ده حمدوك الحقيقي

 


 

كمال الهدي
22 November, 2021

 

تأمُلات
. متألم قطعاً كحال الكثير من السودانيين الغيورين على بلدهم لما آلت إليه الأمور بالأمس.

. لكنني لست مصدوماً في دكتور حمدوك ولا أحس بخذلان، لأنني توقعت من هذا الرجل الأسوأ دائماً.

. وكم استغربت واحترت في ثقة أهلنا العمياء في رجل لم يتعرفوا عليه ، أو يسمعوا به إلا يوم أن رشحه الطاغية البشير لمنصب وزير المالية فرفضه.

. لم أتخذ موقفاً مبدئياً رافضاً للشخصية لمجرد أنه رُشح لذاك المنصب، لكن منذ قدومه للسودان وأثناء لقائه الصحفي الأول بدأت في مراقبته عن كثب ومتابعة أقواله ومضاهاتها بأفعاله.

. وحين ظهر في ذلك المؤتمر برفقة داليا الروبي طرحت على نفسي أول سؤال: لماذا يستعين الوافد الجديد بشخصيات مجهولة الهوية ولا يأتمن شابات وشباب الثورة الذين مكنوه بتضحياتهم من المنصب!

. لكن لأننا كسودانيين نتلذذ بمن يدغدغ عواطفنا ويعزف على وتر المشاعر ما كانت الغالبية ترغب في سماع هكذا أسئلة وكفتهم فقط عبارات من شاكلة " شكراً حمدوك" التي كتبت كثيراً عن أنها ستوردنا المهالك بإعتبار أن حمدوك فرد، والفرد مهما كان لا يُفترض أن يُمنح صكوكاً على بياض، سيما عندما يقفز هذا الفرد لمثل منصب حمدوك بعد تضحيات جسيمة كالتي شهدناها في ثورة ديسمبر المسروقة.

. وبعد أن بدأ تواصله مع العالم الخارجي وحلحل مشاكل عديدة ظللنا نتساءل عن إصراره العجيب على اهمال الداخل مؤكدين مراراً أنه لو أتى بمليارات الدولارات يومياً دون محاسبة المفسدين ووضع الضوابط الصارمة واقصاء الفلول فلن نجني شيئاً من علاقاته الخارجية التي صدع البعض رؤوسنا بها.

. ثم جاءت الطامة الكبرى المتمثلة في مؤامرة جوبا التي سميت سلاماً وتساءلنا أيضاً عن الدور السلبي لقحت ودكتور حمدوك في هذا الملف الخطير، وتركهم للجمل بما حمل لحميدتي وكباشي والتعايشي ولم يجيبنا أحد أيضاً، فالسؤال حينها كان ممنوعاً رغم ترديدنا ليل نهار لشعار " ثورة الوعي".

. المتابع الحصيف لهذه الزاوية لابد أنه يتذكر جيداً التلميحات والتنبيهات والتحذيرات التي قصدت منها ألا يأتي يوم ينصدم فيه أهلنا (فهم ما ناقصين صدمات)، كما أردت أن ننتبه للمؤشرات السالبة حتى لا تؤدي لمثل الكارثة التي نعيشها اليوم.

. لكن ماذا نقول فيمن بلغ بهم الوهم درجة أن يوصموا حمدوك بصفات الأنبياء لمجرد صمته مع إن الصمت يمكن أن يكون غموضاً غير محبب، سلبية، أو اذعاناً لرغبات مخابراتية وتنفيذاً لأجندة خارجية.

قلنا مراراً أن حكمة رئيس وزراء حكومة أي ثورة لا تعني اطلاقاً (تطنيشه) لبعض أهم شعارات الثورة التي أتت به، لكن لم يسمعنا أحد أيضاً.

. لا أخفيكم سراً إن قلت أنني عانيت كثيراً بسبب طرحي للأسئلة حول شخصية حمدوك وما ظل يقوم به منذ توليه منصبه، فقد رفض الكثير من أقرب المقربين طرحي وأعتبروه تحاملاً وانتقاد قاسٍ لرجل ليس بيده الكثير، مع أن الدعم الذي وجده حمدوك لم يحظ به زعيم قبله.

. وبعد انقلاب السفاح البرهان لمحت ونبهت مراراً لخطر ماحق يمكن أن يكون مصدره هذا الحمدوك الذي وضعوه حينها تحت الإقامة الجبرية لأشياء في أنفسهم.

. ولم تكن بوستاتي المحذرة من بقاء برهان وحميدتي في المشهد برفقة أي كائن مدني، أو مقالاتي مثل " هل يتصدى للقيادة" سوى محاولات للتنبيه وضغط مسبق على حمدوك لكيلا يفعل ما فعله بالأمس.

. وبالطبع لا يمكن لكاتب عادي مثلي أن يمنع رجلاً مثله من اكمال سيناريو مُعد له سلفاً، لكن كان القصد أن نحرض شارعنا ضد المؤمرات التي تُحاك له.

. والمحزن أن بعضنا ما زالوا يؤملون ويتوهمون أن حمدوك قبل بالإتفاق لأنه ذكي وأنه ماضٍ في تحقيق شعارات الثورة.

. أعذروني إخوتي، لكن هذا وهم كبير ولهذا كتبت ما كتبته أعلاه حتى لا نستمر في التخدير حتى بعد خراب سوبا.

. الناظر لمشهد الأمس لابد أنه لاحظ أن أغلب من احتفوا بهذا الاتفاق المزعوم ووزعوا الابتسامات كانوا من الفلول ومعتصمي الموز والمحللين الاستراتيجيين (الوسخانين)، فكيف يحدثنا حمدوك واتفاقهم الوهمي بأن القصد هو جمع السودانيين على كلمة سواء!

. والمضحك المبكي أن الاتفاق تحدث عن جمع كافة الأطياف بإستثناء المؤتمر الوطني، مع أن البرهان لم يستعن منذ الخامس والعشرين من أكتوبر سوى بأعضاء المؤتمر الوطني وبعض السفلة المتماهين معهم.

. كما أن حمدوك (الكذوب) قال أن الاتفاق جاء لحقن دماء السودانيين، وكأن حكومته قد تمكنت خلال العامين الماضيين من محاسبة من قتلوا شبابنا أمام بوابة قيادة الجيش حساباً عسيراً لكي تُحقن الدماء.

. لا أدري على من يضحك الرجل، فهو يتفق مع اثنين من أشد القتلة فتكاً بشبابنا وفي ذات الوقت يوهمنا برغبته في حقن دماء السودانيين.

. حمدوك يقبل بحميدتي كنائب لرئيس مجلس السيادة وبوساطة شقيقه عبد الرحيم وفي نفس الوقت يحدثنا عن حكومة تكنوقراط.

. لقد سقطت ورقة التوت تماماً يا رجل فكفاك استعباطاً، وقل بالواضح الصريح أنك ما جئت للسودان إلا لتنفيذ أجندة ورغبات الآخرين ولهذا وجهت كل اهتمامك نحو الخارج مع الاهمال التام لفكرة ترتيب البيت من الداخل.

. لقد خنت الثورة والثوار وبعت دماء الشهداء بالرخيص بعد أن انتهى بك الأمر كموظف عند البرهان وحميدتي.

. ومن الآن فصاعداً ستلهج ألسنة الهندي عز الدين وضياء وغيرهما من كتبة الكيزان بالثناء عليك وستسمع منهم عبارة " شكراً حمدوك" التي تطربك.

. أما الثوار الأحرار فظني أن جُلهم قد عادوا لرشدهم وفهموا اللعبة القذرة.

. صحيح أنك عقدت المشهد كثيراً بخطوتك المخجلة ورجحت كفة الانقلابيين ومنحتهم شرعية ما كانوا يحلمون بها، لكن إذا الشعب أراد الحياة فلابد أن يجد ألف طريقة لكسر القيد.

kamalalhidai@hotmail.com
//////////////////

 

آراء