خيارات السودان (الصفرية)

 


 

 


في المنعطفات الخطرة يكثر الحديث عن الخيار (صفر) او (الخيار الصفري). يعني هذا الخيار في ما يعنيه انسداد أفق الحلول مما يقلل الخيارات ويجعلها محصورة في نطاق وحيد ضيق هو "الخيار الصفر". يبدو هذا الخيار أحيانا مستحيلا مما يدعو لتفسيره (بالموت وقوفا) او (إن لم يكن من الموت بدا فمن العار أن تموت جبانا). يذهب البعض أيضا في تفسير هذا الخيار بأنه (لحس الكوع) او في حالات أخري (علي وعلي أعدائي). تم تداول هذا الخيار بشكل مستمر عند تناول الحالة السودانية وكثرة المآزق التي تمر بها. علي سبيل المثال تم تناوله  فيما يختص بمواجهة مشكلة محكمة الجنايات الدولية ومرة أخري عند طرح إستراتيجية إدارة اوباما حول السودان في العام 2009م.
إذا تجاوزنا موضوع الجنائية بتعقيداته المختلفة فان إستراتيجية اوباما تعتبر مثالا جيدا للوضع السوداني وتدل تلك الإستراتيجية علي أن السودان في عمق التخطيط الدولي وان ملفاته مفتوحة، وهو ما يدفع به بقوة نحو الخيارات الصفرية. للتذكير نشير إلي اشتمال تلك الإستراتيجية الشهيرة علي بنود سرية لم يتم الإفصاح عنها وقد أشارت وزيرة الخارجية الأمريكية الي هذا بوضوح لا غموض فيه كذلك فعل بيان من وزارة الخارجية الأمريكية بعنوان "السودان لحظة حرجة ونهج شامل"، وشمولية النهج هنا تعني الكثير.
في ظل الإستراتيجية أعلاه ذات النهج الشامل استمر السودان يسجل حضورا مستمرا في ملفات سياسات الدول ألكبري مما جره بشكل متكرر الي داخل أروقة مجلس الأمن المتشابكة. اخر ما جري هو صدور بيان من مجلس الأمن يوم الجمعة 3 يونيو 2011م. طالب البيان الذي تلاه رئيس مجلس الأمن الإفريقي ( ممثل دولة الغابون نيلسون ميسون) ومن غرائب الصدف ان اخطر القرارات حول السودان تتزامن مع رئاسة افريقية او (ثالثعالمية) لمجلس الأمن الدولي. طالب القرار السودان بالانسحاب (الفوري) من ابيي، باعتبار ان وجود الجيش السوداني هناك يشكل تهديدا خطيرا لاتفاقيات السلام الشامل. مما يسترعي الانتباه أيضا ان القرار تزامن تقريبا مع زيارة مساعد الرئيس الأمريكي للأمن القومي ومكافحة الإرهاب جون بيرنان الي السودان. في بيان للبيت الأبيض فان المسئول الأمريكي سيناقش خلال الزيارة "مراجعة إدراج السودان علي قائمة الدول الراعية للإرهاب وأهمية التعاون في مجال مكافحة الإرهاب ضد تنظيم القاعدة والجماعات المتفرعة منها" ،" معربا (البيان) عن قلق الرئيس أوباما العميق إزاء استمرار تواجد القوات السودانية في منطقة أبيي ومطالبا بسرعة التوصل الى حل سلمي للأزمة وكافة القضايا العالقة في اتفاق السلام الشامل.."،  kuna.net.kw، 1 يونيو، 2011م.
إذن من ضمن الخيارات الصفرية الكثيرة التي تواجه السودان نجد، رفع اسم البلاد عن قائمة الدول الراعية للإرهاب، إلغاء العقوبات الاقتصادية الأمريكية علي شمال السودان باعتبارها ذات اثر سلبي بالغ علي الاقتصاد بعد الانفصال، تجميد قرار الجنائية الدولية وإلغاء الديون، بعد ان تم الاتفاق مبدئيا علي ان يتحملها شمال السودان، مع العمل علي إقناع الدائنين والمجتمع الدولي بإعفائها والانطلاق من الخيار (صفر). الوصول الي نتائج ايجابية حول تلك الملفات يحتاج الي كثير من الجهد والتضحيات والذهاب الي "قرارات صعبة جدا". بالمقابل فان عدم التوصل الي نتائج ايجابية سيشكل خطرا كبيرا علي أداء الاقتصاد السوداني مع كل ما سيترتب علي ذلك من مآسي. في حالة الفشل في الوصول الي اتفاق حول الملفات العالقة بين شريكي نيفاشا (السابقين)، فان الوصول الي نمو في الناتج المحلي الإجمالي يساوي صفر، وتحقيق معدل تضخم صفري (قياسا علي مستوياته العالية الحالية)، وان يعادل الميزان التجاري النقطة صفر، ستكون تلك الاصفار نتائج ايجابية مذهلة اذا تم تحقيقها. في هذه الحالة فقط ستكون الخيارات الصفرية موجبة لان الصفر سيكون رقما "من الصعب تجاوزه" في أداء الاقتصاد السوداني في فترة ما بعد الانفصال.

Dr.Hassan.
hassan bashier [hassanbashier141@hotmail.com]

 

آراء