الجميع متواطئون

 


 

حسين التهامي
17 January, 2024

 

ظاهرة ظلت تلازم الحروب الاهلية فى العالم وهى ان نيرانها تحرق القوى السياسية التى كانت تتصدر المشهد قبل اندلاعها لتختفي وتتلاشى تماما بعدها وقد شهدناه فى يوغسلافيا السابقة وفى لبنان ايضاً على سبيل المثال. إلا ان تلك الظاهرة تكاد لا تلاحظ شيئاً ما عندنا مع ان (الكل متواطئون)بالثابتة كما تقول محاضر الشرطة عند ضبط متهم او مجرم ما فى فعل أو قول يخالف القانون. إذ عادت نفس تلك القوى والوجوه السياسية تتسابق لتتصدر ساحة الحياة السياسية . وأفرزت الحرب من ضمن ما أفرزت ظاهرة أخرى جديرة بالتأمل وهى الاستقطاب القبلى /الجهوي والسياسى الذى يبلغ أقصى مدى له فى الشطط والتطرف . أما الاستطفاف القبلى والجهوى فلا يحتاج إلى كثير نظر ولكن الاستطفاف السياسى يحتاج إلى شرح وفيه بعض غرابة فقد عمدت قوى من أقصى اليسار إلى مناصرة قوة ميليشاوية عسكرية تطلب الحكم ليس بشكيمة السلاح فحسب بل بالقبلية والجهوية وقلبها وعقلها مصوبان نحو ملك عضود لا تكاد تستقيم معه الديمقراطية أو حكم الشعب. وفى الجانب الآخر فان قوى من أقصى اليمين انقسمت هى الأخرى بعد مفاصلة القصر المشهورة إلى مفاصلة القبيلة والجهة هذه المرة وهى لا تمتلك او تقدم اى مشروع وطنى . واذكر فى هذا الصدد مقولة الكاتب والصحفي البريطانى : بعد ان خلق الله السودان واهله ضحك . ظهرت في عنوان لكتاب الصحفي الإنجليزي انتوني مان..(حيث ضحك الرب)..
Where God Laughed
وانتوني كان مراسل لصحيفة ديلي تلغراف ، وجاء الى السودان في 1953 م -1954 م لتغطية اول انتخابات عامة في السودان ، وتعالى سبحانه عن ذلك ولكن ضحك الله ورد فى الحديث الشريف. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فبعث إلى نسائه، فقلْنَ: ما معَنَا إلا الماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يَضم أو يُضيِّف هذا؟ فقال رجل من الأنصار: أنا، فانطَلَق به إلى امرأته فقال: أَكرِمي ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: ما عندنا إلا قوت صبياني، فقال: هيئي طعامك، وأصبِحِي سراجَك، ونوِّمي صبيانك إذا أرادوا عشاءً. فهيَّأت طعامها، وأصبحت سراجها، ونوَّمت صبيانها، ثم قامت كأنها تُصلِح سراجها فأطفأته، فجعلا يُريانِه أنهما يأكلان، فباتا طاويين، فلمَّا أصبَحَ غَدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ((ضحكَ الله الليلة - أو عجب - من فعالكما)) فأنزل الله:( وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) [الحشر: 9][1]. كنت فى مقال سابق قد اشرت إلى ان هذه حرب اليوم التالى والمعنى بداهة انه لا يستقيم لنا ان نعود إلى سابق عهدنا بل يتوجب علينا ان ننهض بفكر ونظر تأسيسي جديد مقصده الإنسان فى حريته وحقه فى الحياة الكريمة ولن يكون ذلك إلا بترك ما للدولة State -وليس المقصود هنا الحكومة Government - للدولة وما للمجتمع Society للمجتمع. ويمكن القول بيقين ان عطبنا لم يكن فى العهود والقوانين ولدينا أطنان منها ولكن علتنا تكمن فى نقض العهود والمواثيق عسكرا وسياسيين فى دورة خبيثة افضت بنا إلى نحن فيه. وما نحن فيه تحكيه الأرقام وهى لا تكذب او تتجمل . فحسب ارقام مؤسسات الأمم المتحدة وأخرى دولية فان خسائر الحرب تفوق ٣٠٠ بليون دولار امريكى وهو رقم اكبر من الدخل القومى للسودان ١٩٤.٥ بليون دولار امريكى حسب صندوق النقد الدولى للعام ٢٠٢٣م - أحصى سكان السودان ايضاً إلى ٤٤.٩ مليون إنسان ومؤشر نمو ١.٤٪؜ بالسالب . عدد الضحايا من السودانيين عسكريين ومدنيين قد يتجاوز ٤٠٠ ألف إنسان وهناك ارقام مخيفة للمعوقين بسسب الإصابات المباشرة او غير المباشرة قد تتجاوز ٥٠٠ ألف إنسان. وهى ارقام تقديرية بسسبب ضعف الآليات والمقدرات المختصة بجمع البيانات حتى قبل الحرب.
حسين التهامى
husselto@yahoo.com

 

آراء