زغرد فجر الغضبة الحالم

 


 

 

عنوان هذه الكلمة عجز بيت من انشودة وطنية وثورية شهيرة هي " ملحمة أكتوبر " التي صاغ كلماتها الشاعر والمسرحي المبدع، الاستاذ هاشم صديق في عام ١٩٦٨م، تخليدا لانتفاضة اكتوبر الشعبية التي اطاحت بنظام الفريق ابراهيم عبود بتاريخ ٢١ أكتوبر ١٩٦٤م، التي تظلنا ذكراها العطرة هذه الايام لحسن الصدفة. وقد ألفها الشاعر وهو بعد شاب يافع يدرس بالمرحلة الثانوية، وفقاً لما جاء في عدد من المصادر التي تناولت هذا العمل الفني الخالد.
لقد تجلت العبقرية في الواقع في اسمى مجاليها في تنفيذ هذه التحفة الفنية الرائعة، كلماتٍ ولحناً وموسيقى وتوزيعاً وأداء، وهي العناصر والمميزات التي كُتب لها بفضلها الخلود في وجدان المستمعين السودانيين بمختلف أجيالهم.
اما الكلمات، فقد سبقت منا الاشارة الى انها قد جاءت من تاليف الاستاذ هاشم صديق، واما اللحن والموسيقى، فقد وضعهما الاستاذ الموسيقار الكبير محمد الامين، وابدع فيهما ايما ابداع، واما التوزيع الموسيقي ، فقد تولاه الموسيقار والملحن وعازف آلة البكلو العبقري ، الاستاذ الراحل موسى محمد ابراهيم ، واما الاداء فقد شاركت فيه كوكبة من مطربي حقبة الستينات والسبعينات من القرن الماضي ، كان رائدهم وواسطة عقدهم الاستاذ محمد الامين نفسه، الى جانب كل من الفنانين: بهاء الدين عبد الرحمن، وخليل اسماعيل، وعثمان مصطفى، وانبلينا السنوسي، والمجموعة.
استمعنا إلى الملحمة ، كما كان هذا هو اسمها الشائع اختصاراً، في طفولتنا وصبانا باعجاب صامت ساذج، ودون تامل عميق في جمالياتها الفنية، لقصور ادراكنا عن ذلك آنئذٍ ، ولكننا ازددنا بها معرفةً واعجاباً حقّاً، عندما كبرنا وشببنا عن الطوق ونحن في المرحلة الثانوية، بمدرسة خورطقت الفيحاء. وكان الفضل في زيادة فهمنا وادراكنا واعجابنا الواعي بجماليتها، يعود الى استاذنا الدكتور النور محمد حمد، الكاتب والمفكر المعروف حياه الله ومتعه بالصحة والعافية، الذي كان فنانا شاملاً، عزفاً وتلحيناً، ورسماً وتلوينا، وإخراجاً وتنظيما. فقد كانت الملحمة اثيرة لديه هي وعمل آخر للمطرب محمد الامين هي أغنية:" حروف اسمك "، وكان يلذ له عزف موسيقاهما على آلة الاكورديون التي يجيد العزف عليها ببراعة مدهشة.
تعجبني جميع مقاطع الملحمة بالطبع، ولكن شدّ ما يطربني فيها، ذلك البيت المدهش المبشر بالمخاض والخلاص الذي يقول:
وفجأة ونحن صفوف بتصمّم
زغرد فجر الغضبة الحالم
ولا شك ان فيه اختزالا وتكثيفاً شعرياً معجباً لحدث سياسي كبير ومفصلي، ساقت اليه ودفعت اليه دفعا ، ملابسات التصعيد الثوري المحتدم حينها، الا وهو اعلان الفريق عبود عن تقديم استقالته ايذانا بنجاح الثورة.
ولقد ترجم الفنان العبقري حقا: محمد الامين، ذلك المعنى الذي هدف اليه الشاعر من خلال خاطرة موسيقية ولحنية وأدائية متكاملة ومدهشة، تمثلت بصفة خاصة في حسن تخلص نغمي بديع بين الحوار بين الاوركسترا والكورَس في ترديد الصفة حالم اكثر من مرة، ليتخلص منها بسلاسة وبراعة ويعيدنا مرة أخرى الى العبارة الاساسية:
وهزمنا الليل .. هزمنا الليل والنور في الآخر طلّ الدار
وهزمنا الليل .. هزمنا الليل والعزة اخضرّت للاحرار
وعارف الترومبيت يرفع عقيرته ملء شدقيه، بنغم صادح عالي النبرة ومميز.

Khaldoon90@hotmail.comlk

 

آراء