من هذه الحرب الكارثية، التي أصر الكيزان على نشوبها
في كل دول العالم، الشعوب تقف إلى جانب جيوشها في لحظات الخطر، حتى لو كانت هناك خلافات سياسية معها. إلا أن بعض الحمقى، وبدافع كراهيتهم للكيزان، ارتكبوا الخطأ الإستراتيجي الفادح بوقوفهم على الضفة الأخرى، متوهمين أن إسقاط الجيش انتصار لهم، بينما الحقيقة أن ذلك لا يخدم إلا العدو الحقيقي، الجنجويد ومن يقف خلفهم.
ولذا، أقول لأولئك الذين دعموا أو لا يزالون يدعمون الجنجويد بحجة كراهيتهم للكيزان: لقد خاب فألكم. فالوطن ليس معروضاً للمساومة، ولا يمكن أن تكون كراهيتكم لطرفٍ مجرم سبباً في تمكين طرف أكثر إجراماً منه. السودان أكبر من صراعاتكم، وأعظم من أن يُختزل في حرب بين الكيزان والجنجويد. إنها معركة وجود شعّب وليست معركة سياسة وأيديولوجيا. الجيش جيش الشعب وسيظل جيش الشعب والإنتصار هو إنتصار الشعب
٢١ مارس ٢٠٢٥
sfamtaha@msn.com
هذه الدعاية، التي بدأت في الأصل كخطاب معادٍ للكيزان، انتهت إلى أن أصبحت هدية ثمينة لهم، إذ عززت لديهم الوهم بأنهم هم القوة الوحيدة التي تدافع عن السودان، وأنهم أصحاب الفضل في التحرير. وبهذا، يجد الكيزان أنفسهم أمام فرصة ذهبية لإعادة إنتاج أنفسهم، مستخدمين تلك الدعاية التي صنعها خصومهم، لتقديم أنفسهم كأبطال الحرب والتحرير ودحر الجنجويد، في حين أنهم هم من صنعوا هذا الوحش الجنجويدي لحمايتهم.
حين أوشك البرهان على توقيع الإتفاق الإطاري مع حميدتي، كفّره الكيزان وأهدَروا دمه وبل أدانوا الجيش كله لتهاونه مع الثورة وعدم القضاء عليها، لكن ما إن اندلعت الحرب، حتى أصبح البرهان في نظرهم القائد الملهم والبطل الفذ. هذه الازدواجية في المواقف تكشف أن المبدأ لم يكن هو الذي يحكمهم، بل المصالح السياسية الخاصة بهم وحماية ثرواتهم ومكاسبهم. أما عن الاتفاق الإطاري نفسه، فرغم أنه لم يكن خياراً مثالياً، إلا أنه قد يكون أفضل من هذه الحرب الكارثية، التي أصر الكيزان على نشوبها
في كل دول العالم، الشعوب تقف إلى جانب جيوشها في لحظات الخطر، حتى لو كانت هناك خلافات سياسية معها. إلا أن بعض الحمقى، وبدافع كراهيتهم للكيزان، ارتكبوا الخطأ الإستراتيجي الفادح بوقوفهم على الضفة الأخرى، متوهمين أن إسقاط الجيش انتصار لهم، بينما الحقيقة أن ذلك لا يخدم إلا العدو الحقيقي، الجنجويد ومن يقف خلفهم.
ولذا، أقول لأولئك الذين دعموا أو لا يزالون يدعمون الجنجويد بحجة كراهيتهم للكيزان: لقد خاب فألكم. فالوطن ليس معروضاً للمساومة، ولا يمكن أن تكون كراهيتكم لطرفٍ مجرم سبباً في تمكين طرف أكثر إجراماً منه. السودان أكبر من صراعاتكم، وأعظم من أن يُختزل في حرب بين الكيزان والجنجويد. إنها معركة وجود شعّب وليست معركة سياسة وأيديولوجيا. الجيش جيش الشعب وسيظل جيش الشعب والإنتصار هو إنتصار الشعب
٢١ مارس ٢٠٢٥
sfamtaha@msn.com