خلافـاتنا على القيـادات تفـوق جدلـنـا في السيـاسات .. بقلـم: عمـر العمـر

 


 

عمر العمر
8 November, 2021

 

 أزمة البرهان أنه عاجزٌ عن قراءة للتاريخ مثلما هو غير قادرٍ على قرآة الواقع .على نقيض أحاديثه المكرورة عقب إنقلابه على الثورة  والشعب لم يقنعنا البرهان بموقف واحد يدلل على حرصه على متابعة مسيرة الجماهير ، دع عنك تصحيح المسار المزعوم. كلما صدرعن الحركة الإنقلابية يؤكد  محاولات التفاني في عرقلة تقدم الثورة. بل أكثر من ذلك  الجهد المحموم المضطرب لجهة الإرتداد إلى زمن الإنقاذ. هو لا يتورع عن استخدام آليات  العنف للحفاظ على سلطانه.كأنه يتغمّص دور  السفاح " إن الهخ ملّكني أموالكم ورقابكم ، فإن شئت قبضت وإن شئت بسطت" ذلك هو إطار مأزق البرهان الراهن .

مع  التوغل في هذا المأزق تزداد حلقات الإستحكام  حوله بحيث لم يعد قادراً على كسرها. بينما هو عاجزٌ عن التقدم تستأثر به العزة بالإثم عن الإعتراف بالخطيئة أو على الأقل التراجع  عنها.

***   ***   ***

  منذ إطلالته الإنقلابية لم يتحدث الرجل عن برنامج في شأن الإقتصاد، الزراعة، التعليم أو الصحة .كل جهوده المبذولة بالسلاح والتواطؤ من وراء ستار تتركز على إقتلاع السلطة وإزاحة كل خصومه وأعدائه. منطلق البرهان في ذلك" من ليس معنا فهو عدونا".في غفلته عن التاريخ لم يدرك البرهان بعد استحالة الحصول على معاونين وطنيين يضعون ا]ديهم في يديه الملوّثة بالخيانة والدم.جميع السودانيين لا يجهلون دوافع البرهان وصحبه عنما قفزوا من سفينة الإنقاذ قبيل ابتلاعها من قبل توسنامي الثورة الجماهيرية.أؤلئك الجنرالات لم ينحازوا إلى الثورة عن قناعة بشعاراتها أو بطلاقة روحٍ وطنية بل هربا من مصيرهم الأسود فيما إذا ظلوا على السفينة الغارقة أو محاولة الفرار منها إلى غير ربوة الثورة.

***   ***   ***

   تلك النزعة الإنتهازية نفسها دفعت البرهان لجهة إختطاف السلطة لمّا رأى أقتراب توقيت تجريده من رئاسة مجلس السيادة.تلك النزعة المتمكنة من الجنرال لن تغيب عن أي سياسي وطني أو تكنوقراط محترم لوضع رصيده أو نفسه تحت إمرة إنتهازي مغامرغير مأمون  على العهود والوعود.البرهان يراوغ طوال أكثر من اسبوعين في محاولات بلا طائل لكسر مأزقه غير آبهٍ بحال الشعب والوطن. وسطاء من الداخل والخارج ينشطون بينما يصر الرجل على فرض إنقلابه واقعا.  هو لايبدي تجاوباً مع نفر كريم من " من وسط الشعب لاهمّ لأحدهم في السلطة أو الثورة. شباب ينهض في وجه ألة القمع الحمقاء فيقدم  قرابين للثورة لكن الجنرال غير مستعد لرؤية ذلك البذل الشبابي السخي.ضغوط وتهديدات من قوى خارجية بحجب المساعدات ، إغلاق انابيب العون وإعادة فواتير المديونيات لكن الجنرال لا يسمع أو يقرأ.همه السلطة أولاً وأولاً وفوق كل شيء.

***   ***   ***

  من الواضح الجلي إنطلاق البرهان في تعنته من رهان على الزمن إذ هو يمني نفسه بإرهاق يصيب الشباب فتخبو جذوة الشارع ووهن يلم بالقيادات السياسية فتستسلم لشروطه.تلك هي من رهانات البرهان الخاسرة منذ ليلة الإنقضاض على إعتصام الشباب الفتي على نسق الغدر والخيانة ذاتها. هو لم يسمع في رهانه الخاسر هذا حتما بالحكمة الصينية" من استهان بالوقت نبذه الزمن": رغم تباين الظروف الزمانية والمكانية هناك دوما فارقُ غير ضيّق بين الرجل الفاضل والرجل االفاجر. الجنرال لا يستهدف فقط إقصاء الساسة الخيرين من أبناء الوطن بل يسعى إلى إخصائهم يتهم ماسخة باطلة .المقولة المتداولة واصفة السياسة بأنها "لعبةٌ قذرة" لا تدمغ الساسة في إطلاق  بالقذارة مثلما لاتعني ترك اللعبة للرجال القذرين وحدهم .تلك من المقولات المسرفة في التوصيف الخاطئ مثلما يزعم بعض أصحاب الألسن الطويلة وجود  تعارض بين السياسة والأنوثة. إذ يسعى هأؤلئك إلى نفي الجمال عن النساء الناشطات في ميادين السياسة.

***   ***   ***

  رغم تصاعد الغضب تجاه القيادات السياسية ورميهم بقصر النظر أحياناً وبالتفريط أحايين إلا أن الإتهامات لا تذهب حد احتمال التواطؤ ضد الشعب ، نزوير إرادته أو سرقة أحلام الشباب. فهؤلاء الشبيبة  هم وقود الثورة، صناعها،حماتها الحقيقيون لأنهم كتبواشعاراتها وأهدافها بعرقهم ، سهرهم ودمائهم. هم يمنحون حمدوك شرعية- ربما يرى البعض عدم جدارته بها- لكنهم في المقابل لم يمنحوا أي قدر من الشرعية لمجلس السيادة أو مجلس الشركاء.فالإصرا على عودة حمدوك هو حرص على الشرعية الشعبية الثورية.أي توغل في المكابرة من جانب البرهان وحلفائه النفعيين لن يفضي بهم إلى برٍ آمن ويكلف الشعب والوطن غالياً كما يكلفهم ثمينا حتما.لايمكن الحديث عن وزير وطني بينما هو لا يحترم تطلعات الجماهير .كما أن الدولة الوطنية حقا إنما تستمد هيبتها من هيبة المواطن ورضائه.فكل سلطة لاتنعم بذلك الرضا ولاتوفر تلك الهيبة تظل واقفة على حد سكين لن يطول  حتما وقوفها عليه.

***   ***   ***

  كل دولة تعتاش على تطمينات خارجية فهي إلى زوال لا محالة كم يتحث التاريخ.عندما ابتكر ماكيفالي مصطلح "الدولة " إنما كان يبحث عن وسيلة لضبط إنهيار الأمة الإيطالية في مستنقع التقسيم والدويلات المتناثرة المتصارعة. الجنرال وصحبه يستثمرون في تقسيم  الأمة والوطن. الفيلسوف الإيطالي نفسه هو القائل إذا أردت تقييم الحاكم فأنظر أولا للمحيطين به .هيغل رأى في مصلح "سيادة الدولة" الأداة الضرورية للحفاظ على الطبقة الوسطى.فهي روح المجتمع وقلب حركة الدولة. الجنرال وصحبه يستهدفون تدمير طبقتنا الوسطى المهترئة. في الجدل السياسي لا ترتفع حدة الخلاف على المناهج السياسية مثلما تتصاعد في شأن جوهر القيادة السياسية . ذلك كعب أخيلنا وتلك محنتنا  ومأزقنا الأكبر منذ عشية الإستقلال.


aloomar@gmail.com

 

آراء