خواطر حول رواية جمال محمد ابراهيم .. نور.. تداعى الكهرمان

 


 

 

 

 

قدم الروائى المبتكر السفير جمال محمد ابراهيم رواية عن احد مبدعى السودان المستنيرين " معاوية محمد نور "، و بجهد شخصى و تقنية عالية فى الحبكة الروائية أحدث حراكا ثقافيا ساكنا، دفعت الكثيرين لطلب المزيد من المعلومات عن مجاهدات هذا العبقرى الذى رحل من الفانية فى عمر مبكر.

كثيرون تناولوا سيرة معاوية منهم على سبيل المثال لا الحصر ، مجاهد على خليفة فى اطروحته للماجستير " معاوية محمد نور وأثاره النقدية "، و ذكره البروفسير محمد عمر بشير فى كتابه تاريخ الحركة الوطنية السودانية، كما ضمت الصحف الورقية والكترونية مقالات عدة من كتاب عديدين منهم على سبيل المثال لا الحصر -الطاهر محمد على-احمد محمد البدرى- الرشيد عثمان خالد- عبد القدوس الخاتم-السنى بانقا-النور حمد-عبد الغنى كرم الله--اميرة ابايزيد - محمد بشير احمد--سلمى الشيخ سلامة و عبد المنعم عجب الفيا، و اقيمت منتديات عن سيرة الراحل منها منتدى مناظر بلندن ما اقيم فى ينائر من هذا العام بدال الثقافى .

---2-----
و ما اظننى سأضيف شيئا عما ذكره الزميل صلاح محمد على فى مقالته بعنوان " جمال محمد ابراهيم يحيى ذكرى معاوية الاديب الذى أضاء هنيهة ثم أنطفأ... ولكن سأبدى بعضا من الخواطر على هامش ما ذكر عن هذا الشاب الذى رحل مبكرا شأن كثير من المبدعين

---3--
بدأ الروائى جمال كتابه بمقدمة رائعة و متميزة ، بحبكة ممتعة عن نشأة معاوية ، البيئة والاسرة ، لينتقل بتسلسل بديع الى ميول نور الادبية وولعه بالادب الانجليزى، وولوجه كلية غردون التذكارية ليعد واحدا من المع تلامذتها فى التحدث عن ابداعات الفرنجة و على رأسهم مثله الاعلى برنارد شو ، و اختير له الدراسة فى كلية كتشنر الطبية ولكنه اثر الابتعاد من الدراسة فيها ، و سافر خلسة لمصر ولكنه أعيد مخفورا بعد تعرضه للسجن بعد تدخل من خاله وولى امره الدرديرى محمد عثمان. و تتاح له الفرصة للالتحاق بكلية الاداب بالجامعة الامريكية ببيروت

----4---
اصطحبنا جمال مع نور لاجواء الجامعة الامريكية ببيروت، تلك الجامعة التى كان من ضمن طلبتها...سودانيون اكارم من امثال الزعيم اسماعيل الازهرى و عوض ساتى، وو جد نور ضالته فى المكتبة الضخمة.. يتزود من رحيق كتبها مايروى ظمأه المتنامى للمعرفة. و رغم جمال الطبيعة فى بيروت الساحرة ظل نور تواقا الى ام درمان البقعة النى نشأ فيها، ومن خلال رسائله الراتبة لاستاذه ادوارد سليم عطية علمنا انه طفق يرفد الصحف و المجلات المصرية بمقالاته مثل المقطف والهلال والرسالة والبلاغ الاسبوعى والجهاد ، و ابدى سخطه لان مقالاته لا تجد حظها من النشر فى صحف الخرطوم رغم انه دأب منذ زمن مضى على نشر مقالات له تحت اسم مستعار - مطالع- و طلب من استاذه الاتصال بالاستاذ عرفات عبد الله ، و فى رد خاص من ادوارد لنور ارسله عن طريق صديقه و صفيه عبد الله عشرى ابان انه ابتعد من التدريس بكلية غردون لاسباب تتعلق بمعاملة عنصرية من مستر ويليامز مدير الكلية، و ابان له انه وجد وظيفة فى ادارة العلاقات العامة للحكومة
حاثا نور الاستمرار بمراسلة الصحف المصرية.

--5---
و لاظهار بعد اخر من شخصية نور، اصطحبنا الراوى الى علاقة جميله بين نور والحسناء ريم رزق المسيحية اللبنانية، و من خلال الحوار الانيق بينهما ابان نور ان التعليم فى السودان ما زال ضعيفا و السلطات الاجنبية يهمها فقط ان تخرج من مدارسها موظفيين يسيرون لها دولاب العمل لمصلحتها.مع حظر مدبر للتعليم فى مصر توجسا من الحركة الوطنية فى البلدين.، و من خلال هذا اللقاء اتضح ان نورا له المام ووله بالموسيقى العالمية لموزار و باخ و بيتهوفن و لا غرابة فى ذلك لان بالسودان شعب عاشق للغناء والموسيقى. و من خلال هذا الباب خفيف الظل اتضح ان جل اهتمام نور كان منصبا فى التزود بالعلم و لم تتح له فرصة ان يعين معيدا بالكلية فى بيروت لانه اجنبى، و كما تحدث مع نديمه و صديق عمره عشرى اتجه لمصر.

----6----
بقاء نور فى مصر و علاقته بالعقاد اتسمت باهتمامانه الادبية الثقافية ناقدا جماعة ابوللو و الشاعر شوقى و المازنى و سلامة موسى و أخرين بموازين نقد علمى ممنهج..و اصبح عنصرا فاعلا فى تحرير صحيفة الاجيبشن جازيت,, و من الواضح انه لم يجنح لاية جهة سياسية ناذرا نفسه لعمليات استنارة ثقافية اسوة بمثله الاعلى برنارد شو. و حين ضاقت الحياة لمبدعنا وصله من استاذه ادوارد مايفيد بأنه اظهر لمستر بيتى رئيس القلم( المخابرات ) ان معاوية محمد نور جل اهتمامه الثقافة.. والنقد الذى ابداه منتقدا اتجاه السلطات الكولونالية الاستعانة بالادار ة الاهلية نابع من اهتمامه بالطبقة المثقفة التى لن تجد فرصة فى ادارة اليلاد، و جاءت هذه المقدمات توطئة لعودة متوقعة لنور للسودان، و عقب هذه المقدمات عاد نور للسودان لتعرض له و ظيفة فى وزارة المالية ، و بطبيعة الحال لم تكن الوظيفة مناسية و مؤهلاته، و يايعاز من ادوارد رشح ليكون معلما، و كان محبطا له مقابلة مستر وينر مدير التعليم الذى رفض تعيينه مبديا تصريحه الصاعق:- He is not the type, too clever

---7---
بعد ان ايعد ادوارد سليم عطية من الندريس يكلية غردون التذكارية ، و بتوصية من خاله صموئيل عين مسؤؤلا فى قلم المخابرات ، و انشغل باعماله الادارية ، بينما عين نور فى وظيفة حكومية لم ترض طموحه فركلها، و ذات يوم ذهب عشرى لادوارد ليخطره ان نور ساءت صحته و اصبح مضطربا نفسيا... و حين ذهب ادوارد لزيارته قابله اديبنا الراحل بقوله:-- هل ارسلك الجاسوس الكبير مستر بيتى لتجسس على يا خواجه !!!!!.." كلكم جواسيس!!!! و كتب بفحم على الجدران - هنا قبر المرحوم معاوية.

---8---
رحل الاديب الاريب معاوية محمد نور الذى كرس جهده على القراءة و الاطلاع على امهات الكتب من برلاند شو و باسيل زولا و تولستوى و دسستوفيسكى و همينغواى و تشكوف و شكسبير و هيكل و العقاد و طه حسين و كتب المقالات التى تراوحت مابين :- ركود الادب المعاصر -الذوق الادبى -فنون الادب القصصى- الادب القومى-معنى الثقافة -- الادب الرفيع-- العلم والاخلاق--فلسفة الاسلوب 0 كيف تقرأ-- كيف تفكر..و كتب عشران الفصص القصيرة منها قصة -ايمان-- التى نشرت فى السياسة الاسبوعية... ويقال بانها كانت نبوءة عن مصيره فهو يقول على لسان جلال افندى: ان حياة الموظف عندنا هى حياة سخيفة ما اشبههم بالالات الميكانيكية تؤدى واجبها الالى ثم يعلوها الصدأ و تتحطم، كما ان كثير من الموظفين يقلدون رؤساءهم فى نبرات اصواتهم يرددون كلمات انجليزية مثل:- absolutly-extraordinary-tremendous!!... الى ان يأتى شاب يشككه فى قناعاته... قائلا له ان العالم كله رياء و كذب و تدجيل و مات شاكا فى كل شىء بعد ان كان مؤمنا بكل شىء . و ما يدهش ان هذا العبقرى الذى سبر غور الاداب العالمية اصبح ناقما على مجتمع لم يقدر اسهامانه
لا شك ان رواية جمال محمد ابراهيم كانت و ستظل محفورة فى وجدان كل انسان مهموم بقضايا الوطن لانها تناولت سيرة معاوية محمد نور كرائد من رواد الاستنارة، و فى رايى
ان ادوارد عطية قد اعجب فى بادىء الامر بعبقرية تلميذه و سعى لمساعدته ، و لكن بعد انخراطة فى سلك المخابرلت غلبت عليه المصلحة الذاتية و هذا الاستقراء يبرره ما قاله نور حين جاء لزيارنه بعد غياب طويل:_ اذهب انت جاسوس ارسلك الجاسوس الكبيررئيسك .. يا خواجة!!!-- و من المعلوم ان المضطربين ذهنيا يقولون ما يحسون به دون رتوش .
خلال امسية تدشين هذه الرواية الرائعة كنت قد تساءلت لماذا لم يستعن نور بمساهمات النادى السودانى وعلى راسه رئيس النادى رجل البر والاحسان على البرير و لاسيما ونور قد تعرض لمحنة مالية ، و لكن بعد مراجعات انضح لى ان مغادرة نور القاهرة كانت فبل وصول على البرير... و لكن يظل السؤال قائما ما دامت اسرته كانت ميسورة الحال ماديا.. لماذا لم تساهم فى حل ضائقته .. واين دور خاله و اخوته و هو بعانى المرض و لماذا سعوا لمشعوذ لعلاجه و هى الاسرة الواعية... و بالتأكيد الرواية ليست معنية بهذه الاستفسارات و لكنها حفزت الكثيرين لاستكناء الحقائق عن معاوية محمد نور
و كنت قد علقت امسية التدشين على عنوان الرواية--- تداعى " الكهرمان " .. فالكهرمان كلمة فارسية و يمكن ان تترجم عربيا بالعنبر الاشهب... و بالانجليزية :-. و ...---,..amberوليست من الاحجار الكريمة...فاذا جاءت الترجمة تداعى العنبر الاشهب لن يعطى البعد الذى اخاله... لفقيدنا الغالى ... و هب
ان تمت الترجمة الحرفية للعنوان يالانجليزية ستكون: The fall of the amber or the decline of an amber will look also odd
ولكن جمال قد اقنعنى بانه استعار العنوان من الفنان الراحل حسين شريف فى حديثه عن سواكن التى انهارت بعد ان كانت ملء العين.. و مابين رؤية فنان فى قامة حسبن و قناعة الزميل جمال برؤيته الروائية الثاقبة وجدت فى العنوان بريقا جاذبا.

 


salahmsai@hotmail.com
//////////////

 

آراء