دروتي الماضي العريق وعبق التاريخ

 


 

 

ان اليوم التاسع من نوفمبر من عام 1910 ظل يوما مشهودا وخالدا في تاريخ سلطنة دارمساليت وظلت معركة دروتي الشهيرة التي وقعت احداثها بقرية دروتي التي تقع شرق مدينة الجنينة بين سلطنة المساليت والامبراطورية الفرنسية من اشرس المعارك التي شهدتها القارة الافريقية والتي انتصرت فيها سلطنة المساليت للمرة الثانية على فرنسا وقتل فيها قائد القوات الفرنسية في افريقيا وحاكم اراضي تشاد الكولونيل(مول)ورغم هذه الانتصارات التي حققتها سلطنة المساليت على مستوى القارة الافريقية الا ان المؤرخين اهملوا بطولات رجال افذاذ صنعوا تاريخا وساهموا من اجل حماية الوطن في صمود واستشهاد لامثيل له ودماؤهم الطاهرة خلدت ذكراهم وذكرى السلطان تاج الدين
لقد تجسدت في معركة دروتي كل أنواع الشجاعة والاقدام لانسان دارمساليت الذي حمل (الحربة)(والسفروك)(والسيف)وتوشح بايمانه القوي في مواجهة الآلات الحربية والمدافع الفرنسية في ثبات اذهل العدو لتتبدد احلامهم واطماعهم فوق رمال دروتي
وتعد معركة دروتي واحدة من اقوى حلقات المقاومة الشعبية في افريقيا في مواجهة الاستعمار الذي تكالب على افريقيا فكانت لدارمساليت نصيبا من هذا التكالب والتدافع نحوها الا انها كانت صخرة صماء تحطمت عندها كل احلام الإمبراطورية الفرنسية وخرجوا اذلالا يوم ان خرج لهم السلطان تاج الدين ورفاقه الذين ظللوا سماء دروتي برايات الانتصار ورووا ترابها الطاهر بدماءهم الطاهرة الذكية وغنن نساء المساليت ولبسن الدروع ولعبن(الدنقر)
ومعركة دروتي لم تكن سهلة بل كانت حامية الوطيس شديدة الباس والنزال معركة الثار والانتقام من قبل الفرنسيين لهزيمتهم وفاجعتهم الاولى في كرندنق وقتل قادتهم وابادة جيشهم فجاءوا باسلحتهم ومدافعهم التي استعملوها للمرة الأولى في دروتي الا انها لم تصمد امام صيحات الفرسان المدنية(هووووووي)وصولات تاج الدين الذي كان يحث جنوده على الثبات من أجل استشراق فجر الحرية
ووقعت احداث معركة دروتي عقب معركة كرندنق الأولى وبعد أن استعد السلطان تاج الدين للفرنسيين مع علمه التام بانهم لن يسكتوا على هزيمتهم في كرندنق وفي تلك الاثناء وصلت اخبار الى السلطان تاج الدين بأن الجيش الفىنسي دخل دارمساليت وعسكر بقرية (قلاني)من الناحية الغربية فتحرك السلطان تاج الدين بجيشه لملاقاتهم حتى نزل عند وادي (تانمي)بوادي(راتي)جنوب الجنينة اما الجيش الفرنسي فقد توغل في دارمساليت عن طريق (ديسه)عابرين بوادي (كجا)الى ان وصلوا قرية (تباريك)التي تقع شرق مدينة الجنينة والتي قتلوا فيها ثلاثة أشخاص ثم واصلوا زحفهم الى ان وصلوا دروتي التي حاصروها عند وصولهم ولكن لم يجدوا فيها سوى الاطفال وبعضا من النساء وكبار السن فالقوا القبض على شخص يسمى (قندول)من اتباع السلطان وسالوه الى اين هرب السلطان تاج الدين فاجابهم قائلا (سيدي لم يهرب سيقابلكم باكر)اي غدا ومن وادي تانمي كر السلطان تاج الدين عائدا بجيشه حتى وصل جبل (كركري)الذي يقع شرق الجنينة وبات به ليلة واحدة وفي صبيحة اليوم الثاني تحرك السلطان تاج الدين بجيشه وفي أثناء زحفه ترجل من حصانه وأم الجيش وصلى بهم ركعتين وقال خطبته المشهورة (ايها الناس الجنة جاءنا بالبيت المجاهد في سبيل الله يمضي معنا والذي لايرغب في الجهاد فليرجع) فلم يرجع احد ثم طلب السلطان تاج الدين شخص يسمى (باسني دود)وقال له خذ السطان( دودمرة وجماعته الى مكان بعيد)ومن ثم تحرك السلطان تاج الدين بجيشه الى ان وصلوا قرية (ابوسوقه)وقد علم الكولونيل ان تاج الدين يتعقبهم فعسكر بدروتي ومن ثم نصب مدافعه ووزع جنوده
وفي صبيحة اليوم التاسع من نوفمبر وصل السلطان تاج الدين بجيشه الى دروتي واقترب من معسكر الجيش الفرنسي الذي شاهد الغبار الكثيف على مقربة منهم فشرعوا في التنظيم لمواجهة السلطان تاج الدين وجيشه وقد أصدر الكولونيل مول تعليماته بعدم إطلاق اي طلقة مالم يقترب جيش السلطان تاج الدين من المعسكر اكثر لكن حدث مالم يكن في الحسبان فقد اطل تاج الدين بجيشه بالقرب منهم ومعه الف فارس وعقداء الخيل والراية والمشايخ اما الرؤساءفي المؤخرة ووراءهم الالاف وهم منقضون على الزريبة التي تحصن بها الجيش الفرنسي وعلى مقدار ارتداد الطرف اطبق جيش المساليت على مربع العدو الذي اخترقه من وجهيه و لم تستطع مدافع (المتريوس)ان تطلق اكثر من أربع طلقات فامر الكولونيل جنوده بالانسحاب الى ماوراء الزريبة التي امتلئت بجيش المساليت وأعاد الجيش الفرنسي تنظيم صفوف جنوده الذين كتب لهم السلامة وقتل ضارب المدفع (اليونتان)(جولي)الذي كان يسعى لجر المدافع وقد كان الكولونيل مول واقفا وسط جيشه وأركان حربه فحول جيش المساليت هجومه عليه وبعد مدافعة شديدة سقط الكولونيل مول صريعا داخل الزريبة في النقطة التي كانت تنسحب إليها العساكر وبعد أن تمكن الجيش الفرنسي عادت رحى الحرب مرة أخرى سجالا فافنوا جيش المساليت ثم تراجع الجيش الفرنسي الى الوراء قليلا ثم هجم على الزريبة استطاع ان يستردها بعد ان استشهد الكثير من جيش المساليت وعند تمام الساعة التاسعة مساءا اطلق الكبتين(شفالي)ثلاث طلقات مدفع لجمع صفوف الفاريين من بقية جيشه الذين ابعدوا من موقع الحدث مسافة خمسه وثلاثين كيلو متر بقيادة الكبتين (ارنو) ولم يستطيعوا الرجوع إلى أرض المعركة مرة أخرى واستشهد الكثير من جيش المساليت ومن الأمراء الذين استشهدوا في دروتي من ابناء السلطان ابكر عمر وعبدالله والزين وعزالدين كما استشهد ابو باسي والفكي علي وحسين وداؤود بوبلي وزير السلطان تاج الدين وجرحوا كثير من الاجاويد واستشهد السلطان تاج الدين على رأس هؤلاء الشهداء وبعد استشهاد تاج الدين صار جميع الجيش تحت قيادة الأمير بحرالدين كما قتل في تلك المعركة جرمة ابوسكين الوداوي الذي حضر مع الفرنسيين وبلغ عدد القتلى في صفوف القادة الفرنسيين البيض ثلاثين قائدا فرنسياخمسه منهم برتبة الكبتين كما قضوا على العساكر السود الذين جاءوا مع الجيش الفرنسي في دروتي وكتبوا التاريخ الخالد لدارمساليت
التحية لكل شهداء بلادي الذين اناروا لنا دروب الكفاح والنضال
الاربعاء التاسع من نوفمبر
2022
د محمد احمد ادم
باحث اعلامي

kingkingyagoub@gmail.com
//////////////////////

 

آراء