دعوات لتسليح المدنيين وهدنات هشّة لا توقف المعارك.. السودان نحو حرب أهلية؟

 


 

 

فيما عجزت الهُدنات المتعاقبة عن وضع حد للمعارك المتواصلة في السودان منذ 15 أبريل/نيسان بين الجيش وقوات الدعم السريع، جاءت الدعوات لتسليح المدنيين لتفاقم المخاوف من تحول هذا التناحر على السلطة إلى حرب أهلية "ذات طابع إثني" اندلعت فعلا في مدينة الجنينة وقد تمتد لتشمل باقي المناطق. فهل تدخل الحرب الدائرة في السودان مرحلة أكثر عنفا؟ وما هي أعداد المدنيين المُتوقع انخراطهم في القتال؟ وما هي الانتهاكات المرتكبة بحق المواطنين؟

فرانس 24

استمرت الإثنين المعارك في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع حسبما أفادت وكالة رويترز للأنباء نقلا عن سكان في الخرطوم، متحدثين عن "اشتباكات كثيفة ومتواصلة" في أجزاء من العاصمة السودانية قبل ساعات من انتهاء اتفاق الهدنة الهشّ الذي وفّر بعض الهدوء وأتاح وصول قليل من المساعدات.

وكانت الاشتباكات استمرت الأحد في جنوب وغرب أم درمان، إحدى المدن الثلاث المتجاورة التي تشكل ولاية الخرطوم. كما قال سكان في جنوب العاصمة السودانية على الضفة الأخرى لنهر النيل إن اشتباكات وقعت هناك في وقت متأخر مساء الأحد.

1. وزير الدفـاع الفريق ركن، يس إبراهيم: نهيب بكل معاشيي القوات المسلحة من ضباط وضباط صف وجنود وكل القادرين على حمل السلاح بالتوجه إلى أقرب قيادة عسكرية لتسليحهم تأميناً لأنفسهم وحرماتهم وجيرانهم وحماية لأعراضهم والعمل وفق خطط هذه المناطق+#السودان #sudan

وأسفر الاقتتال بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، والذي فشلت كافة الهدنات المتعاقبة في وضع حد له ،عن مقتل المئات وفرار ما يقرب من 1,4 مليون شخص.

وقالت وزارة الصحة السودانية إن القتال تسبب في مقتل أكثر من 700 شخص، لكن من المرجح أن يكون العدد الحقيقي أعلى بكثير. وبحسب بيانات موقع النزاعات المسلحة ووقائعها (أيه سي إل إي دي)، بلغت حصيلة القتلى منذ اندلاع المعارك 1800 شخص سقط معظمهم في العاصمة وفي مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور.

"حرب مدن لا حدود زمنية لها"
في ظل هذا التناحر الدموي على السلطة والذي حطّم أحلام السودانيين في عودة الجيش إلى الثكنات وتسلم المدنيين لدفة الحكم، تأتي دعوات لتسليح المدنيين لتصبّ الزيت على النار، وتوقد مخاوف إضافية من تحول هذا الاقتتال بين العسكريين إلى حرب أهلية شاملة تنذر بكارثة أكبر قد تعمق المعاناة التي امتدت أصلا إلى باقي كافة دول المنطقة.
في هذا السياق، أعلن الجيش السوداني في بيان يوم الجمعة الماضي "إننا نهيب بكل المحالين إلى التقاعد في القوات المسلحة من ضباط وضباط صف وكل القادرين على حمل السلاح، بالتوجه إلى أقرب قيادة عسكرية لتسليحهم تأمينا لأنفسهم وحرماتهم وجيرانهم وحماية لأعراضهم". وقال بيان الجيش إن هذه الحرب "هي حرب مدن لا حدود زمنية لها" حسبما نقلت وكالة الأنباء الفرنسية.

واستدعى الجيش حسب بيان وقّعه الفريق ركن يس إبراهيم يس وزير الدفاع المكلف وتم نشره على المنصات أفراد "الاحتياط من ضباط وضباط صف وجنود القوات المسلحة".

لقد تضاعفت الاعتداءات علي المواطنين ،وكثيرون لا يرغبون في سلامة وحقوق المواطنين ، يتعمدون علي تخريب المؤسسات القومية،لذا ،أدعو مواطنينا الكرام جميعاً”اهل دارفور “شيبا وشبابا ، نساءاً ورجالاً ، ادعوهم بحمل السلاح لحماية ممتلكاتهم ، ونحن حركات الكفاح سنسندهم في جميع حالات الدفاع .
من جهة أخرى، دعا مني أركو مناوي حاكم إقليم دارفور إلى تسليح المدنيين لمواجهة الانفلات الأمني والاعتداءات على المواطنين. وقال مني وهو ورئيس حركة "جيش تحرير السودان" في تغريدة نشرها الأحد على تويتر: "أدعو مواطنينا الكرام جميعا أهل دارفور شيبا وشبابا نساء ورجالا لحمل السلاح لحماية ممتلكاتهم ونحن حركات الكفاح سنسندهم في جميع حالات الدفاع".

حمدوك: "السودان يواجه خطر التفكك"
وكان عبد الله حمدوك رئيس الوزراء السوداني السابق في الحكومة الانتقالية، حذّر في كلمة نشرها على المنصات مطلع مايو/أيار، من أن بلاده تواجه اليوم "خطر التفكك" وقال إن هذه الحرب التي اندلعت في السودان قد مزقت "العاصمة القومية وشتّتت أهلها وامتدت إلى جميع مناطق البلاد تقريبا مسببة كارثة إنسانية، يمكن أن تؤدي هذه الحرب إلى كارثة إنسانية ما لم يتم وقفها على الفور".

من جانبه، حذّر مبعوث النرويج الخاص للسودان وجنوب السودان جون أنطون جونسون، في تصريح لقناة الجزيرة مساء السبت، من أن السودان في طريقه إلى الانحدار نحو حرب أهلية بسبب استمرار المعارك. وقال جونسون إن هناك "قلقا حقيقيا بشأن حركات سودانية مسلحة في السابق تفكر في العودة لحمل السلاح.. لن يستطيع أي من طرفي النزاع حسم المعركة إلا بعد أن يكون السودان قد دُمر بالكامل".

"الجيوش السودانية الثمانية" ما هي وما دورها؟
تعليقا على هذه التطورات، قال إسلام عبد الرحمن مراسل إذاعة مونت كارلو الدولية في السودان، إن "مخاوف السودانيين من اندلاع حرب أهلية شاملة تزايدت مع تطاول أمد الصراع الحالي في مجتمع لا تزال تسيطر عليه القبلية والجهوية ولديه امتدادات أهلية تغذي طرفي النزاع. تعد حرب المدن من أخطر أنواع الحروب لأن خسائرها عادة ما تكون كبيرة وسط المدنيين وممتلكاتهم وبيوتهم. الآن، وبعد إعلان الجيش حالة التعبئة العامة واستنفار المواطنين لحمل السلاح للدفاع عن أنفسهم وممتلكاتهم ضد هجمات قوات الدعم السريع، واستباحتها للبيوت والمنازل والمستشفيات وما أعقب ذلك من دعوة حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي لتسليح سكان دارفور أيضا لحماية أعراضهم وممتلكاتهم، نجد أنفسنا أمام دعوات تكرّس لحرب أهلية طاحنة ينتشر فيها السلاح دون أي ضابط وسط المواطنين بدلا من أن يكون السلاح فقط في يد الجيش الوطني".

كما أضاف عبد الرحمن: "لا بد من الإشارة إلى أن انتشار الجيوش التابعة للجماعات المسلحة العائدة إلى البلاد بعد سقوط نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، وعددها يفوق الثمانية، وهي موجودة داخل العاصمة وخارجها، يعقّد المشهد ويحوله برمته إلى انفلات أمني شامل. كما تزداد المخاوف من دخول هذه الجيوش في أتون الحرب، بالانحياز إلى أحد الطرفين. ما يوسّع من نطاقها ليس في العاصمة الخرطوم فحسب، بل في كل أنحاء البلاد. تتبع هذه الجيوش لحركات الكفاح المسلح والجبهة الثورية الموقّعة على اتفاق جوبا للسلام، لكن بعضها غير موقّع على معاهدة سلام جوبا مثل الحركة الشعبية لتحرير السودان فصيل عبد العزيز آدم الحلو والتي تسيطر على مناطق واسعة من ولاية جنوب كرفان وأيضا حركة جيش تحرير السودان فصيل عبد الواحد محمد نور، كل هذه الجماعات المسلحة لم يتم دمجها بعد في الجيش الوطني. كما أن انتشار السلاح وسط الحركات والمواطنين مع غياب الدولة يعني الانفلات الأمني الشامل المتمثل في انتشار عمليات القتل خارج نطاق القانون والسلب والنهب والسطو حيث سبق وأن تعرضت الأسواق والمنازل لهذه الانتهاكات الجسيمة".

"توزيع أكثر من 5 آلاف سلاح على أسس إثنية"
كذلك، قال حافظ كبير صحافي ومحلل سياسي من الخرطوم، إن "هناك دعوات من جانب القوات المسلحة لتسليح المواطنين، ومن قبلها كانت المنظومات المؤيدة للقوات المسلحة تدعو إلى إعلان التعبئة العامة واستدعاء قوات كانت تقاتل جنبا إلى جنب مع قوات النظام البائد (عمر البشير) مثل قوات الدفاع الشعبي. أما بالنسبة للدعم السريع، فرغم عدم صدور دعوة رسمية لتسليح المدنيين، أتصور أن هناك استنفارا ومساندة قد تمت من المكونات التي تتألف منها هذه القوات، وهي غالبا مكونات أهلية، الجانب الكبير منها يتواجد في غرب السودان إلى جانب وسط وشرق البلاد خلافا للقوات الأساسية المنتشرة".

بلغة الأرقام، أشار حافظ كبير إلى أن "الأعداد المتوقع انخراطها في القتال ستكون كبيرة كلما زادت رقعة النزاع. البعض يتحدث عن أكثر من مئة ألف من القوات التي تتبع للدعم السريع منتشرة على نطاق واسع في مدن الخرطوم الثلاث ومدن أخرى مثل الاُبيَض وكردفان ودارفور. المواطنون في دارفور وخاصة في مدينة الجنينة التي شهدت أحداثا مؤسفة، تم فيها تسليح المواطنين على أسس إثنية وقد تم فعلا توزيع أكثر من خمسة آلاف قطعة سلاح كانت موجودة في مخازن الشرطة والأجهزة الأمنية مثل المخابرات، على المواطنين من قبل بعض عناصر الأجهزة الأمنية لمواجهة المكونات الأخرى. هناك انقسام مجتمعي في الجنينة، وقد تم تسليح مكونات عربية تقف مع قوات الدعم السريع، وأخرى أفريقية تساند الجيش. هذا الانقسام في مدينة الجنينة يضاف إليه تواجد قوات حركات الكفاح المسلح أو حركة والي الولاية والتابعة لرئيس حركة تحرير السودان خميس أبكر والذي لديه قوات من قبيلته هناك أيضا وهؤلاء قد تسلحوا. لقد بلغ الصراع مستوى أهلي بين المكونات المجتمعية ما أدى لمقتل أكثر من خمسمئة مسلح من هذه المكونات التي يساند بعضها الجيش والبعض الآخر قوات الدعم السريع".

ويضيف حافظ كبير أن "هذا ما يحذر منه البعض. بات اندلاع الحرب الأهلية في السودان الآن أقرب من أي وقت مضى باعتبار أن هناك تحشيدا كبيرا جدا على أسس إثنية. هناك دعوات كبيرة من القوات المنتشرة في شرق السودان والقبائل المؤيدة للجيش التي دخلت على أسس إثنية لمساندة الجيش من أجل دحر ما يعتبره الجيش تمردا. هذا الوضع العام مرجح أن يتجه إلى الصراع الكامل وأن تواجه المجتمعات بعضها البعض على أسس إثنية وخصوصا في دارفور".

انتهاكات بحق المواطنين وتزايد حالات الاغتصاب
في نفس الشأن، قال الصادق يوسف حسن نائب رئيس المركز الأوروبي-السوداني لدراسات السلام في القرن الأفريقي، إنه "يمكن قراءة قرار الجيش استدعاء المتقاعدين ولتسليح المدنيين، من خلال شقين: الأول يتعلق على الأرجح بمشكلة نقص في أعداد العسكريين العاملين في صفوف الجيش وهو ما يتوجب سده، ثانيا: وقعت انتهاكات كثيرة بحق المواطنين كاستغلال بيوتهم وممتلكاتهم والعبث بها وتزايد حالات الاغتصاب، كل هذا سبّب قلقا في أوساط الشارع السوداني، لكن، هناك مخاطر من مغبة انضمام جهات متطرفة قد تضر بأمن البلاد للمعارك الدائرة. كما قد يؤدي تسليح المواطنين إلى اندلاع حرب أهلية، خصوصا في ظل الغبن القبلي في دارفور وانتشار السلاح، إلا في حال تم إخضاع عملية تسليح المدنيين لضوابط ومراقبة. هناك حاليا مخاطر فعلية من الانزلاق والفوضى. نتمنى أن تتوقف الحرب ونزيف الدم لتفادي فاتورة سيدفعها الشعب السوداني".

"في الجنينة.. الحرب الأهلية اندلعت فعلا"
بدوره، يرى حسب النبي محمود حسب النبي القيادي في حركة جيش تحرير السودان، أن الحديث عن تسليح المدنيين في السودان يعني مخاطر من اندلاع حرب أهلية بكل تأكيد. وقال محدثنا: "الحرب مستمرة منذ أكثر من 45 يوما وهناك أكثر من 920 شهيدا من المدنيين وأكثر من مليوني وربما أكثر ما بين نازحين ولاجئين، وسط خطابات من الجيش السوداني بضرورة تسليح المدنيين من أجل المقاومة. أعتقد أن تسليح المدنيين بشكل واسع سيقود إلى حرب أهلية حقيقية. السودان شهد حروبا كثيرة والسلاح منتشر بشكل كبير في كثير من الأقاليم سواء في دارفور أو في جبال النوب أو النيل الأزرق. اتساع رقعة التسليح هو أمر مقلق يشكل خطرا كبيرا على مستقبل الدولة والثورة السودانية".

وأوضح حسب النبي أن "خطاب حاكم دارفور مني أركو مناوي كان في إطار محدود جدا، حيث إنه لم يتحدث عن تسليح كامل للمواطنين السودانيين لكن في إطار محدد للدفاع عن النفس وحفظ الممتلكات، لأن دارفور شهدت انتهاكات واسعة طالت المدنيين. تكلم مني عن ضرورة ضمان الحماية الذاتية للمواطنين حسبما أوضحه في أكثر من مرة. في الجنينة والفاشر وولايات من دارفور للأسف، أخذت المعارك طابعا آخر، حرب بين قوات الشعب المسلحة وقوات الدعم السريع. وفي الجنينة استمرت المعارك لأكثر من أسبوعين وقد تحولت بشكل أساسي لحرب أهلية حقيقية ما بين المكونات الاجتماعية الموجودة في هذه المدينة. لذلك نحن في حركة جيش تحرير السودان ندعو إلى إيقاف الحرب أولا، ونؤكد أننا طرف محايد ومستقل. في حال فشلنا في إيقاف الحرب، يجب العمل على ألا تتوسع رقعة الصراع إلى مستوى أكبر، لكن الحرب مرفوضة بشكل عام وهي لا تخدم وحدة البلاد ولا الشعب ولا مبادئ الثورة السودانية. لذلك أدعو الجيش وقوات الدعم السريع إلى إيقاف هذه الحرب العبثية. الوضع في السودان الآن هو كارثي وسيئ جدا. سنعمل مع شركائنا المدنيين في الداخل والخارج ومع المجتمع الدولي على إيقاف هذه الحرب".

 

آراء