رسالة للحكومة: زي ما بتخافي من الرياح !!

 


 

 

مفاهيم

nadiaosmanmukhtar@yahoo.com

بحسب الأنباء الواردة إلينا من جوبا بدأت الحكومة في دولة الجنوب ( الشقيق) في تشييد قصرها الرئاسي المنيف على أفخم ما يكون البنيان، وبصورة تتناسب ووضعية الدولة الجديدة الغنية بالنفط والموارد الطبيعية الأخرى !
أتانا خبر قصر الرئاسة في جوبا في توقيت علا فيه صوت الشمال يجأر بالشكوى من غلاء الأسعار؛ وبخاصة رغيف العيش الذي قللوا حجمه بادئ الأمر إلى أن صار (قضمة) والآن بعد ارتفاع سعره للمرة الـ ( دشليون) قد لا يجد المواطن القضمة نفسها !
 أدهشني تناول بعض الأقلام في دولتنا في شمال السودان بالنقد اللاذع لما قامت وتقوم به الحكومة في الدولة ( الجارة) فيما يتعلق ومسألة بناء القصر الرئاسي بحسبان أن في ذلك عدم تقدير للأولويات ، خاصة وان الجنوب بشكله الحالي ليس فيه مقومات الدولة كما يرى المحللون والنقاد في الشمال ، ولكن  ماذا لو سألنا سائل جنوبي ( الجنسية) عن لماذا يتدخل الشمال أصلا في الشؤون الخاصة لدولتهم الـ ( جارة) وماذا لو قال ذات السائل لهؤلاء النقاد مالكم انتم  وقصور جيرانكم في الجنوب ، ولماذا تكونوا ( ملكيين أكثر من الملك) وملوك الجنوب كثر وهم أولى بانتقاد حكامهم ..( موش ممكن زول جنوبي يقول كدا)؟!!
المهم ـ مع الزيادات الكبيرة والجنونية في الأسعار حالياً- وربما مستقبلياً- كان لابد لي من تصويب سهام قلمي لانتقاد الحكومة ومحاولة تصويبها؛ عسى ولعل ومن يدري (احتمال تسمع كلام الببكيها) !!
في يقيني أن القصور التي يتم تشييدها هنا في شمالنا أولى بهذا الانتقاد؛ حيث أن الحكومة بالفعل لديها قصور ولا تحتاج للمزيد، وكان وبل يجب عليها أن تتبع سياسة (التقشف) في هذه الفترة الحرجة و(المفصلية) كما يقول أهل السياسة؛ بمناسبة ومن دون مناسبة !!
عليها أن تتخلى عن ( البوبار) قليلا فلم نعد لدينا (نفطا) ( نتبوبر) به ، والجنوب قد مضى لحال سبيله ببتروله وشعبه الصديق !!
تطمئن الحكومة الشعب بالقول إننا  لن نتأثر بذهاب بترول الجنوب؛ وتؤكد عبر قادتها على رأسهم د. نافع علي نافع بأن البلد خيرها ( رااااقد) !!
والذهب في باطن الأرض ينادي ... يا بلادي .. يا بلادي !!
لا يا سادتي الحكام .. الشعب ليس طفلا تسكتون تساؤلاته وتخوفاته من واقع اقتصادي مخيف قادم بموجب المعطيات الحالية فتلقمونه عدد واحد ( حلاوة حربة) وحبّات من الـ ( حلاوة بقر) !!
فالوضع جد خطير، ومن يقول إننا لن نتأثر اقتصادياً بانفصال الجنوب وذهاب بتروله واهم ومكابر بلا شك !
ولا نريد من الحكومة سواء أن تتعامل بشفافية مع الشعب في الفترة القادمة وان تكف عن تزيين الواقع المر والتجمّل وإبداء اللامبالاة أمام الناس لتطمينهم طمأنينة زائفة بأن اقتصاد البلد بخير، وان رغيف العيش سيعود لسالف عصره والأسعار ستصبح ( رخيييييصة) !
فالشعب (المنكوب) هذا يخرج رجاله ونساؤه للأسواق يومياً ويتحرّقون بنار الأسعار التي ( طارت ) السماء ، ويعرفون أن القادم حتماً سيكون أسوأ ولو إلى حين استرداد العافية شيئاً فشيئاً ، بعد أن تفيق الحكومة من (خمّة) النفس  بسبب انفصال الجنوب وآثاره والعمل على تدارك تداعياته السلبية !
يجب أولاً أن ( تلم) الحكومة يدها قليلا، وحبذا لو جعلتها مغلولة إلى عنقها ولتمنع نفسها وتلجمها عن (شهوة)  بناء القصور واليخوت وإقامة مؤتمرات القمة، وتعيين المستشارين والمساعدين واستحداث الوظائف وتفصيلها حسب الطلب ، ولتنتبه لميزانية الدولة التي تتضاعف يوما بعد يوم منذ اكتشاف واستخراج أول برميل للبترول وحتى الآن؛ فلم نعد دولة نفطية ، وحتى لو أن بالشمال (نفطا وذهبا وياقوتا ومرجان ولالئ ) كما تقول الحكومة !
فيجب أن تكف عن التبذير وتربط الأحزمة ، وتعمل على أن تكون ثروات الشمال لما تبقى من شعب السودان بناقص الجنوب الذي ذهب مأسوفا عليه !
وان يذهب هذا المال وهذه الثروات ( إن وجدت) حقيقة للشعب الصابر على الابتلاءات وغلاء الأسعار والرهق اليومي خلف لقمة عيش لا تسمن ولا تغني من جوع !!
ولأن الجوع كافر فيجب على الحكومة أن تنتبه إلى أن زيادة سعر الدقيق ومن ثّم الرغيف ومختلف السلع الاستهلاكية اليومية للمواطن قد تجعل (جوعانا) من أبناء هذا الشعب الطيب يهجم على زجاج القصر الفاخر الحالي؛ وذاك المنتظر بناؤه في الشمال ويهشمه بـ ( فلعة) حجر واحدة لا تبقي ولا تذر من فخامته شيئاً !!
كل الحكومات في العالم تخاف أن تقتلعها رياح غضب عارمة، وثورة عاتية تهب من شوارع الشعب وقلوبهم المحروقة وحناجرهم المكتومة يوماً فتجد الحكومة نفسها في خبر كان !!
 لذلك أقول لناس الحكومة بلا استثناء على نغمة ( وردية) مضمّخة بنسيم (الحلنقة) العليل : إذا كنتم تخافون رياح الاقتلاع من الجذور وذهاب كراسي الحكم فمن باب أولى أن تخافوا الله في لقمة عيش هذا المواطن السوداني الصابر والمحتسب !
و
( زي ما بتخافي من الرياح .. بنخاف كمان أنحنا الضياع ) !!
و
يا حكومة :
( عضي قلبي .. ولا تعضي رغيفي.. إن قلبي على الرغيف ضعيف) !!
و
الشعب عاوز عيش ما عاوز باسطة !!

(نقلاً عن صحيفة الأخبار)
 

 

آراء