رؤساء في الخرطوم

 


 

 

سطر جديد

 

 

fadil awadala [fadilview@yahoo.com]

        لا أدري لماذا تذكرت الرئيس الفريق إبراهيم عبود رأس الدولة الأسبق (أو رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة في الفترة ما بين نوفمبر 1958م إلى أكتوبر 1964م)، وأنا أطالع وقائع زيارة السيد سيلفاكير ميارديت النائب الأول لرئيس الجمهورية للولايات المتحدة والبيت الأبيض. ربما هي المفارقة في كون السيد النائب الأول هو آخر مسؤول أجنبي رفيع يلتقيه الرئيس بوش في خواتيم ولايتيه اللتان دامتا ثمان سنوات، في حين كان الرئيس عبود هو آخر رأس دولة يلتقيه الرئيس الأمريكي جون كيندي في البيت الأبيض والذي ما لبث وأن أغتيل في ولاية دالاس مع مطلع الستينات.

        عادت بي الذاكرة إلى سنوات الطفولة والصبا ونحن تلاميذ في المدرسة الأولية حيث كان يتم حشدنا في باصات قديمة لكنها نظيفة، تتوجه بنا نحو الخرطوم كلما أطلّ على الخرطوم رئيس أجنبي زائر. كانت الخرطوم في ذاك الزمن بالنسبة لنا ابناء أمدرمان كبستان وارف الظلال يكاد اسفلت طرقاتها يبرق بفعل النظافة والاهتمام. لم يكن الضيف الزائر يعنينا من قريب او بعيد بقدر ما كنا نفرح بالأعلام الصغيرة المزركشة التي توضع في أيدينا وهي كالعادة علم السودان (علم الاستقلال بألوانه الأزرق والأصفر والأخضر)، إلى جانب علم دولة الرئيس الزائر، وكان سعدنا الأكبر حينما نقطع كبري النيل الأبيض القديم عبر تلك الباصات لندخل الخرطوم كما يدخل الفاتحون ليتم رصنا وحشدنا على جنبات شارع القصر لاستقبال الضيف الزائر. تذكرت شقيقتي الصغرى (فادية) حينما وقع عليها الاختيار مع إحدى زميلاتها من مدرسة (التمرين) الأولية بأمدرمان لتقدما باقتي ورد للرئيس إبراهيم عبود وضيفه الرئيس الأوغندي ملتون أبوتي في مطار الخرطوم، كنا نتحلق حول الراديو لنسمع المذيع المرابط في مطار الخرطوم وهو يردد جملته الأثيرة (الآن تتقدم طفلتان يانعتان بالزهور لترحبا بالرئيس وضيفه) وربما عتبنا على المذيع أنه لم يذكر اسم شقيقتنا وزميلتها!

        تذكرت الرئيس بريجنيف رأس الدولة في الاتحاد السوفيتي السابق (السابق هنا للرئيس ودولته معاً) وإلى جانبه الرئيس عبود ونحن في استقبالهما، كان بريجنيف وقتها يملك ولا يحكم إذ كان رئيساً شرفياً للدولة في حين كان خرتشوف هو رئيس الوزراء وسكرتير الحزب الشيوعي.. أي الرئيس الفعلي للبلاد قبل أن يطاح به ليصبح بريجنيف هو الرئيس الفعلي. تذكرت ايضاً يوم أن حشدونا في شارع الموردة لاستقبال جلالة الملكة أليزابيث ملكة بريطانيا عقب ثورة أكتوبر 1964م حيث أقيم لها حفل شاي في حديقة الموردة بأمدرمان، وكان منصب رأس الدولة يضم ثلاثة من أكبر أطباء السودان هم الدكتور التجاني الماحي والدكتور عبد الحليم محمد والدكتور المبارك الفاضل شداد إلى جانب السيدين إبراهيم يوسف سليمان ولويجي أدوك. يومها قام بعض الشيوعيين برشق الملكة بالطماطم الفاسدة تعبيراً عن غضبهم من تواجد الملكة الإمبريالية في سودان ما بعد أكتوبر في حين كان السيد/ أحمد سليمان ممثل الحزب الشيوعي في الحكومة يقدم لها نفسه قائلاً (أحمد سليمان.. وزير الزراعة وممثل حزب جلالتك الشيوعي الوفي)، وهي طرفة أضحكت الملكة وأخرجتها من وقارها الملكي المتزمت.

        ..... يا لها من أيام!

 

آراء