خطاب البرهان الكارثي..!!

 


 

 

كما يقول المثل السوداني: (الإعتصار يأتي بالزيت)، بصرف النظر عن كل شيء، فإنّ خطاب البرهان مساء اليوم برهن على حتمية إنتصار الثورة وحقيقة وصولها لمرفأها الأخير، وأكّد على أن الشارع أصبح رهن إصبع الثائر اليافع الغض الإهاب، هذا المراهق الصغير الذي زلزل عرش الطاغية الأكبر، فلا تحقرن صغيراً في مخاصمة إنّ البعوضة تدمي مقلة الأسد، إنّ إرادة الشعوب لا تقهر، ومهما تذاكى بقايا سدنة العهد (البائد) فإنّ عجلة الزمن لن تعود إلى الوراء، كما قال سبحانه وتعالى: (تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عمّا كانوا يعملون)، فأول الغيث قطرة، وخطاب البرهان أكّد بما لا يدع مجالاً للشك عظمة الحراك الممتد منذ ثلاث سنوات، وقوة شكيمة التروس المحركة لماكينته الجبّارة، وتعد هذه الخطوة التي أجبره عليها الشباب المرابط بسوح وميادين النضال، بداية النهاية للمشروع الاستبدادي الذي أسس له إنقلاب الثلاثين من يونيو، وبخلاف الشعوب الأخرى، لم يرضخ ولم يستسلم الشعب السوداني لسطوة وجبروت الإسلاميين، رغم أنهم قضوا أكثر من ربع قرن متنفذين ومسيطرين على سلطات الحكم الثلاث – التنفيذ والتشريع والقضاء، فثار ضدهم وبدأ مشروع اقتلاعهم الكامل من أرض السودان، تخيّل معي يا عزيزي القاريء ظاهرة عدم تمازج كيمياء الأرض السودانية مع هؤلاء الغرباء المستلبين، وكيف لفظتهم، على الرغم مما ملكوا من مال وجاه وسلطان، أليس في الأمر (إنّ)؟!!.
لو عقدنا المقارنة بين السطوة الإسلامية بإيران بعد حكم الشاه، وبين تمكين الإخوان المسلمين في السودان بعد الإنقلاب العسكري للجبهة الإسلامية القومية على حكومة الصادق المهدي، نرى أن أصحاب العمائم السوداء قد نجحوا في الحفاظ على السلطة وتجذروا في الأرض الإيرانية، بعكس جماعة الإسلام السياسي في السودان، والسبب يكمن في غرابة المشروع الإخواني المصري الذي ترعاه تعاليم حسن البنا على السودان، ومن الاستحالة بمكان أن تزرع القمح تحت ظروف المناخ الاستوائي الماطر وهو النابت بكثافة في المواسم الشتوية، تحت سماء البيئة شبه الصحراوية المروية، فالمشروع المهدوي وجد القبول بين أهل السودان لارتباط فكرته بالتصوف الذي ينخرط فيه جُل أهل السودان، فما يتحرك الآن في مدن السودان من أقصاه إلى أقصاه من مواكب ثائرة ضد البرهان وزمرته، ليس أمراً عبثياً ولا نزوة شبابية عابرة كما يصورها المنتفعين من سلطة إنقلابيي يونيو، الذين فشلوا في الفوز بنتائج آخر انتخابات نزيهة وحرة. إنّ إسلاميي إيران جاءوا لسدة الحكم عبر ثورة شعبية قادها الخميني، منطلقة من تعاليم مذهب يدين به الغالب الأعم من الإيرانيين، بعكس إخوان السودان، الذين حاولوا يائسين استزراع كُلية فيل في جسد فأر، فمناهضة السودانيين للمشروع (الحضاري) منذ اليوم الأول لإنقلاب يونيو تسعة وثمانون وتسعمائة وألف، لم تأت من فراغ، بل جاءت كردة فعل عادية وتلقائية من متصوف يبغض الرياء.
مطالب الثوار لن يحلها مجلس أعلى للقوات المسلحة، مجلسٌ رقيبٌ حسيبٌ لا يخضع للمساءلة والمحاسبة، فأهداف الثورة المتمثلة في الحرية والسلام والعدالة يحققها وزير دفاع خاضع لرأس سيادة الحكم المدني، ووزير داخلية يأتمر بأوامر رئيس الوزراء المدني، والقوات المسلحة السودانية تُرفع لها القبعة وتُحيّا بتحية السلام العظيم وتوضع شارتها على أكتاف الرجال النزهاء، لو أنها تركت التجارة والمضاربة والسياسة وتفرغت لحماية الدستور والحدود، فخطاب البرهان ليس له معنى طالما أنه لم يتناول هيكلة الجيوش، ولم يتعرض لمصير أموال المنظومة الدفاعية المرتهنة لأمر المنظومة البائدة، وطالما أنه لم يحدد موقف العسكر من جماعة جوبا، فلا يعقل يا برهان أن تلقي خطاباً من ثلاث كلمات دون أن تحسم الفوضى الدستورية، التي لو اجمتع فقهاء القانون الدستوري لارتفعت حواجبهم بالدهشة، كيف تسمح لنفسك بأن تنقلب على الوثيقة الدستورية وتطرد رئيس الوزراء، ثم تتحالف مع جماعة مسجد الضرار الذين قدموا من جنوب السودان، ثم تهرب هكذا دون وازع للضمير يحركك لتقل لنا هاؤم اقرأوا كتابي، إن كنت جاداً، وباعتبارك قائداً للجيش، لوحّدّت هذه الجيوش المتناثرة، ومن ثم ألقيت ببيانك المقتضب وقلت لنا بالفم المليان أنا (قائد الجيش)، لكن أن تُسلّم إقليم كامل لجيوش خارجة عن سلطة وسيطرة الجيش السوداني، وتُعلن عن مجلس أعلى للجيش الواحد المكوّن من جيشين، هذا ما لا يجب أن يسامحك عليه الشعب السوداني.

اسماعيل عبدالله
ismeel1@hotmail.com
5 يوليو 2022
///////////////////////////////

 

آراء