زمان الفقاعات المنفجرة … بقلم: د. حسن بشير محمد نور – الخرطوم

 


 

د. حسن بشير
6 October, 2009

 

الفقاعات التي تنشأ عندنا في السودان تختلف عن تلك التي تحدث في الأسواق العالمية. فقاعات الاسواق و الاقتصاديات ألكبري مرتبطة بالازدهار الاقتصادي و نمو قطاعات معينة تجذب جمهور المستثمرين فيندفعون نحو الأصول و الديون المورقة و يبالغون في المضاربات لجني الأرباح و المكاسب. حدث ذلك في قطاع الانترنت في بداية الألفية الثالثة كما حدث في اسواق الرهن العقاري مما ادي أخيرا الي الأزمة المالية العالمية و التي حدثت ابتدأ في قلب الرأسمالية المالية. عندما تنفجر تلك الفقاعات التي لم تبني ازدهارها علي مؤشرات او أصول حقيقية تحدث الخسائر و تنهار الأسواق. اما عندنا فالفقاعات تتكون بلا مكاسب او ازدهار و انما عن طريق نفخ الهواء في الفاضي الي ان تتضخم الفقاعات و تنفجر بشكل مدوي. المصيبة ان رغم خلو تلك الفقاعات من مكاسب حقيقية لكن انفجارها يؤدي الي خسائر مادية و معنوية.

انواع الفقاعات عندنا كثيرة اولها الرياضية و هي اكثر وضوحا من الاقتصادية نسبة لشعبية التناول الرياضي و سهولة تعاطيه. حدث ذلك في حالتي المريخ و الهلال. الفرق ان بالونة المريخ قد تم تفريغها بشكل تدريجي عن طريق ( التنفيس البطيء) و بالتالي كان أمرها أهون و اقل شأنا من فقاعة الهلال. استمد الهلال زخما كبيرا كان حافزه الأهم هو المنافسة مع المريخ. من الملاحظ ان اكثر ما يحفز أقطاب الهلال و جمهوره و إعلامه هو منافسة المريخ. عندما انتصر الهلال علي المريخ شكل له ذلك قمة المني و نهاية المطاف لدرجة بنت وهما بان الهلال قد فاز بالبطولة الإفريقية لدرجة أصبح الإعلام الهلالي يتناول كيفية ترويض ميسي و ابراهيموفيتش في كأس العالم للأندية و كيف انه سيتلاعب بكل من بايول و ماركيز. اصبح منطاد الهلال يشحن بالهواء الساخن اكثر مما يجب الي ان حدث الانفجار الكبير في الليلة السوداء الا من القمر المنير في سماء الخرطوم و الذي جعلتنا الهيئة القومية للكهرباء نستمتع بجماله.

النوع الثاني من الفقاعات هو الاقتصادي او التنموي كما حدث في حالة سد مروي الذي تحول انجازه الي هتافات مثل " الرد الرد السد السد" ، كما تم تصوير السد كانجاز عالمي غير مسبوق في تاريخ إقامة السدود و توليد الكهرباء ، رغم إدراكنا لأهميته و عدم التقليل من شأنه. بدأ الحديث بعد ذلك عن وداع عصر قطوعات الكهرباء و التوسع في المشاريع التنموية و جذب الاستثمار الاجنبي و مد شبكات الكهرباء الي دول الجوار. وصل حد تضخيم الانجاز الي ان باع الناس و حتي بعض المؤسسات و الشركات مولدات الكهرباء و توسعوا في الأجهزة الكهربائية و تخلصوا من المنظمات. تصور البعض ان معجزة القرن الحادي و العشرين قد حدثت. و فجأة تحول الآمر الي فقاعة تنفجر و تحول البلاد الي حالة من الإطفاء المستمر. هناك أيضا فقاعة النهضة الزراعية التي سيعاني السودان في زمانها نقص في الغذاء مع تدهور بنيات القطاع الزراعي و الري و مشاكل التمويل.

 النوع الثالث من الفقاعات هو الفقاعات السياسية التي تملأ البلاد من نيفاشا و ابوجا و القاهرة و غيرها. اخشي ما أخشاه ان يتحول حلمنا في التحول الديمقراطي و سلمية اجراء انتخابات حرة نزيهة و ان يمر استفتاء تقرير المصير بسلاسة و امان ، ان يتحول بدوره الي فقاعة تنفجر فوق رؤوسنا بسبب مشاكسات السياسيين و خلافاتهم التي لا تبدو نهاية لها. عندها سيكون الانفجار بهواء سام و بشظايا مميتة من الحديد و النار. علي السودانيين أن ( يلزموا الجابرة) و ان يعملوا بهدوء و ان يفكروا في مصير هذه البلاد و شعبها المكلوم بهم. علي الاقل نتمنى من ساستنا التخلص من حالة الانفصام و ازدواج الشخصية فهم عندما يجتمعون في بعض المناسبات يتحدثون بهدوء و عقلانية كما حدث في المؤتمر العام للمؤتمر الوطني و فجأة يتحولوا الي عراك عدواني كما يحدث في البرلمان الان. ودعوا عهد الفقاعات المنفجرة و اذهبوا الي العمل المفيد و الانجاز الحقيقي بهدوء و ستصبحوا من الفائزين.

 

 

آراء