دولة الجنوب والتحديات الكبرى في مواجهة كل من السودان ومصر .. إعداد: د. حلمي عبد الكريم الزعبي

 


 

دراسات وبحوث
26 September, 2011

 



من إعداد: الدكتور حلمي عبد الكريم الزعبي

المركز العربي للدراسات والتوثيق المعلوماتي

التقرير الاستراتيجي الشهري لشهر آب/2011

مصر والسودان هما الطرفان الخاسران والأكثر تضررا جراء انفصال جنوب السودان والإعلان عن قيام دولة الجنوب

مدى ارتباط الدولة الوليدة في الجنوب بإسرائيل، وخطط إسرائيلية لتوظيفها

التحديات المحتمل انطلاقها من دولة الجنوب.

انفصال الجنوب والدولة الوليدة والتداعيات على الأمن القومي المصري

رؤى إستراتيجية في مواجهة تحديات إستراتيجية ضد مصر والسودان

دولة الجنوب والتحديات الكبرى في مواجهة كل من السودان ومصر


لم يفتأ المحللون ممن تابعوا ويتابعون الوضع السوداني منذ ظهور نتائج استفتاء التاسع من يناير 2011 التي حسمت أمر الانفصال ثم الإعلان عن ولادة دولة الجنوب في السودان في التاسع من شهر تموز (يوليو) الماضي يؤكدون أن مصر هي الطرف المتضرر والخاسر الرئيسي بعد السودان جراء هذا الانفصال وولادة دولة وظيفية توظفها دول كبرى مثل الولايات المتحدة ودولة إقليمية هي إسرائيل لخدمة أهدافها ومصالحها.
وتأكدت مصداقية رؤاهم وتحليلاتهم، بعد الإعلان عن ولادة الجنوب عندما طل علينا الرأس الإسرائيلي ليفصح عن مدى ارتباط تلك الدولة الوليدة بإسرائيل وعن خطط إسرائيلية لتوظيفها في نطاق مصالحها الإستراتيجية.
الإطلالة الأولى: كانت الرأس الإسرائيلية (بنيامين نتنياهو)، هذا عندما انبرى أن إسرائيل قررت تقديم حزمة من المساعدات في كافة المجالات لتكون قادرة على القيام بمسؤولياتها ودورها كدولة في منطقة بالغة الأهمية هي شرق إفريقيا.
من بين مكونات هذه الحزمة من المساعدات التي أزيح الستار عنها تقديم أسلحة ووسائل قتال متطورة من صنع إسرائيلي، وتولي قيادات عسكرية إسرائيلية لإعادة بناء جيش الدولة الوليدة على نفس الأسس التي بني عليها الجيش الإسرائيلي، وكذلك نسج العقيدة العسكرية الإسرائيلية وتبينها من قبل جيش جنوب السودان وهي عقيدة "عدوانية اقتحامية".
ويعكس هذا التوجه الإسرائيلي إرادة بل قراراً إسرائيلياً بتحقيق تطابق في المصالح بين إسرائيل ودولة الجنوب وليس مجرد تقارب في المصالح.
وما صرّح به مستشار (نتنياهو) للأمن القومي الجنرال (يعقوب عميدرور) وهو يوضح ويفسر قرار (نتنياهو) بضخ كل أسباب الدعم إلى دولة الجنوب يوضح هذه الحقيقة إلى أبعد مدى:
(عميدرور) في مقابلة مع إذاعة الجيش الإسرائيلي يوم الخميس 14 تموز (يوليو) تحدث عن الرؤى السياسية والإستراتيجية المشتركة التي ترسخت على مدى عقدين ونيّف من التعاون الذي كان يتم بعيدا عن الأضواء والإشهار مع الحركة الشعبية..
وذهب إلى أكثر من ذلك عندما قال: "ستكون دولة الجنوب حليفا إستراتيجيا في مواجهة الأعداء والمخاطر والتهديدات التي تواجهها كل من إسرائيل ودولة الجنوب، بل إنهما ستكونان حليفتين طبيعيتين نظرا لقوة الوشائج التي تربط بينهما السياسية والثقافية والتاريخية بالإضافة إلى الوشائج الأخرى".
على ضوء سيل عارم من التحليلات الإستراتيجية والسياسية الإسرائيلية بأبعاد أمنية وأكاديمية وإخضاعها للتفسير والتحليل يتبين أن إسرائيل رسمت خارطة الأعداء ممن يتعين بناء تحالف إسرائيلي جنوبي لمواجهتهم وتتصدر مصر إلى جانب السودان هؤلاء الأعداء.
الإطلالة الثانية: لسفير إسرائيل الأسبق في مصر (تسفي مزال)، (مزال) لم يداور أو يناور في حديثه عن أهمية العلاقات الإسرائيلية مع دولة جنوب السودان وعن أدوار ومهمات ستضطلع بها في المستقبل، وقد لخص ذلك في ثلاثة خطوط رئيسية:
أولها: إحكام السيطرة الكاملة على كل الأراضي التي تعتبر جزءا من الجنوب بما فيها منطقة آبيي وبحر الغزال وجنوب كردفان، على أن تشمل هذه السيطرة أيضا الثروة النفطية والمائية.
(مزال) تحدث عن أهمية السيطرة على الثروة المائية في الجنوب، ولم يتورع عن التذكير بأن مصر تستقبل 20% من مياه النيل المتدفقة إليها من جنوب السودان.
وثانيها: الاتجاه نحو تعظيم قدرات دولة الجنوب في كافة الميادين العسكرية والاقتصادية والسياسية بالاستفادة من مصادر دعم إقليمية (إسرائيل على رأسها) ودولية الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وثالثها: دعم جميع الحركات داخل السودان المتطلعة إلى التحرر والانعتاق والانفصال في دارفور وفي كردفان والنوبة، أي الحركات الساعية إلى الانفصال وتفتيت السودان، وهي أهم مكونات الأجندة الإسرائيلية المكرسة والمخصصة للسودان.
هذه الخطوط الثلاثة التي تشكّل ملامح أو بشكل أدق أجندة دولة الجنوب لا من أجل قراءتها والإطلاع عليها بل من أجل تبينها وتطبيقها وكعقيدة إستراتيجية وسياسية أهم ركائزها تطوير فلسفة العداء ضد كل من السودان ومصر.
الإطلالة الثالثة: لمجموعة من القيادات العاملة خلف الحدود والمتموضعة في إفريقيا، الاسم الخادع لهذا الجيش الإسرائيلي هو مؤسسة الاستشارات الأمنية "جلوبال سي.أس.تي".
من الحقائق المعروفة أنّ هذه المؤسسة تشكل جيشا بكل ما تعنيه هذه الكلمة يعمل خارج حدود إسرائيل ، وأهم مكوناته:
- قيادة عسكرية تضم مجموعة من الجنرالات على رأسهم (يسرائيل زيف) رئيس شعبة العمليات السابق، و(يوسي كوبرساور)، والجنرال (دان ياتوم) مدير الموساد الأسبق ودافيد تسور مدير الشرطة الأسبق.
- قيادة سياسية من أبرز رموزها (شلومو بن عامي) وزير الخارجية الأسبق، و(نسيم زويلي) السفير الأسبق في فرنسا، و(دنيائيل عنبري) السفير الإسرائيلي الأسبق في السنغال
- معسكرات وقواعد تدريب في غينيا والكاميرون والكونجو برازافيل وفي منطقة البحيرات العظمى.
- مستودعات للأسلحة في غينيا وفي جمهورية إفريقيا الوسطى وفي إثيوبيا والكامرون وبوروندي ومناطق أعالي حوض النيل. تضم هذه المستودعات الأسلحة الخاصة بالقوات البرية مدفعية صواريخ ودروع وناقلات جنود مدرعة، كما تضم حوامات وطائرات استطلاع بدون طيار
بعد الإعلان عن ولادة دولة الجنوب، صدر عن مدير عام وزارة الدفاع الإسرائيلية الجنرال (عودي شني) أمرا إلى الشركة بالانتقال إلى جنوب السودان ليكون المقر الرئيسي لهذه الشركات في جوبا عاصمة الجنوب.
التحديات المحتمل انطلاقها من دولة الجنوب
إن عنف التحديات التي قد تنطلق من جنوب السودان بعد تحوله إلى دولة لا ينبغي أن يكون مفاجأة في تحليل سلوكيات هذه الدولة، وكذلك في تحليل نتائج وتداعيات تحالفها الإستراتيجي مع إسرائيل.
السعي إلى إقامة تحالف إستراتيجي مع دولة الجنوب الوليدة ليس رغبة أحادية من جانب إسرائيل بل ورغبة تبادلية وثنائية أساسها خلفية طويلة من الدعم الإسرائيلي لحركة التمرد في جنوب السودان التي قادتها الحركة الشعبية، متضمنات ومكونات هذا التحالف سيقود في المستقبل إلى أوضاع عدائية وإلى إثارة أزمات وتوظيفها كورقة للضغط على السودان ومصر.
وهذا ما يمكن فهمه وتفسيره على ضوء قرار إسرائيلي تعسفي بأن تكون إسرائيل هي من ترسم بل وتطبق خارطة التفاعلات في دولة الجنوب، ومن هنا وعلى ضوء فهم هذا الاعتبارات الإسرائيلية وتفسرها يفسر موضوعيا بعيدا عن المبالغة يمكننا أن نتمثل بل ونستقرئ طبيعة التحديات الموجهة إلى مصر في المستقبل انطلاقا من دولة الجنوب.
أولا: الموقع الجغرافي لمصر والذي يضعها في قلب التفاعلات رغم أن الحدود الجغرافية لمصر ليست ملامسة أو على تماس مع حدود جنوب السودان، فإنّها تبقى عرضة للتأثير بتفاعلات الوضع الجديد في جنوب السودان، ما تبقى من السودان الشمال المجاور والملامس جغرافيا للحدود المصرية أصبح الآن على خط التماس مع الجنوب المنفصل والجنوب الدولة، وهذا الخط قد يتحول إلى خط ساخن وخط صراع لأنّ الإشكالات القائمة بين الشمال والجنوب لم تسو بشكل جذري مثل الثروة النفطية والمياه ووضع الجنوبيين في الشمال، والشماليين في الجنوب ومنطقة آبيي، وأية صراعات قد تندلع بين الشمال والجنوب ستكون لها تأثيرات على مجمل الوضع المصري.
ثانيا: التداخل الطائفي (الديني) بين الجنوب ومصر، الجنوب حدّد هويته الدينية دولة مسيحية رغم وجود جماعات إسلامية ووثنية، وبالتزامن مع تحديد هويته الدينية للجنوب راح الحديث عن ضرورة إقامة تكتل مسيحي من الدول المجاورة لجنوب السودان، أوغندا وإثيوبيا كينيا ثم الجنوب يتصاعد. هذه الهوية الدينية لدولة الجنوب ستكون لها تأثيرات تتمثل في تصاعد في المدّ الديني داخل مصر أي تنامي ظاهرة الاستقطاب على ضوء هذا التطور الجديد الذي سيكون عاملا محفزا ومشجعا للاحتقان الطائفي داخل مصر، وإلى ارتفاع المزيد من الأصوات المطالبة بالتدخل الدولي من أجل حماية الأقباط والهوية الدينية، وانطلاقا من مبدأ التدخل الدولي في الشؤون الإنسانية افترض (تسفي مزال) سفير إسرائيل الأسبق في مصر في دراسته الموسومة: "مأزق المسيحيين في الشرق الأوسط" الصادرة يوم الخميس 06 يناير 2011 أن مصر ستتحول إلى ساحة من ساحات الاحتقان والانفجار الديني متأثرة بعدة عوامل داخلية وإقليمية ودولية.
ثالثا: تهديد الأمن القومي المصري نتيجة بديهية لتهديد الأمن المائي، انفصال الجنوب وقيام دولة فوقه يضيف عاملا آخرا سيكون له تأثيره الحاسم في تعقيد المشكلة المائية في مصر مستقبلا.
الدولة الجديدة في الجنوب ستصطف إلى الدول التي عملت على تعديل اتفاقيات المياه السابقة عامي 1929 و1959، وفي أحاديث قيادات الحركة الشعبية إلى أطراف إقليمية ودولية قالوا أنهم سيتدخلون بعد قيام دولة الجنوب في عملية تحديد منسوب المياه في نهر النيل الذي سيمر عبر الأراضي السودانية والمصرية بعيدا عن أي اعتبار يتعلق بحاجة كل من مصر والسودان من هذه المادة.
هذا التعقيد وهذا التصعيد للأزمة المائية في مصر والسودان سيكون نتاج تدخل أطراف جديدة ستكون لها تأثير على مواقف دولة الجنوب من أبرزها إسرائيل ودول الجوار إثيوبيا وأوغندا وكينيا ناهيك عن تأثير قوى دولية كالولايات المتحدة.
وعلى كل حال فإنّ المشهد الجديد في جنوب السودان بعد ولادة دولة الجنوب سوف يؤدي إلى رسم خارطة جديدة لتقاسم المياه بين دول المنبع ودول المصب مما يعني تصعيدا في حدّة الأزمة وبالتالي حدّة الصراع في المنطقة.
رابعا: تراجع في أهمية السودان كونه عمقاً إستراتيجياً لمصر، هذا التراجع ناجم عن مجموعة عوامل لعلّ أهمها تعميق هوة عدم الثقة بين السودان وبين نظام مبارك الذي دعم حركة التمرد برعاية (جرانج) أو ما يعرف بالجيش الشعبي
هناك قناعة كاملة بأنّ مصر ساهمت في إنتاج حالة ساعدت على الانفصال، ولبناء علاقات مستقبلية مصرية سودانية سلمية لا بدّ من أن يسمو الطرفان على شوائب الماضي.

انفصال الجنوب والدولة الوليدة
والتداعيات على الأمن القومي المصري
من المفارقات المهمة أنّ مسؤولين كبار في النظام المصري السابق مثل وزير الخارجية أحمد أبو الغيط ومدير المخابرات العامة اللواء عمرو سليمان تحدثا عن تحديات الأمن القومي أخفقا في تحديد مصادر التحدي. لقد تحدثا عن فرضيات، وابتعدا عن تشخيص دقيق لمصادر تهديد الأمن القومي المصري، بمعنى آخر لم يعتبرا انفصال جنوب السودان بأنّه سيشكل تحديا، ويتحول إلى مصدر تهديد للأمن القومي المصري ليس فقط على صعيد تهديد الأمن المائي.
ولو أجرى أبو الغيط وسليمان قراءة دقيقة لاستطالات وتداعيات انفصال الجنوب ولتوازنات القوى الإقليمية لاكتشفا أنّ مصر ستكون الأكثر تضررا وتهديدا جراء انفصال الجنوب وولادة دولة الجنوب.
عندها أيضا سيكتشفان أنّ إسرائيل تبقى التحدي الأكبر ومصدر التهديد الأخطر، لأنّها ستحيط بمصر من الشمال ومن الجنوب وأنّ تموضعها في الجنوب سيجعلها في موقع المتحكم بمصير مصر لأن من يتحكم بصنبور المياه هو من يقرر مصير مصر في الحياة أو الفناء.
وأخيرا يمكن الإشارة إلى أنّ السفير الإسرائيلي الأسبق في مصر (تسفي مزال) رسم عن هذا السياق سيناريو قادماً ينتظر مصر بعد الانفصال، السيناريو يصور مصر بالرجل المريض الذي ستنهش جسده جملة من العلل والأمراض الاجتماعية والاقتصادية والديمغرافية والأمنية.
وفيما يتعلّق برؤية إسرائيل لمستقبل مصر على ضوء التطورات الهيكلية في جنوب السودان خصوصا، ومنطقة أعالي حوض النيل عموما، فإنّها تذهب إلى تراجع كبير وخطير ليس فقط لمكانة مصر بل لأوضاعها الشاملة.
وهكذا يمكن أن نخلص استنادا إلى التحليل السابق إلى عدد من الاستنتاجات حول التأثيرات التي ستتسبب نتيجة لانفصال الجنوب.
1. مصر مهددة في وحدتها، وفي جبهتها الداخلية، وهو ما شدّد عليه سفير إسرائيل الأسبق في القاهرة (تسفي مزال) عندما توقع أن تستفحل ما وصفه بالمواجهة بين المسلمين والأقباط في مصر لأنّ قيام دولة الجنوب سيغذي عند الأقباط طموح الانفصال.
2. مصر مهددة بأمنها القومي نتيجة لتراكم عوامل جديدة التهديد المائي الذي سيتصاعد ويتفاعل، ووفق العديد من التحليلات الدولية، فإنّ المستجدات والمتغيرات في جنوب السودان ستصاعد من التحديات الأمنية الأخرى.
3. مزيد من التدهور في مكانة مصر عربيا وإقليميا ودوليا، هذا التدهور سيقود قوى دولية كالولايات المتحدة للتقليل من فاعلية الدور المصري في نطاق التوظيف الإقليمي، ويزيد من أهمية دور إثيوبيا وكتلة الدول المتحالف معها أوغندا وكينيا ودولة الجنوب، حتى على الصعيد السياسي فإنّ هناك أوساطا أمريكية راحت تشكك في فاعلية دور مصر كوسيط في القضية الفلسطينية وفق اعتبارات ومقاييس أمريكية وإسرائيلية.
وإذا كانت هذه التداعيات متعددة وحاملة لكل عناصر التأزم، فإنّ النظام في مصر غير قادر ولا مؤهل لإدارتها والتعامل معها باقتدار طالما أنّه يفتقد إلى استقلالية القرار.

رؤى إستراتيجية في مواجهة تحديات إستراتيجية
ضد مصر والسودان
إن إعادة بناء العلاقات المصرية السودانية على ضوء ولادة دولة الجنوب بعد الانفصال تعدّ ضرورة بصفتها أحد مسارات بل ومقتضيات بناء شراكة إستراتيجية راسخة وقوية،إنّ التغيير المستهدف نحو بناء علاقات بل وشراكة مصرية سودانية بأبعاد إستراتيجية واقتصادية وسياسية واجتماعية يتطلب العمل الدؤوب والجاد لردم أية فجوة في العلاقات السابقة، تخلقت بفعل السياسات الخاطئة لنظام مبارك التي قادت إلى القطيعة وإلى الانعزال في الساحة العربية لصالح تعظيم العلاقة والشراكة مع قوى دولية كالولايات المتحدة وإقليمية كإسرائيل.
التطور المتمثل في ولادة دولة في جنوب السودان لا يمكن النظر إليه واعتباره تطورا عاديا كلاسيكيا لا يستدعي التعاطي معه تعاطيا استثنائيا.
إسرائيل تعيد إنتاج بل وتوليد ما كان يعرف بحلف نصف الدائرة أو المحيط الذي تفتقت عنه ذهنية (بن جوريون) رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، الحلف ضمّ كل من إثيوبيا وإيران الشاه وتركيا، الحلف الذي يجري إنتاجه يضم هذه المرة دولة جنوب السودان والمنطقة الكردية في شمال العراق حيث تجمع الأوساط الإسرائيلية أنّها في طريقها إلى الانفصال النهائي والتحول إلى دولة وكذلك دول مثل إثيوبيا وأوغندا وكينيا.
وفي إطار إستراتيجيتها لتعظيم وتصعيد المكونات الأثنية والطائفية في العالم العربي تعمل الأوساط الإسرائيلية على إحداث المزيد من عملية تفكيك وتفتيت المجتمعات والدول لصالح نهوض كيانات ودول جديدة بهويات أثنية وطائفية.
إذا ما أدركت القيادتان السودانية والمصرية أنّ توليد (وليس ولادة) دولة الجنوب يشكل تحديا ضخما لها يستوجب ويستدعي ويحث على بناء علاقات تكاملية وشراكة شاملة، فإنّ ذلك سيشكل كابحا لجهود إسرائيلية متواصلة لإنتاج حالات أخرى على غرار حالة الجنوب في السودان في غربه (دارفور) وفي كردفان، وفي مصر.
بعبارة أخرى فإنّه ينبغي نقل محور الارتكاز على الجهد الثنائي المشترك، وليس على الجهد الذاتي الأحادي الذي فشل في الحؤول دون حدوث عملية الانفصال، لو أن السودان ومصر واجها مخطط التفتيت والانفصال بطاقات وجهود مشتركة متعددة الجوانب، وليست قاصرة فقط على الحلول الأمنية والعسكرية، وإنما تسخير الحلول الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وحتى السياسية، لكان بالإمكان تجنب وتحاشي ما حدث في التاسع من شهر تموز (يوليو) 2011.


المصادر:
1. البروفيسورة يهوديت رونين، "الدولة 193 في العالم، مرحلة مخاض دولة جنوب السودان"، مركز ديان لأبحاث الشرق الأوسط وإفريقيا في 10/07/2011.
2. الدكتور حلمي الزعبي، انفصال الجنوب وموقع مصر فوق خارطة التفاعلات والتداعيات، المركز العربي للدراسات والتوثيق المعلوماتي في 09/01/2011.
3. تسفي مزال (سفير إسرائيل الأسبق في مصر): "جنوب السودان ينطلق نحو الاستقلال"، ،معهد القدس للشؤون العامة والدولة في 07 تموز (يوليو) 2011، ترجمة المركز العربي للدراسات والتوثيق المعلوماتي.
4. تسفي مزال : "يحيا أبناء جنوب السودان"،معهد القدس للشؤون العامة والدولة في 14 كانون الثاني (يناير) 2011، ترجمة المركز العربي للدراسات والتوثيق المعلوماتي.
5. ألون لوين ويوفال بستان: "الكتلة المسيحية الإفريقية واحتمالات الصدام مع السودان، الحرب الباردة الثانية في القارة السوداء"، مركز الدراسات المركزة –نيسان أبريل 2010 . ترجمة المركز العربي للدراسات والتوثيق المعلوماتي.
6. ندوة: "الدولة والمجتمع في العالم العربي يتقوضان" مركز ديان أبريل (نيسان) 2006.
يهوديت رونين "مستقبل السودان"، ندوة نظمها مركز بيغن السادات، يناير 2008 تحت عنوان "مستقبل الشرق الأوسط" ترجمة المركز العربي للدراسات والتوثيق المعلوماتي.


 

آراء