دحض حجج الإنفصاليين …. بقلم: د. عمر بادي
د. عمر بادي
26 July, 2010
26 July, 2010
عمود : محور اللقيا
الإنفصاليون متواجدون , سواء وسط الشماليين أو وسط الجنوبيين , و رغم التباين الفكري في طرح الأسباب الداعية للإنفصال عند كل جانب , نجد أن المحصلة النهائية واحدة و هي أنه لا تلاق بين الشماليين و الجنوبيين و بذا عليهم ان يفترقوا بعد أن يسووا ما بينهم بالطرق القانونية أو بالقوة ! هنالك فصيل إنفصالي ثالث و هو من الجنوبيين الأقل تشددا و رؤيته أنه رغم تأييدهم للوحدة إجتماعيا فلا مانع أن تتاح الفرصة للجنوبيين كي يكونوا دولتهم المستقلة , على أن يتركوا الباب مواربا للعودة إلى الوحدة مع السودان الشمالي مستقبلا إذا ما حدثت التغييرات السياسية الجاذبة للجنوبيين في الشمال , و يضربون في ذلك مثالا بجمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية ( اليمن الجنوبي ) التي إنفصلت عن الجمهورية العربية اليمنية ثم عادت إليها فيما بعد . هذه أوجه ثلاثة للإنفصاليين سوف أتناولهم كل وجه على حدة .
أولا قضية الإنفصاليين الشماليين المتشددين , و خير من يمثلهم منبر السلام العادل و ما ينفثه من أباطيل مضادة للوحدة الوطنية منذ توقيع إتفاقية نيفاشا و إلى الأمس القريب حين تدخل جهاز الأمن الوطني و حل هذا المنبر و صحيفته ( الإنتباهة ) بسبب منهجها غير المتجانس مع إتفاقية السلام و أمن الوطن و بسبب تهجمها على دول الجوار خاصة ليبيا . لقد دعوت في كتاباتي قبل هذا لإيقاف هذه الصحيفة ذات الأجندة المشبوهة و أرجو هنا أن تأخذ العدالة مجراها و سوف يجد القضاء بكل سهولة حيثيات إدانة مسلك هذه الصحيفة المارقة عن الإجماع الوطني . لقد درج السيد الطيب مصطفى على إتباع منهجه التشددي في فهمه للإسلام منذ أن حضر من دولة الإمارات العربية المتحدة و عين مديرا للتليفزيون , فجعله منبرا للجهاد ضد الجنوبيين و كأنما الحرب هي حرب فتوحات إسلامية و ليست حرب أهلية داخل دولة واحدة . ثم إلتفت بعد ذلك إلى الأغنيات العاطفية فأوقف تسجيلها و قلل كثيرا من فترات بثها و سمح بتسجيل المدائح و الأناشيد الوطنية فقط , و هذا ما سبّب إنقطاع جيل الشباب عن سماع الأغاني الخالدة و لجوئه إلى الأغاني المبتذلة المتداولة ! عند إجازة إتفاقية السلام عارضها السيد الطيب مصطفى معارضة قوية , لأنه يرى في الجنوبيين حجر عثرة في تطبيق التوجه الإسلامي في السودان و توصل إلى قناعة أنه خير للسودان الشمالي أن يفصل الجنوب عنه و قال في ذلك ما لم يقله مالك في الخمر و ما يفقع المرارة حقا و حقيقة !
السيد الطيب مصطفى عروبي أسلاموي متعال و هو خير مثال لما يردده الإخوة الجنوبيون عن ( الجلابة ) ! لقد نسي أو تناسى السيد الطيب مصطفى أنه يعيش في أرض أفريقية و أن العرب في السودان هم عرب أفارقة بحكم التمازج العرقي الذي دام أكثر من ألف عام , و أن الإسلام في السودان كما في جنوب شرق آسيا قد إنتشر من غير فتوحات و جيوش و إنما بالدعوة و القدوة الحسنة و بالطرق الصوفية التي تطبق الإسلام المعتدل المتسامح الذي يصل إلى غاياته بالتدرج و بالتحبب لا بالتنفير و الإقصاء و الإكراه و ( لا إكراه في الدين .. ) كما قال الله تعالى . الرسول الكريم ( ص ) لم يقصِ غير المسلمين بل سعى إلى إسترضائهم و قد إستفاد منهم فائدة قصوى في إدارة دولته الجديدة في المدينة المنورة و لم يعاد إلا من عاداه
ثانيا قضية الإنفصاليين الجنوبيين المتشددين , و يتزعمهم أفراد قلائل من قياديي الحركة الشعبية , و قد صار الجميع يعرفونهم لتصريحاتهم النارية الداعية للإنفصال . أنا لا ألومهم في طرح أفكارهم فحرية الرأي تكفل ذلك و لكنني ألوم الإعلاميين الذين يتسابقون لإبراز هذه التصريحات في الصحف و في أجهزة الإعلام ! هل وراء ذلك ما وراءه ؟ تقول حججهم أنهم لا يحسون بالإنتماء إلى الوطن لأن الحكومة القومية توجهاتها عربية إسلامية و قوانينها مقيدة لغير المسلمين و لم تراع إتفاقية نيفاشا و أنه لم يتم التحول الديموقراطي و لا زالت الحريات العامة غير مكفولة و لا زال التهميش حاصلا , كذلك من ناحية أخرى لم يتم إجراء تنمية مخططة في الجنوب تبدأ بالبني التحتية , و خير للجنوبيين أن يستحوذوا على كل عائدات البترول الجنوبي , و لذلك فلا بد من الإنفصال ! أقول هنا , هل سيكون الإنفصال ( خاتم المنى ) الذي سوف يأتي بكل الرغبات ؟ بالقطع كلا . لدينا تحالف أحزاب جوبا و لدينا تجربة التجمع الوطني الديموقراطي فلماذا لا تواصل الحركة الشعبية النضال مع أحزاب المعارضة من أجل التحول الديموقراطي الحق و إضفاء الحريات و إنهاء القوانين المقيدة و إلغاء التهميش و العمل من أجل كسب الحقوق المدنية و التطلع إلى المستقبل المشرق ؟ لقد دعا حزب الأمة القومي مع أحزاب جوبا أن يكون بترول الجنوب للجنوب على أن يعدل تقرير المصير لأن الجنوب يحكم حاليا حكما ذاتيا و أكثر ذاتية من الفيدرالية التي كانوا يطالبون بها ! إنني أنظر هنا إلى تاريخ الأفارقة في أمريكا الذين كانوا قد جلبوا إليها للعمل كعبيد في مزارع البيض كما وثقته رواية أليكس هيلي ( الجذور ) و التي أنتجت كمسلسل كان له تأثير كبير في كل من رآه . هؤلاء العبيد الذين عوملوا أسوأ معاملة صمدوا و كانوا يحلمون بالعودة إلى ارض الجذور أفريقيا و عندما حررهم الرئيس الأمريكي إبراهام لينكولن تمسكوا بالعودة إلى أفريقيا و شعر الأمريكان بعقدة الذنب تجاههم و في عهد الرئيس الأمريكي جيمس مونرو إقتطعوا لهم أرضا من مرتفعات فوتاجالون الإسلامية في غرب أفريقيا و أقاموا لهم دولة ليبيريا في عام 1822 و أسموا عاصمتها منروفيا تيمنا بالرئيس مونرو و إقترحوا عليهم العودة الطوعية . كانت المفاجأة أنه لم يعد إلا المتحمسين لأرض الأجداد و آثرت الغالبية البقاء في أمريكا و مواصلة النضال من أجل حقوقهم المدنية , فكان لهم مارتن لوثر كنج و كان أخيرا باراك حسين أوباما !
ثالثا قضية الجنوبيين الذين يؤيدون الوحدة إجتماعيا و يدعون إلى الإنفصال سياسيا و يطالبون بإعطائهم فرصة حتى يجربوا إستقلال دولة الجنوب مع إستمرار العلاقات الإجتماعية كما هي , مع ترك إحتمال العودة والإتحاد مع الشمال واردا كما كان قبلا , و يضربون في ذلك مثلا باليمن الجنوبي . لدي إحساس هنا بأن الإنفصاليين يحاولون إقناع المعتدلين بهذا المنطق غير العملي ! إذا قام الإنفصال لن تكون هنالك عودة , لأن الإختلافات في القضايا المعلقة و الأخرى التي سوف تظهر على السطح لن تكون في صالح أية وحدة مرتقبة . أما عن تجربة اليمن فقد كانت مختلفة كل الإختلاف . كانت عدن تحت الإحتلال البريطاني و كانت تعرف بإتحاد الجنوب العربي , و في عام 1967 إستقلت عن بريطانيا و كونت جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية ( اليمن الجنوبي ) و كان لها نهج إشتراكي , و دب الخلاف بين قادتها علي ناصر محمد و عبد الفتاح إسماعيل في عام 1986 و أدى إلى حرب أهلية خرج فيها علي سالم البيض منتصرا و في عام 1990 إتحد اليمن الجنوبي مع الجمهورية العربية اليمنية برئاسة علي عبد الله صالح , و في عام 1994 طالب الحزب الإشتراكي اليمني الجنوبي بالإنفصال فدخلت قوات اليمن الشالي عدن و هرب قادة الإنفصال ! هذا ما حدث في اليمن و هو مخالف لما يحدث عندنا , و أرجو أن يكون الناس أكثر وعيا و لا يخدعون بالسموم التي تقدم لهم في صحاف من ذهب !
omar baday [ombaday@yahoo.com]