خطيئة الجيش وخطأ الدعم السريع
حسين التهامي
4 February, 2024
4 February, 2024
حسين التهامى
ترجع نشأة الجيش السوداني إلى ما قبل مملكة كوش (732 سنة)قبل الميلاد، ومملكة كوشواتخذت هذا الاسم إبان تتويج كاشتا أول ملوك الأسرة الخامسة والعشرون النوبية . وقبل عام١٨٢٠م ودخول الجيش المصرى إلى السودان كانت السلطنات والمالك والقبائل تمتلك جيوشهاالخاصة بها والتى تتولى الدفاع عنها او التوسع والاستحواذ على أراضى وموارد جديدة باسمها . وكانت تركيبتها وعقيدتها القتالية ذات طابع قبلى ومن بعد ذلك جهادى إسلامى كما راينا فىحقبة المهدية بعد هزيمة الجيش المصرى وسقوط الخرطوم فى عام ١٨٨٥م . وشهدت فترةحكم المهدي والخليفة عبد الله قيام اول جيش وطنى ضمن حدود وسيادة دولة السودان ورقعته الجغرافية كما نعرفها اليوم. وسقط الجيش السودانى ومعه السودان مع دخولالقوات البريطانية والمصرية فى عام ١٨٩٨م. تلك القوات لم تكن وحدها بل استعانت بجنودمن قبائل سودانية بعضها معادية للمهدية ودولة الخليفة عبد الله وبعضها كان قد سلك فىالجندية مع القوة الغازية قبل وبعد وصول القوات المصرية سنة ١٨٢٠م وكان ذلك احد أغراضدخول محمد على باشا إلى السودان. وبعد استقرار الأمر للاحتلال الثنائي البريطانى المصرىتم الشروع تدريجيا فى إنشاء وحدات عسكرية من جنود ومن بعد ضباط سودانيون شكلتلاحقا نواة الجيش الذى تسلم او تم تسليمه كل النظم والأسلحة والحاميات العسكرية معخروج آخر جندى بريطانى مصرى سنة ١٩٥٥م. وعرفت تلك القوات باسم قوة دفاع السودان. ومن بعد حملت أسم الجيش السودانى إلى ان استقرت تسميتها إلى قوات الشعبالمسلحة. وفى ذلك مضامين تعكس نوع العقيدة القتالية إذ ان دولتى الحكم الثنائي لم تكوناراغبتين فى قيام اى جيش سودانى بعقيدة قتالية دات نزعة هجومية خشية تكرار تجربة دولةالمهدية . ثم من بعد الاستقلال حملت تلك القوات تسمية الجيش السودانى وهو وصف اوتسمية معروفة بين جيوش العالم انذاك فى الخمسينات . وتم استبدالها باسم قوات الشعبالمسلحة بعد عام ١٩٦٩م على نسق النظم اليسارية - لإظهار المقارنة فى التسمية ؛ قواتالشعب الصينى المسلحة. وبعيد خروج الاستعمار بقليل زج السياسيون والنخب الفاشلة والهاربة من استحقاقات دولة المواطنة والقانون ومجتمع الحرية و العدالة والمساواةبالجيش فى أتون السياسة حتى يغطوا عطبهم المزمن وعوارهم .
هذه عجالة فيها بعض الابتسار فى السرد لتاريخ نشوء الجيش السودانى والغرض منها انندلف إلى زعم أتحمل وزره بان الجيش السودانى الحالى لا يعكس منذ قيامه -فى ما عدا فترةحكم الخليفة عبد الله - دور الجيش الوطنى المطلوب . فلا نحن كسودانيون رسمنا حدودبلادنا السياسية والجغرافية او الشعب ألذى يعيش بداخلها ولا الجيش ألذى يفترض ان يكوندوره هو حمايتها جميعها . ورثنا ذلك كله: الشعب والأرض والجيش ولم يكن لنا دور كينونى او تأسيسي. وليس فى ذلك منقصة او عيب. ولكن المنقصة والعيب يكمنان فى غياب الارتقاءوالخلود إلى الموروث جملة لا يمتد اليه فكو او يد ليناسب ظرفه ووقته لنكون مجرد رقعة جغرافية كما وصفنا وكان نصف مصيب و نصف مخطىء فى ذلك الكاتب والصحفي محمدحسنين هيكل فى مقالة او مقولة له قبل سنوات عددا. ومع تصاعد حدة الوضع فى دارفور منذ عام ٢٠٠٣م ظهرت الحوجة الماسة إلى قوات مشاة صلبة تتحكم فى الأرض وكانت قوات الشعب المسلحة تعانى أصلا من مشكلة تجنيد فى صفوفها بسبب عزوف الفئات العمرية مابين ١٨-٣٠ عاما من لانخراط فى سلك الجندية لأسباب عديدة منها محرقة حرب الجنوب وضعف المرتبات وغلظة وشدة حياة الجندية. ووجد نظام البشير ضالته فى أبناء القبائل العربية من اقليمى دارفور وكردفان. وكانت الوصفة غاية فى البساطة: تقدم تلك القبايل العنصر البشرى لتكون قوات مشاة رادعة مقابل ان تحصل على الأرض والامتيازات.
وتحولت تلك المعادلة إلى كارثة بكل المقاييس بعد ان عمد نظام البشير ومن بعده قيادة الجيش إلى الاعتماد الكامل على ماسمى منذاك بقوات الدعم السريع وتلك كانت خطيئة الجيش التى لا تغتفر . ووقعت قوات الدعم السريع فى الخطأ ألذى لا يغتفر ايضاً إذ عمدت إلى ملء الفراغ حولها وخارجها بالتوسع وبسط نفوذها ليس عسكريا فحسب بل وسياسيا واقتصاديا وخاصة بعد سقوط نظام البشير فى ٢٠١٩م . وكان خطاب قائد تلك القوات محمد حمدان دقلو فى ٢٠١٤م عندما تعرض الصادق المهدى رئيس حزب الأمة بالانتقاد لقوات الدعم السريع رسالة واشارة واضحة لما وصلت اليه خطورة الوضع إذ قال محمد حمدان دقلو بالحرف : (زي ما قلت ليكم البلد دي بَلْفها عندنا نحن أسياد الربط و الحل.. مافي ود مرة بفكلسانو فوقنا.. مش قاعدين في الضل و نحن فازعين الحرابة..!! نقول اقبضوا الصادق يقبضواالصادق فكوا الصادق يفكوا الصادق..! زول ما بكاتل ما عندو رأي..! أي واحد يعمل مجمجةأهي دي النقعة و دي الذخيرة توري وشها..! و يوم الحكومة تسوي ليها جيش، بعدين تكلمنا. ارمو قدام بس.) انتهى
وأما الأرض فمقدور عليها ويبقى حدود السودان على ما هى عليه كما تقول احكام القوانينالدولية. وأما الشعب فهى دولة المواطنة إذاً. والمليشيات للحل . وأما الجيش فهو إلى ثكناتهليدافع عن الشعب والأرض. وأما السياسة فسبيلها المحكمة الدستورية ومفوضية للأحزابوصندوق الانتخابات.
حسين التهامى
husselto@yahoo.com
ترجع نشأة الجيش السوداني إلى ما قبل مملكة كوش (732 سنة)قبل الميلاد، ومملكة كوشواتخذت هذا الاسم إبان تتويج كاشتا أول ملوك الأسرة الخامسة والعشرون النوبية . وقبل عام١٨٢٠م ودخول الجيش المصرى إلى السودان كانت السلطنات والمالك والقبائل تمتلك جيوشهاالخاصة بها والتى تتولى الدفاع عنها او التوسع والاستحواذ على أراضى وموارد جديدة باسمها . وكانت تركيبتها وعقيدتها القتالية ذات طابع قبلى ومن بعد ذلك جهادى إسلامى كما راينا فىحقبة المهدية بعد هزيمة الجيش المصرى وسقوط الخرطوم فى عام ١٨٨٥م . وشهدت فترةحكم المهدي والخليفة عبد الله قيام اول جيش وطنى ضمن حدود وسيادة دولة السودان ورقعته الجغرافية كما نعرفها اليوم. وسقط الجيش السودانى ومعه السودان مع دخولالقوات البريطانية والمصرية فى عام ١٨٩٨م. تلك القوات لم تكن وحدها بل استعانت بجنودمن قبائل سودانية بعضها معادية للمهدية ودولة الخليفة عبد الله وبعضها كان قد سلك فىالجندية مع القوة الغازية قبل وبعد وصول القوات المصرية سنة ١٨٢٠م وكان ذلك احد أغراضدخول محمد على باشا إلى السودان. وبعد استقرار الأمر للاحتلال الثنائي البريطانى المصرىتم الشروع تدريجيا فى إنشاء وحدات عسكرية من جنود ومن بعد ضباط سودانيون شكلتلاحقا نواة الجيش الذى تسلم او تم تسليمه كل النظم والأسلحة والحاميات العسكرية معخروج آخر جندى بريطانى مصرى سنة ١٩٥٥م. وعرفت تلك القوات باسم قوة دفاع السودان. ومن بعد حملت أسم الجيش السودانى إلى ان استقرت تسميتها إلى قوات الشعبالمسلحة. وفى ذلك مضامين تعكس نوع العقيدة القتالية إذ ان دولتى الحكم الثنائي لم تكوناراغبتين فى قيام اى جيش سودانى بعقيدة قتالية دات نزعة هجومية خشية تكرار تجربة دولةالمهدية . ثم من بعد الاستقلال حملت تلك القوات تسمية الجيش السودانى وهو وصف اوتسمية معروفة بين جيوش العالم انذاك فى الخمسينات . وتم استبدالها باسم قوات الشعبالمسلحة بعد عام ١٩٦٩م على نسق النظم اليسارية - لإظهار المقارنة فى التسمية ؛ قواتالشعب الصينى المسلحة. وبعيد خروج الاستعمار بقليل زج السياسيون والنخب الفاشلة والهاربة من استحقاقات دولة المواطنة والقانون ومجتمع الحرية و العدالة والمساواةبالجيش فى أتون السياسة حتى يغطوا عطبهم المزمن وعوارهم .
هذه عجالة فيها بعض الابتسار فى السرد لتاريخ نشوء الجيش السودانى والغرض منها انندلف إلى زعم أتحمل وزره بان الجيش السودانى الحالى لا يعكس منذ قيامه -فى ما عدا فترةحكم الخليفة عبد الله - دور الجيش الوطنى المطلوب . فلا نحن كسودانيون رسمنا حدودبلادنا السياسية والجغرافية او الشعب ألذى يعيش بداخلها ولا الجيش ألذى يفترض ان يكوندوره هو حمايتها جميعها . ورثنا ذلك كله: الشعب والأرض والجيش ولم يكن لنا دور كينونى او تأسيسي. وليس فى ذلك منقصة او عيب. ولكن المنقصة والعيب يكمنان فى غياب الارتقاءوالخلود إلى الموروث جملة لا يمتد اليه فكو او يد ليناسب ظرفه ووقته لنكون مجرد رقعة جغرافية كما وصفنا وكان نصف مصيب و نصف مخطىء فى ذلك الكاتب والصحفي محمدحسنين هيكل فى مقالة او مقولة له قبل سنوات عددا. ومع تصاعد حدة الوضع فى دارفور منذ عام ٢٠٠٣م ظهرت الحوجة الماسة إلى قوات مشاة صلبة تتحكم فى الأرض وكانت قوات الشعب المسلحة تعانى أصلا من مشكلة تجنيد فى صفوفها بسبب عزوف الفئات العمرية مابين ١٨-٣٠ عاما من لانخراط فى سلك الجندية لأسباب عديدة منها محرقة حرب الجنوب وضعف المرتبات وغلظة وشدة حياة الجندية. ووجد نظام البشير ضالته فى أبناء القبائل العربية من اقليمى دارفور وكردفان. وكانت الوصفة غاية فى البساطة: تقدم تلك القبايل العنصر البشرى لتكون قوات مشاة رادعة مقابل ان تحصل على الأرض والامتيازات.
وتحولت تلك المعادلة إلى كارثة بكل المقاييس بعد ان عمد نظام البشير ومن بعده قيادة الجيش إلى الاعتماد الكامل على ماسمى منذاك بقوات الدعم السريع وتلك كانت خطيئة الجيش التى لا تغتفر . ووقعت قوات الدعم السريع فى الخطأ ألذى لا يغتفر ايضاً إذ عمدت إلى ملء الفراغ حولها وخارجها بالتوسع وبسط نفوذها ليس عسكريا فحسب بل وسياسيا واقتصاديا وخاصة بعد سقوط نظام البشير فى ٢٠١٩م . وكان خطاب قائد تلك القوات محمد حمدان دقلو فى ٢٠١٤م عندما تعرض الصادق المهدى رئيس حزب الأمة بالانتقاد لقوات الدعم السريع رسالة واشارة واضحة لما وصلت اليه خطورة الوضع إذ قال محمد حمدان دقلو بالحرف : (زي ما قلت ليكم البلد دي بَلْفها عندنا نحن أسياد الربط و الحل.. مافي ود مرة بفكلسانو فوقنا.. مش قاعدين في الضل و نحن فازعين الحرابة..!! نقول اقبضوا الصادق يقبضواالصادق فكوا الصادق يفكوا الصادق..! زول ما بكاتل ما عندو رأي..! أي واحد يعمل مجمجةأهي دي النقعة و دي الذخيرة توري وشها..! و يوم الحكومة تسوي ليها جيش، بعدين تكلمنا. ارمو قدام بس.) انتهى
وأما الأرض فمقدور عليها ويبقى حدود السودان على ما هى عليه كما تقول احكام القوانينالدولية. وأما الشعب فهى دولة المواطنة إذاً. والمليشيات للحل . وأما الجيش فهو إلى ثكناتهليدافع عن الشعب والأرض. وأما السياسة فسبيلها المحكمة الدستورية ومفوضية للأحزابوصندوق الانتخابات.
حسين التهامى
husselto@yahoo.com