دور العمال في ثورة ديسمبر 2018

 


 

 

 

تهل علينا ذكرى أول مايو يوم العمال العالمي الذي يعبر عن نضالهم ضد كل أشكال القهر الطبقي والاجتماعي، والعنصري والنوعي، والاستغلال الرأسمالي بامتصاص فائض القيمة منهم ، وعن نضالهم من أجل حقوقهم المعيشية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، ولدورهم في الإنتاج ، ولذكرى شهداء الطبقة العاملة في أول مايو 1886 في شيكاغو واضرابهم الشهير من أجل تحديد ساعات العمل بثماني ساعات.

تمر ذكرى أول مايو في ظروف تمر فيها البلاد بثورة ديسمبر التي أزاحت الديكتاتور الفاسد، مجرم الحرب البشير من الحكم بعد ثلاثين عاما من القمع والنهب والحروب ، وبعده بيوم بالإسلامويين المطلوبين في جرائم الحرب في دارفور الفريق ابنعوف وكمال عبد المعروف بعد وصولهما للسلطة في انقلاب 11 أبريل ، وبعد ذلك استلم السلطة المجلس العسكري بقيادة عبد الفتاح البرهان ، وتعلم الجماهير رغم بعض التغييرات غير الكافية التي حدثت أن هذا المجلس امتداد للنظام الإسلاموي الفاسد ، ويراوغ في تسليم السلطة لقوي " الحرية والتغيير "، كما برز من المفاوضات معه، أنه يريد الاحتفاظ بمجلس السيادة، ويرفض الحكم المدني الديمقراطي مع تمثيل عسكري محدود يعبر عن القوى التي انحازت للثورة ، ويرفض أن تكون السيادة فيه مدنية وتعبر عن قوى الثورة.

عليه قررت قوى" الحرية التغيير" مواصلة الاعتصام والوجود في الشارع حتي الانتصار الكامل للثورة والتصفية للنظام الفاسد الذي مازالت رموزه موجودة في الوزارات والمؤسسات والسفارات والهيئات القضائية والعدلية والإعلامية ، والقوات النظامية، والبنوك والشركات التي تنهب في ثروات البلاد وتهربها للخارج. الخ.

يحاول مجلس الانقلاب العسكري أن يوهم الجماهير بأن وجوده في السلطة مهم ، حتى لا يحدث انفلات أمني ، وهى نفس الحجة التي كان يثيرها نظام البشير ، أنه اذا سقط نظامه ، فسوف تصبح البلاد مثل : سوريا واليمن ..الخ ، فذهب البشير ولم يحدث ذلك ، ولكن الخطر المباشر هو الانقلاب العسكري كما يتمثل في المجلس القائم ، والذي باستمراره يمكن أن تحدث فوضي ، وخاصة أن السلاح مازال في يد الإسلامويين ، ولم يتم إعادة هيكلة جهاز الأمن الذي ارتبط بالقمع والتعذيب وكل صنوف القهر ، بحيث يكون فقط جهازا لجمع المعلومات وتحليلها ورفعها ضمن وزارة الداخلية ، إضافة لتصفية سجونه وشركاته ومبانيه وتحويلها لمستشفيات ومدارس ، وجمع أسلحته وعتاده الحربي وضمها للجيش ، وكذلك جمع أسلحة المليشيات الإسلاموية من دفاع شعبي وكتائب ظل. الخ وضمها للجيش دون دمج أفرادها في القوات المسلحة .

وكذلك مواصلة تصفية كل شركات الاسلامويين الفاسدة ، واستعادة كل أموال وأصول الشعب التي تم نهبها . وكذلك استعادة الإعلام من الاسلامويين الفاسدين وتوظيفه لخدمة الشعب والثورة ، والتصدي بحزم لأكاذيب الدفاع عن الشريعة والتي تعنى عودة واستمرار نظام البشير الفاسد .

استمرار المجلس العسكري في الحكم يعني استمرار ميزانية الأمن والدفاع التي تبلغ 70 % من الميزانية، واستمرار الحروب والقمع والقوانين المقيدة للحريات التي لم يتم إلغائها حتى الآن، والمزيد من انخفاض قيمة الجنية السوداني والارتفاع المستمر في الأسعار والتضخم ، والمزيد من تدهور أوضاع العمال والجماهير المعيشية، والمزيد من تمكن نظام الرأسمالية الطفيلية القابض علي كل مفاصل الدولة ، والذي يعيش علي أموال وثروات الشعب.

عليه يصبح الخطر المباشر هو انقلاب المجلس العسكري الراهن الذي لن يسلم السلطة لقوى " الحرية والتغيير" ، وللحكم المدني ، حتى بعد سنتين ، وسوف يراوغ كعادة الإسلامويين في الحوار، عليه لا بديل غير مواصلة المعركة والاعتصام والوجود في الشارع حتي الاضراب السياسي العام والعصيان المدني لاسقاط المجلس العسكري وقيام الحكم المدني الديمقراطي.

لقد عانت الطبقة العاملة السودانية من النظام الإسلاموي الفاسد الذي رفع يده عن خدمات التعليم والصحة بحيث اصبحت للقادرين ، وقام بسياسة التحرير الاقتصادي الذي أدي للارتفاع الجنوني للأسعار ، وتدهور أوضاع الجماهير المعيشية ، حتى أصبحت نسبة الفقر 95% ، وقام بخصخصة قطاع الدولة ، وشرد الالاف من العاملين في مؤسسات مثل : السكة الحديد والنقل النهري والخطوط الجوية السودانية، والخطوط والبحرية، وحتى محاولة الصفقة الفاسدة الأخيرة لتأجير ميناء بورتسودان الجنوبي ، والتي تم تجميدها بعد ازاحة البشير ، في حين أن المطلوب مواصلة عمال الشحن والتفريغ والموانئ لنضالهم حتي إلغاء الصفقة الفاسدة التي تشرد العاملين ، وتنسف سيادة البلاد الوطنية.

كما قام النظام بعد الخصخصة بتشريد الالاف من العمال في مصانع النسيج والمحالج والسكر والمدابغ ومصانع الأسمنت التي تم بيعها بأسعار بخسة لمحاسيب الإسلامويين الفاسدين ، ضمن ممتلكات وأصول وأراضي الدولة الأخرى ، هذا وبلغ عدد الذين تم تشريدهم من العمل بعد انقلاب 30 يونيو 1989 الفاشي أكثر من 400 ألف ، وكما يقولون " قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق" ، وهذه جريمة لا تقل عن الابادة في دارفور التي بلغ عدد شهدائها 300 ألف مواطن ، مما أدي لأن يكون رموز النظام والرئيس السابق البشير مطلوبين للجنايات الدولية في جرائم حرب.

لقد لعب العمال دور كبيرا في ثورة ديسمبر 2018 ، فمنذ بداية الانقلاب قاوم العمال الخصخصة والتشريد ، وقام عمال السكة الحديد باضرابهم الشهير عام 1991 ، ضد تشريد العمال ومن أجل تحسين أجورهم الضعيفة ، وقام الإسلاموي محمد الحسن الأمين الذي كان واليا لنهر النيل ، بفصل ثلاثة ألف عامل من خيرة العمال والفنيين المهرة ، مما أدي لتدمير السكة الحديد، لم يكتف بذلك فقط ، بل قام في عملية قذرة بتشريد العمال من منازلهم بطريقة وحشية ، لم يفعلها حتى الاستعمار البريطاني في اضراب عمال السكة الحديد الشهير عام 1948 الذي استمر 3 شهور ، حتي انتزع العمال نقابتهم وقانون النقابات لعام 1948 ، وبعد ذلك قام النظام الفاسد ببيع وتدمير أصول السكة الحديد ، والتي يجب محاسبة كل الذين قاموا بتلك الجريمة بعد الثورة ، واستعادة أصول السكة الحديد.

رغم القمع والقهر واصل العمال نضالهم من أجل تحسين أجورهم وصرف استحقاقاتهم ومتأخراتهم، واستمرت اضراباتهم رغم أن عقوبة الاضراب في بداية الانقلاب كانت الاعدام ، وانتزعوا حق الاضراب الذي تم تضمينه في قانون النقابات لعام 2009 .

كما يواصل العمال مع بقية الموظفين والمهنيين نضالهم من أجل الغاء قانون نقابة المنشأة ، واصدار قانون ديمقراطي للنقابات يكفل ديمقراطية واستقلالية الحركة النقابية ، وضرورة عقد الجمعيات العمومية للعاملين في مجالات العمل والدراسة وتكوين لجانهم التمهيدية من أجل انتزاع دورهم والعمل من داخلها ، واستعادة نقاباتهم الشرعية ، التي تضمن استمرار ونجاح الثورة ، وتنفيذ الاضراب السياسي العام.

كما يواصل العمال نضالهم من أجل تحسين أوضاعهم المعيشية التي تدهورت جراء الارتفاع المستمر في الأسعار والتضخم الذي بلغ أكثر من 74 % ، وبلغ الحد الأدني للأجور قبل الثورة 425 جنيها " حوالي 8 دولار" ، في حين أخر دراسة قام بها المجلس الأعلى للآجور أن تكلفة المعيشة لأسرة مكونة من 5 أفراد حوالي 5800 جنية ، كما أنجز تجمع المهنيين دراسة قبل الثورة أن تكلفة المعيشة لتلك الأسرة حوالي 8000 جنية، أما مكتب النقابات المركزي للحزب الشيوعي فقد أنجز دراسة للحد الأدني للأجور بحوالي 13000 جنية.

رغم القمع والتشريد وتدهور الأوضاع المعيشية والظروف البشعة التي يعاني منها العمال والنساء ولأطفال في المصانع والورش، ومصادرة حق العمل النقابي بالقانون ، الا أن العمال واصلوا نضالهم ، وشاركوا في ثورة ديسمبر التي بلغ عدد شهدائها 53 ، وعدد المصابين 7343 ، وعدد المعتقلين أكثر من 2000 ، وكان موكب العمال في المدن والمناطق الصناعية يوم الأحد 24 مارس الذي أعطي دفعة قوية للثورة ، إضافة لتكوين تجمع العمال والحرفيين من أجل استعادة نقابات واتحاد العمال وقيام النقابات المستقلة ، وإلغاء قانون نقابة المنشأة ، وتحرير النقابات من عناصر المؤتمر الوطني الفاسدة ومحاسبتها في نهب ممتلكات العمال ومؤسساتهم.

وجاء قطار عمال السكة الحديد لميدان الاعتصام ليستعيد الدور التاريخي الذي لعبه العمال في ثورة 1924 وفي الاستقلال وثورة أكتوبر 1964 .

كما انه من المهم أن يستعيد العمال أنديتهم العمالية والجمعيات التعاونية ومؤسسات الخدمات الاجتماعية والتعليمية والصحية ، ومؤسسات الثقافة العمالية . الخ التي لعبت دورا كبيرا في تحسين أوضاع العمال المعيشية والثقافية والاجتماعية .

في ذكرى أول مايو ، فيكن احتفال العمال هذا العام علي أوسع نطاق جماهيري في الميادين والشوارع وساحة الاعتصام ، والمطالبة بأن يكون أول مايو عطلة رسمية ، فقد صادرت ديكتاتورية الاسلامويين الفاشية المعادية للعمال والشعب حق العمال في الاحتفال الرسمي به لحوالي 30 عاما.

عاش نضال الطبقة العاملة ، وعاش نضال الشعب السوداني ، والمجد و الخلود لشهداء الثورة ، وعاجل الشفاء للجرحي ، ولنواصل الثورة حتي تحقيق أهدافها وقيام الحكم المدني الانتقالي الديمقراطي.


alsirbabo@yahoo.co.uk
//////////////////

 

آراء