ذكريات الهروب العظيم والغربة المفتوحة … بقلم: أحمد جبريل علي مرعي

 


 

 

(الحلقة 13)


gibriel47@hotmail.com

توطئة

الغربة ثقيلة على النفس إلا إذا كانت لفترة معلومة الأمد محفوفة بوعود وثمار قريب موعد قطفها. والغربة شرعا هي النفي من الأرض، ولكن في حالة معظم السودانيين كانت طوعا واختيارا. فكانوا كالمستجير من الرمضاء بالنار.  ورغم كل شيء، فهي خطى كتبت علينا (ومن كتبت عليه خطى مشاها).

لقد اضطررنا للخروج من السودان تحت وطأة الضوائق المعيشية وسعيا لتحسين الأوضاع الحياتية التي تسبب في ترديها ساسة فاشلون وعسكر أغبياء وأساتذة جامعات حمقى ومرتزقة وضعاف نفوس شاركوا في كل الحكومات – الديمقراطية والعسكرية - يجيدون مسح جوخ العسكر وتقبيل أيدي السادة ويعتقدون بأنهم يستطيعون سياسة الناس كما يجيدون تحضير رسالاتهم العلمية.

وكانت المحصلة النهائية أن هذا الثلاثي البائس لم يحسن تدبير أمور البلاد وتصريف أمور العباد ولم يستطع خلال أكثر من نصف قرن من الزمان توفير العيش الكريم لأقل من أربعين (40) مليون نسمة في بلد تكفي موارده لأكثر من مائتي (200) مليون نسمه.

ولم نكن ندري أن الغربة ستتحول إلى ثقب أسود كبير يبتلع كل أعمارنا ويأخذنا إلى ما لا نهاية فتصبح غربتنا غربة مفتوحة على كل الاتجاهات والاحتمالات.

لقد خرجنا كغيرنا من السودانيين الذين ركبوا أمواج الغربة في أواخر السبعينيات من القرن الماضي والذين ليست لديهم تجارب كبيرة في الغربة قبل ذلك، أو ربما كانوا هم الرواد من أسر لم تعرف ولم تألف الغربة قط.

ومنذ ذلك الحين توالت موجات الغربة واشتد زخمها وتكسرت على شواطئ ومرافئ كل بقاع المعمورة. وكنا كالهشيم الذي يحمله السيل الجارف لا يدري أين يلقى به!!! أو كالقصب في مهب الرياح العاتية المزمجرة التي تقصف بعضه وتترك بعضه (وما تدري نفس بأي أرض تموت).

وخلال هذه المسيرة الطويلة (التي تمطت بصلبها وأردفت أعجازا وناءت بكلكل)، ذاق السودانيون الذين يمموا دول الشرق الأوسط خاصة صنوفا من المعاناة لم يكونوا يتصورونها، وتعرضوا لاستهجان وازدراء من شعوب أقل منهم حضارة، وصبروا على آلام  وتجارب كالحنظل وتبينوا لاحقا أنهم كانوا في سابق أيامهم يعيشون في رغد من العيش الكريم ومحفوظة كرامتهم في وطنهم الكبير ،قبل أن تجتزئه الذئاب وتمزقه أشلاء.

وفي هذه المحاولة أردت أن ألقي الضوء على تجربة غربة بدأت بالهروب العظيم من السودان في أواخر حكومة مايو وامتدت لأكثر من ثلاثين (30) عاما، ولا تزال، ولا أحد يدري أين ستحط هذه الموجه رحالها !!! ولا حول ولا قوة إلا بالله.

استميحكم العذر مقدما إن وجدتم في هذه التجربة ما يعكر صفوكم، وهو أمر لم أقصده. وأسألكم التكرم بالنصح أو بحسب ما ترونه من أفكار وآراء نيرة إن راقت لكم التجربة، فهي تجربة وددت توثيقها ليس إلا. وأنا بانتظار السماع منكم.


المؤلف

توالي موجات الغربة

كانت المجموعات الأولى من المغتربين السودانيين صفوة في كل شيء. فقد كانوا مؤهلين أكاديميا في مجالاتهم ومؤدبين ومحترمين.  كما رسخت مجموعات النوبة المدهشة، التي هاجرت قديما والمؤهلة في مجالها والتي كانت تعمل في القصور، الأخلاق الحميدة من نزاهة وأمانة ونظافة ودقة في العمل وتركت انطباعا ممتازا عند المسئولين في دول الخليج ما ساعد كثيرا في تغلل المجموعات السودانية اللاحقة وانتشارها في تلك الدول وغيرها.

لكن بعد الثمانينيات من القرن العشرين اندفعت إلى الخارج مجموعات اختلط فيها الغث بالسمين. تلك المجموعات المتأخرة هزت الصورة الجميلة التي كانت سائدة لدي الكثير من أهل جزيرة العرب عن السودانيين.

ونتيجة للضوائق المعيشية والمعاناة التي لا تطاق فقد خرج من السودان كل شخص يستطيع أن يهرب وبأي وسيلة. فكثر الوافدين من فئة (حجة وزوغة أو عمرة وزوغة).  فامتلأت السعودية تحديدا ودول الخليج عامة بغثاء (واحتمل السيل زبدا رابيا). فوجدنا في المجموعات المتأخرة اللصوص والمتاجرين بالخمور والمخدرات والنصابين والقوادين وزاد الطين بله خروج مجموعات كبيرة من النساء (المطلوقات) كغيرهن من الساعين لتحسين أوضاعهم بأي طريقة رغم محدودية إمكاناتهن.

وأصبح سفهاء جزيرة العرب يتفننون في اصطياد (المطلوقات) وترحيلهن من مدينة إلى أخرى نظير خدماتهن بعد تغطيتهن بالعباءة النسائية السوداء. واكتظت سجون النساء بالسودانيات سيئات السمعة. وعجب المسئولون عن سجون النساء وبادر بعضهم بالإفصاح عن استغرابه للسودانيين. ويقال بأن أحد أئمة المساجد أضطر للطلب من المصلين السودانيين البقاء بعد صلاة الجمعة في المسجد وهو يتساءل بحسرة ماذا ألم بكم أيها السودانيون؟!!!


نهم 10 أشخاص من الجنسية السودانية ..الإطاحة بعصابة تُصدّر السيارات «المسروقة» في جدة   


تمكنت الدوريات الأمنية التابعة لشرطة محافظة جدة من الإطاحة بعصابة أفريقية وافدة، تعمل على سرقة السيارات، وشحنها إلى بلدانهم بعد تغيير ملامحها وأرقام هياكلها.

وشرعت الدوريات الأمنية بعد تلقي معلومات عن نشاط العصابة، في تتبع أفرادها والتأكد من المعلومات الواردة عن نشاطهم، إذ أعدت إدارة الدوريات الأمنية، خطةً نجحت من خلالها في الوصول إلى وكر العصابة الذي تستخدمه مقراً لتنفيذ عملياتها.

ومن خلال رصد الموقع جرى تنفيذ كمين أمني، ودهم العصابة، والقبض على أفرادها، منهم 10 أشخاص من الجنسية السودانية، إذ تبين وجود عدد من السيارات المسروقة كانت جاهزة للتصدير إلى بلدانهم بعد أن تم تغيير أرقام هياكلها.

وكشفت التحقيقات الأولية مع المضبوطين، أن العصابة تعمد في تنفيذ عملياتها على استئجار سيارات، وسرقة سيارات أخرى تعرضت لحوادث مرورية، والقيام بتغيير أرقامها وملامحها داخل «حوش» في منطقة «الخمرة» جنوب جدة قبل تصديرها إلى السودان.

وجرى إحالة المضبوطين إلى مركز الشرطة، إذ فتحت شرطة المحافظة التحقيق مع المتهمين، ورفع بصماتهم ومضاهاتها مع بعض القضايا التي استقبلتها أقسام الشرط الأخرى.
المصدر دار الحياة  بتاريخ 22/03/2011


الشرطة الهندية تلقي القبض على طالب سوداني بتهمة حيازة مخدرات

ألقت الشرطة الهندية في حيدراباد علي طالب سوداني"م/ع" بتهمة المتاجرة في المخدرات

ويدرس الطالب الجامعي في جامعة العثمانية، كلية النظام، وقد قبضت عليه الشرطة متلبساً و بحيازته كمية من بدرة الكوكايين.

ويتخوّف الطلاب السودانيين في الهند من أن تؤثر الحادثة سلباً على إجراءات إقامتهم وتحركاتهم، لاسيما وأن أعدادهم أصبحت في ازدياد بسبب انحدار مستوى التعليم وارتفاع تكلفته داخل السودان.


السجن 6 سنوات لسوداني نقل سعودية لبلده طالبا فدية لإعادتها


المدينة المنورة: علي العمري

أسدلت محكمة بدر العامة الستار مؤخراً على قضية خطف وابتزاز، وذلك بعد أن أصدرت حكمها على مقيم سوداني بالسجن 6 سنوات وتغريمه ماليا، لتورطه في استدراج سعودية "52 عاما" من مسكنها في محافظة بدر التابعة لمنطقة المدينة المنورة، وتسفيرها إلى السودان، ومن ثم مساومة أسرتها بفدية في سبيل إعادتها إلى المملكة.

قصة السيدة - بدأت فصولها حينما غرر بها المقيم "32 عاما" الذي كان يعمل راعي أغنام لديها، موهما إياها بأن علاج ابنتها التي تعاني من معضلات صحية سيكون في السودان، مستغلا أمومتها.
ووراء البحث عن العلاج باعت الأم ما تكنزه من الذهب والحلي، وغادرت معه إلى مدينة جدة، لتكون القنصلية السودانية أولى محطات المجهول، إذ تقدم الأخير بطلب منحها وثيقة سفر، بعد أن أفاد بأنها شقيقته، وأنها قدمت لأداء العمرة وخلال إقامتها في المدينة المنورة فقدت جواز سفرها، ومن هنا حمل المقيم الأم الباحثة عن علاج لابنتها على متن باخرة متجهة إلى بلده.

وبمجرد وصوله إلى منزله في "بورتسودان"، استولى على 60 ألف ريال كانت بحوزتها. وبدأت الأخيرة رحلة احتجاز قسري في منزل الخاطف استمرت عامين، قبل أن تتمكن من العودة لأسرتها.
ولم يكتف الجاني بهذا، بل ظل يساوم أسرة السيدة في محافظة بدر "150 كيلومترا جنوب غرب المدينة" على مصير قريبتهم، مطالبا بفدية مالية مقابل عودتها إلى المملكة، فيما كان تعامل أقارب السيدة مع الموقف موفقا حينما بادروا بإبلاغ الجهات الأمنية، التي بدورها بدأت في التنسيق مع الإنتربول الدولي لاستعادة السيدة إلى البلاد، لتنجح الشرطة الدولية مطلع 2010 في القبض على الراعي وتحرير السيدة، وإعادتهما إلى البلاد.

وبالقبض على الجاني وتقديمه للمحكمة ومصادقة أقواله شرعا في 13 رجب من العام الماضي، تكون المحكمة قد حلّت كافة الألغاز التي صاحبت القصة ورفعتها إلى مصاف الأساطير الشعبية في محافظة بدر، بين قائل يلقي بالتبعة على الجاني في غياب السيدة، وبين آخر يحمل الذئاب والسباع مصير السيدة.
يذكر أن أمير منطقة المدينة الأمير عبدالعزيز بن ماجد كان قد وجه في حينها بتشكيل لجنة ضمت في عضويتها نخبة من المحققين للإجابة على كثير من التساؤلات حول قصة السيدة، خاصة كيفية سفرها إلى السودان في الوقت الذي لا تحمل فيه جواز سفر.

الوطن السعودية
عقب انتفاضة أبريل 1985 وبداية الديمقراطية الثالثة، انتعشنا قليلا بأجواء ونسائم الديمقراطية. فذهبنا إلى سفيرنا عاتبين نحادثه عن كثرة (المطلوقات) وكيف أنه لم يقم بعمله تجاههن.  ضحك السفير كثيرا من سؤالنا وسط دهشة الجميع الذي اعتبر ضحكه غير مبرر في نظرنا!!! 

ثم أفصح السفير بعد قليل قائلا بأنه لم يترك وسيلة إلا وقد جربها. وقال بمنتهى الصراحة: ( لو الآن واحد فيكم تم إنهاء خدماته وغادر بتأشيرة خروج نهائي، وواحدة من هؤلاء المطلوقات أٌبعدت إلى السودان فإن المطلوقة ستعود "ذلك قبل إدخال البصمة في الجوازات" في بضع أيام ولن يعود هو إلا بشق الأنفس).

تساءلنا كيف ذلك؟ أجاب السفير قائلا: ( المطلوقة ستجد المساعدة والتسهيلات من سفهاء السودان، وستجد المساعدة والتسهيلات مرة ثانية من سفهاء الدولة التي تقصدها. هكذا الأمر بمنتهى البساطة والصراحة. فهذه من أبجديات أقدم مهنة في التاريخ).

وأردف قائلا: (هذه المعضلة أعاني منها أنا شخصيا في هذه الدولة وكذلك حال زملائي السفراء في دول عربية مماثلة أخرى. وقد تشاورنا فيما بيننا ولم نجد لها حلا).

المؤسف أن بعض المغتربين السودانيين والذين كانوا يبغون ثراء سريعا، لجأوا لتصنيع الخمور وتسويقها في الرياض وغيرها من مدن المملكة كغيرهم من سفهاء الجاليات الأخرى.

أستأجر أحد صناع الخمور السودانيين عمارة سكنية (فيلا) وأدخل معه في هذه الصنعة أفرادا، رجالا ونساء، من الجاليات الأسيوية الهاربة من كفلائها والمشهورة في الرياض بتصنيع الخمور. العجيب أن هذه (الفيلا) كانت خلف مركز الإرشاد والدعوة  ورجال الحسبة (عش الدبور) في شارع الريس.

فكان يأتي بقوارير المياه البلاستيكية ويعبئها بالخمر (عرق) ويقوم هو مع إحدى (المطلوقات) بتسويقها في مراكز محددة داخل الرياض.

وفي إحدى المرات وأنا أقف أمام  إحدى الصيدليات في شارع جرير، شاهدت ذلك الشاب ينزل من سيارته ويأخذ كرتونة من القوارير المعبأة  إلى داخل تلك الصيدلية. لم ينتابني شك مطلقا بأنها قوارير معبأة  ماء. كانت صاحبته بجواره في السيارة وتحمل حقيبة يد سامسونايت علمت فيما بعد أنها معبأة ذهبا. فلقد كانت حريصة على عدم مفارقة حقيبتها في كل مشاويرها أو تركها ورائها تحرزا لأسوأ الاحتمالات.

وفي أمسية من أمسيات الرياض وبعد صلاة العشاء مباشرة، قدم ذلك الشاب إلى حي غبيرة في زيارة لأحد أصدقائه ليأخذ رسالة مرسلة إليه مع  أحد ضيوف صديقه.

خرج صديقه إلى البقالة ليأتي ببعض الأغراض. وقبل أن يعود سمعنا صافرة ورأينا رجال الأمن يسدون الطرقات ويطوقون الحي ويهرعون إلى منزل صديق ذلك الشاب.  فقد كانت غارة (كشة) كبيرة. وما هي إلا لحظات حتى خرج رجال الأمن بعدد من السودانيين مقيدين إلى بعضهم البعض ومطأطئي الرؤوس خجلا وعارا وهم يصعدون إلى الحافلة (البص) التي كانت بانتظارهم.

كان مشهدا معيبا. علمنا فيما بعد أن ذلك الشاب وصاحبته أودعا سجن الملز  ولكنهما استطاعا الخروج من تلك الورطة بعد بضعة أشهر فقط وفي أول عيد بعفو من الملك فهد، عليه رحمة الله، وتم ترحيلهما إلى السودان.

أما صاحب الدار، فما أن رأي الزفة (الهيلمانة) حتى أطلق ساقيه للريح.  لم يعد إلى منزله. علمنا لأحقا أنه  وصل إلى السودان سالما تاركا زوجته وأولاده في حي غبيرة بالرياض. وحقا كما قالت حكامة (شاعرة) عرب البقارة: (الروح حلوه... جيه جيه خلى الخضيرة جوه)!!!

في ذلك العام أعدمت السلطات السعودية تعذيرا أحد مصنعي الخمور السودانيين بعد ما قبضت عليه مرتين وهو يصنَع الخمور ويسوقها في الرياض. العجيب أن ذلك الشخص كان يخزن الخمور المقطرة (العرق) في صهريج (خزان) ماء فوق العمارة السكنية ويعبأ القوارير عن طريق مواسير وحنفيات (صنابير) موصلة إلى داخل الحمام. اكتشف رجل الأمن تلك الحيلة صدفة عندما أراد أن يغسل يديه في الحمام، بعد تفتيش لم يحقق نتيجة، وهو على وشك مغادرة العمارة السكنية!!!

كما قبضت الشرطة على ثلاثة سودانيين يروجون المخدرات ويسوقون الخمر داخل سيارة أجرة. اتفقوا على أن يتولى أحدهم القضية وينكر الآخران حتى لا (تخرب بيوتهم) الثلاثة. نجحت خطتهم ولا زال الثالث الفدائي يرزح في سجن الحائر في ضواحي الرياض.

لجأ بعض السودانيين والسودانيات إلى الدجل والشعوذة واللعب على عقول خلق الله.  اغتنى بعضهم وعاد إلى السودان في فترة قياسية. وخاب البعض الآخر ولا يزال يندب حظه في سجون السعودية.

واحترف آخرون النشل (اللصوصية) في كل الأماكن وخاصة أماكن تجمع السودانيين؛ فتجدهم في سوق البطحاء حيث يكثر السودانيون من التسوق استعدادا للسفر إلى الوطن، أو في الشوارع التي تكثر بها محلات الثياب النسائية السودانية، أو في المطاعم المنتشرة في الأحياء التي يقطنها السودانيون.

وامتهن بعض (الخائبين) مهنة (القوادة) لفترة حتى (أتته يد فراسة وفم).  ونتيجة لفعلة المشين وضع السفهاء من الجالية السودانية والجاليات الأخرى سعرا محددا (للمطلوقة) السودانية.

الجدير بالذكر أن بعض السودانيات (المغفلات) في أوائل الثمانينيات يأتين من السودان بأزياء غريبة للغاية. فتجدهن يلبسن فساتين بحمالات رفيعة جدا تكشف عن الصدر والظهر وقصيرة جدا مع ثياب شفافة في بيئة لا يعرفن عنها شيئا مما أعطي انطباعا سيئا عن المرأة السودانية.

شهدنا تهريب السودانيين من مدينة إلى أخرى ومنطقة إلى أخرى داخل المركبات التي تستخدم كناقلات مياه (الوايتات) والتي أوشك بعضهم على الموت اختناقا بداخلها.

كما شهدنا تهريبهم في شاحنات الماشية أيضا حيث تقسم إلى طوابق للأغنام والضأن. وفي الطابق الأسفل يضعون السودانيين ويعطون كل واحد منهم قارورتين إحداهما معبئة بالماء للشرب والأخرى فارغة للتبول فيها لأن سائق الشاحنة لن يتوقف. وحتى لو توقف يحتاج لوقت طويل ليعيد ترتيب طوابق السوام وهي مهمة صعبة للغاية. فهو عادة ما يلجأ لتحذيرهم مرات ومرات بأنه لن يتوقف إلا على مشارف المدينة التي يقصدها.

فقد كانت هذه من أنواع التجارة الرابحة التي تدر دخلا على سائقي الشاحنات الذين يأخذون أعدادا تتراوح ما بين 30 إلى 40 رأسا من السودانيين بواقع خمسمائة (500) ريال سعودي لكل رأس.

عمد بعض السودانيين إلى فن التزوير وصنع دفاتر إقامات يبيعونها للمقيمين بصورة غير شرعية (قبل تقنية الإقامات الحديثة). برعت في هذه المهنة جنسيات أخرى من غير السودانيين ولكن برغم ذلك اقتحمها السودانيون اليائسون الذين كانوا يجربون كل شيء.

هذه المهنة الأخيرة، مهنة التزوير، كادت أن تزج بأحد أقاربي في السجن. فقد قام المزور بإرسال عدد من الإقامات المزورة عن طريق صندوق بريد قريبي الصيدلاني الذي ناضل لتبرئة ساحته أمام المسئولين وأضطر للسفر ليلا إلى شمال المملكة وقطع مسافة تفوق الألف كيلومتر للقبض على المزور الذي كان في طريقه إلى السودان عندما علم بانكشاف أمره وملاحقة السلطات له.

ولاحقا أضطر حتى الأطباء المؤهلون للخروج من السودان بتأشيرة "راعي" لأن السلطات السودانية حجرت خروج الأطباء والكوادر المؤهلة. كانت هذه التأشيرة تحديدا تلقى كثيرا من استهجان المغتربين ورمزوا إليها باسم  "الكاوبوي". ويقال أن السلطات السودانية نسقت مع السلطات السعودية على عدم تغيير هذه المهنة، مما زاد الطين بله!!!

وقد انتشرت لاحقا نكته(طرفة) احتجاج الأسد في حديقة حيوان الرياض على تقديم الموز له بدل اللحم. فكانت دهشته أكبر عندما أخبره عامل الحديقة بأنه قدم إلى السعودية بتأشيرة قرد!!!!

نتيجة لذلك عانى الأطباء وغيرهم من الكوادر المؤهلة في بلاد هي في أمس الحاجة لخدماتهم وحرمتهم حكومة السودان من التمتع بثمرة عرق جبينهم وسهرهم الليالي الطوال خلال الدراسة الجامعية. واضطرتهم للعمل في مهن هامشية لا تليق بهم في الوقت الذي يتمتع فيه زملاؤهم من المنتسبين لحزب حكومة الإنقاذ برغد العيش في وطنهم.

الملاحظ أن حكومة الإنقاذ تحديدا ضمت العديد من الأطباء لم تضمه أي حكومة أخرى في تاريخ السودان الحديث. فلا تكاد تسمع ولا ترى إلا الدكتور الفلاني والعلاني وليتهم عالجوا مرضى الوطن أو البهائم أو نبغوا في مجالاتهم التي حضروا فيها الدرجات العليا ولم يمرضونا بهذا الغث من الأخلاق السيئة والكذب والنفاق والفساد والرياء.



 

آراء