دعونا من الشعارات وشغل الحسد !!   

 


 

فضيلي جماع
30 June, 2021

 

عكفت لفترة أتابع ما يكتبه الناشطون ونجوم (اللايفات) حول الشأن العام في بلادنا. ولأننا نعيش عصر الإنترنت فما تفتح حاسبك الآلي أو هاتفك النقال حتى يطل عليك أحدهم/ إحداهن – شئت أم أبيت - ليعطيك درساً مجانياً في السياسة وفي الإقتصاد وفي القانون. بل يفتي البعض بما سيحدث لهذه البلاد من خراب إن لم تذهب هذه الحكومة غير مأسوف عليها. ويذهب إلى أنّ الضائقة الإقتصادية التي تمر بها البلاد سببها حكومة الدكتور حمدوك التي حسب قوله/ قولها هي الحكومة التي تواطأت مع العسكر. وفي قول بعضهم الآخر حكومة العملاء ، صنيعة صندوق النقد الدولي. ويطالب هؤلاء بأن لا مخرج للبلاد من الضائقة المعيشية إلا بتغيير اللعبة كلها وتوزيع الأدوار من جديد، وكأنما التاريخ واقف في مكانه لا يتحرك قيد أنملة.

أعرف ويعرف كثيرون غيري أن الذين يدعون أن يخرج أبناء وبنات شعبنا يوم 30 يونيو منادين بذهاب حكومة الدكتور عبدالله حمدوك وكل مؤسسات وأوعية الفترة الإنتقالية لم يخرجوا عن إثنين :

1-     طائفة كانت مع الثورة السودانية في مسيرها ومصيرها طوال الثلاثين سنة . بل دفعوا ثمن الحرية مثلما دفعه الثوار من أبناء وبنات شعبنا. ولا نزاود على وطنيتهم أبداً، أو أن نكون غير منصفين . وأعني هنا وبوضوح بعض منابر اليسار السوداني وعلى رأسها الحزب الشيوعي السوداني.

2-     أما الطائفة الثانية ، فهذه لا يخشي سدنتها بالمجاهرة بكل ما هو قبيح وكل ما يمكن أن يذهب بريح ثورة ديسمبر العظيمة ، وفي البدء إنهاء الفترة الإنتقالية اليوم قبل الغد. ذلك لأن ثورة ديسمبر التي أذهلت العالم بسلميتها وتضحياتها وبدعوتها إلى الحرية والسلام والعدالة هي التي اقتلعت سلطتهم - سلطة حروب الإبادة والمجاعات وأجيال المخيمات. لن أضيع وقتي ووقت قراء هذا المقال في الحديث عن فلول النظام المباد.. فهم في محنةٍ لا يقدر على وصفها أبرع شعراء بلادي.


لن يتهور كاتب هذا المقال ليتهم الطائفة الأولى بالعمالة كما ذهبت بعض أقلام و (لايفات) منتسبيهم هذه الأيام في نعت كل من يقف إلى جانب فترة الإنتقال وإنجازاتها وتصويب عثراتها بالخيانة. لن نقول ذلك لأنه قول غير مسئول. فلنأخذ بحسن الظن في الآخر الذي

دفع معنا الثمن: موت وزنزانة وتشريد في بلاد الله الواسعة. لكن مصلحة وطننا فوق رؤوسنا أجمعين. وسنقول ما نراه الحق ، وللآخرين أن يركبوا ما عندهم من خيل وجمال. وليفتحوا في وجوهنا تهم العمالة وقصر النظر . أما نحن فنأخذ بالمثل السائد: يا جبل ما يهزك ريح. لكني أود أن أختم بالآتي ، عسى يفقهوا قولي اليوم قبل ضحي الغد:

•    إنّ الدكتور عبدالله حمدوك - الذي صار بهدوئه وخططه الراشدة رجل دولة بالمعنى الإيجابي للكلمة، رضي خصومه أم أبوا – لم يأت إلى مكتب رئاسة الوزراء على ظهر دبابة، بل جاءت به إرادة هذا الشعب والتي ارتضت حاضنتها السياسية بكل مكوناتها المتشاكسة والمتنافرة أن يقود العمل التنفيذي..لكنها قيادة لم تعطه التفويض الكامل كرئيس وزراء.. إذ ليس من حقه اختيار وزرائه ، بل تختارهم حاضنة متشاكسة من أحزاب لا تعرف غير (حقي وحقك). وفي الطرف الآخر عسكر هم أبناء النظام المباد منحتهم الوثيقة الدستورية المعيبة حق الفيتو في إثارة الغبار وفرملة مسير عمل حكومة الإنتقال حسب المزاج. يحدث ذلك بنص الوثيقة الدستورية التي وقعوها في احتفال وقفت شهوداً عليه المنظمات الدولية والإقليمية. إن الدكتور عبد الله حمدوك لم يجتهد إلا في إطار ما تسمح  به "وثيقتهم" وما يسمح به إجتهاده كخبير دولي في الإقتصاد والحوكمة. والكل يشهد بــأنه قاد سفينة الفترة الإنتقالية حتى الآن في بحر متلاطم الأمواج بحنكة يحسده عليها الأعداء وبعض الأصدقاء.

•    دعونا من مكبرات الصوت ومن لغة الشعارات slogans ولنتحدث بلغة ما هو منجز ومتاح. عندما جاء د. حمدوك إلى مكتب رئاسة الوزراء كانت خزينة البلاد خاوية. نهبها القراصنة (الأخوان المسلمون ) الذين يقولون اليوم أن حكومة حمدوك يجب أن تذهب لأنها حكومة الفقر والجوع.. فعلاً (الإختشوا ماتوا) !! حمدوك أستلم خزينة خاوية (ولا مليم) واستلم بلداً تلعلع أسلحة المليشيات في أطرافه وتهدد ما تبقى من كيانه. قام بالأولويات: ملف السلام وملف الإقتصاد. لن أسرد فالأطرش والأعمى في بلادنا يعلمان أن ملف السلام قد أوقف الحروب في بلادنا ولو إلى حين.

•    وبكل حنكة واقتدار استطاعت إدارة الرئيس عبد الله حمدوك أن ترفع إسم بلادنا من قائمة الدول الراعية للإرهاب - حجر العثرة الذي لو لم تبعده إدارة حمدوك عن الطريق لما استطعنا أن نتنفس الصعداء وأن نعود مكرمين إلى حضن المجتمع الدولي. لو لا رفع إسمنا من قائمة الإرهاب لظللنا محلك سر. فالعالم اليوم أكثر تماسكاً مما يحسبه الغافلون. وهبوط سعر البورصة في هونغ كونغ قد يضطرب معه مؤشر داو  جونز فتختل معه موازين المعاملات التجارية. لقد فات زمن الأيديولوجيا يا سادة.. نحن يحكمنا السوق والإعلام. هل يعلم دعاة سلطة الشعارات كم هو حجم التبادل التجاري بين الصين الشيوعية وأميريكا الإمبريالية؟

•    استطاعت إدارة د.عبد الله حمدوك - وسط كل المشاكسات من حاضنتها وعسكرهم- أن تقنع المؤسسات المالية صاحبة الربط والحل في اقتصاديات العالم بأننا – وقد عدنا لحضن المجتمع الدولي – نستطيع أن نكون شركاء بما في بلادنا من ثروات يسيل لها اللعاب. لذا فالذي حدث أن ديوننا - التي ابتلانا بمعظمها - نظام لصوص الأخوان  المسلمين - في طريقها ليتم إعفاؤها. الكثيرون يعرفون أن شركات ومؤسسات مالية ضخمة يسيل لعابها للإستثمار في السودان - الأمر الذي يحسدنا عليه القريب قبل البعيد.

لن أزيد . لكني أقول للذين يحسبون بأنهم سوف يهدون المعبد على رؤوسنا جميعاً يوم 30 يونيو أن يمضوا في أحلامهم التي ستنقلب عليهم كابوساً. أما إذا كانت السياسة هي فعل الممكن فإن ما قامت به حكومة فترة الإنتقال بقيادة الدكتور عبد الله حمدوك كان عملاً من صميم السياسة بكل صعودها وهبوطها ، وبكل عسرها ويسرها.

وختاماً.. نحن وأنتم وهم أمام محكمة الشعب الذي دفع أبناؤه أرواحهم ليصنعوا بلداً جديراً أن نعيش فيه بحرية وسلام وعدالة. وشعبنا يعرف أن هذه لن يحققها الدكتور حمدوك ولا سواه بين يوم وليلة. أمامنا أن نحافظ على مكتسبات هي للإنصاف أكبر من كل التوقعات بحكم الفترة القصيرة لعمر حكومة الإنتقال.

علينا أن نكون شعباً يحلم بالأجمل، لكنه في ذات الوقت يعمل لذلك الحلم النبيل بمنتهى الجد والإخلاص. أما الشعارات والمشاكسات وشغل الحسادة والمحاصصات فهذه لعبة الفشل والفاشلين.


فضيلي جمّاع

لندن

29 يونيو 2021


fjamma16@yahoo.com

 

آراء