دور سواكن في حركة المقتنيات الثمينة بين القرنين الخامس عشر والتاسع عشر
بدر الدين حامد الهاشمي
7 January, 2024
7 January, 2024
The role of Suakin in the movement of valuables in the 15th - 19th centuries
لورنس اسمث وشادية طه وجاكي فيليبس وومايكل ماليسون
Laurence Smith, Shadia Taha, Jackre Phillips and Micheal Mallison
ترجمة: بدر الدين حامد الهاشمي
تقديم: هذه ترجمة مختصرة لبعض ما جاء في مقال طويل يتناول الأدلة التاريخية والأثرية لمرور "كنوز" عبر سواكن، كجزء من التجارة بين البحر الأحمر والمحيط الهندي. نُشِرَ المقال عام 2020م في العدد الأول من المجلد رقم 29، صفحات 517 – 541م، من مجلة "Polish Archaeology in the Mediterranean علم الآثار البولندي في البحر الأبيض المتوسط" التي تصدر عن جامعة وارسو. ويعمل كُتَّاب المقال في جامعة كمبردج، ومدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن.
أورد المقال عدداً من الصور والخرائط (شملت خريطة السودان وبها توضيح لحركة التجارة بين سواكن وعدد من المدن السودانية) وجداول عن التسلسل الزمني لتاريخ سواكن (بدايةً بعهد ما قبل العثمانيين، وانتهاءً بعهد الحكم الثنائي) وأنواع البضائع التي صُدرت أو اُسْتُورِدَتْ عبر ميناء سواكن، وكمياتها.
المترجم
******** ************ **********
بعض المعالم الأثرية في سواكن
شملت المعالم الأثرية المهمة التي تمت دراستها في الجزيرة التاريخية ثلاثة بيوت، ومقر الحاكم، وجامع الشافعية.
1/بيت الباشا: يقع هذا البيت بالقرب من مركز المدينة. وأجريت حفريات استكشافية في داخل البيت وفي المساحة الواقعة جنوب غربه. وباستخدام تقنية الكربون المشع أثبتت بحوث علمية أن عمر هذا البيت حوالي 800 سنة.
2/ جامع الشافعية: يقع هذا الجامع في اتجاه وسط مدينة الجزيرة. وكشفت أعمال التنقيب في وسط الفناء عام 2007م عن رصيف أو قاعدة مستطيلة والجزء العلوي من قاعدة (pier) أو عمود دائري، مع أرضية من الجِبس تظهر في أدنى مستوى تم التنقيب فيه. إن الطبيعة الدقيقة لهذا البناء غير مؤكدة، ولكن بالنظر إلى موقعه ربما يكون ذلك البناء مبدئياً هو لمسجد. وقد تم تنفيذ العديد منها لاحقاً في الرواق الجنوبي وفي الطرف الشرقي، مع وجود حفر استكشافية في الداخل والخارج. وأوضحت تقنية الكربون المشع أن أول بناء لذلك الجامع لذلك كان في أواخر القرن الثالث عشر وبدايات القرن الرابع عشر الميلادي.
3/ المحافظة (مقر إقامة المدير): أجريت أعمال التنقيب والاستكشاف داخل باحة المحافظة، الواقعة بالقرب من الطرف الشمالي لمدينة الجزيرة، لتحديد ما إذا كانت هناك مستويات مهنية (occupational levels) سابقة قبل توسيع المبنى في سبعينيات القرن التاسع عشر (ذكّر الكُتاب بمراحل التوسع الأربعة التي تمت فيها سكنى الدار. المترجم). ويمثل المبنى الحديث للمحافظة آخر المراحل، وهو يتكون من بَلاطة أرضية floor slabs وأساس من "مونة/ ملاط" اسمنتية؛ ولملء الفراغات استخدمت قاعدة رملية.
4/ بيت عثمان دقنة: يقع بيت هذا القائد المهدوي (الذي الحقت به "زواية") في الربع الجنوبي الغربي من مدينة الجزيرة. ويبدو أنه يقع على الحدود بين الجزيرة المرجانية الأصلية وبين المبنى الاصطناعي اللاحق حول محيطها. وأظهر خندق كان قد حفر على عمق حوالي 2.2 م عبر الشارع أمام البيت، خمس مراحل من النشاط. وكانت أول تلك المراحل في أواخر القرن السابع عشر أو الثامن عشر الميلادي. ثم هدم البيت ليقام مكانه مسجد في أواخر القرن الثامن عشر أو بدايات القرن التاسع عشر.
5/ بيت خورشيد أفندي: كان هذا هو المبنى الأول والأحدث الذي تمت دراسته، لكونه مرشحاً رئيسياُ للترميم، إذ أن جدران ديوانه لا تزال قائمة حتى مستوى السقف من جانب واحد. وله كذلك أهمية معمارية كبيرة، نسبةً لوجود أعمال الجبس المزخرفة بشكل متقن في ذلك الديوان. وتجري الآن (أي عام كتابة المقال. المترجم) أعمال الترميم لذلك الجزء من البيت. وجرت بين عامي 2002 و2010م ترميمات على الديوان، وهو الجزء الأساسي في البيت، وفي حوشه الخلفي أيضاً. وقد اكتشفت فيه حمامات وحجرات صغيرة لم يكن جان – بيير قرين لو قد أتى على ذكرها في كتابه العمدة عن معمار سواكن. ويتميز هذا الموقع ببقايا الروشانات (المشربيات) الخشبية التي تساقطت إلى الخارج بسقوط الأجزاء العليا من الجدار الأمامي للبيت. وكانت تلك المشربيات في السابق من أهم معالم معمار سواكن.
التسلسل الزمني لتاريخ سواكن
يستند التسلسل الزمني لتاريخ سواكن حالياً على التواريخ التي أظهرتها تقنية الكربون المشع، وعلى تسلسل المصنوعات اليدوية، إضافة إلى التأريخ الأسلوبي (stylistic dating) للواردات الأجنبية (وغالبها من الصين).
وتقسم مراحل التسلسل الزمني لتاريخ سواكن إلى خمس مراحل تبدأ بـ عهد ما قبل العثمانيين (من أواخر القرن الحادي عشر إلى بدايات القرن الخامس عشر)، ثم عهد العثمانيين والفونج (من نهاية القرن الخامس عشر إلى بداية القرن التاسع عشر)، وأعقب ذلك عهد المصريين من القرن الثامن عشر (ربما إلى ثمانينات القرن العشرين؟)، ثم انتقال السلطة بالجزيرة من المصريين إلى البريطانيين بعد ثمانينات القرن العشرين، وأخيراً، عهد الحكم الثنائي (الإنجليزي – المصري) في القرن العشرين.
طرق التجارة والتجار من وإلى سواكن
التجارة من الأراضي الداخلية
طورت وعززت سواكن من خلال موقعها بحسبانها محطةً نهائيةً على الطرق من مناطق الإنتاج ومراكز التجارة الوسيطة في الداخل. كما أنها كانت تعتمد كذلك على موقعها بالنسبة للطرق الأسهل عبر تلال البحر الأحمر. ولم تكن تلك الطرق الأخيرة سالكةً بشكل عام، إلا أن بعض الطرق عبر التلال كانت أسهل من غيرها، خاصةً بالنسبة للقوافل.
وكان بعض الكتاب المسلمين (مثل محمد صالح ضرار والشامي وأبو عائشة) قد أشاروا إلى أن سواكن كانت قد شاركت في التجارة إنابة عن الممالك المسيحية السودانية في وادي النيل والمناطق النائية منذ القرن الثامن الميلادي. وقام تجار مستقلون بتنظيم شبكات تجارية واسعة وفعالة وحيوية، ودخلوا في شراكات أعمال مع كثير من المراكز التجارية في بربر وكسلا وسوبا وشندي وسنار والفاشر والأبيض وغندار (عاصمة الحبشة قديماً) وإيدفو (بجنوب الأقصر المصرية)، وكانوا ينقلون القوافل من وإلى مصر ودارفور وإثيوبيا. وأكد سكان سواكن الذين قابلتهم شادية طه (المشاركة في كتابة هذا المقال) بين عامي 2008 و2009م أن لأسرهم صلات قوية بالوكلاء في كل المراكز التجارية التي سبق ذكرها.
وفي عام 1505م هدف سلطان الفونج لحماية التجارة البحرية من سواكن عبر السيطرة على المدينة ومناجم الذهب في شرق السودان. وعوضاً عن السعي للسيطرة الكاملة أو الضم، عقد سلطان الفونج معاهدات واتفاقيات مع معظم شيوخ القبائل لحماية القوافل على طول طرق التجارة ولفتح طرق التجارة إلى سنار. وعين سلطانهم أحد رجال عائلة الأرتيقا أميراً (1). وفي عهد الحكم الثنائي خفض البريطانيون لقب "الأمير" إلى عمدة، وظل لقب عمدة هو اللقب المستخدم.
كان لسواكن علاقات جيدة مع الرعاة الرحل، الذين كان بعضهم من قبائل البجا (بفروعها المختلفة) الذين كانوا يشتغلون بتجارة القوافل، إذ أن كل طرق التجارة الرئيسية تمر عبر منتصف بلاد البجا، وتربط سواكن بنقاط التجمع والتوزيع الرئيسية في الأراضي الداخلية. وكان الرعاة الرحل البجا يقودون القوافل ويرشدونها، وينقلون البضائع من الميناء إلى كثير من المناطق في داخل البلاد، إذ كانت هناك علاقات تجارية لسواكن مع معظم المدن بالمناطق الداخلية.
وتشمل البضائع التي تأتي لسواكن من المناطق الداخلية الكثير من المنتجات مثل حبوب السمسم والذرة والعسل والسمن والحيوانات من كسلا والقضارف (البطانة) ووادي النيل. وكانت لدى قبائل البجا الكثير من المنتجات الحيوانية، وإبل السباق، والأبقار، والضأن، الذي يمتاز بخواص ممتازة، وكان يصدر لمصر، ليس من أجل أكلها أو تربيتها، بل للعرض على الآخرين (for show)، كما ذكر العمري (2). وبسواكن كانت كذلك الأسماك وأصداف السلاحف والأصداف البحرية واللؤلؤ والطبقة الصدفية (أم اللؤلؤ) التي يمكن تصديرها لداخل البلاد وخارجها أيضاً. ومن طوكر يأتي القطن الذي يحلج في سواكن ويصدر منها للخارج. ويجلب لسواكن من سنار ودارفور بضائع شملت الذهب والعاج وريش النعام والصمغ العربي والخيول وأخشاب الأبنوس والتبغ والمطاط والمسك، وكذلك الرقيق. ويأتي عبر سواكن من إثيوبيا البن ومنتجات أخرى أصلها غير إثيوبي.
وفي نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين كان التجار القادمين لسواكن من خارجها، ومعهم بضائعهم، يقيمون في "وكالة الشناوي" في "البر/ القيف" المقابل للجزيرة. ويقوم التجار بتخزين تلك البضائع في مخازن بالطوابق السفلى لبيوتهم. وفي تلك الفترة، كان المسترقون والماشية والمواد الغذائية التي تجلب لسواكن ترسل إلى الحجاز. أما الصمغ العربي فقد كان يصدر لأوروبا (وما زال كذلك إلى الآن). أما قرون وحيد القرن فقد كانت تصدر من سواكن إلى الصين عبر اليمن أو ميناء جدة. وكانت للهند أيضاً صلات تجارية مهمة مع سواكن، وعاش بها عدد كبير من التجار الهنود في تلك الفترة.
الحج والتجارة
كان الحج مصدراً مهما من مصادر الاتصالات الخارجية ونقل الأفكار والبضائع، إلا أن دوره لم يلق اهتماماً كبيرا مقارنة بالعلاقات التجارية والسياسية الموثقة بشكل أفضل. وكان الحجاج يقطعون مسافات طويلة براً إلى مكة، ويسافرون لمسافات في الغالب مع القوافل التجارية أو في رحلات الحج المخصصة، وذلك طلباً للحماية. وكان الحجاج يسلكون طرق قوافل التجارة المعروفة والمحددة منذ أزمان بعيدة، التي توجد بها آبار وأنزال/ خَانَات caravanserais. فقد كان الرحالة السويسري بيركهاردت قد سافر للحجاز مع حجاج سودانيين من شندي إلى سواكن في عام 1814م في قافلة مكونة من 150 تاجراً و300 من المسترقين. وبالإضافة للحجاج المسلمين، كانت تلك القوافل تنقل أيضاً حجاجا مسيحيين من وادي النيل ومن أثيوبيا أيضاً إلى سواكن (وهؤلاء يسافرون من سواكن إلى القدس. المترجم). وكانت السفن التجارية من سواكن تنقل الحجاج من أجل زيادة دخلها. أما التجار فقد كانوا يسافرون إما بالقوافل أو بالبواخر، ولكن ليس بهما معاً. ومن جهة أخرى، كان الحجاج يمثلون حالة فريدة في تجسير طرق التجارة المنفصلة التي تتقاطع في سواكن والموانئ الأخرى.
الطرق والترابطات في التجارة البحرية
كانت سواكن وموانئ البحر الأحمر الأخرى جزءًا من طريقين تجاريين تاريخيين متنافسين من أوروبا إلى شرق آسيا: أحدهما يمر عبر القاهرة وميناءي القصير وعيذاب المصريين، ويمر الآخر عبر بغداد بالبر إلى البصرة وموانئ الخليج في فارس وإيران والساحل العربي. وكان الطريقان يقودان إلى الهند ثم إلى ساحل الصين وجزر التوابل. وربما كانت الأواني الخزفية التي اُكْتُشِفَتْ في سواكن (والتي يُعَدُّ أنها قد جاءت من شرق وجنوب شرق آسيا) قد أتت إليها عن طريق البحر، بعد أن نُقِلَتْ إلى جنوب الهند. وأدت العائلات العمانية التي كانت تسيطر على الكثير من هذه التجارة ولها علاقات متطورة مع الأوروبيين ومصالحهم، أدواراً كبيرة، لأنها ساهمت في ازدهار سواكن، وفي تراجعها وخفوت نجمها لاحقاً.
لقد كانت التجارة المبكرة من شرق آسيا تعتمد على السفن الشراعية التي تصل من الموانئ الهندية والعمانية في الرياح الموسمية، ومع ذلك، لم تكن تصل إلى تلك الموانئ إلا إلى الحد الذي تسمح به الرياح، وعادة ما تكون إما مينائي سواكن أو عيذاب بحسب الموسم. وكانت لجدة، على الشاطئ المقابل، نفس الأهمية، حيث كانت تشترك في التجارة وفي السكان أيضاً، الذين يتشاركون في العديد من الخصائص مع القبائل الساحلية السودانية (3).
كانت لسواكن مزايا عديدة تتفوق بها عن موانئ البحر الأحمر الشمالية، منها سهولة وصول الحيوانات والمسترقين والبضائع مثل البخور. غير أن مثل ذلك السوق الواسع لسواكن كان قد جعلها تعتمد في الامدادات على طرق التجارة البرية القادمة من داخل البلاد: فالبضائع يجلبها البدويون (البجا) والمسترقين، والذهب يتم تسليمه عن طريق التجار من ممالك في المناطق الداخلية بالبلاد. ونتج عن ذلك – كما هو متوقع – اختلاط مجموعات سكانية من أصول مختلفة وعيشها معاً في سواكن، وتمثيل للسلع التجارية المحددة في الثقافة المادية المكتشفة في سواكن. وتطورت الأعراق (الإثنيات) المحددة التي تقطن بالميناء حتى غدت هوية "سواكنية" محددة، تنتمي على قبيلة الأرتيقا (1). ومن خلال روابط المصاهرة مع شعوب حضرموت والموانئ العمانية، جعلت تلك القبيلة سكان الساحل الشرقي لأفريقيا على اتصال مباشر مع دول الخليج وعمان.
****
أورد الكُتَّاب بالمقال في جدول رقم (2) تفاصيل أنواع وأماكن البضائع التي كان يُتاجر بها عبر سواكن في الفترة بين القرن الخامس عشر إلى القرن التاسع عشر. ففي القرن الخامس عشر مثلاً كانت التجارة في الذهب والعاج تمارس مع الجزيرة العربية ومصر وإثيوبيا والهند وملقا /ملكا (ولاية في ماليزيا) وباجو (بالملايو / مينمار). أما في القرن الثامن عشر فقد كانت تجارة سواكن مع الصين والهند في الذهب والعاج واللؤلؤ واللبان وأصداف السلاحف وقرون وحيد القرن والصمغ العربي ونبات المر (Myrrh) والكاسيا (Cassia). وحتى ستينيات القرن التاسع عشر كانت تجارة سواكن مع مصر والجزيرة العربية (خاصة جدة) تشمل الرقيق والعاج والذهب واللؤلؤ وريش النعام والتبغ والجير والذرة وشمع العسل والصمغ (العربي؟) والجلود والسنامكي والقطن. أما في أخريات القرن التاسع عشر، شملت تجارة سواكن مع مصر والسعودية وبلد فارس (إيران) والهند وأوروبا الأقمشة الحريرية والسجاجيد والعطور وزيت السمسم والخيول والضأن والأبقار والإبل والأعلاف. وأورد الكتاب بالمقال في جدول رقم (3) أوزان البضائع التي نقلت من ميناء سواكن في أواخر القرن التاسع عشر. فعلى سبيل المثال شُحن من سواكن 155,450 كجم و 614,165 كجم من الصمغ إلى السويس وجدة، على التوالي. وشُحن منها أيضا لجدة 30,042 كجم من العاج و893,772 أردباً من السمسم.
الخلاصة
كانت ميناء ومدنية سواكن مهمة من القرن السادس عشر إلى القرن التاسع عشر (وربما بعد ذلك) نسبة لتجارتها في المقتنيات الثمينة، خاصة الذهب والعاج والرقيق والبخور الذي يأتيها من المناطق الداخلية بالبلاد؛ وكذلك اللؤلؤ المستخرج من بيئتها البحرية. واكتسبت سواكن أهميتها أيضاً مما يستورد للبلد عبرها من أوانٍ خزفية قيّمة، ومنسوجات حريرية وسجاد وزجاج العطور وبهارات وأخشاب. وليس لزجاج العطور من وجود في سجلات الآثار الباقية بعكس الأخشاب التي لها – إلى حد ما – ذكر في تلك السجلات. ومِنْ ثَمَّ، لا بد من النظر في الجمع بين الأدلة الأثرية والتاريخية والإثنوغرافية لتشكيل صورة عن التجارة في المقتنيات الثمينة، على وجه الخصوص، والطريقة (أو الطرق) التي كانت تتم بها هذه التجارة.
ولموقع سواكن أهمية كبيرة أيضاً. فقد كان لإنشاء وتطور سواكن علاقة بالطرق من وإلى مناطق الإنتاج، وبالمراكز التجارية الوسيطة في الداخل. وكان لموقعها علاقة أيضاً بمكان الميناء، بالنسبة إلى الطرق الأسهل عبر تلال البحر الأحمر.
وكانت للصلات والعلاقات الشخصية أهمية أيضاَ في ممارسة التجارة بسواكن. ويبدو جلياً أن حكام سواكن والإداريين وعائلات التجار كانوا بارعين في سن وتسهيل، وربما حتى التلاعب، بالأهداف الاقتصادية للمجتمعات داخل أفريقيا وفي جميع أنحاء العالم على نطاق أوسع. وفي الواقع، من خلال النقل المتبادل للسلع والمنتجات الأساسية المطلوبة للمجتمعات الداخلية والخارجية، قام أولئك التجار بتحفيز ونقل التطلعات الأوسع لتلك المجتمعات الشديدة الاختلاف.
********** ******** ************
إحالات مرجعية
1/ قبيلة الأرتيقة هي قبيلة عربية هاشمية حكمت سواكن ثمانية قرون متواصلة ويرجع تاريخها إلى هجرة جدهم الشريف علي بن عبد الله الداعي من جبل حرام باليمن إلى مصوع ثم إلى سواكن وكانت آنذاك تحت إمارة قبيلة بلي القضاعية.
2/ لعل العمري المقصود هو أحد أقرباء أمير سابق لمكة ويحتفظ بعلاقات جيدة مع قبيلة البجا التي تنتمي أمه إليها.
3/ أشار كُتَّاب المقال هنا لما ذكره ابن خلدون في مقدمته عن تلك المسألة.
alibadreldin@hotmail.com
لورنس اسمث وشادية طه وجاكي فيليبس وومايكل ماليسون
Laurence Smith, Shadia Taha, Jackre Phillips and Micheal Mallison
ترجمة: بدر الدين حامد الهاشمي
تقديم: هذه ترجمة مختصرة لبعض ما جاء في مقال طويل يتناول الأدلة التاريخية والأثرية لمرور "كنوز" عبر سواكن، كجزء من التجارة بين البحر الأحمر والمحيط الهندي. نُشِرَ المقال عام 2020م في العدد الأول من المجلد رقم 29، صفحات 517 – 541م، من مجلة "Polish Archaeology in the Mediterranean علم الآثار البولندي في البحر الأبيض المتوسط" التي تصدر عن جامعة وارسو. ويعمل كُتَّاب المقال في جامعة كمبردج، ومدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن.
أورد المقال عدداً من الصور والخرائط (شملت خريطة السودان وبها توضيح لحركة التجارة بين سواكن وعدد من المدن السودانية) وجداول عن التسلسل الزمني لتاريخ سواكن (بدايةً بعهد ما قبل العثمانيين، وانتهاءً بعهد الحكم الثنائي) وأنواع البضائع التي صُدرت أو اُسْتُورِدَتْ عبر ميناء سواكن، وكمياتها.
المترجم
******** ************ **********
بعض المعالم الأثرية في سواكن
شملت المعالم الأثرية المهمة التي تمت دراستها في الجزيرة التاريخية ثلاثة بيوت، ومقر الحاكم، وجامع الشافعية.
1/بيت الباشا: يقع هذا البيت بالقرب من مركز المدينة. وأجريت حفريات استكشافية في داخل البيت وفي المساحة الواقعة جنوب غربه. وباستخدام تقنية الكربون المشع أثبتت بحوث علمية أن عمر هذا البيت حوالي 800 سنة.
2/ جامع الشافعية: يقع هذا الجامع في اتجاه وسط مدينة الجزيرة. وكشفت أعمال التنقيب في وسط الفناء عام 2007م عن رصيف أو قاعدة مستطيلة والجزء العلوي من قاعدة (pier) أو عمود دائري، مع أرضية من الجِبس تظهر في أدنى مستوى تم التنقيب فيه. إن الطبيعة الدقيقة لهذا البناء غير مؤكدة، ولكن بالنظر إلى موقعه ربما يكون ذلك البناء مبدئياً هو لمسجد. وقد تم تنفيذ العديد منها لاحقاً في الرواق الجنوبي وفي الطرف الشرقي، مع وجود حفر استكشافية في الداخل والخارج. وأوضحت تقنية الكربون المشع أن أول بناء لذلك الجامع لذلك كان في أواخر القرن الثالث عشر وبدايات القرن الرابع عشر الميلادي.
3/ المحافظة (مقر إقامة المدير): أجريت أعمال التنقيب والاستكشاف داخل باحة المحافظة، الواقعة بالقرب من الطرف الشمالي لمدينة الجزيرة، لتحديد ما إذا كانت هناك مستويات مهنية (occupational levels) سابقة قبل توسيع المبنى في سبعينيات القرن التاسع عشر (ذكّر الكُتاب بمراحل التوسع الأربعة التي تمت فيها سكنى الدار. المترجم). ويمثل المبنى الحديث للمحافظة آخر المراحل، وهو يتكون من بَلاطة أرضية floor slabs وأساس من "مونة/ ملاط" اسمنتية؛ ولملء الفراغات استخدمت قاعدة رملية.
4/ بيت عثمان دقنة: يقع بيت هذا القائد المهدوي (الذي الحقت به "زواية") في الربع الجنوبي الغربي من مدينة الجزيرة. ويبدو أنه يقع على الحدود بين الجزيرة المرجانية الأصلية وبين المبنى الاصطناعي اللاحق حول محيطها. وأظهر خندق كان قد حفر على عمق حوالي 2.2 م عبر الشارع أمام البيت، خمس مراحل من النشاط. وكانت أول تلك المراحل في أواخر القرن السابع عشر أو الثامن عشر الميلادي. ثم هدم البيت ليقام مكانه مسجد في أواخر القرن الثامن عشر أو بدايات القرن التاسع عشر.
5/ بيت خورشيد أفندي: كان هذا هو المبنى الأول والأحدث الذي تمت دراسته، لكونه مرشحاً رئيسياُ للترميم، إذ أن جدران ديوانه لا تزال قائمة حتى مستوى السقف من جانب واحد. وله كذلك أهمية معمارية كبيرة، نسبةً لوجود أعمال الجبس المزخرفة بشكل متقن في ذلك الديوان. وتجري الآن (أي عام كتابة المقال. المترجم) أعمال الترميم لذلك الجزء من البيت. وجرت بين عامي 2002 و2010م ترميمات على الديوان، وهو الجزء الأساسي في البيت، وفي حوشه الخلفي أيضاً. وقد اكتشفت فيه حمامات وحجرات صغيرة لم يكن جان – بيير قرين لو قد أتى على ذكرها في كتابه العمدة عن معمار سواكن. ويتميز هذا الموقع ببقايا الروشانات (المشربيات) الخشبية التي تساقطت إلى الخارج بسقوط الأجزاء العليا من الجدار الأمامي للبيت. وكانت تلك المشربيات في السابق من أهم معالم معمار سواكن.
التسلسل الزمني لتاريخ سواكن
يستند التسلسل الزمني لتاريخ سواكن حالياً على التواريخ التي أظهرتها تقنية الكربون المشع، وعلى تسلسل المصنوعات اليدوية، إضافة إلى التأريخ الأسلوبي (stylistic dating) للواردات الأجنبية (وغالبها من الصين).
وتقسم مراحل التسلسل الزمني لتاريخ سواكن إلى خمس مراحل تبدأ بـ عهد ما قبل العثمانيين (من أواخر القرن الحادي عشر إلى بدايات القرن الخامس عشر)، ثم عهد العثمانيين والفونج (من نهاية القرن الخامس عشر إلى بداية القرن التاسع عشر)، وأعقب ذلك عهد المصريين من القرن الثامن عشر (ربما إلى ثمانينات القرن العشرين؟)، ثم انتقال السلطة بالجزيرة من المصريين إلى البريطانيين بعد ثمانينات القرن العشرين، وأخيراً، عهد الحكم الثنائي (الإنجليزي – المصري) في القرن العشرين.
طرق التجارة والتجار من وإلى سواكن
التجارة من الأراضي الداخلية
طورت وعززت سواكن من خلال موقعها بحسبانها محطةً نهائيةً على الطرق من مناطق الإنتاج ومراكز التجارة الوسيطة في الداخل. كما أنها كانت تعتمد كذلك على موقعها بالنسبة للطرق الأسهل عبر تلال البحر الأحمر. ولم تكن تلك الطرق الأخيرة سالكةً بشكل عام، إلا أن بعض الطرق عبر التلال كانت أسهل من غيرها، خاصةً بالنسبة للقوافل.
وكان بعض الكتاب المسلمين (مثل محمد صالح ضرار والشامي وأبو عائشة) قد أشاروا إلى أن سواكن كانت قد شاركت في التجارة إنابة عن الممالك المسيحية السودانية في وادي النيل والمناطق النائية منذ القرن الثامن الميلادي. وقام تجار مستقلون بتنظيم شبكات تجارية واسعة وفعالة وحيوية، ودخلوا في شراكات أعمال مع كثير من المراكز التجارية في بربر وكسلا وسوبا وشندي وسنار والفاشر والأبيض وغندار (عاصمة الحبشة قديماً) وإيدفو (بجنوب الأقصر المصرية)، وكانوا ينقلون القوافل من وإلى مصر ودارفور وإثيوبيا. وأكد سكان سواكن الذين قابلتهم شادية طه (المشاركة في كتابة هذا المقال) بين عامي 2008 و2009م أن لأسرهم صلات قوية بالوكلاء في كل المراكز التجارية التي سبق ذكرها.
وفي عام 1505م هدف سلطان الفونج لحماية التجارة البحرية من سواكن عبر السيطرة على المدينة ومناجم الذهب في شرق السودان. وعوضاً عن السعي للسيطرة الكاملة أو الضم، عقد سلطان الفونج معاهدات واتفاقيات مع معظم شيوخ القبائل لحماية القوافل على طول طرق التجارة ولفتح طرق التجارة إلى سنار. وعين سلطانهم أحد رجال عائلة الأرتيقا أميراً (1). وفي عهد الحكم الثنائي خفض البريطانيون لقب "الأمير" إلى عمدة، وظل لقب عمدة هو اللقب المستخدم.
كان لسواكن علاقات جيدة مع الرعاة الرحل، الذين كان بعضهم من قبائل البجا (بفروعها المختلفة) الذين كانوا يشتغلون بتجارة القوافل، إذ أن كل طرق التجارة الرئيسية تمر عبر منتصف بلاد البجا، وتربط سواكن بنقاط التجمع والتوزيع الرئيسية في الأراضي الداخلية. وكان الرعاة الرحل البجا يقودون القوافل ويرشدونها، وينقلون البضائع من الميناء إلى كثير من المناطق في داخل البلاد، إذ كانت هناك علاقات تجارية لسواكن مع معظم المدن بالمناطق الداخلية.
وتشمل البضائع التي تأتي لسواكن من المناطق الداخلية الكثير من المنتجات مثل حبوب السمسم والذرة والعسل والسمن والحيوانات من كسلا والقضارف (البطانة) ووادي النيل. وكانت لدى قبائل البجا الكثير من المنتجات الحيوانية، وإبل السباق، والأبقار، والضأن، الذي يمتاز بخواص ممتازة، وكان يصدر لمصر، ليس من أجل أكلها أو تربيتها، بل للعرض على الآخرين (for show)، كما ذكر العمري (2). وبسواكن كانت كذلك الأسماك وأصداف السلاحف والأصداف البحرية واللؤلؤ والطبقة الصدفية (أم اللؤلؤ) التي يمكن تصديرها لداخل البلاد وخارجها أيضاً. ومن طوكر يأتي القطن الذي يحلج في سواكن ويصدر منها للخارج. ويجلب لسواكن من سنار ودارفور بضائع شملت الذهب والعاج وريش النعام والصمغ العربي والخيول وأخشاب الأبنوس والتبغ والمطاط والمسك، وكذلك الرقيق. ويأتي عبر سواكن من إثيوبيا البن ومنتجات أخرى أصلها غير إثيوبي.
وفي نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين كان التجار القادمين لسواكن من خارجها، ومعهم بضائعهم، يقيمون في "وكالة الشناوي" في "البر/ القيف" المقابل للجزيرة. ويقوم التجار بتخزين تلك البضائع في مخازن بالطوابق السفلى لبيوتهم. وفي تلك الفترة، كان المسترقون والماشية والمواد الغذائية التي تجلب لسواكن ترسل إلى الحجاز. أما الصمغ العربي فقد كان يصدر لأوروبا (وما زال كذلك إلى الآن). أما قرون وحيد القرن فقد كانت تصدر من سواكن إلى الصين عبر اليمن أو ميناء جدة. وكانت للهند أيضاً صلات تجارية مهمة مع سواكن، وعاش بها عدد كبير من التجار الهنود في تلك الفترة.
الحج والتجارة
كان الحج مصدراً مهما من مصادر الاتصالات الخارجية ونقل الأفكار والبضائع، إلا أن دوره لم يلق اهتماماً كبيرا مقارنة بالعلاقات التجارية والسياسية الموثقة بشكل أفضل. وكان الحجاج يقطعون مسافات طويلة براً إلى مكة، ويسافرون لمسافات في الغالب مع القوافل التجارية أو في رحلات الحج المخصصة، وذلك طلباً للحماية. وكان الحجاج يسلكون طرق قوافل التجارة المعروفة والمحددة منذ أزمان بعيدة، التي توجد بها آبار وأنزال/ خَانَات caravanserais. فقد كان الرحالة السويسري بيركهاردت قد سافر للحجاز مع حجاج سودانيين من شندي إلى سواكن في عام 1814م في قافلة مكونة من 150 تاجراً و300 من المسترقين. وبالإضافة للحجاج المسلمين، كانت تلك القوافل تنقل أيضاً حجاجا مسيحيين من وادي النيل ومن أثيوبيا أيضاً إلى سواكن (وهؤلاء يسافرون من سواكن إلى القدس. المترجم). وكانت السفن التجارية من سواكن تنقل الحجاج من أجل زيادة دخلها. أما التجار فقد كانوا يسافرون إما بالقوافل أو بالبواخر، ولكن ليس بهما معاً. ومن جهة أخرى، كان الحجاج يمثلون حالة فريدة في تجسير طرق التجارة المنفصلة التي تتقاطع في سواكن والموانئ الأخرى.
الطرق والترابطات في التجارة البحرية
كانت سواكن وموانئ البحر الأحمر الأخرى جزءًا من طريقين تجاريين تاريخيين متنافسين من أوروبا إلى شرق آسيا: أحدهما يمر عبر القاهرة وميناءي القصير وعيذاب المصريين، ويمر الآخر عبر بغداد بالبر إلى البصرة وموانئ الخليج في فارس وإيران والساحل العربي. وكان الطريقان يقودان إلى الهند ثم إلى ساحل الصين وجزر التوابل. وربما كانت الأواني الخزفية التي اُكْتُشِفَتْ في سواكن (والتي يُعَدُّ أنها قد جاءت من شرق وجنوب شرق آسيا) قد أتت إليها عن طريق البحر، بعد أن نُقِلَتْ إلى جنوب الهند. وأدت العائلات العمانية التي كانت تسيطر على الكثير من هذه التجارة ولها علاقات متطورة مع الأوروبيين ومصالحهم، أدواراً كبيرة، لأنها ساهمت في ازدهار سواكن، وفي تراجعها وخفوت نجمها لاحقاً.
لقد كانت التجارة المبكرة من شرق آسيا تعتمد على السفن الشراعية التي تصل من الموانئ الهندية والعمانية في الرياح الموسمية، ومع ذلك، لم تكن تصل إلى تلك الموانئ إلا إلى الحد الذي تسمح به الرياح، وعادة ما تكون إما مينائي سواكن أو عيذاب بحسب الموسم. وكانت لجدة، على الشاطئ المقابل، نفس الأهمية، حيث كانت تشترك في التجارة وفي السكان أيضاً، الذين يتشاركون في العديد من الخصائص مع القبائل الساحلية السودانية (3).
كانت لسواكن مزايا عديدة تتفوق بها عن موانئ البحر الأحمر الشمالية، منها سهولة وصول الحيوانات والمسترقين والبضائع مثل البخور. غير أن مثل ذلك السوق الواسع لسواكن كان قد جعلها تعتمد في الامدادات على طرق التجارة البرية القادمة من داخل البلاد: فالبضائع يجلبها البدويون (البجا) والمسترقين، والذهب يتم تسليمه عن طريق التجار من ممالك في المناطق الداخلية بالبلاد. ونتج عن ذلك – كما هو متوقع – اختلاط مجموعات سكانية من أصول مختلفة وعيشها معاً في سواكن، وتمثيل للسلع التجارية المحددة في الثقافة المادية المكتشفة في سواكن. وتطورت الأعراق (الإثنيات) المحددة التي تقطن بالميناء حتى غدت هوية "سواكنية" محددة، تنتمي على قبيلة الأرتيقا (1). ومن خلال روابط المصاهرة مع شعوب حضرموت والموانئ العمانية، جعلت تلك القبيلة سكان الساحل الشرقي لأفريقيا على اتصال مباشر مع دول الخليج وعمان.
****
أورد الكُتَّاب بالمقال في جدول رقم (2) تفاصيل أنواع وأماكن البضائع التي كان يُتاجر بها عبر سواكن في الفترة بين القرن الخامس عشر إلى القرن التاسع عشر. ففي القرن الخامس عشر مثلاً كانت التجارة في الذهب والعاج تمارس مع الجزيرة العربية ومصر وإثيوبيا والهند وملقا /ملكا (ولاية في ماليزيا) وباجو (بالملايو / مينمار). أما في القرن الثامن عشر فقد كانت تجارة سواكن مع الصين والهند في الذهب والعاج واللؤلؤ واللبان وأصداف السلاحف وقرون وحيد القرن والصمغ العربي ونبات المر (Myrrh) والكاسيا (Cassia). وحتى ستينيات القرن التاسع عشر كانت تجارة سواكن مع مصر والجزيرة العربية (خاصة جدة) تشمل الرقيق والعاج والذهب واللؤلؤ وريش النعام والتبغ والجير والذرة وشمع العسل والصمغ (العربي؟) والجلود والسنامكي والقطن. أما في أخريات القرن التاسع عشر، شملت تجارة سواكن مع مصر والسعودية وبلد فارس (إيران) والهند وأوروبا الأقمشة الحريرية والسجاجيد والعطور وزيت السمسم والخيول والضأن والأبقار والإبل والأعلاف. وأورد الكتاب بالمقال في جدول رقم (3) أوزان البضائع التي نقلت من ميناء سواكن في أواخر القرن التاسع عشر. فعلى سبيل المثال شُحن من سواكن 155,450 كجم و 614,165 كجم من الصمغ إلى السويس وجدة، على التوالي. وشُحن منها أيضا لجدة 30,042 كجم من العاج و893,772 أردباً من السمسم.
الخلاصة
كانت ميناء ومدنية سواكن مهمة من القرن السادس عشر إلى القرن التاسع عشر (وربما بعد ذلك) نسبة لتجارتها في المقتنيات الثمينة، خاصة الذهب والعاج والرقيق والبخور الذي يأتيها من المناطق الداخلية بالبلاد؛ وكذلك اللؤلؤ المستخرج من بيئتها البحرية. واكتسبت سواكن أهميتها أيضاً مما يستورد للبلد عبرها من أوانٍ خزفية قيّمة، ومنسوجات حريرية وسجاد وزجاج العطور وبهارات وأخشاب. وليس لزجاج العطور من وجود في سجلات الآثار الباقية بعكس الأخشاب التي لها – إلى حد ما – ذكر في تلك السجلات. ومِنْ ثَمَّ، لا بد من النظر في الجمع بين الأدلة الأثرية والتاريخية والإثنوغرافية لتشكيل صورة عن التجارة في المقتنيات الثمينة، على وجه الخصوص، والطريقة (أو الطرق) التي كانت تتم بها هذه التجارة.
ولموقع سواكن أهمية كبيرة أيضاً. فقد كان لإنشاء وتطور سواكن علاقة بالطرق من وإلى مناطق الإنتاج، وبالمراكز التجارية الوسيطة في الداخل. وكان لموقعها علاقة أيضاً بمكان الميناء، بالنسبة إلى الطرق الأسهل عبر تلال البحر الأحمر.
وكانت للصلات والعلاقات الشخصية أهمية أيضاَ في ممارسة التجارة بسواكن. ويبدو جلياً أن حكام سواكن والإداريين وعائلات التجار كانوا بارعين في سن وتسهيل، وربما حتى التلاعب، بالأهداف الاقتصادية للمجتمعات داخل أفريقيا وفي جميع أنحاء العالم على نطاق أوسع. وفي الواقع، من خلال النقل المتبادل للسلع والمنتجات الأساسية المطلوبة للمجتمعات الداخلية والخارجية، قام أولئك التجار بتحفيز ونقل التطلعات الأوسع لتلك المجتمعات الشديدة الاختلاف.
********** ******** ************
إحالات مرجعية
1/ قبيلة الأرتيقة هي قبيلة عربية هاشمية حكمت سواكن ثمانية قرون متواصلة ويرجع تاريخها إلى هجرة جدهم الشريف علي بن عبد الله الداعي من جبل حرام باليمن إلى مصوع ثم إلى سواكن وكانت آنذاك تحت إمارة قبيلة بلي القضاعية.
2/ لعل العمري المقصود هو أحد أقرباء أمير سابق لمكة ويحتفظ بعلاقات جيدة مع قبيلة البجا التي تنتمي أمه إليها.
3/ أشار كُتَّاب المقال هنا لما ذكره ابن خلدون في مقدمته عن تلك المسألة.
alibadreldin@hotmail.com