زلازل على سد النهضة: بين الحقائق العلمية والإنكار
د. أحمد عبد الله الشيخ
22 May, 2024
22 May, 2024
تعتبر الزلازل من الظواهر الطبيعية التي تضرب مناطق متفرقة في العالم بطرق مختلفة. ومن بين المناطق التي اشتهرت بالزلازل هي إثيوبيا، حيث أوردت الأنباء في الأيام السابقة عن حدوث زلزال بقوة 4.9 درجة على مقياس ريختر بالقرب من سد جيبي على نهر أومو جنوب البلاد.
ورغم التقدم العلمي الكبير في رصد وتحليل هذه الظاهرة، والعديد من المقالات السابقة التي كتبتها للتحذير من خطورة الزلازل على سد النهضة. مستندا فيها الي الكثير من الأوراق والتقارير والبحوث العلمية المنشورة، لا يزال هناك من ينكر وجود تلك الزلازل. ومن بين هؤلاء، الدكتور سلمان محمد أحمد سلمان، الذي أنكر وقوع زلازل في إثيوبيا بالمطلق. ومن الواضح أن غرضه من النفي دعم وجهة نظره حول سلامة سد النهضة، الذي تم إنشاؤه في منطقة نشطة زلزالياً كما سيتبين للقاري لاحقاً.
وقد أورد حجته تلك في مقالة له بتاريخ 2/11/2013 نُشرت في مجلة السفير العربي بعنوان (بعدَ أنْ أصبحَ سدُّ النهضةِ الإثيوبي حقيقةً واقعة: خِياراتُ السُودان) "كما أن القول أن سدّ النهضة يقع في منطقة زلزالٍ قولٌ مردودٌ أيضاً. فالعالم لم يسمع عن أي زلزالٍ في إثيوبيا إطلاقاً."
ثم عاد الدكتور سلمان وكرر نفس القول في كتابه (السودان ومياه النيل النزاعات والاتفاقيات ومستقبل علاقات دول الحوض) الصادر عن مركز أبحاث السودان، فيرفاكس، فرجينيا الولايات المتحدة عام 2016 صفحة 351.
كما يضاف الي قائمة المنكرين الدكتور سيف حمد الرئيس الاسبق للجنة الفنية السودانية في مفاوضات سد النهضة وباشمهندس مصطفي عبد الجليل حيث أشارا في مذكرة لهما بعنوان (السودان وسد النهضة تساؤلات متواترة) في مايو 2020- أن الدراسات والرصد الزلزالي "أكدت أن المنطقة لم تشهد زلزالا من قبل، وأنها تبعد أكثر من 500 كم من الفالق الأرضي (الأخدود الافريقي العظيم) والذي يمر بمدينة أداما الإثيوبية شرق أديس أبابا". خلت المذكرة كذلك من الإشارة إلى مرجع يمكن الرجوع إليه.
وقد رددت على مزاعم د. سلمان بالتفصيل في مقالة بعنوان "د. سلمان محمد أحمد سلمان قال ما في زلازل قال!، مقدمة عن عدم التثبت برغم مزاعم صرامة البحث"; نُشرت في صحيفة سودانيل في مارس عام 2018 ولم يقم د. سلمان بالرد علينا أو ذكر المراجع التي استند عليها إلى هذا اليوم مما يؤكد ضعف ما ذهب اليه بالنظر إلى عدم إشارته لمراجع أو مرجع.
كما قمت بالرد على مزاعم الدكتور سيف حمد وباشمهندس مصطفي عبد الجليل في مقالة بعنوان "زلازل سد النهضة وزلازل السد العالي" نشرت في سودانيل في يونيو 2020 وأيضا لم يتم الرد علينا لا بالاشتراك ولا بالانفراد.
نهدف من هذا المقال والمقالات العديدة المنشورة التي سبقته في موضوع سد النهضة إلى بيان الحقائق وإلى توعية الرأي العام، كما تهدف المقالات إلى دحض ادعاءات المنكرين المشار إليهم وغيرهم ممن لم تذكر أسماؤهم، وجميعهم يستندون الي روايات غير علمية وغير دقيقة (حقائق بديلة)، بدلا من الرجوع إلى دراسات أو بحوث أو تقارير أو مراجع علمية يمكن الاستناد عليها أو التداول حولها عند مناقشة أي قضية علمية ناهيك عن قضية مثل قضية سد النهضة.
السياق التكتوني لإثيوبيا
تعتبر إثيوبيا في قلب منطقة ما يعرف بالأخدود الإفريقي العظيم، وهي واحدة من أكثر المناطق الجيولوجية نشاطاً في العالم. ويمتد هذا الاخدود من إرتيريا شمالا، ثم يمر عبر شرق ووسط إفريقيا إلى ملاوي جنوبا. وهو السبب الرئيسي لانفصال الصفائح التكتونية الأفريقية والعربية والصومالية عن بعضها البعض. هذا النشاط التكتوني المستمر يُعتبر من مسببات الزلازل في تلك المنطقة.
الأدلة العلمية
أظهرت الكثير جدا من الدراسات الجيولوجية المنشورة والتي يصعب حصرها في هذا المقال وجود نشاط تكتوني مستمر في منطقة الاخدود الإفريقي العظيم. وقد عكفت أغلب تلك الدراسات والبحوث العلمية المنشورة في مجلات أكاديمية مرموقة على دراسة هذا النشاط بعمق وتوصيف الآليات التي تؤدي إلى حدوث الزلازل في تلك المنطقة. ونشير على سبيل المثال وليس الحصر، إلى تقرير بعنوان الارض ومصادر مياه النيل الازرق في إثيوبيا الصادر عن مكتب الاستصلاح الامريكي عام 1964 الملحق الثاني صحفة 51 التالي حيث جاء ما يلي:
“The Blue Nile River Basin is an earthquake area, and this fact must be considered in the design of engineering works.”
وترجمتها: - "منطقة حوض النيل الازرق منطقة زلازل، وهذه الحقيقة يجب أن تؤخذ في الاعتبار عند تصميم الأعمال الهندسية". ومن المعلوم أن منطقة سد النهضة تقع داخل حوض النيل الأزرق في اثيوبيا.
علماً بأن دكتور سلمان محمد احمد أشار إلى التقرير وملحقاته الخمسة في كتابه المذكور أعلاه في صفحة 334 عندما تحدث عن الطاقة الكهربائية التي يمكن استغلالها من مياه الانهار في إثيوبيا.
ولذلك فالفرضية: إما أن دكتور سلمان لم يطلع على تقرير مكتب الاستصلاح الامريكي وملحقاته الخمسة، أو أنه قرأ التقرير وملحقاته ولكنه لم يرد أن يذكر هذه الحقيقة لأنها تهدم فرضية سلامة سد النهضة فالسد يقام داخل حوض النيل الازرق، وهذه تسمي انتقائية،
وإما أنه أخذ الكلام من مصدر آخر ولكنه أخفى هذا المصدر. والانتقائية والإخفاء من الكبائر التي لا تتناسب مع الطرح الأكاديمي الصارم الذي زعم دكتور سلمان اتباعه في مقدمة كتابه آنف الذكر.
الرصد الزلزالي
تعاني إثيوبيا من قلة توفر شبكة واسعة من محطات الرصد الزلزالي التي تسجل الحركات الزلزالية في كافة أنحاء البلاد بشكل دقيق ومستمر. ولعل هذا يفسر قلة الزلازل المسجلة في منطقة النيل الأزرق بالمقارنة مع منطقة الأخدود الأفريقي واختفاءها تماما في منطقة السد، لأنها قد تكون غير مرصودة أو مبلغ عنها. وقد أدى خلو المنطقة من محطات رصد الزلازل إلى عدم تسجيل زلازل في منطقة السد، ولكن هذا لا ينفي حدوث الزلازل كما أشار تقرير مكتب الاستصلاح الأمريكي. كما خلق هذا الخلو من محطات الزلازل اعتقادا لدي كثير من غير المختصين أن المنطقة ليست نشطة زلزاليا.
وبالرغم من ذلك تظهر البيانات المسجلة من محطات الرصد الزلزالي المؤقتة او الإقليمية ووقوع زلازل في منطقة حوض النيل الأزرق بدرجات متفاوتة من الشدة؛ فمثلا هنالك دراسة صدرت في عام 2019 بعنوان:
“Homogenized earthquake catalog and b-value mapping for Ethiopia and its adjoining regions”
تفيد بأن حوالي 7000 زلزال حدثت في اثيوبيا وماجورها من الاقاليم ما بين عامي 1900 و2016 العديد منها وقع في منطقة حوض النيل الأزرق مما يؤكد نتائج تقرير مكتب الاستصلاح الأمريكي ويدحض ما ذهب إليه الدكتور سيف حمد وباشمهندس مصطفي عبد الجليل في مذكرتهما التي تم الإشارة إليها في أول المقال.
الزلازل في محيط بحيرات السدود
النشاط الزلزالي المرتبط ببحيرات السدود أصبح ظاهرة معروفة عالميا. وتحدث لعدة أسباب تتمحور حول تسرب المياه من بحيرة السد إلى الشقوق والصدوع أسفل بحيرة السد. أضف إلى ذلك ثقل وزن بحيرة السد على القشرة الأرضية (تبلغ وزن بحيرة سد النهضة عند الملء الكلي حوالي 74 مليار طن). تم رصد هذه الظاهرة في الكثير من البلدان منها الهند، اليونان، وزامبيا.
أما في منطقة حوض النيل، فقد شهدت مصر في عام 1981، زلزالا بقوة 5.2 درجة في بحيرة السد العالي. كما شهدت المنطقة نفسها معدلاً أعلى من المتوقع من النشاط الزلزالي بمتوسط 273 زلزالاً في السنة.
ووفقاً لتقرير أصدرته هيئة البحوث الجيولوجية السودانية في عام 2020، فقد ازداد عدد الزلازل في منطقة سد مروي بالسودان بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية. وذلك بالمقارنة بما قبل بناء سد مروي، حيث كان هناك زلزالين فقط بقوة أقل من ثلاث درجات بين عامي 2004 و 2006. ولكن منذ عام 2011، عندما تم الانتهاء من بناء سد مروي، وقعت ما لا يقل عن 22 زلزالاً بقوة تزيد عن 4.4 درجة بين عامي 2017 و2018. وقد بلغت الذروة في عام 2017 بوقوع 62 زلزالاً. ويستنتج مما سبق ذكره، أن بحيرات السدود تحدث الزلازل حتى في المناطق التي لم تكن نشطة زلزاليا فما بالك في بحيرة سد النهضة التي تقع في منطقة نشطة زلزاليا.
إن الزلازل "علم" كسائر العلوم والخوض فيها يتطلب دراسة مستفيضة ودقيقة من متخصصين. ومن ثم، فإن الزلازل في إثيوبيا ومنطقة حوض النيل الأزرق التي تتضمن سد النهضة هي واقع علمي لا يمكن إنكاره، كما تؤكد ذلك بوضوح الأدلة الجيولوجية والدراسات العلمية. وسوف تتسبب بحيرة سد النهضة في حدوث عدد من الزلازل سنويا وقد يكون أحدها مدمرا لان المنطقة نشطة زلزاليا.
إن عدم التثبت من المصادر والمعلومات ينال من أي عمل ويقلل من قيمته ويطعن في مصداقيته ويرسل رسائل سالبة للعامة ومتخذي القرار. ومن المهم أن نتعامل مع هذه الظاهرة الطبيعية بجدية ونعمل على نشر الوعي العلمي للمساهمة في التقليل من أضرار الزلازل عبر الاستعداد لها. كما أن إنكار الزلازل لن يغير من حقيقتها، بل يعرض المجتمعات لمخاطر أكبر.
د. أحمد عبد الله محمد الشيخ
aer4ca@gmail.com
ورغم التقدم العلمي الكبير في رصد وتحليل هذه الظاهرة، والعديد من المقالات السابقة التي كتبتها للتحذير من خطورة الزلازل على سد النهضة. مستندا فيها الي الكثير من الأوراق والتقارير والبحوث العلمية المنشورة، لا يزال هناك من ينكر وجود تلك الزلازل. ومن بين هؤلاء، الدكتور سلمان محمد أحمد سلمان، الذي أنكر وقوع زلازل في إثيوبيا بالمطلق. ومن الواضح أن غرضه من النفي دعم وجهة نظره حول سلامة سد النهضة، الذي تم إنشاؤه في منطقة نشطة زلزالياً كما سيتبين للقاري لاحقاً.
وقد أورد حجته تلك في مقالة له بتاريخ 2/11/2013 نُشرت في مجلة السفير العربي بعنوان (بعدَ أنْ أصبحَ سدُّ النهضةِ الإثيوبي حقيقةً واقعة: خِياراتُ السُودان) "كما أن القول أن سدّ النهضة يقع في منطقة زلزالٍ قولٌ مردودٌ أيضاً. فالعالم لم يسمع عن أي زلزالٍ في إثيوبيا إطلاقاً."
ثم عاد الدكتور سلمان وكرر نفس القول في كتابه (السودان ومياه النيل النزاعات والاتفاقيات ومستقبل علاقات دول الحوض) الصادر عن مركز أبحاث السودان، فيرفاكس، فرجينيا الولايات المتحدة عام 2016 صفحة 351.
كما يضاف الي قائمة المنكرين الدكتور سيف حمد الرئيس الاسبق للجنة الفنية السودانية في مفاوضات سد النهضة وباشمهندس مصطفي عبد الجليل حيث أشارا في مذكرة لهما بعنوان (السودان وسد النهضة تساؤلات متواترة) في مايو 2020- أن الدراسات والرصد الزلزالي "أكدت أن المنطقة لم تشهد زلزالا من قبل، وأنها تبعد أكثر من 500 كم من الفالق الأرضي (الأخدود الافريقي العظيم) والذي يمر بمدينة أداما الإثيوبية شرق أديس أبابا". خلت المذكرة كذلك من الإشارة إلى مرجع يمكن الرجوع إليه.
وقد رددت على مزاعم د. سلمان بالتفصيل في مقالة بعنوان "د. سلمان محمد أحمد سلمان قال ما في زلازل قال!، مقدمة عن عدم التثبت برغم مزاعم صرامة البحث"; نُشرت في صحيفة سودانيل في مارس عام 2018 ولم يقم د. سلمان بالرد علينا أو ذكر المراجع التي استند عليها إلى هذا اليوم مما يؤكد ضعف ما ذهب اليه بالنظر إلى عدم إشارته لمراجع أو مرجع.
كما قمت بالرد على مزاعم الدكتور سيف حمد وباشمهندس مصطفي عبد الجليل في مقالة بعنوان "زلازل سد النهضة وزلازل السد العالي" نشرت في سودانيل في يونيو 2020 وأيضا لم يتم الرد علينا لا بالاشتراك ولا بالانفراد.
نهدف من هذا المقال والمقالات العديدة المنشورة التي سبقته في موضوع سد النهضة إلى بيان الحقائق وإلى توعية الرأي العام، كما تهدف المقالات إلى دحض ادعاءات المنكرين المشار إليهم وغيرهم ممن لم تذكر أسماؤهم، وجميعهم يستندون الي روايات غير علمية وغير دقيقة (حقائق بديلة)، بدلا من الرجوع إلى دراسات أو بحوث أو تقارير أو مراجع علمية يمكن الاستناد عليها أو التداول حولها عند مناقشة أي قضية علمية ناهيك عن قضية مثل قضية سد النهضة.
السياق التكتوني لإثيوبيا
تعتبر إثيوبيا في قلب منطقة ما يعرف بالأخدود الإفريقي العظيم، وهي واحدة من أكثر المناطق الجيولوجية نشاطاً في العالم. ويمتد هذا الاخدود من إرتيريا شمالا، ثم يمر عبر شرق ووسط إفريقيا إلى ملاوي جنوبا. وهو السبب الرئيسي لانفصال الصفائح التكتونية الأفريقية والعربية والصومالية عن بعضها البعض. هذا النشاط التكتوني المستمر يُعتبر من مسببات الزلازل في تلك المنطقة.
الأدلة العلمية
أظهرت الكثير جدا من الدراسات الجيولوجية المنشورة والتي يصعب حصرها في هذا المقال وجود نشاط تكتوني مستمر في منطقة الاخدود الإفريقي العظيم. وقد عكفت أغلب تلك الدراسات والبحوث العلمية المنشورة في مجلات أكاديمية مرموقة على دراسة هذا النشاط بعمق وتوصيف الآليات التي تؤدي إلى حدوث الزلازل في تلك المنطقة. ونشير على سبيل المثال وليس الحصر، إلى تقرير بعنوان الارض ومصادر مياه النيل الازرق في إثيوبيا الصادر عن مكتب الاستصلاح الامريكي عام 1964 الملحق الثاني صحفة 51 التالي حيث جاء ما يلي:
“The Blue Nile River Basin is an earthquake area, and this fact must be considered in the design of engineering works.”
وترجمتها: - "منطقة حوض النيل الازرق منطقة زلازل، وهذه الحقيقة يجب أن تؤخذ في الاعتبار عند تصميم الأعمال الهندسية". ومن المعلوم أن منطقة سد النهضة تقع داخل حوض النيل الأزرق في اثيوبيا.
علماً بأن دكتور سلمان محمد احمد أشار إلى التقرير وملحقاته الخمسة في كتابه المذكور أعلاه في صفحة 334 عندما تحدث عن الطاقة الكهربائية التي يمكن استغلالها من مياه الانهار في إثيوبيا.
ولذلك فالفرضية: إما أن دكتور سلمان لم يطلع على تقرير مكتب الاستصلاح الامريكي وملحقاته الخمسة، أو أنه قرأ التقرير وملحقاته ولكنه لم يرد أن يذكر هذه الحقيقة لأنها تهدم فرضية سلامة سد النهضة فالسد يقام داخل حوض النيل الازرق، وهذه تسمي انتقائية،
وإما أنه أخذ الكلام من مصدر آخر ولكنه أخفى هذا المصدر. والانتقائية والإخفاء من الكبائر التي لا تتناسب مع الطرح الأكاديمي الصارم الذي زعم دكتور سلمان اتباعه في مقدمة كتابه آنف الذكر.
الرصد الزلزالي
تعاني إثيوبيا من قلة توفر شبكة واسعة من محطات الرصد الزلزالي التي تسجل الحركات الزلزالية في كافة أنحاء البلاد بشكل دقيق ومستمر. ولعل هذا يفسر قلة الزلازل المسجلة في منطقة النيل الأزرق بالمقارنة مع منطقة الأخدود الأفريقي واختفاءها تماما في منطقة السد، لأنها قد تكون غير مرصودة أو مبلغ عنها. وقد أدى خلو المنطقة من محطات رصد الزلازل إلى عدم تسجيل زلازل في منطقة السد، ولكن هذا لا ينفي حدوث الزلازل كما أشار تقرير مكتب الاستصلاح الأمريكي. كما خلق هذا الخلو من محطات الزلازل اعتقادا لدي كثير من غير المختصين أن المنطقة ليست نشطة زلزاليا.
وبالرغم من ذلك تظهر البيانات المسجلة من محطات الرصد الزلزالي المؤقتة او الإقليمية ووقوع زلازل في منطقة حوض النيل الأزرق بدرجات متفاوتة من الشدة؛ فمثلا هنالك دراسة صدرت في عام 2019 بعنوان:
“Homogenized earthquake catalog and b-value mapping for Ethiopia and its adjoining regions”
تفيد بأن حوالي 7000 زلزال حدثت في اثيوبيا وماجورها من الاقاليم ما بين عامي 1900 و2016 العديد منها وقع في منطقة حوض النيل الأزرق مما يؤكد نتائج تقرير مكتب الاستصلاح الأمريكي ويدحض ما ذهب إليه الدكتور سيف حمد وباشمهندس مصطفي عبد الجليل في مذكرتهما التي تم الإشارة إليها في أول المقال.
الزلازل في محيط بحيرات السدود
النشاط الزلزالي المرتبط ببحيرات السدود أصبح ظاهرة معروفة عالميا. وتحدث لعدة أسباب تتمحور حول تسرب المياه من بحيرة السد إلى الشقوق والصدوع أسفل بحيرة السد. أضف إلى ذلك ثقل وزن بحيرة السد على القشرة الأرضية (تبلغ وزن بحيرة سد النهضة عند الملء الكلي حوالي 74 مليار طن). تم رصد هذه الظاهرة في الكثير من البلدان منها الهند، اليونان، وزامبيا.
أما في منطقة حوض النيل، فقد شهدت مصر في عام 1981، زلزالا بقوة 5.2 درجة في بحيرة السد العالي. كما شهدت المنطقة نفسها معدلاً أعلى من المتوقع من النشاط الزلزالي بمتوسط 273 زلزالاً في السنة.
ووفقاً لتقرير أصدرته هيئة البحوث الجيولوجية السودانية في عام 2020، فقد ازداد عدد الزلازل في منطقة سد مروي بالسودان بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية. وذلك بالمقارنة بما قبل بناء سد مروي، حيث كان هناك زلزالين فقط بقوة أقل من ثلاث درجات بين عامي 2004 و 2006. ولكن منذ عام 2011، عندما تم الانتهاء من بناء سد مروي، وقعت ما لا يقل عن 22 زلزالاً بقوة تزيد عن 4.4 درجة بين عامي 2017 و2018. وقد بلغت الذروة في عام 2017 بوقوع 62 زلزالاً. ويستنتج مما سبق ذكره، أن بحيرات السدود تحدث الزلازل حتى في المناطق التي لم تكن نشطة زلزاليا فما بالك في بحيرة سد النهضة التي تقع في منطقة نشطة زلزاليا.
إن الزلازل "علم" كسائر العلوم والخوض فيها يتطلب دراسة مستفيضة ودقيقة من متخصصين. ومن ثم، فإن الزلازل في إثيوبيا ومنطقة حوض النيل الأزرق التي تتضمن سد النهضة هي واقع علمي لا يمكن إنكاره، كما تؤكد ذلك بوضوح الأدلة الجيولوجية والدراسات العلمية. وسوف تتسبب بحيرة سد النهضة في حدوث عدد من الزلازل سنويا وقد يكون أحدها مدمرا لان المنطقة نشطة زلزاليا.
إن عدم التثبت من المصادر والمعلومات ينال من أي عمل ويقلل من قيمته ويطعن في مصداقيته ويرسل رسائل سالبة للعامة ومتخذي القرار. ومن المهم أن نتعامل مع هذه الظاهرة الطبيعية بجدية ونعمل على نشر الوعي العلمي للمساهمة في التقليل من أضرار الزلازل عبر الاستعداد لها. كما أن إنكار الزلازل لن يغير من حقيقتها، بل يعرض المجتمعات لمخاطر أكبر.
د. أحمد عبد الله محمد الشيخ
aer4ca@gmail.com