رسائل الى المكتب الجديد لاتحاد الصحفيين!

 


 

 


خارج السرب

إنتهى الصراع الانتخابي على مقاعد الاتحاد العام للصحافيين السودانيين ( بخيره وشره)، واحتفلت قائمة الصحفيين الوطنيين بفوزها بثقة اعضاء الجمعية العمومية، بينما غابت المعارضة غيابا بائنا لتترك ميدان السباق خاليا إلا من جياد شرق دارفور الاصيلة بقيادة فارسها الصادق الرزيقي، وهو الرئيس الجديد المنتخب للدورة الجديدة. والحمد لله هاهو أحد أبناء دارفور الأعزاء يتسنم واحدة من أهم النقابات الفئوية المهنية لثلة من الناس عرفت بتاثيرها الكبير على الرأي العام السوداني في ماضيه وحاضره الراهن.
واليوم وقد انتهت السكرة وبانت الفكرة، فعلى الاتحاد الجديد مهام كبيرة ومسؤوليات جسيمة، ويجب الا يعميه هذا الفوز عن التصدي لها والاهتمام بها وايلائها ما تستحقه من العناية والجهد والمثابرة.وهي في اعتقادي تتمثل في الاتي:
أولا: ان عدد الاصوات الذي فاز به النقيب الجديد يزيد على الالف صوت بقليل، ولكن يجب الاعتراف بان الجمعية العمومية للصحافيين السودانيين يدور همس وجهر كبيرين حول قانونية عضوية الكثيرين من أعضائها، وبالتالي فان الفوز على طريقة مباركة السيدين لن تجدي في منح الشرعية لهذا الاتحاد، واقصد بالشرعية هنا شرعية القناعة بان العضوية الحالية وبحجمها الحالي هي الممثل الشرعي للصحافيين في كل بقاع السودان.
ثانيا: غياب المعارضة الكامل وفشل منسوبي الحكومة في احداث اي اختراق في مواقفها ولو باسم المهنة ، وغياب حتى الأحزاب المشاركة في الحكومة يشير الى حالة من الاستقطاب الحاد او العزل الشديد أو الاستئثار الكامل بمقاعد النقابة، وهذه الحالة ليست صحية وليست من مصلحة العمل النقابي في شيء ، خاصة وان منسوبي الحكومة نفسها يصرون على أن الاتحاد كيان مهني وليس حزبي وبالتالي من طبائع الأشياء أن يحوي ممثلين لتيارات أخرى ولو من باب التمثيل ، وهذا أيضا يقدح في قيمة هذا الفوز ليس من الناحية القانونية بطبيعة الحال ولكنه كذلك في حال الركون الى روح القانون.
ثالثا: تدعو الحكومة منذ فترة الى الحوار والى التقارب مع التيارات السياسية والحزبية الأخرى ، وكان ينبغي أن تجد تلك الدعوى صدى يثبت مصداقيتها في مثل هذه الاستحقاقات، ولكن  ما حدث يشير الى حرص منسوبي الحزب الحاكم على حمل الجمل بما حمل . وهي حالة لن تصب أبدا في مصلحة الحوار والمشاركة وتوسيع مواعين السلطة والحد من حالة الاختناق السياسي الماثلة منذ فترة.
لقد ظلت حكومة حسني مباركة السابقة في مصر، رغم ما توسم به من ديكتاتورية وفساد، تتيح المجال لجماعة الاخوان المسلمين للفوز بالنقابات، فسيطرت تلك الجماعة ولسنوات طويلة على مقاعد نقابات الأطباء والمهندسين والمحامين والمعلمين ، وإن أغلقت الحكومة دونها أبواب البرلمان بالضبة والمفتاح. ولم تخسر حكومة مبارك من ذلك وكان بامكانها السيطرة على تلك البرلمانات بسهولة ويسر.
رابعا: هناك حالة من الاختطاف والاختطاف المضاد في خطاب السلطة وممارسة منسوبيها للعمل السياسي والنقابي ،حيث تعلن سياسة الحزب الحاكم عن توجهات واضحة؛ بل وتوقع بمقتضاها الاتفاقيات والعهود مع القوى السياسية ، ولكن على أرض الواقع لا يطابق حساب الحقل حساب البيدر، كما يقول أديبنا الطيب صالح. ويبدو هذا الاختطاف أيضا في الفعل أيضا متخطيا القول ، حيث يدفع الحزب الحاكم أحيانا بوجوه لا تمثله في كثير من المواقع مما يثير الريبة والشك في أهداف هذه العناصر والتي تخالف في قولها وفعلها توجهات الحزب الحاكم نفسه ، وهو سلوك طبيعي طالما انها لا تنتمي اليه.
خامسا:كيف يقبل الحزب الحاكم الفوز على معارضين سياسيين غير موجودين أصلا في ساحة السباق، ومع احترامي للمرشحين المشاركين باسم المعارضة أو باسمائهم، وقناعتي باصالة وجودهم وحقهم في الترشح والتمثيل النيابي وقيادته أيضا الى انهم لعبوا دور شاهد الزور الذي شهد بسلامة وجود معارضين ومنافسين للسباق الانتخابي ، وهو ما يخالف الواقع .
لقد فاز المكتب السابق للاتحاد العام للصحافيين السودانيين أمام معارضين حقيقيين كان لهم رايهم ودورهم وبرنامجهم ، ولم يجد الخصوم ضدهم الا الدفع بعدم قانونية عضوية بعض الاعضاء وهو شك وطعن مقبول ومفهوم ويحدث في كثير من حلبات التسابق الانتخابي.
سادسا: لا يقع اللوم على منسوبي المؤتمر الوطني ومن شايعهم فقط، بل يتعداه الى المعارضة وهي الشريك الاكبر في صناعة هذا الواقع " المايل" بغيابها الفعلي عن سوح العمل السياسي والنقابي ، وحالها أشبه بالقوى السياسية العلمانية التي تهاجم المحاكم حين صدور قرار بحكم الردة فتملا الدنيا ضجيجا وتصمت بعد ذلك في حين أن القانون الذي يحاكم بالردة موجود وسار المفعول ولا احد يتحدث عنه الا بعد تطبيقه على متهم ما فتعود تلك القوى لترفع عقيرتها مرة أخرى.وذات الشيء يتكرر في قضية عضوية الاتحاد اذ تظل القوانين واللوائح والبنود التي تحدد شروط  منح العضوية سارية حتى اذا ما جاء السباق الانتخابي نشط المعارضون في الهجوم عليها وانتقادها وينتهي الامر على ذلك فتعود تلك القوانين الى سالف حالها لتحكمهم مرة ومرات عديدة ويكتفي المعارضون باطلاق اللعنات.
سابعا: من الطبيعي أن يفوز المؤتمر الوطني في هذه الانتخابات والانتخابات الرئاسية المقبلة أيضا طالما أن المعارضة بكل تياراتها لا تملك صحف يومية ولا اسبوعية ولا صحفيين محترفين منضوين الى تنظيماتها لتزج بهم في مثل هذه المعتركات.
كيف  تمتنع احزاب مثل الامة والاتحادي والوطني الاتحادي والشيوعي وأحزاب اليسار جميعها في اصدار صحف يومية او اسبوعية تحفظ لهذه القوى السياسية وجودها الاصيل في التنظيمات النيابية بدلا من انتظار صحفيين يعملون في صحف الحزب الحاكم نفسه ليقوموا بالتغيير.
ثامنا: ان المكتب الجديد مطالب منذ اللحظة بالانفتاح على القوى السياسية الاخرى وتنظيم ورش عمل قانونية ومهنية تجيب على التساؤلات المهمة والتحديات التي تحيط بالمهنة ، وياتي في مقدمتها اعادة هيبة ومكانة السجل الصحفي ، وطرد كل الذين تسوروا سور المهنة زورا وبهتانا، وتحديد العلاقة بين اعضاء الاتحاد ودور المجلس القومي للصحافة والمطبوعات ، واغلاق كل بؤر ومساجد الضرار، حتى لا تمضي سنوات الدورة الجديدة لاتحاد الصحفيين وجميع القضايا تراوح مكانها.
ونصيحتي الى نقيب الصحفيين الجديد هي تلك المشورة التي منحها ناظر الرزيقات الى الرئيس الاسبق جعفر محمد النميري، عندما ساله عن رايه في الاستفتاء على رئاسة الجمهورية والتي اكتسها النميري بذات النسبة التي اكتسح بها اتحاد الصحفيين الانتخابات الحالية ، قال له زعيم الرزيقات: سيدي الرئيس ، السباق ما فوكو غير حصان واحد ككيف ما يفوز!! جيب الفرسان ، خليهم يسابقوك وانت فارس ما بتتلحق يا النميري ، جيبهم يا النميري وأسبقهم. اذاً على إتحاد الصحافيين أن ياتي ببقية الفرسان لنحتفل جميعا بالفوز على قوى البقي والظلام، كل حسب بضاعته وفهمه.




talabmakki@gmail.com

 

آراء