خواطر فى زمن “الطير الخدارى ” (3)

 


 

عدنان زاهر
22 July, 2022

 

اغتيال " ماكس " !

الراوي
كان مستهدفا و متفقا عليه من قبل الجميع، العسس،اللصوص الذين يتسورون المنازل خلسة وكذلك الذين يقتحمون المنازل عنوة فى وضح النهار،نساء آخر الليل، الراجلين التائهين فى شوارع المدينة الكبيرة ،الشماسة ، الشحاذين و الباعة المتجولين....كان الأتفاق صامتا غير مكتوب، كما لم يناقش فى جلسة عمل.
العسس
العسس ذوى الملابس العسكرية المموهة مختلفة الألوان و الأحذية الغليظة، المتجولين فى شوارع الأحياء و الأزقة..... يطلقون الرصاص من أسلحتهم المحرمة دوليا، على الشباب اليافعين، ثم يهربون متوارين فى الظلام، و خائفين حتى من ظلالهم.

اللصوص
اللصوص الذين يأتون فى ساعات الصباح الباكر عندما يخيم النوم الثقيل على الأشخاص، المتسورين حوائط المنازل المحمية بالاسلاك الشائكة كمعسكرات الهلوكوست النازية، أو تلك الفواصل السلكية بين الجيوش المتحاربة.

نساء آخر الليل
يأتين فى منتصف الليل.....يخترن الشوارع الهادئة فى الأحياء و تلك المنازل التى يهجع ساكنيها مبكرا،يترجلون أمامها ذاكرين للسائق المستعجل و المضطرب أن ذلك منزلهم و عليه التوارى سريعا،بعد اختفائه يهرولون الى منازلهم الحقيقية.

الراجلون فى شوارع المدينة
دفعت بهم الظروف الصعبة الى الحضور الى المدن الزاهية فى مخيلتهم كطوق نجاة من الظروف الكئيبة التى يعيشونها هنالك فى البعيد،عند اصطدامهم بحقيقة المدن الزائفة، حينها لم يتبقى امامهم غيرالتجوال فى الطرقات مثل الكلاب الضالة، طمعا فى لقمة عيش أو مكان آمن للمبيت.

الشماسة و الباعة المتجولين
الشماسة صار وجودهم المكثف فى المدن لا يثير اهتمام أحد و لا يدعو للدهشة !... " يسرحون " فى الصباح كقطيع من الماعز طمعا فى أى شئ يمكن أكله، كان واحد من خيارتهم السطو على طعام " ماكس " المتواضع ، الذى يمثل لهم وجبة مطعم تحمل لافتته شعار الخمس نجوم

الشحاذون
الظروف الكالحة دفعت بالكثيرين لطلب المساعدة و اراقة ماء الوجه، أنعدمت لديهم الخيارت و أنسدت أمام وجوهم كل الطرق، مع أنعدام أى فرصة للعمل و بأى مهنة.... لم يتبقى غير مذلة السؤال !!

الباعة المتجولون
يدفعون أمامهم " الدرداقات " و هو المصطلح الجديد لعربة صغيرة ذو عجل واحد كانت تستخدم فى السابق لنقل مواد البناء مثل المونة والطوب، و اصبحت اليوم تستخدم لنقل البضائع و الفواكه و كل ما يمكن أن يباع. يخترقون بها أزقة الأحياء الضيقة منادين عن بضاعتهم بصوت منغم لجلب أهتمام الزبائن لتصريف بضاعتهم، و توفير بضع جنيهات لأطعام الأفواه الجائعة المترقبة فى منازل أطراف المدن.

أقوال ماكس
كنت ألاعب الأطفال بالركض من خلفهم و مطاردتهم برفق، عندما أتى صاحب المنزل متحفزا و هو يحمل عصا فى يده،أمر الأطفال فى غلظة بالذهاب الى غرفهم. فتح باب المنزل ثم طردنى ملوحا بعصاه كان الطعام قد شح فى المنزل ،....... لم أغضب عليه و لن أسامحه .
خرجت مشردا الى الطرقات المليئة بكل أنواع المخلوقات....البشر الحيوانات،الكلاب الشرسة الضالة،القطط الهرمة و الجرذان الجائعة. همت على وجهى فى الشوارع جائعا و مطاردا من الكل، و أنا الذى تعلمت رفاهية العيش .......استرجعت أبياتا من قصيدة أمل دنقل " الطيور " يقول فيها :
و الطيور التى أقعدتها مخالطة
الناس
سرت طمأنينة العيش فوق
مناسرها
فانتخت،
و باعينها...فأرتخت،
و أرتضت أن تقاقئ حول
الطعام المتاح
ما الذى يتبقى لها...غير سكينة
الذبح
غير انتظار النهاية.
بلغ بى التعب منتهاه....شاهدت منزل موارب الباب...اتجهت اليه وتمددت امامه ....متوقعا النهاية الوشيكة القادمة فى أى لحظة.شاهدنى صاحب المنزل من الداخل ...أتى نحوى و اعطانى جرعة ماء و قليل من الطعام.داوم على ذلك عدة أيام حتى تعافيت، و صرت جزءا من العائلة.أصبحت أقوم بحراسة الأسرة و المنزل بقوة و شراسة – اندهشت لها – و كما تفعل أعظم الكلاب المدربة، حتى أشتهرت و هابنى كل من فى المدينة.

الراوي
كنت أجلس فى حوش المنزل أراقب المارة من خلف الباب " المتاكه "،شاهدت كلب ضحم الجثة لكنه رشيق القوام جميل المنظر.... يستلقى أمام المنزل منهكا.ذهبت الى مكانه أعطيته ماء و قليل من الطعام أعاد اليه بعض من الحياة. بعد فترة من الزمن و أنا أقوم باطعامه يوميا صار جزءا من أفراد الاسرة الصغيرة و أطلق عليه أسم " ماكس ".
أقول جازما و أنا الذى اعتدت على تربية الكلاب منذ أن كنت طفلا....أننى لم أشاهد كلبا يشابه " ماكس " فى قوته....شراسته ....اخلاصه وحبه للأسرة.أصبح ناس الحى يتندرون قائلين....اننا قد أصبحنا نهجع الليل دون اغلاق باب المنزل !!!

الراوى مرة أخرى!
أصبحت مبكرا ذلك اليوم و كعادتى خرجت من المنزل متفقدا " ماكس "، لأنى لم أسمع نباحا له طوال ساعات الصباح الأخيرة. وجدته بقرب حائط المنزل مشجوج الرأس و يلفظ فى أنفاسه الأخيرة. أصبحت يداهمنى التفكير بين وقت و آخر........من قتل ماكس ؟!!
اللصوص الذين يزاحمون الناس فى الطرقات
الشماسة الذين يأكلون طعامه هربا من الموت و تمسكا بالحياة
أم
العسس غلاظ القلب ذوى الأحذية الثقيلة الذىن اعتادوا قتل الشباب اليافعين فى الشوارع ؟!!

عدنان زاهر
يوليو 2022

elsadati2008@gmail.com
///////////////////////

 

آراء