رسالة إلى صديق اختفت دروبه

 


 

 

هذه رسالة إلى الصديق بابكر عباس وضعتها فى بريده الإلكترونى يوم 17 يناير 2021 بمجرد أن استلمت رسالته اليتيمة و لم أتمكن حتى الآن من تحديد مكانه على الرغم من أنه ذكره فى رسالته التى قال فيها ..

"أخيرا وجدتك..
كالظل المتسلل خلف الأشجار
كالدرب التائه فى الغاب
كنداء الأصحاب
كضجيج الأنواء
وكهمس النجم..و هدير النمل..
ألف تحية أخى العزيز .... الياس الغائب...
من ذكرى أمسيات وصباحات أسمرا
الجميلة الحزينة
التى تغسل المطر دموعها
عاما إثر عام..
ألف تحية لكم...
توقيعكم: من كوبنهاقن..
أثار فى النفس ما أثار من شجن..
و نقلنى إلى هناك ... تلك البلاد الجميلة.. الباردة!!
ألف تحية.. وتحية...
وشوق دائم لأخباركم
و الأسرة الكريمة
مخلصكم
بابكر عباس
البحرين!! "

رسالتك أيها العزيز أيقظت الشجون و أحيت الذكريات و سافرت بى إلى الماضى، 27 عاماً فى عمر الزمان، إلى عام 1994، إلى إريتريا الثورة و إلى اسمرا الجميلة و إلى الأصحاب و الأحباب الفاتح رستم، السر هاشم، الطاهر صالح (رحمه الله)، حمدان جمعة، مولانا فيصل مسلمى (رحمه الله)، فتحى الضو و إلى الواحة و حبيبنا أحمد شريف (رحمه الله) و إلى الهندى السودانى أستاذ تياقى و إلى إحتفائنا و إحتفالنا بذكرى ثورة أكتوبر، الثورة التى قال عنها سفير الإنقاذ يومها فى إريتريا "الثورة دى ما عرفناها حقت منو ؟ الشيوعيين بقولو حقتهم و ناس الترابى كمان بقولو حقتهم" بمشاركة الفنانين الراحلين إبراهيم حسين و خوجلى عثمان (رحمهما الله رحمة واسعة) ..

رسالتك يا عزيزى هدية من السماء هبطت على فى زمن الكورونا، زمن الإنغلاق الكامل فى أوربا . كل المحال عندنا فى الدنمارك مغلقة، المقاهى، المطاعم، السينما، الكوافير و ميادين الرياضة. هبطت َعلىّ برداً و سلاماً و أعادتنى إلى الماضى الجميل، و تداعت على الذكريات الحبيبة كهبوطك على تماماً فى اسمرا عام 1994. يومها كنتُ السودانى الوحيد فى جامعة أسمرا و عيد الأضحى المبارك على الأبواب و كنتُ وحيداً لا أسرة لى و لا أحباب. ما زلت أذكر و نحن فى طريقنا إلى مساكن الجامعة و قد تعشينا عند أحمد شريف قلت لى إنك ترغب فى أن تقضى عيد الأضحى مع أولادك فى كسلا و لم يمض على مجيئك أسبوع واحد و من حسن الحظ أن تذكرتك مع سودانير (حليلها) كانت ذهاب و عودة. و قد كان. عيدت أنت فى كسلا مع أولادك و جئتنى أنا بأولادى. ألم أقل لك إن رسالتك اليوم هدية من السماء كهبوطك على بالأمس ؟

للأسف لم تمكث معنا طويلاً فقد هربت و اختفيت، و انتعشت اسمرا من بعدك و أصبحت عاصمة للصمود و قبلة للمعارضة السودانية و أتيحت لى سانحة فريدة لأول مرة فى حياتى أن ألتقى بكل زعماء المعارضة و بالذين حكمونا من قبل و أن أجالسهم و أتحدث مع بعضهم. و لقد خرجت بانطباع فى غاية الأحباط .. و كم تمنيت أن تكون معنا لتقف بنفسك على كيف كان يحكم السودان .. تواردت على الخواطر يا عزيزى و ازدحمت حتى أنها أنستنى السؤال عنك و عن أخبارك و عن الأولاد و صحتهم. و لكن لا بأس فقد هبطت على من السماء و قد وجدتنى أنت بفضل تطور و سائل التواصل الإجتماعى فلنتواصل …

eliaselghayeb@hotmail.com
الياس الغائب … كوبنهاجن

 

آراء