دارفور … والتدخل الدولي الحميد

 


 

 



helhag@juno.com
د. حسين آدم الحاج
الولايات المتحدة الأمريكية
تمهيد:
صرَّح روجر وينتر، المدير المساعد للوكالة الأميركية للتنمية الدولية خلال جلسة مع احدى اللجان الفرعية في مجلس النواب إنعقد مؤخراً بواشنطن إنَّ دارفور تشهد "بالتأكيد" "أخطر أزمة إنسانية في أفريقيا وربما في العالم" (سودانيز أون لاين 14/3/2004م), ولم يمض أيام قليلة على تصريحه إلاَّ وزاد عليه منسق الأمم المتحدة للعمليات الإنسانية في السودان موكايش كابيلا الذى أعلن أن النزاع الدائر في ولايات دارفور غربي السودان يشكل اليوم أكبر كارثة عالمية على الصعيد الإنساني وحقوق الإنسان, وأضاف بأن هذا النزاع الذي إندلع في شهر فبرايرمن العام الماضي أسفر عن سقوط أكثر من 10 آلاف قتيل وأكثر من مليون منكوب, وإنَّ ما يقع في المنطقة يعيد إلى الأذهان عمليات الإبادة الجماعية التي شهدتها رواندا، مشيرا إلى أنَّ الفرق بين رواندا ودارفور هو عدد من ماتوا وقتلوا وعذبوا وتعرضوا للإغتصاب (الجزيرة نت 19/3/2004م), ولم يجف مداد هذه التصريحات القوية إلاَّ وأضافت منظمة العفو الدولية إليها ما يعضد من مصداقيتها حيث قالت فى بيان لها "إنَّ حكومة السودان لم تحقق أي تقدم لضمان حماية المدنيين المحاصرين في منطقة الصراع في دارفور, وأنَّ رجالا ونساء وأطفالا يقتلون وقرى تحرق وتنهب لأنَّ الحكومة المركزية تسمح لميليشيات موالية لها بمواصلة ما يرقى إلى إستراتيجية للتشريد الإجباري من خلال تدمير المنازل وموارد الرزق للسكان المزارعين بالمنطقة, ومن بين المشردين هناك أكثر من 100 ألف لاجئ فروا إلى تشاد, وتجادل الحكومة في عدد هؤلاء المشردين" (الشرق الأوسط 19/3/2004م).
من ناحية أخرى جاءت فى الأخبار موافقة الحكومة السودانية وللمرة الأولى على طلب أميركي لإرسال فريق تحقيق دولي إلى دارفور, وقد ورد أنَّه قد وصل الخرطوم بالفعل فريق عسكري متعدد الجنسية بقياده ضابط أميركي من مدينة رمبيك في جنوب البلاد في طريقه إلى ولايات دارفور, ويعمل هذا الفريق أصلاً في مراقبة تنفيذ إتفاق حماية المدنيين في جنوب البلاد الذي وقعته الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان, وينتظر أن يجري الفريق تحقيقاً في إتهامات ضد الحكومة بقصف القرى والبلدات وتدمير آبار المياه مما أوقع عشرات القتلى فى دارفور (الحياة اللندنية 18/3/2004م). هذه الأخبار وغيرها من التى تعكس طبيعة المأساة الماثلة أمامنا فى دارفور تعنى ببساطة تهيؤ المجتمع الدولى للتدخل الصريح فى مشكلة دارفور بالرغم من أنَّ الحكومة نفسها قد دولتها باكراً من خلال سعيها المتلهف لتجيير تشاد وليبيا ومصر وفرنسا لجانبها فى مواجهة الأزمة المتفاقمة هناك, ولذلك فنحن نشكرها إن وسعَّت ذلك البساط ليشمل اللاعبين الكبار فى السياسة الدولية (أهل الأيدى القوية) وسماحها لهم, وهى كارهة أو مكرهة, لتدخلهم, وهو تدخل حميد على أية حال, كيف لا وما إن يبدأ هؤلاء الأجانب وأصحاب القبعات الزرقاء فى وضع أقدامهم فى أى منطقة نزاع وخراب فى العالم إلاَّ وتسكت المدافع وتصفو السماء من أزيز الطائرات وتختفى مليشيات الموت مثل الجرذان وتتحول نظرة المواطنين البؤساء تجاه الحياة إلى أمل وتفاؤل. إنَّ أكثر المناطق أمناً اليوم فى بلادنا هو جنوب السودان وجبال النوبة والأنقسنا والسبب بسيط هو وجود هذا الأجنبى وتدخله الحميد, وهى مهمَّة كان أولى بها جيشنا الوطنى الذى من المفترض أن "يحمل العبء ويحمى أرضنا", لكن يبدو أنَّ هذا الجيش لم يعرف ذلك ولم يضمنه بعد فى فلسفته وفكره الإستراتيجى, والنتيجة أنَّه ومنذ إستقلال البلاد لم يجد هذا الجيش عدواً واحداً يحاربه ويتفنن فى إيذائه غير ذات الشعب الذى يقع على أكتافه بالدرجة الأولى حمايته والذود عن حياضه, وعندما لا يجد فرصة لذلك ينقلب على نفسه فى تصفيات دموية رهيبة متمثلة فى الكوارث الإنقلابية المتعددة منذ فجر الإستقلال والتى راح ضحيتها خلق كثير وفُقدت أرواح عزيزة.
الحقيقة إنَّ المشكلة أعمق من مجرد بعثة تحقيق دولية بقيادة جنرال أمريكى تقوم بتنفيذ تعليمات محددة فى إطار زمنى معلوم بل إنَّها تطعن مباشرة فى صلب كفاءة النخب التى حكمت وما زالت تحكم البلاد منذ فجر الإستقلال وفشلها فى إدارة الدولة وصيانة وحدتها والدفاع عن عزتها وكرامتها, ويبدو أنَّ هذه النخب لم تدرك بعد أنَّ خلق دولة معافاة من العلل والعيوب لا يتحقق دون تعزيز أسس المواطنة السويَّة من خلال بناء قوى ومتين للجبهة الداخلية وإحترام الشعب وخصائصه وتربيته وتنظيمه عبر آليات تهدف بالأساس إلى تعميق ولاءه للوطن وتجرده له أثناء الخطب والملمَّات, لكن ما يحدث اليوم هو عكس ذلك تماماً فبينما ينتشر التذمر والسخط إنتشار النار فى الهشيم فى كل ركن من بقاع الوطن نجد آخرين من أهل النظام نفسه يضربون على الدف ويزيدون الأوضاع ضغثاً على إبالة ويدعون نهاراً جهاراً لإنفصال البلاد ومن خلال أجهزة إعلام الدولة الرسمية وعلى مرأى ومشهد من العالم وكأنَّ السودان قد تحول إلى ضيعة فى سوق مضاربات الأراضى وأسواق النخاسة, إذن كيف لا يرحب المغلوبون على أمرهم والقابعون فى قاع المجتمع بأى عون يأتيهم من رب السماء, وهو أدرى بحالهم, ولذلك فإنَّ الغريب الأجنبى ما عاد غريباً بعد اليوم فمرحباً به وسهلاً إن كان وجوده سينقذ أرواح أناس كثيرين من السحل والإبادة ويرفع عنهم لؤم من إنتهكوا حرمة حياتهم وإستحلوها من أجل تحقيق أهداف أبعد ما تكون فى صالح الوطن.

أزمة دارفور والمرحلة القادمة:
ما يهمنا فى هذا المقال هو تقديم بعض الرؤى والإقتراحات كمساهمة حول ما يجب أن يتحلى به الوفد المفاوض نيابة عن أهل دارفور فى مرحلة المفاوضات القادمة مع الحكومة السودانية لإيجاد مخرج لوقف نزيف الدم السائل بالمنطقة, وتدل كل مؤشرات الأحداث فى دوائر الدول والمنظمات الكبرى إلى إنتقال الملف بصورة مطردة نحو إنعقاد مؤتمر تفاوضى بين الحكومة السودانية وعناصر الحركة المسلَّحة وإنهاء هذه القضية بحلول سلمية, وفى هذا الخصوص فقد أوردت صحيفة الأيام خبراً عن بدء مشاورات أمريكية فرنسية للقيام بجهد مشترك مع كل الأطراف للوصول إلى تسوية للأزمة من خلال عقد مؤتمر شامل في العاصمة التشادية إنجمينا أوائل شهر أبريل المقبل لإعادة تفعيل إتفاقية أبَّشى (الأيام 18/3/2004م), لكنَّ معلومات أخرى تضاربت حول ذلك وذكرت أنَّ ترتيبات هذا المؤتمر قد يكون في الأسبوع الأخير من شهر أبريل، وأنَّ واشنطن وباريس تقترحان بلجيكا أو تشاد مكاناً لعقده (الصحافة 20/3/2004م), ومهما يكن من أمر ذلك إلاَّ أنَّه لا يبدو أن الأطراف المعنية معترضة عليه إذ حصلت الفكرة على موافقة مبدئية من حركة تحرير السودان وحركة العدل والمساواة, اللتان تقاتلان القوات الحكومية فى دارفور, على حضور المؤتمر وبالفعل فقد أرسلوا مناديبهم إلى باريس لبحث التفاصيل, كما لا يبدو أن للحكومة خيار آخر لإتخاذ موقف مغاير بالرغم من رفضهم المعلن حتى وقت قريب لأية وساطة أجنبية أو تدخل دولى فى قضية دارفور, ولذلك فقد إستبق وزير الخارجية السودانى إعلان موافقة الحكومة بزيارة عاجلة لإنجمينا للتشاور مع الرئيس التشادى إدريس دبى والتباحث معه عن الدور الذي يمكن ان يلعبه في معالجة الأوضاع في دارفور, لكنه فى نفس الوقت إتهم في تصريحات صحفية جهات لم يسمها، وصفها بالمغرضة، بأنها تسعي لتدويل قضية دارفور! (الصحافة 18/3/2004م), ولا ندرى عمَّاذا يتحدث هذا الوزير وقد تدولت القضية قبل صياح الديك, وقد أورت صحيفة الأيام فى خبرها المعلن أعلاه أنَّ تفاصيل المشروع الأمريكى الفرنسى يقوم على أساس تفعيل إتفاقية أبَّشى السابقة بشقيها الإجرائى والسياسى، الشق الإجرائى يركز على وقف إطلاق النار ونزع سلاح المليشيات وعودة اللاجئين وفتح المنطقة لوصول المساعدة الإنسانية, والشق السياسى يتعلق بملاحق الإتفاقية الخاصة بالتحول الديمقراطى والمشاركة والثروة والسلطة.
لقد سبق لنا عبر عدد من المقالات السابقة أن أوردنا بعض الآراء التى رأيناها ذات إمكانية فى المساهمة لحل قضية دارفور, وفى هذا السياق فقد أسعدتنى تأكيدات وصلتنى من بعض أبناء دارفور من الذين أبدوا نيتهم للمشاركة فى المؤتمر الذى تخطط له الحكومة تبنيهم لمقترحاتى الأخيرة بضرورة تأجيل هذا المؤتمر القومى إلى موعد جديد يتم عقده بعد الوصول إلى إتفاق سلام كامل بين الحركة المسلحة والحكومة, وبالرغم من أننا لا نرجم بالغيب إلاَّ أنَّ ما أوردناه فى ذلك المقترح يمثل المنطق الطبيعى لسير الأحداث ومحاولة التعامل معها للبحث عن حل ممكن يلبى رغبة كل أطراف النزاع فى ظل الأوضاع القائمة, ونسبة لغياب أى بصيرة نحو ذلك فالشيئ الطبيعى الذى يمكن أن يحدث هو أن تتعقد الأمور وتمضى نحو الأسوأ وكنتيجة حتمية رأينا إنفرط سامر الحكومة مع الأحزاب القومية وتضارب رؤاهم إذ لم يكن يجمعهم سوى أهداف خاصة متنافرة لا ترقى لأهمية الموضوع وحجم الكارثة. ولفائدة القراء نورد هنا مرة أخرى ذلك المقترح التوفيقى ذات المراحل الثلاثة كمدخل لحل قضية دارفور حيث قلنا فيه:
أولاً: ترتيب مفاوضات مباشرة للسلام بين الحكومة وفصائل الحركة المسلحة برعاية دولية تكون مقبولة من الطرفين, ويمكن أن تكون الحركة الشعبية لتحرير السودان ممثلاً فيها بحسب وضعها كشريكة فى الحكم أثناء الفترة الإنتقالية بجانب الولايات المتحدة الأمريكية بوصفها راعية لتطبيق إتفاقية السلام فى السودان على الأقل خلال الفترة الإنتقالية المتمثلة فى الست سنوات, وكذلك الأمم المتحدة بوصفها المعنية بالجوانب الإنسانية وإعادة تأهيل الحياة بدارفور, وأن تتم فى دولة محايدة مثل كينيا أو جنيف مثلاً, وتتصدى هذه المفاوضات لكل الملفات والملاحق وكافة القضايا المتعلقة بصلب النزاع وتحديد الضمانات الكافية لتنفيذ ما سيتم الإتفاق عليه على أن تنتهى بتوقيع إتفاق سلام نهائى.
ثانياً: أن يسبق بدء هذه المفاوضات هدنة لوقف إطلاق النار يتمكن خلالها كل طرف من ترتيب أوراقه وملفاته, وأن يُترك للحركات المسلحة الخيار فى أن تأتى بوفد موحَّد يمكن أن يضموا إليه آخرين من أبناء الإقليم من غير المنضوين تحت ألويتها كما يشاءون, وقد يشمل ذلك السياسيين والمثقفين وغيرهم من كوادر وأبناء الإقليم.
ثالثاً: فى غضون فترة تلك المفاوضات المباشرة يتم الترتيب بصورة هادئة لعقد مؤتمر قومى جامع تُرفع إليه نتائج تلك المفاوضات الموقعة بين الحكومة وفصائل الحركة المسلَّحة بدارفور لإعتمادها بصورة قومية حتى لا يقفز عليها أو يتجاوزها أى أحد مستقبلاً, ذلك بجانب مناقشة هذا المؤتمر القومى لتصورات وبرامج دعم التعايش السلمى ورتق الخروق القبلية بإقليم دارفور.
ما الفرق إذاً بين رؤيتنا تلك والمقترحات الأمريكية الفرنسية المعروضة لحل القضية والتى تكاد تتطابق مع بعضها البعض؟ إنَّ أى حل يتخطى حاملى السلاح والغيورين على القضية من أبناء دارفور سوف لن يكتب له النجاح ولعلَّ هذا سر ما تعانيه لجنة عزالدين السيد والشكوك التى تدور حول كفاءتها لتحقيق أى شيئ, لكن الشيئ المؤكد هو أنَّ الحكومة قد أرادتها كذلك فصارت كالمنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى.

مرحلة التفاوض:
بعد أن تأكد حتمية قيام مفاوضات مباشرة بين الحركة المسلَّحة فى دارفور والحكومة السودانية برعاية دولية يجب على الحركة أن ترتب أمرها جيداً فى إطار فهم فلسفى متكامل لطبيعة المرحلة المقبلة فى دارفور يستند فى المقام الأول على هدف تحقيق وحدة أبناء الإقليم لمقابلة متطلبات تلك المرحلة وتمكينهم من التعامل مع التحديات الماثلة بكفاءة لإعادة بناء الإقليم وإنسانه بطرق حديثة وتنميتة بصورة شاملة بعد أن تخلفت عن ذلك بفعل سياسات أنظمة الحكم المتهالكة. إنَّ هذا الإطار الفلسفى يجب أن يستصحب الحقائق التالية:
(1) تنمية إقليم دارفور وتطوير أهله تظلان رهناً بوحدة أبناء الإقليم وسواعدهم وأفكارهم وليس فى ذلك من مناص طالما أنَّ الحكم الذاتى فى إطار فدرالية موسَّعة سيكون عنوان الفترة القادمة فى حكم السودان.
(2) وحدة أهل دارفور تتمثل فى وحدة كل قبائلها, ولقد سبق أن أشرنا إلى حقيقة أنَّ مجتمع الإقليم يقوم على ساقين من الناحية العرقية: الجماعات ذات الأصول الأفريقية والجماعات ذات الأصول العربية, لكن فى المرحلة القادمة, وخاصة فيما يتعلق بمسألة هذه الوحدة, يجب تجاوز مثل هذه التصنيفات العنصرية البغيضة والتى ما نشأت إلاَّ خلال العقود الأخيرة نتيجة للخلافات المتفاقمة التى أشعلها ورعاها من لا يريدون خيراً لدارفور وأهله.
(3) إنَّ الخلافات والمرارات التى خلَّفتها هذه المآسى الماثلة أمامنا, والتى إرتقت حسب تصنيفات الأمم المتحدة وغيرها كأسوأ كارثة تحدث اليوم فى العالم, يجب ألاَّ تعطل التفكير الجاد فى إعادة لحمة أهل دارفور وتمكينهم من رتق الخروق القبلية وردم هذه الهوة العميقة التى ضربت فى قاع مجتمع أهل الإقليم, وهى ليست بالأمر الهين أو اليسير, لكن الشاهد فى الأمر أنَّه طالما أنَّ هنالك بعثة دولية بدأت فى تقصى بعض التجاوزات التى ألهبت المنطقة فإنَّ ذلك لا يمثل سوى قطرة من فيض وستكبر هذه البعثة وستتمدد وسوف تنبش كل قبر وحفرة, وستتجول فى أطراف كل قرية أَّحرقت, وستقف عند أطراف كل بئر عَّطلت لتتأكد مما حدث, ولماذا, ومن هم المتورطون؟ وعلى العموم تلك مسائل قانونية ستأخذ مجراها تحت إشراف الأسرة الدولية وبشفافية ونزاهة, وسيأخذ كل ذى حق حقه, وسيلقى كل متورط جزاءه, وسينال كل محروم تعويضه, لكن لا يجب أن تعطل تلك المسائل مجرى الجهود الإيجابية التى تسير معها جنباً لجنب لرسم خارطة طريق جديدة لمستقبل الإقليم.
(4) من أجل إعادة بناء وحدة أهل الإقليم, وكمدخل سليم لذلك يجب على الحركة أن تدخل المفاوضات تحت إسم "وفد دارفور" بدلاً عن "وفد الحركة المسلحة", يقيننا فى ذلك, إن هى فعلت, ستضع أول طوبة أساس وسترمى أقوى وأصلب حجر زاوية لبناء تلك الوحدة من خلال تمثيل أهل دارفور كحقيقة مجسدة فى صلب المفاوضات وبحيث لا يترك ذلك فرصة لباحثى الشقاق ومثيرى الفتن وخفافيش الظلام الذين لا يتورعون فى إيذاء بلدهم وأهليهم, وما أكثرهم.
(5) فى ظل ذلك ليس من الضرورى كم يكون عدد أعضاء "وفد دارفور" لكن من الضرورى جداً أن يكون التمثيل صادقاً يعكس تنوع أهل الإقليم وقبائلهم, وعندها يمكن أن ينقسم الوفد إلى مجموعتين: مجموعة مفاوضة وهم الذين يناقشون على طاولة المفاوضات داخل غرف الإجتماعات, ومجموعة إستشارية وهم الذين يظلون خارج الغرف لكن لا تستطيع المجموعة المفاوضة الموافقة النهائية على أى قرار ينتج من المفاضات دون الرجوع إلى المجموعة الإستشارية والتنسيق للموافقة النهائية.
(6) إختيار أعضاء "وفد دارفور" لمفاوضات السلام هو مسئولية الحركة المسلَّحة وحدها وليست للحكومة أو القوى الدولية المشرفة على المؤتمر دخل فيه, وعليه يجب على قيادات الحركة إستيعاب ذلك من ناحية, وضبط إيقاع المسار إلى المفاوضات بما يتناسب مع درجة إستعدادهم وترتيب أمرهم من ناحية أخرى, فهم ليسو مضغوطين من أحد وليس لديهم ما يخسرونه أو يعطونه, لكن سيبقى من حقهم الرفض أو القبول بما سيتنازل عنه الطرف الآخر فهم فى النهاية سيتفاوضون نيابة عن شعب دارفور وليس عن أنفسهم.
هذه النقاط ربما تمثل سياجاً فكرياً مبدئياً يبنى عليه الوفد المفاوض إستراتيجية التفاوض, وهى مسألة تحتاج لجهود أخرى موازية يجب أن تهتم بها الحركة المسلَّحة بصورة عاجلة وتدرسها بعناية ولا تترك شاردة ولا واردة إلاَّ وقد إنتبهت لها, وبالرغم من إيماننا بإمكانية الوصول إلى إتفاق فى وقت وجيز, عكس ما يحدث الآن بنيفاشا, إلاَّ أنَّه ينبغى للوفد المفاوض الحذر والتبصر جيداً فى الطريق قبل إتخاذ الخطوة التالية مخافة الزلل و"مزلقانات" الحكومة, وعليه فيجدر بالحركة المسلَّحة التفكير فى النقاط أدناه كجزء من عملية الإستعداد:
(1) البدء فى مشاورات وإتصالات واسعة بغرض إختيار أعضاء "وفد دارفور" والتأكد من موافقتهم على حضور المفاوضات والتفرغ لها مهما طالت مدة التفاوض.
(2) عقد إجتماع تشاورى موسع لكل أعضاء الوفد وقادة الحركات المسلَّحة يتم فى دولة مناسبة لمراجعة ملفات الملاحق ووضع إستراتيجية التفاوض وتحديد السقوف التفاوضية والسقوف المنطقية وغيرها من المسائل ذات العلاقة.
(3) مطالبة الوسطاء بتمويل كل هذه الأنشطة من الإقامة إلى تذاكر السفر والبرامج الأخرى المرتبطة بالإستعداد للتفاوض.
(4) الإستعانة بالوسطاء للحصول على معلومات أساسية تتعلق بموارد الإقليم من الثروات البترولية والمعدنية والحيوانية ونسب ذلك فى جملة الإنتاج القومى.
(5) عقد لقاءات تشاورية خاصة مع الوفد المفاوض للحركة الشعبية لتحرير السودان للإستفادة من منهجهم التفاوضى وتبادل الخبرات والآراء.

ملفات التفاوض:
تأسيساً على ذلك يمكن ل"وفد دارفور", ممثلة فيه الحركة المسلَّحة, تحديد ملفات التفاوض وإعداد دراسات وافية حولها وتحديد السقوفات التفاوضية والمطلوبة لكل منها, ولقد إستعرضنا فى مقال سابق قبل مفاوضات إنجمينا فى منتصف شهر ديسمبر من العام الماضى بين وفد حركة تحرير السودان والحكومة السودانية, والتى إنهارت بسبب إنسحاب وفد الحكومة منها, عدداً من الملفات التى إعتقدنا بضرورتها, وقد علمنا لاحقاً أنَّ وفد الحركة قد إستفادت منها كثيراً وتبنتها فى مؤتمر قارسيلا التشاورى والذى إنعقد خصيصاً لمراجعة ملاحق تلك المفاوضات, وقد يكون من المناسب إيرادها فى هذا المقال بتنقيح جديد وإضافة مقترحات أكثر تفصيلاً لملاحق أساسية لم نشملها فى تلك الدراسة, والسبب هو أنَّ تلك المفاوضات كانت ستتم بين حركة تحرير السودان والحكومة السودانية أما الآن فالوضع يختلف بدخول لاعبون جدد لحلبة التفاوض ممثلة فى حركة العدل والمساواة بجانب الرعاية الدولية المكثفة والتى ستكون مماثلاً لوسطاء ماشاكوس من خلال الحضور الأمريكى الأوروبى الأفريقى, وتصميمهم على إنهاء التفاوض بالتزامن مع مفاوضات نيفاشا, ولذلك فإنَّ رؤيتنا هنا تتسع بإتساع حجم المفاوضات من ناحية وحجم دارفور الكبير من ناحية أخرى ووضع ذلك فى الحسبان فى منهج التفاوض وملاحق الحقوق.
لقد ذكرنا فى تلك المقترحات ضرورة فصل القضايا مثار التفاوض ما بين قضايا قومية تشمل كل السودان وقضايا محلية تخص إقليم دارفور, ولذلك لم نسترسل كثيراً فى مسألة القضايا القومية بحسبانها تخضع لعوامل ومؤثرات مختلفة مثل مقترحات المؤتمر الدستورى وكتابة دستور جديد دائم لحكم البلاد وطبيعة الحكم فى المرحلة التى ستعقب توقيع إتفاقية السلام النهائى إضافة إلى التدخل الدولى المتزايد فى رسم سياسات الدولة وغيرها, ومع ذلك فقد أوجزنا رأينا فى أنَّ القضايا القومية التى قد يطرحها الوفد المفاوض للحركة المسلحة قد تشتمل على الآتى دون تفصيل:
(1) نظام الحكم على مستوى رئاسة الجمهورية والأجهزة العليا, (2) الديمقراطية والتعددية, (3) الفدرالية ونظام الحكم بالولايات, (4) الدستور, (5) العلاقة بين الدين والدولة, (6) وحدة السودان وقضية تقرير المصير, (7) الهوية القومية وقضايا الثقافة, (8) توزيع الثروة القومية, (9) كيفية المشاركة فى السلطة المركزية, (10) حقوق الإنسان, (11) حقوق المرأة والطفل, (12) الجيش القومى.
و بالرغم من أنَّ ما قد يطرحه وفد الحركة من أفكار فى هذه المحاور القومية يبقى رهناً بالإجماع القومى العام ألاَّ أنَّه يظل واجباً عليها أن تفعل ذلك وأن تعد ملفات جيدة بشأنها بحسبانها تتحدث نيابة عن قواعدها, ونجاحها فى ذلك قد يساعد كثيراً فى بلورة مفاهيم عملية تساعد الجماعات المتفاوضة لاحقاً فى المؤتمر القومى الدستورى.
أما بالنسبة لقضايا دارفور ومطالبها فهى صلب المفاوضات ومحور التفاوض وستتمثل فيها دائرة الجدل وتأخذ جلَّ وقت النقاش وإلاَّ لما كانت هناك قضية بالأساس, وتبعاً لذلك ستكون الملفات ذات طبائع ومطالبات محددة حسب نوعية كل ملف, والتى يمكن تفصيلها, لا حصراً, فى الملفات التالية:

(1) ملف خصوصية دارفور:
هذا الملف أساسى ويجب أن يبادر وفد الحركة بعرضه إبتداءاً كونه يبنى الأرضية المناسبة لطرح قضايا دارفور, ويشكل سياجاً مناسباً لتوجيه التفاوض بطريقة تخدم فلسفة وفد الحركة للحصول على مطالب دارفور المشروعة, ومن المناسب أن يحتوى هذا الملف على النقاط التالية:
أ- كانت دارفور دولة مستقلة وضمت لدولة السودان قسراً دون إستشارة أهلها, ثم صارت جزءاً من دولة السودان المستقل دون إشراكها أو إستشارتها أو أخذ موافقتها حول ما يجب أن يكون عليه وضع الحكم فى البلاد.
ب- قضية دارفور, عبر العمل المسلح, قضية سياسية ولا بد لها على هذا الأساس أن يكون حلها سياسياً عبر الحوار, وهي ليست قضية نهب مسلح ولا قطع طرق.
ت- جوهر الحل الحقيقي لمشكلة دارفور تتمثل فى السلام العادل والتنمية المستدامة, والمشاركة المنصفة فى مواعين السلطة والثروة القومية, وهى مشاكل بالنسبة لدارفور قديمة متجددة، وعمرها من عمرإستقلال السودان.
ث- يجب أن تؤدى المفاوضات إلى تسوية تاريخية تحدد العلاقة العادلة والمتوازنة بين دارفور والدولة السودانية, وتضع حداً للصراع مع المركز, وتضمن التنمية المتوازنة المستدامة التي تضع حدا لظلم موروث ومستحدث, وتقيم الحكم على أساس العدل والمساواة.
ج- ضرورة إعتراف الحكومة بخطل سياساتها فى دارفور, مع ضرورة إعتذارها عن دورها فى الدمار الذى لحق بدارفور وأهلها وضلوعها فى تخريب التعايش السلمى بين القبائل من خلال تدمير هياكل الإدارة الاهلية, وإستقطاب بعض قادتها, وخلق صراعات فيما بينها, وتفتيت ديار القبائل الموجودة عبر التاريخ والذى إنعكس سلبا على الإستقرار الأمني، وتسليح بعض القبائل ومليشيات الجنجويد وإطلاقها لإرتكاب مآسى التصفية العرقية بشهادة المجتمع الدولى.

(2) ملف الطوارئ والحاجات المستعجلة:
هذا الملف يعنى بترتيب أوضاع النازحين والتصدى لمعالجة الأوضاع القاسية التى يعيشون فيها سواء كانوا داخل الإقليم أو خارجها, ونسبة لضخامة المجهودات المطلوبة فى هذا المجال وحساسيتها للعامل الزمنى فيجدر برمجتها إلى ثلاثة مراحل ممثلة فى الآتى:
مستوى البرامج العاجلة (من شهر إلى شهرين):
أ- إعادة النازحين إلى مناطقهم الأصلية التى نزحوا, أو أجبروا على النزوح, منها بأسرع فرصة ممكنة, ففى آخر الإحصائيات الرسمية يقدر عددهم بمليون نازح فى داخل الإقليم إضافة إلى 110 ألف لاجئ فى معسكرات اللجؤ بتشاد وأفريقيا الوسطى.
ب- وضع برامج عاجلة لتوفير المساعدات الانسانية الضرورية للذين تعرضت قراهم ومزارعهم وممتلكاتهم للحرق والتدمير.
ت- إنشاء صندوق قومى عاجل لتوفير مبالغ نقدية وهبات عينية للعائدين لمناطقهم لمساعدتهم فى إسترداد أنماط حياتهم العادية, هذا الصندوق يجب أن يتم تمويله من الخزينة المركزية مباشرة مع إستقطاب العون الدولي وإستنفار منظمات المجتمع المدني لدعمه.
ث- القضاء التام على مليشيات الجنجويت سواء بسيطرة الحكومة عليهم أو تصفيتهم عسكرياً مع محاولة إدماج التائبين منهم فى المجرى العام للمجتمع.

مستوى البرامج متوسطة المدى (خلال السنة الأولى):
أ- إعادة بناء المدارس وتأهيل المستشفيات وإقامة مشاريع المياه وتأمين الطرق وتنظيم الأسواق وتهيئة البنية التحتية لدعم التعايش السلمى.
ب- تنظيم مسارات القبائل الرحل وفتح ممرات أمنة لهم ولحيواناتهم ووضع التدابير الكفيلة بمنع الإحتكاكات والتعدى على حقوق الغير.
ت- العمل على بناء القدرات بكل مناطق دارفور وإنشاء آلية فنية مختصة بالتعاون مع برنامج وكالة التنمية الأمريكية التى إقترحت تطبيق مبادرة أبيى للتعايش السلمى فى دارفور.

مستوى البرامج طويلة المدى (سنة واحدة فأكثر):
أ- وضع إستراتيجية طويلى المدى لإعادة بناء النسيج الإجتماعي بدارفور بعد الحروب التي جعلت القبائل تقتتل فيما بينها.
ب- التخطيط للتنمية الشاملة بالإقليم, وإعادة تأهيل المشاريع التى عطلتها الحكومة, على أسس جديدة والعناية الخاصة بمشاريع الأمن الغذائى والمائى لأهل دارفور.
ت- وضع خرائط تنموية تشمل كل مناطق الإقليم مثل الخرائط السكانية, الزراعية, الرعوية, المائية, المعدنية, الصحية, التعليمية, البيئية, وغيرها, مع ضرورة المتابعة السنوية للتغيرات التى تحدث لهذه الخرائط.
ث- وضع خطة تنموية عشرينية ممرحلة إلى مديات قصيرة, وسيطة , وطويلة لتنمية دارفور فى كل المجالات.

(3) ملف قسمة الثروة القومية:
أ- تتم قسمة الثروة القومية بين الولايات على أساس التمثيل النسبى لسكانها, وسيعتمد ذلك على آخر التقديرات الإحصائية لسكان كل ولاية ثم على التعداد السكانى القومى المقرر إجراءه خلال السنوات الثلاث الأولى من الفترة الإنتقالية.
ب- إعتماد مبدأ "التمييز الإيجابى" لتعويض الولايات الأقل نمواً جبراً لتخلفها ويتم تخصيص نسبة من الميزانية المقررة للقسمة لتغطية ذلك.
ت- مراجعة الكيفية التى إنفقت بها ديون السودان الخارجية منذ الإستقلال وعدم تحميل الولايات التى لم تستفد منها فى تسديدها.
ث- إنشاء آلية تتمثل فيها جميع الولايات لضمان الشفافية والنزاهة فى عملية تقسيم الثروة.
ج- حصول دارفور على حقها من عائدات البترول القومية وتحديد حصتها من موارد البترول المنتجة فى أراضيها على غرار ما تمَّ مع الحركة الشعبية لتحرير السودان, مع تحديد أنصبتها كاملةً  فى إيرادات الثروات الأخرى.
ح- تمثيل دارفور فى مفوضية البترول والتى ستنشأ بعد التوقيع على إتفاقية السلام الرئيسية.

(4) ملف المشاركة فى السلطة:
لم يشارك أهل دارفور بصورة عادلة بالنسبة لعدد سكان الإقليم فى كل الحكومات منذ الإستقلال, وظلَّ تمثيلهم هامشياً متمثلاً فى وزارات الدرجة الثالثة والرابعة, وعليه يجب:
أ- إعتماد مبدأ التمثيل النسبى لعدد سكان الولايات فى توزيع الوزارات والمناصب القومية الكبرى.
ب- حصول دارفور على عدد من وزارات السيادة القومية وتمثيلها بعدالة فى كل تشكيل وزارى عطفاً على ثقلها السكانى.
ج- إعتماد مبدأ الترشيح والإنتخاب الحر المباشر لمنصب رئاسة الجمهورية.

(5) ملف حكم الإقليم:
أ- تطبيق نظام الحكم الفدرالى فى حكم دارفور والسودان, وأن تعود الولايات كسابق عهدها كمديريات, وذلك توفيراً للصرف ومنعاً لعمليات الفرز العرقى التى طبقته نظام الإنقاذ.
ب- تثبيت حق الإقليم فى الحكم الذاتى وأن يتم إنتخاب حكامه عبر صناديق الإقتراع وعلي كل مستويات الحكم الولائي والمحلي, وأن تنتهي ظاهرة تصدير الحكام والولاة من المركز إلي الأقليم أو تنصيبهم فيها دون إرادة أهلها.
ت- أن تكون لحكومة الولاية حق النقض (الفيتو) علي السلطات الإتحادية في الأمور التي تتعلق بهيكل إدارة الإقليم مثل تعديل الحدود الإدارية وقضايا الثقافة والتراث والتعليم.
ث- رد الإعتبار للإدارة الأهلية كآلية تاريخية أصيلة ومصدر تراثى إلهامى لضبط إنفلات القبائل وإثراء جوانب التعايش السلمى بين القبائل.

(6) ملف الإدارة الأهلية:
أ- مراجعة قانون الإدارة الأهلية وإعادة تأهيلها بما يضمن لها السيطرة على الخلافات القبلية كسابق عهدها لقرون فى ضبط حركة المجتمع بدارفور, وإقرار ممارسات الشورى والأعراف في اختيار زعماء القبائل.
ب- إلغاء إمارات القبائل المصطنعة التي إستحدثتها حكومة الإنقاذ بغرض تفتيت القبائل من أجل الكسب السياسى الرخيص والتى مثلَّت أهم العوامل فى تأجيج نيران الحرب فى دارفور.  
ت- تثبيت حواكير القبائل كما كانت يوم خروج المستعمر في عام 1956م, وإعتبار القبائل والبطون التى تم زرعها أو فرضها بالقوة وبضغط من الدولة فى ديار قبائل أخرى قبائل راحلة, ويمكن إعطائها صفة عموديات القبائل الرحل فى أراضى تلك الديار دون أن ينتقص ذلك من سلطات الإدارة الأهلية التاريخية لسكان الدار الأصليين.
ث- تكوين مجلس شورى قبلى يضم زعماء كل القبائل بدارفور بواقع ممثل واحد فقط لكل قبيلة هو زعيمها, ويكون هذا المجلس بمثابة برلمان أهلى لشئون القبائل, ولها صفة الإستشارية فقط, ويكون لها مقر دائم بمدينة الفاشر, العاصمة التاريخية لدارفور, ولها أمانة دائمة, وتتبع للوالى مباشرة, وتنعقد جلساتها مرتين على الأقل فى العام. مثل هذا المجلس سيكون له أثر إيجابى وسريع فى رفد التعايش السلمى بدارفور ودعم خيارات التعاون والتصالح.

(7) ملف مشاريع التنمية والخدمات الإجتماعية:
هذا البند هو بيت القصيد إرساء دعائم الحل الدائم لمشكلة دارفور, ولمَّا كانت التنمية والخدمات الإجتماعية عملية مستمرة فليس من المهم هنا الإشارة إلى تنفيذ مشروعات بعينها, وإنما المطلوب هى الآلية التى تقوم برسم السياسات اللازمة لذلك, ومن ثمَّ تخطيط وتنفيذ المشاريع والبرامج المختلفة, ومن أجل ذلك نقترح الآتى:
أ- تشكيل مفوضية عليا للتنمية بدارفور تكون تابعة لرئاسة الجمهورية مباشرة يرأسها شخص بدرجة وزير, أو وزير دولة على الأقل, لكنه يكون محاسباً أيضاً من والى ولاية دارفور وبرلمانه.
ب- كفالة مجانية التعليم وإلزاميتها لكل طفل بلغ سن الدخول للتعليم الأولى, وكفالة مجانية العلاج, والتوسع فى برامج محو الأمية وتعليم الكبار خاصة المرأة, وإعادة خدمات الداخليات للمدارس الريفية وتطوير مدارس القبائل الرحل والتوسع فى تعليم الكبار وبرامج محو الأمية وإلزامية التعليم للأطفال فى سن الدراسة.
ت- تنفيذ المشاريع الزراعية فى ساق النعام وأم بياضة ووادى صالح وأم عجاجة وقوز دنقو وهبيلا وغيرها على أساس الإستثمار الحر, وتقسيم الأراضى فيها إلى حواشات يتم إستصلاحها على أساس الحيازة بالوكالة بحيث يمكن نزعها إذا فشل المزارع فى إستثمارها.
ث- إنشاء صوامع الغلال ومشاريع المياه لدعم الأمن الغذائى والمائى بالإقليم, خاصة فى سنوات الجدب والجفاف والذى تكرر كثيراً فى العقود الأخيرة, وزاد من حدة الصراع على الموارد مما أدى إلى الحروبات والنزاعات المسلحة.

(8) ملف حقوق دارفور التاريخية:
لدارفور حقوق تاريخية سلبت منها قهراً بواسطة المركز ولم تسترد حتى الآن مما يعنى طرح المطالب الآتية:
أ- إستعادة دارفور للأوقاف التى أنشأها السلطان على دينار فى الأراضى المقدسة, منها أرض القنصلية السودانية بجدة, وعدد من قطع الأراضى والمبانى بكل من مدن جدة, مكة المكرمة, والمدينة المنورة. لقد قامت وزارة الشئون الدينية والأوقاف السودانية مؤخراً بحصر كل تلك الأوقاف وتملك وثائقها, كما قامت بتتبع المفقود منها, وقد آن الأوان أن تعود تلك الأوقاف إلى وريثتها الشرعية ممثلة فى حكومة ولاية دارفور.
ب- عودة كل أراضي دارفور التاريخية التي ضمت للإقليم الشمالي (قطاع الميدوب والعطرون), وكذلك منطقة حفرة النحاس التى ضمها نظام النميرى لبحر الغزال.
ت- إستعادة الآثار التاريخية والأثرية لدارفور من داخل وخارج السودان.
ث- إسترداد أهل دارفور لأموالهم التى ضاعت فى مؤامرة طريق الإنقاذ الغربى وتحمل حكومة الإنقاذ لذلك, ولا يجب أن يحسب ذلك فى نصيب الإقليم فى بند قسمة الثروة أو ميزانية التنمية.

(9) ملف تعزيز التجارة والتعاون الدولى:
أ- أن تمتلك ولاية دارفورحقوق التبادل التجارى والثقافى والفنى والتعليمى والرياضى والتعاون مع دول الجوار دون الرجوع إلى المركز إلاَّ فيما يتعلق بقضايا الأمن القومى.
ب- أن تكون للولاية الحق فى عقد صفقات تجارية مباشرة مع كل دول العالم دون الرجوع إلى المركز.
ت- أن تكون للولاية الحق فى المشاركة فى المعارض الدولية ومواسم التسويق الخارجية وإستقبال وفود الإستثمار الخارجية دون تدخل من المركز.
ث- للولاية الحق فى رفض أى ترتيبات أو إتفاقات حكومية فى مجال الإستثمار تضر بمصالحها, مثل الإتفاقية الحصرية لتصدير الماشية السودانية إلى دول الخليج, أو تصدير اللحوم والمنتجات الأخرى عموماً, دون أخذ رأيها فى الإعتبار.

(10) ملف وضع قوات الحركة المسلحة بعد إتفاقية السلام:
تتفاوت التقديرات الخاصة بعدد القوات العسكرية لدى كل فصيل من فصائل الحركة المسلحة, لكن فى حال التوصل لإتفاقية سلام نهائية بينها وبين الحكومة السودانية فمن الواجب إستيعاب هذه القوات فى الجسم الكبير للجيش السودانى, على غرار ما تم فى إتفاقية أديس أبابا عام 1973م مع قوات الأنانيا, وأتفاقية الترتيبات الأمنية المبرمة مؤخراً مع الجيش الشعبى لتحرير السودان, أما فيما يختص بالحركة المسلحة بدارفور نرى الآتى:
أ- عدم حل قوات الحركة أو تسليم الأسلحة بعد التوصل إلى إتفاقية سلام إلاَّ بعد مرور وقت كافى يتفق عليه للتأكد من إلتزام الحكومة بتنفيذ ما يليها من متطلبات الإتفاق النهائى.
ب- إنشاء قوة عسكرية بإسم "حرس السلام" ممثلة من قوات الحكومة والحركة بنسب متساوية و تكون تابعة للجيش السودانى لضبط الأمن بالإقليم, ويجب تدريب هذه القوة على فنون فض نزاعات القبائل, ومراقبة مسارات الرحل, وإستباق تفجر المشاكل نحو الأسوأ فى حال وقوعها, والقيام ببرامج توعية بين القبائل لتعزيز سمات التعايش السلمى, هذه القوات طبيعة عملها ميدانية ولذلك يجب تجهيزها فى شكل فرق تتحرك على طول وعرض الإقليم, وتوفير معينات لها مثل الأسلحة ووسائل الحركة وطائرات الهليكوبتر والإتصالات الحديثة ومراكز للإمداد والتحرك والتنظيم, وسوف لن تتردد الجهات المانحة العالمية فى دعم مثل هذا البرنامج الفريد.
ت- إستيعاب أكبر قدر ممكن من المسلحين فى الجيش السودانى وإلحاقهم بالمستويات العسكرية المناسبة.
ث- إستيعاب غير المستوعبين فى الجيش السودانى فى القوات النظامية الأخرى مثل البوليس, السجون, حرس الصيد, حرس الحدود, قوات الجمارك, والخدمة المدنية.
ج- فى حال الموافقة على الحكم الذاتى لإقليم دارفور يجب أن تكون قوات الحركة المسلحة الأساس الذى يشكل قوة الجيش السودانى الذى يستولى القيادة الغربية بدارفور.

(11) ملف الضمانات لتنفيذ الإتفاقية:
لا بد من ضمانات لتنفيذ ما قد يتفق عليه وتنزيله لأرض الواقع مخافة من تنصل الحكومة المركزية, وذلك محتمل, ولمَّا صار للبعد الدولى شأن مؤثر على القرار السودانى, مع إحتمال تواجده الذى سيكون متزايداً بدارفور فى فترة ما بعد توقيع إتفاقية السلام بين الحركة المسلحة والحكومة السودانية, فلا بد من وجودها فى لجنة الضمانات, وكذلك لا بد من تمثيل للحركة الشعبية لتحرير السودان كونها ستكون الشريك الرئيسى فى حكم السودان خلال الفترة الإنتقالية, وعليه فيجب على كل هؤلاء أن يكونوا من الضامنين لتنفيذ الإتفاقية بجانب الأطراف الأخرى, ونرى أن يشمل لجنة الضمانات الشخصيات التالية:
أ- سعادة السفير الأمريكى بالسودان.
ب- سعادة السفير البريطانى بالسودان.
ت- سعادة السفير الفرنسى بالسودان.
ث- سعادة النائب الأول لرئيس الجمهورية ورئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان.
ج- سعادة ممثل الأمم المتحدة بالسودان.

 (12) ملف التحقيق فى تجاوزات الحرب:
أ- دعوة الوسطاء والأمم المتحدة و محكمة الجزاء الجنائية الدولية إلى فتح تحقيق دولى لتقصى الإتهامات المتعلقة بالإبادة والتصفية العرقية التى تعرض لها جزء من شعب الإقليم, هذه الجهات بإعتبارها دولية فهى تتميز بالشفافية وستكون نتائج تحقيقاتها مقنعة ومقبولة من جميع الأطراف.
ب- تكوين لجنة قانونية أمنية من الحركة المسلحة لمساعدة الجهات الدولية المكلفة بالتحقيق القيام بالمهام الموكولة إليها.
ت-  تكوين لجنة قانونية أمنية من جانب الحكومة لمساعدة الجهات الدولية المكلفة بالتحقيق القيام بالمهام الموكولة إليها.
ث- الإلتزام المسبق لجميع الأطراف بقبول نتائج التحقيق الدولى والتعهد بالمساعدة فى تنفيذها بصدق وشفافية.
ج- الإلتزام بتنفيذ الدعوات والأحكام القضائية التى ستعقب التحقيقات.

(13) ملف التعويضات للمتأثرين بتجاوزات الحرب:
حدث دمار كبير فى إقليم دارفور وفقد الكثير من الأهالى أهليهم وممتلكاتهم وقراهم ومزراعهم وثرواتهم وأصبحوا معدمين نتيجة سياسة الترحيل القسرى وحرق القرى والقتل الجائر بواسطة مليشيات الجنجويد والقصف الجوى ولذلك لابد من تعويض هؤلاء الأهالى ما فقدوه سواء تمثل ذلك فى ديات لأرواح الموتى أو دمار للممتلكات, ويمكن تبنى النقاط التالية كبداية للتحرك:
أ- تحميل الحكومة مسئوليتها فى تجنيد وتسليح مليشيات الجنجويد والدفع بها فى أتون النزاع بينها وبين الحركة المسلحة لكنهم بدلاً عن ذلك أخذوا فى مهاجمة الأهالى المسالمين دون محاولة الحكومة التدخل للسيطرة على ممارساتهم, ويبدو أنَّ الحكومة قد إعترفت لبعض الجهات العالمية مؤخراً بعدم قدرتها على السيطرة على هذه المليشيات مما دفع مسئولين فى الكونغرس بأنَّ ذلك لا يعفى الحكومة من مسئوليتها القانونية فى إعداد وتدريب وتسليح تلك المليشيات.
ب- تكليف الحركة المسلحة وزعماء الإدارة الأهلية وشيوخ القبائل المتضررة بحصر كل الأرواح المفقودة والقرى المحروقة والخسائر العينية وتحديد المتأثرين منها.
ت- تكوين صندوق دولى تحت إشراف الأمم المتحدة لإستقطاب الأموال اللازمة لتغطية التعويضات مع إلزام الحكومة السودانية بتحمل جزء رئيسى من تلك المبالغ.
ث- توزيع التعويضات بواسطة الأمم المتحدة من خلال لجنة مشتركة من الحركة المسلَّحة والإدارة الأهلية ولجنة أمنية قضائية من الحكومة السودانية.

(14) ملف التعايش السلمى:
تظل مسألة التعايش السلمى بين مختلف مكونات مجتمع إقليم دارفور المهمة الأولى لكل مستويات الحكم المحلى والمركزى, وسينبنى عليها كل برامج التنمية الإقتصادية والخدمات الإجتماعية, وكلَّما تعمقت درجة التعاون والإنسجام والأمن بين القبائل كلَّما كانت الفرصة أكبر فى الإنتقال بالإقليم فى سلالم التنمية والإستقرار, وعليه نقترح النظر فى النقاط التالية:
أ- إنشاء وزارة ولائية تتولى مهمة ملف التعايش السلمى من حيث التخطيط والبرمجة والتنفيذ وأن تشكل حلقة وصل بين الجهات التنفيذية والتشريعية والأمنية والإدارة الأهلية والجهات الأخرى المعنية ببرامج التعايش القبلى, وأن تطور مناهج تعليمية وإرشادية ودعوية وإعلامية لترسيخ نداء التعاضد والسلام. مثل هذه الوزارة يمكن تسميتها ب"وزارة السلام والتنمية الإجتماعية".
ب- أن تتعاون هذه الوزارة تعاوناً وثيقاً مع وزارة التربية والتعليم والإستفادة من قاعدة المعلمين المنتشرين فى كل بقعة وقرية لتنفيذ برامج توعية واسعة بالتعاون مع رجال الشرطة وأئمة المساجد وطلاب الجامعات فى قوافلهم الثقافية, كما يمكنها أن تتعاون مع وزارة الإعلام الإتحادية فى إعداد أفلام ريفية (مشروع السينما المتجولة سابقاً) تضخ من خلالها مفاهيم التعيش السلمى.
ت- الإهتمام بالثقافة الشعبية ومحاولة توجيهها وجة إيجابية مثل "الحكامات" وغناء ورقصات القبائل.
ث- أن تتعاون مع مراكز دراسات السلام فى جامعات الإقليم لتطوير برامج إجتماعية وأكاديمية تصب فى مجرى دعم التعايش السلمى بالإقليم.  
 
(15) ملف إعادة إعمار دارفور ودور الوسطاء والأمم المتحدة:
تفتقر دارفور لأية بنية تحتية, فليس هنالك طريق واحد يربطه ببقية أجزاء القطر وظلت معزولة طول عمرها, وخط السكة الوحيد متهالك ويتوقف معظم فترات السنة, والكهرباء تكاد تكون معدومة فمدينة الفاشر حاضرة الإقليم لم تنعم بإمداد كهربائى مستقر لأكثر من ربع قرن وتعيش الآن فى ظلام دامس لمدة ثلاثة أشهر وأثرت تأثيراً مباشراً فى تدنى الخدمات والمستويات التعليمية, ويعانى معظم أنحاء الإقليم من مشكلة العطش بجانب إنهيار الخدمات الصحية والتعليمية والزراعية وتفشى الفقر والبطالة والتى أدَّت لإستفحال ظاهرة النهب المسلَّح, وعليه نعتقد أنَّه لا نصيب دارفور فى الثروة ولا الخطط التنموية للحكومة المركزية ستساعدها فى كسر هذه الأطواق التى تكبل مستقبل تطورها, ولذلك نرى:
أ- دعوة الوسطاء ودول الإتحاد الأوروبى وجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامى والإتحاد الأفريقى لتبنى مشروع "مارشال" لإعادة بناء دارفور فى مرحلة ما بعد توقيع إتفاقية السلام.
ب- تفعيل دور القبائل والجهد الشعبى فى تنمية مناطقها وتحديث المدن والإهتمام بالريف وتوجيه المحافظين وضباط المجالس بالإهتمام بذبك كجزء من مهامهم المهنية.
ت- مكافحة الزحف الصحراوى وتأهيل البيئة, وفى هذا المجال يمكن إدراج برامج مثل تكثيف إستخدام الغاز فى المدن والبلدات الكبيرة وتوفير الكيروسين ومواقد الطبخ التى تعتمد عليها ومنع إستخدام كتل الحطب فى حرق الطوب الحرارى وإدخال أساليب حديثة مثل مكعبات الأسمنتز
ث- إنشاء المعاهد الحرفية ذات السنتين مثل معاهد الكهرباء والسباكة والبناء والنجارة وغيرها لإستيعاب الفاقد التربوى الكبير بالإقليم.
ج- الإستفادة من علاقات دارفور التاريخية مع بعض الدول فى إستقطاب الدعم وتوثيق الروابط التاريخية لمصلحة شعب الإقليم.
أخيراً يمكن لهذه الملفات أن تزيد أو تنقص حسب ما ستتمخض عنها المشاورات التى ستقوم بها الحركة المسلحة مع كل طوائف أبناء الإقليم وكوادرهم المختلفة, لكنا نؤكد بأنَّه كلما كانت الملفات متعددة كلما كان ذلك خير لأهل دارفور نسبة لأنَّها ستكون أكثر تفصيلاً وشاملة لمعظم القضايا الأساسية, إنَّ المطلوب من جانب أهل دارفور هو الوصول لإتفاق سلام بينهم والحكومة المركزية السودانية يعمل على تقويض البنيات التعريفية الجاهزة، ويعيد تركيبها، وإنَّ المطلوب أيضاً التوصُّل إلى (تسوية) تشمل إعادة النظر فى هيكلة الدولة بأسرها وتنهى علاقة الأبوة وفرض الوصاية على دارفور من جانب دولة السودان.

كلمة أخيرة للثوار:
مما لا شكَّ فيه أنَّ ثورة دارفور قد إنتصرت وفرضت نفسها كرقم صعب وجديد فى ساحة الوطن, مثلها مثل الحركة الشعبية لتحرير السودان, وإن كادت تباشير السلام أن تتنزل على أرض دارفور الطاهرة وتطهرها من الدنس الذى أنجسها دهراً من الزمان فإنَّ الجهاد الأكبر يظل هو عنوان المرحلة القادمة, مرحلة البناء والتعمير وتعويض الذى فات, وسيبدأ كل أهل دارفور فى الوقوف صفاً واحداً لحمله, ونكاد نرى من خلال ثقوب الأمل جموعهم تتدافع وتضم بعضهم بعضاً مؤذنين بإنبلاج فجر جديد ديدنه المحبة والإخوة والصفاء, وعليه نتمنى لأهل الحركة المسلَّحة العمل من الآن فصاعداً لبناء وحدة أهل دارفور, وحدة جامعة مانعة, لا تستثنى أحداً ولا تعزل إلاَّ من أبى وذلك حكمه على ذمة التاريخ, وعليه نرى ضرورة النظر فى المقترحات التالية:
(1) البدء العاجل فى القيام بمشاورات واسعة لتشكيل "وفد دارفور" إستعداداً للمفاوضات يعبر تعبيراً صادقاً لكل أهل الإقليم.
(2) التشاور مع الوسطاء لعقد إجتماعات تمهيدية ل"وفد دارفور" بتمويل كامل منهم, وربما تدريبهم على فنون التفاوض مثلما حصل مع الكوادر المفاوضة للحركة الشعبية لتحرير السودان.
(3) ضرورة تبليغ الرئيس التشادى إلتزام حدوده فى التوسط بحياد وإلاَّ فيمكن إعتباره على الطرف الآخر, فلأهل دارفور فضل عليه لا يمكنه التنكر عليه.
(4) العمل على إنشاء مكاتب إعلامية ونقاط إتصال داخل وخارج السودان وضرورة التواصل مع المثقفين من أبناء الإقليم المنتشرين حول العالم.
(5) التفكير فى, والتخطيط للبرنامج السياسى للفترة التى ستعقب توقيع إتفاقية السلام.

 

آراء