رحلة التخلي عن الدمج…من قحت الى تقدم. هل الهدف تفكيك الجيش (2/2)

 


 

 

يوسف حسين.
02/ مايو / 2024
(11)
حقيقة تقدم وخلفيات وتداعيات ودلالات موقفها الجديد سيتناولها المقال في جزئه الثاني من عدة محاور
أولا: قحت / تقدم
من باب التوثيق، الحي تجب الإشارة إلى أن تحالف قوى الحرية والتغيير "قحت"، هو الجسم، الذي تكون بتوقيع مكوناته، على ميثاق الحرية والتغيير أثناء الثورة، وهي القوى التي تم تفويضها من الشارع وقوى الثورة لتقود الثورة، وبعد سقوط رأس النظام، توصلت مع المجلس العسكري، بعد مفاوضات إلى اتفاق الشراكة في الحكم، والذي انتهى بانقلاب 25 أكتوبر، وكان للانتكاسات والعجز عن تحقيق الأهداف الرئيسية للثورة والانقسامات التى ضربت قحت، انعكاس سلبى كبير على شعبيتها فى الشارع.
بعد الانقلاب توصلت قحت مع عسكر الانقلاب، الى الاتفاق الاطارى، والذى وقع عليه طرفى المكون العسكرى، والكيانات المكونة لقحت، اضافة لعدد من القوى السياسية الاخرى، ممثلة فى حزب المؤتمر الشعبى- المكون الرئيسى للاسلاميين بعد حل المؤتمر الوطنى- وبعض التنظيمات الصغيرة الاخرى، والتى شكلت معها قحت، ما اسمته بتحالف قوى الانتقال الديمقراطى، وهذا التحالف كان سيقوم بتشكيل الحكومة وبتنفيذ بنود الاتفاق الاطارى، لولا اندلاع الحرب، بعد اشتعال الحرب، شكلت قحت تحالفا جديدا، أسمته تحالف القوى الديمقراطية المدنية، المعروف اختصارا ب "تقدم"، والذي يضم معظم قوى الانتقال الديمقراطي، إضافة لقحت التي تسيطر عليه وتتحكم فيه تنظيميا وسياسيا، متخذة إياه واجهة لتمرير بعض القرارات المصيرية، المثيرة للجدل ، دون أن تعرض نفسها لتأثير التداعيات السياسية لتلك القرارة، فقحت هي التي تبنت رؤية مليشيا الدعم، وهي التي وضعت سيناريو ورشة كمبالا، حيث تمت صياغة رؤيتها للاصلاح العسكرى وبناء الجيش، باسم تقدم ، بمشاركة عسكريين وخبراء أمنيين، سبق للمقال إن أشار، في جزئه الأول إلى حديث محمد الفكي، في أغسطس الماضي، الذي أعلن فيه أن قحت غيرت موقفها من الدمج.

(12)
قحت/ تقدم/ الدعم السريع
فصل المقال في جزئه الأول من خلال سرده التوثيقي، مراحل تخلى قحت عن مبدأ دمج مليشيا الدعم السريع والحركات المسلحة في الجيش، واستبداله بفكرة مليشيا الجنجاويد القائلة، بتكوين جيش من القوى العسكري الثلاث؛ القوات المسلحة، ومليشيا الدعم السريع، والحركات المسلحة، والتي اصبحت بندا رئيسيا من بنو ايقاف الحرب وبناء الدولة السودانية، التى تبنتها تقدم .
جاء إعلان تقدم عن رؤيتها الأخيرة هذه، بمثابة الإعلان عن بداية مرحلة جديدة، تصطف فيها تقدم مع مليشيا الدعم السريع، وتشكل لها الغطاء السياسي، في مقابل الجيش وداعميه في الجبهة الأخرى، وايضا في مقابل كل القوى الثورية المنادية بحل المليشيا، وهذه المرحلة بالتأكيد مرحلة تختلف تماما في معطياتها وطبيعتها، عن المراحل السابقة، التي خاضت فيها القوى المدنية المعارضة صراعها الضارى ،من اجل الحكم المدنى الديمقراطى ،مع المكون العسكري بطرفيه، وبالتأكيد ان هذا الاصطفاف الجديد لتقدم، سيلحق ضررا فادحا وكارثيا بأهداف وقضايا الثورة، ونضال السودانيين من أجل تحقيق العدالة والحرية والحكم المدني والديمقراطية.
لم يتوقف تبنى تقدما، لرؤى مليشيا الدعم، عند تبنيها لرؤية المليشيا حول الدمج وكيفية تكوين الجيش، بل إنها أيضا بررت لهذه الحرب، بتصنيفها لها بانها جزء من حروب أهل الهامش ضد المركز ودولة 56، حيث صرح حمدوك الرجل الأول في تقدم في لقاء تلفزيوني مع محطة فرنسا 24 بان الحرب لها أسباب تاريخية وأنها امتداد لعديد من الحروب التي وقعت بسب التهميش العرقي والمناطقي وفشل الدولة الوطنية في إدارة التنوع وتحقيق الاستقرار، وهو الخطاب الذى تبناه الجنجاويد ايضا .
أيضا كشف قرار تبنى تقدم لرؤية مليشيا الدعم، عن وجود تنسيق سياسي واسع، بين كافة الأطراف المحلية والإقليمية، الضالعة في العملية الهادفة لترجيح كفة مليشيا الدعم السريع، عسكريا وسياسيا، وتمكينها من حصاد تفوقها العسكري الذي حققته -حتى الآن- لتكون هى بناءً على شروط التكوين والملامح الموضوعة للجيش الجديد، المكون الرئيسي والغالب فيه،
فمثل هكذا قرار بهذه الخطورة ، يتطلب تنسيقا عالى المستوى ودعما سياسيا كبيرا اقليمى ودولى ، وبالطبع على رأس هذه الأطراف الداعمة لهذا المشروع تقف دولة الإمارات، التي يقيم فيها عبد الله حمدوك، والتي تقوم حسب تقرير للامم المتحدة وحسب وكالات انباءعالمية بتزويدالجنجاويد، بالاسحلة النوعية ، وتشكل كذلك الحاضة الآمنة لشركات واستثمارات وأموال وعوائل آل دقلو.

(13)
ثالثا: تقدم والجيش
تخلى تقدم عن مبدأ الدمج في رؤيتها للإصلاح العسكري، وتبنيها لرؤية مليشيا الجنجاويد حول تكوين الجيش الموحد من القوى العسكرية الثلاثة، والتي وردت في رؤيتها لوقف الحرب وإعادة تأسيس الدولة السودانية، هو كما ذكر المقال، اصطفاف سياسي واضح إلى جانب المليشيا، وهو أمر يحتم الوقوف عنده كثيرا لتفسير دلالاته واستشراف تداعياته الخطيرة ،والتى يمكن تلخيصها فى
أولا: تبنى تقدم لرؤية الجنجاويد ،حول تكوين الجيش وتخليها عن مبدأ الدمج، هو بلا شك انقلاب على كل التفاهمات السابقة التي تمت مع الجيش، فمبدأ دمج المليشيات وقوات حركات درافور في القوات المسلحة، كان هو حجر الأساس في الاتفاق الإطاري، والذى جعل الجيش يوافق على الاتفاق، وكان البرهان قد اعلن، ان موافقة الجيش على الصورة النهائية للاتفاق الاطارى، مرتبطة بالتوصل الى اتفاق حول قضية الدمج هذه.
ثانيا: اعتماد تقدم لرؤية مليشيا الدعم، يعنى أيضا، أن تقدما تعتبر أن الجيش، قد خسر المعركة على الأرض، وان المعادلة التي كانت قائمة قبل الحرب، على أساس أن الجيش السوداني هو هو القوة العسكرية الرئيسية والاكبر في الدولة، لم تعد قائمة الآن، وان هنالك توازنا جديدا للقوى، ترجح فيه كفة مليشيا الدعم على الجيش...
ثالثا: التخلي عن مبدأ دمج المليشيا والحركات في الجيش، وتبنى الرؤية المليشياوية في تكوين الجيش من القوات العسكرية الثلاث، هو تجريد للجيش، من وضعيته الدستورية والتاريخية كالقوة العسكرية الرسمية للدولة، والتي بنى علي ضوئها الاتفاق الإطاري.
رابعا:هذا التصنيف الجديد للجيش ،كفصيل عسكرى ، في نفس مقام المليشيا وقوات الحركات المسلحة، وانطلاق تكوين الجيش الجديد وتأسيسه من هذه الوضعية الاعتبارية الجديدة، بالضرورة سيتطلب القيام بتفكيك وحل منظومة الجيش السوداني، سلما باتفاق مع قيادته، أو حربا باستكمال هزيمته في هذه الحرب، ذلك حتى لا يكون هنالك ازدواجية في الجيوش، وحتى يتسنى بناء المنظومة العسكرية الجديدة للجيش الجديد، بالملامح التي تم ذكرها ،في متن رؤية تقدم للإصلاح العسكري.
خامسا : تفكيك منظومة الجيش السوداني، وحله لتكوين الجيش الجديد، أمر بالضرورة سيواجه بمقاومة عنيفة من كل أفراد القوات المسلحة، حتى لو وافق قادتهم عليه ، وسيقابل أيضا بالتأكيد برفض شعبي كاسح، نتيجة لما ارتكبه الجنجاويدمن جرائم واسعة النطاق في هذه الحرب، وفى حروب الابادة فى دارفور سابقا،
سادسا: هذه الرؤية للاصلاح العسكرى التى تسعى لتفكيك الجيش القائم وتذويبه فى مليشيا الجنجاويد، ان تم تطبيقها ، حتى وان اتت بسلام ، فهو سلام مؤقت لانهاك الطرفين ، وستكون وصفة جاهزة اما لتوسيع الحرب الحالية ، وتاجيجها، وجعلها حربا وجودية للجيش، ولكل السودانيين المتضررين من اجرام هذه المليشيا، او انها ستكون ، بذرة كامنة لحرب اهلية شاملة، اكثر فظاعة وقسوة، تنتظرفقط، احد المغامرين او العملاء لاشعالها .
سابعا: بهذه الرؤية التي أعلنتها، تكون تقدم قد جعلت من نفسها الغطاء السياسي، لمشروع تفكيك مؤسسة الجيش، ولتأسيس جيش جديد، والذى وفقا لمواصفاته المطروحة، ستكون مليشيا الدعم هي القوى الرئيسية فيه، وهو ما يمكن ان نسميه بتعبير ادق، مشروع تذويب الجيش السوداني ودمجه في مليشيا الدعم السريع ، استغلالا للمطلب الثورى بتكوين جيش مهنى، وذلك كمقدمة لإعادة تشكيل الدولة السودانية وفقا لمعايير شبيهة بما سيجرى للجيش أن طبقت هذه الرؤية.
.
ثامنا: جاء في رؤية تقدم للإصلاح العسكري وبناء الجيش المهني الموحد، التي صاغتها تقدم في ورشة كمبالا، نصا يقول بإدارة القوات المسلحة وفقا "لنظام الحكم الفيدرالي"، وهذا أمر غاية في الخطورة، ويتم طرحه لأول مرة في تاريخ الجيش السوداني، وتزداد خطورته الى اعلى درجاتها ، انه يصدر ممن يتوقع انهم سيكونون القادة المدنيين للفترة القادمة، فهو ان تم تنفيذه، ،سيعنى بالضرورة تقليص او إنهاء السيطرة المركزية، للقيادة العامة للقوات المسلحة، على القوات التى فى الاقاليم وفى الاطراف، وأن أخذنا في الحساب أن الجيش المراد تكوينه وفق الرؤية المطروحة، سيضم فصائل متنافرة المصالح والانتماء والطبيعة والتكوين، فانناسنكون امام حالة ستقود الى نشوء مراكز قيادة متعددة ومتصارعة لقيادة القوات المسلحة، وإلى تكوين جيوش متعددة داخل الجيش الموحد- اسميا- المزمع تكوينه، وهذا ضرب من التفكك أكثر خطورة من بقاء هذه القوات منفصلة عن بعضها البعض.

(14)
أخيرا
رؤية تقدم لوقف الحرب، وإعادة تأسيس الدولة السودانية، بما تضمنته من من تبنى لموقف مليشيا الدعم السريع، بخصوص الدمج وبناء الجيش الجديد، هي في حقيقتها المشروع السياسي، لتمكين مليشيا الدعم السريع، من السيطرة على الجيش الموحد المزمع تكوينه، وستشكل في المرحلة الأولى، من هذا المخطط الرافعة السياسية للمليشيا، في المفاوضات القادمة مع عسكر اللجنة الأمنية ، وبالتأكيد سيكون التأثر الأكبر في نتائج المفاوضات للدول الراعية، بحكم ارتباط جميع الأطراف السودانية المنخرطة، في الحرب أو في محاولات إيقافها، بالدول الراعية للمفاوضات، والتي ستكون حضورا في جدة هذه المرة ، لصياغة التسوية التى تحقق مصالحهم ، وفق التوازنات القائمة فيما بينها، وهنا تبدو الإمارات،هي الدولة الأكثر اجتهادا وحرصا، على الإمساك بخيوط التفاوض ونسج نتائجه لصالحها، فقد وردت الأخبار أنها ستشارك هذه المرة بشكل مباشر كأحد الرعاة في مفاوضات في جدة، بصحبة مصر، التي يبدو ان الامارات قد حاولت شراء موقفهاالمعروف بمناصرته للعسكر لصالحها، وذلك بتقديمها لها مساعدات اقتصادية ضخمة، فى شكل ودائع واستثمارات، بلغت 35 مليار دولار كدفعة اولى، من جملة استثمار هائل بقيمة 150 مليار دولار. هذه المفاوضات المزمعة، والتي قد تطول أو تقصر، حسب أوليات وأهداف الرعاة، أن تم الاتفاق فيها، بناء على رؤية تقدم، فستقود إلى الشروع في بناء/ تأسيس الدولة بالمواصفات التي وردت فيها، وسيكون لتقدم- المجردة من دعم الشارع وقوة دفعه بشكل كبير- الدور الأكبر في رسم ملامح وتشكيل الدولة الجديدة.
ولن تثمر هذه الفوضى المتشابكة، من التدخلات الإقليمية والدولية، والغياب التام للأجندة الوطنية ولأهداف الثورة ولممثيلها الحقيقيين، إلا دولة شديدة التفكك، بها العديد من الجيوش المتنافرة داخل جيشها الموحد اسميا، والذي سيتحكم فيه الجنجاويد ويشكلون هيكله الأساسي، دولة تديريها مجموعة من التكنوقراط الخاضعين للجنجاويد ، والمرتبطين بشكل مباشر بالمحور الذي سيخرج هذه التسوية لصالحه، ولصالح دوائر رأس المال العالمي ومؤسساته، والتي ستقود في المرحلة القادمة، بعد إنتهاء الحرب الاقتصاد السوداني، عبر إدخال السودان ،مباشرة بعد انتهاء الحرب إلى مبادرة الهيبك ، بكل شروطها القاسية، من تحرير اقتصادي كامل، وتعويم للعملة، ورفع للدعم، وفتح الأسواق والموارد، وعلى رأسها الأراضي الزراعية وومناجم الذهب للاستثمار الاجنبى، والذى سيكون وفق لوضع السودان كدولة مثقلة بالديون وخارجة من حرب طاحنة، جائرا لاقصى حد.

 

joejo714@gmail.com

 

 

آراء