زواج الإيثار و زواج المسيار و زواجات أخري … بقلم : د. عمر بادي

 


 

د. عمر بادي
2 March, 2009

 


ombaday@yahoo.com
إستوقفتني فتوي مجمع الفقه الإسلامي بالسودان و التي كانت قبل بضعة أيام مضت . أولاً لحداثة الإسم الذي أطلقه المجمع علي هذا النوع من الزواج , و عندما تمعنت في نوعية هذا النوع من الزواج تبين لي أنه موجود عندنا في السودان كما هو موجود في البلاد العربية خاصة الخليجية . الإيثار في اللغة هو التفضيل و ( يؤثرون لأنفسهم ) فيها تفضيل النفس و تختلف عن ( يؤثرون علي أنفسهم ولو كانت بهم خصاصة ) التي فيها تفضيل الغير , كما وصف الله تعالي الفقراء الذين يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف .
زواج الإيثار هو زواج الحاجة للستر و لإكمال الدين و لتلبية الإحتياجات الغريزية بالحلال , لكن تنقصه النفقة و الحياة المستديمة في جو أسري . المرأة في هذه الحالة تكون مطلقة أو أرملة أو فاتها قطار الزواج و تكون قادرة علي النفقة علي نفسها و أطفالها إن وجدوا , و ربما أيضا علي زوجها إذا كان عاطلا عن العمل أو كان من محدودي الدخل . كل شيء بالإتفاق , حتي في الزواج العادي تستطيع الزوجة برغبتها أن تتنازل لزوجها عن قوامته و تقوم هي بالنفقة إذا كانت مستطيعة , و كما قلت هذا معروف عندنا و لدينا فيه أمثلة كثيرة . لقد شاهدت خلال القنوات الفضائية السودانية إستطلاعات للرأي عن هذا النوع من الزواج , و كان خوف المشاركين من التقليل من قدر المراة و جعلها سلعة في متناول اليد , و من عدم الجدية الذي ربما يصاحب ذلك من الرجل فينهي زواجا ليدخل في آخر , و من مصير الأطفال الذين سيولدون بدون أب دائم لهم . لكن التأييد كان في أنه يحل كثيرا من القضايا الإجتماعية و الأخلاقية .
زواج المسيار صنو لزواج الإيثار , و هو معمول به في المملكة العربية السعودية و الخليج , و قد أباحه الشيخ عبد العزيز بن باز يرحمه الله و كذلك الدكتور يوسف القرضاوي و آخرون . هو زواج شرعي يتكفل بأركان الزواج الشرعي و هي : 1) الولي , 2) الشهود , 3) الإشهار , 4) المهر , 5) التوثيق . في زواج المسيار تتنازل المرأة عن النفقة و السكن و إقامة الزوج الدائمة , و يكون اللقاء بالإتفاق بالزيارة و هي في بيتها أو في بيت ذويها . ربما يكون الزوج في هذه الحالة يعيش في مدينة أخري أو في دولة أخري لا فرق في ذلك . إن هذا الزواج يحقق العفة و الإحصان , لكنه يهضم حق المرأة في الحياة الإجتماعية مع زوجها و في الإستقرار الأسري . لذلك كانت النساء اللاتي تضطرهن الظروف لقبول هذا النوع من الزواج , كن يطالبن بمهور غالية إذا كن فقيرات و محتاجات و صغيرات في السن لأنهن لن ينلن بعد المهر شيئا من الرجل . لكنهن في أغلب الحالات يكن مكتفيات ماديا , و بذلك يقدمن علي إختيار بعولتهن بأنفسهن ! إنه حل للإبتعاد عن الرذيلة و ممارسة للحلال في وضح النهار .
إن تعقيدات الحياة المادية و كثرة متطلباتها مع الغلاء و قلة الدخول و كثرة البطالة قد جعلت الشباب يكتفون بأنفسهم و كأن في ذلك غاية مبتغاهم . كيف يفكروا مجرد تفكير أن يأتوا بمن تشاركهم كعكة عيشهم الغير ( حايقة ) و تضايقهم في حياتهم ؟ إن الأمر حقا في غاية الصعوبة خاصة لطلاب الجامعات و الخريجين الجدد الذين يعيشون بعيدا عن أهلهم . هذا يقودني الي نوع من الزواج صار معمولا به في السودان كما هو الحال في دول عربية أخري . إنه الزواج العرفي .
الزواج العرفي نوعان : 1) نوع قد أباحه مفتي ألأزهر , و هو كالزواج العادي لكن لا يتم توثيقه بقسيمة , لكن فيه حق النفقة و المبيت . 2) نوع يكون بورقة من نسختين و شاهدين و دفع مال . هذا النوع فيه تجاوزات عدة و هو غير مباح لأنه يفتقد الولي و الإشهار و التوثيق . بعض الآراء تقلل من شأن الولي و الإشهار و التوثيق بذكر حالات خاصة لا يكون معها ذلك ضروريا , و هذا ما أوقع بفتيات و طالبات جامعيات في الهلاك فسلمن أغلي ما لديهن بدافع الحب و الحاجة الي شياطين الإنس الغاوين , سلمن أنفسهن الي من لا يستحقونهن , و النتيجة أن تفقد الفتاة المغرر بها كرامتها و تفقد أولياء أمرها بل تجلب العار لهم , و تفقد أي سند قانوني في زواجها عند ضياع النسخة أو تلفها . إن المبررات التي يوردها الشباب المخادعون للفتيات تتضمن أن الزواج كان هكذا في البداية و في الأماكن المعزولة , كان بالتراضي و كانت الفتاة تكتفي بالقول لرفيقها : ( لقد زوجتك نفسي ) , و يرد هو بالموافقة , و هكذا يتم في حالة عدم وجود شهود . هذه مجرد إفتراضات غير واقعية , و الشرع لديه فقه معروف بفقه الضرورة في الحالات الخاصة التي تتطلب الفتوي به و هذه يعرفها علماء الدين , و لا أظن أن هؤلاء الشباب الأبالسة من علماء الدين . إن هؤلاء الشباب يطلبون الزواج بداعي المتعة فقط .
إن زواج المتعة معروف و كان معمولا به في الجاهلية و إستمر في بداية الإسلام . الدليل عليه في حديث عبد الله بن مسعود الذي قال : ( كنا نغزو مع رسول الله صلي الله عليه و سلم , ليس لنا نساء , فقلت ألا نستخصي ؟ فنهانا عن ذلك ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب الي أجل ) . هذا يعني أن ذلك الزواج كان للضرورةالقصوي أثناء الخروج للغزوات . في عام الفتح حرم الرسول( ص ) هذا الزواج بعد نزول الآيات : بسم الله الرحمن الرحيم ( و الذين لفروجهم حافظون , إلا علي أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين , فمن إبتغي وراء ذلك فأولئك هم العادون ) . الشيعة يقولون إن العمل بزواج المتعة إستمر الي عهد الخليفة عمر بن الخطاب و أنه هو الذي حرمه , و الحقيقة أن سيدنا عمر قد أعاد تحريمه بعد أن بدأ بعض المسلمين الجدد بالعمل به . زواج المتعة يكون بالإتفاق علي مبلغ من المال و يكون محددا بمدة معينة ينتهي بعدها الزواج من غير داع للطلاق , و ليست فيه نفقة و لا سكن و لا توارث , و الشيعة لا يزالون يعملون به .لدينا في السودان بعض البيوت الكبيرة التي من خلفية شيعية يمارس أهلها سريا نوعا من الزواج فيه المهر و العقد بقراءة الفاتحة و الإشهار في حدود ضيقة و فيه أيضا النفقة , و لكن فيه ينوي الرجل تطليق إمرأته بعد مدة معينة دون إخطارها .
يوجد نوع من الزواج ظهر حديثا في بعض الدول العربية بين رجال الأعمال و سيدات الأعمال الأثرياء , و يسمونه ( زواج المصياف ) , و يكون عادة في الإجازات و رحلات العمل و الذهاب للمصايف . هو نوع من الزواج فيه يتزوج رجل الأعمال الثري من فتاة مثقفة و عصرية و في غاية الجمال ليصطحبها معه و ( يقشر ) بها أثناء إجازته و أدائه لأعماله . نفس الشيء يكون لسيدة الأعمال التي ليست علي عصمة زوج أن تختار شابا مثقفا و جذابا ووسيما و تتزوجه و تأخذه معها في إجازتها و حين إصطيافها , و ينتهي هذا النوع من الزواج بالعودة من الإجازة .
كل هذه الزواجات آنفة الذكر يمكن أن تنضوي تحت ( الزواج السري ) , و السرية تكون عادة حتي لا تعلم به الزوجة الأولي و تدخل الزوج في مشاكل ربما تقود الي فقده لزوجته الأولي و أبنائه او الي فقده لزوجته الثانية الجديدة . من أجل ذلك يكون الإشهار محدودا جدا , و لكن حتي في هذه الحالة لا ينعدم فاعلو الخير الذين يلتقطون الخبر أن يوصلونه بحذافيره الي الزوجة الأولي . الزوجة لا تقبل بالضرة , هذه طبيعتها , و ربما تقبل بها علي مضض حتي بعد أن يتم (إرضاؤها ) ! إن ذلك يقود الي عدم العدالة في النفقة و في المبيت , و لذلك فإن المنظمات النسائية في بعض الأقطار قد أفلحت في سن قوانين للأحوال الشخصية لا يتم فيها الزواج بالثانية إلا بعد موافقة الزوجة الأولي.
لقد أعمل بعض الشيوخ الأجلاء فكرهم في قضايا الشباب العصرية خاصة عند الهجرة و الإختلاط بمجتمعات غير اسلامية و فيها الكثير من الإباحية . في تلك المجتمعات الغريبة علينا سواء في الغرب أو في أقصي الشرق ينضوي المهاجرون إليها تحت ثلاث فئات : فئة المنعزلين , و فئة المستوعبين , و فئة المندمجين . الفئة الأولي و هي في إنعزالها عن المجتمع الجديد تحافظ علي تقاليدها الإسلامية دون تغيير . الفئة الثانية يتم إستيعابها في المجتمع الجديد و لكن تحافظ علي تقاليدها فتجد نفسها في تجاذبات عدة ما بين القيود القديمة و ما يبيحه لها المجتمع الجديد من حرية . أما الفئة الثالثة و هي التي إندمجت في المجتمع الجديد و صارت جزءا منه . من أجل الفئة الثانية و للبعض من الفئة الثالثة أباح الشيخ عبد المجيد الزنداني زواجا للطلبة الشباب من الجنسين أسماه     ( زواج فريند ) , و دافع عنه ليكون حافظا و عاصما للطلبة و الطالبات مما يحدث بين الشباب في تلك المجتمعات من إباحية و صداقات جنسية لا تدوم بدافع الملل و التغيير . في زواج الفريند يدعو الشيخ الزنداني الي الزواج بين الطالب و الطالبة المسلمين و يعيشان كصديقين مع حرصهما علي ألا يتمادا في علاقتهما لإنجاب أطفال , و ربما يقود ذلك الي ان يتحابا و يجمع الله بينهما في زواج دائم و متكامل بعد أن يدخلا الحياة العملية و يكونا مستعدين لتقبل أعباء الحياة . أود أن أضيف هنا أن للشيخ الزنداني جهد مقدر تجاه الشباب و قضاياه , و يكفي ان أذكر أنه قد إستنبط دواء لمرض الإيدز من القرآن الكريم و أنه قد عالج به الكثيرين من المرضي , و لا زال المرضي من كل بقاع الأرض يتقاطرون عليه في اليمن , و حاليا تسعي مختبرات البحرية الأمريكية لتصنيعه تجاريا .
كما قلت , الحياة صارت كثيرة التعقيدات و الشباب خاصة فئة الطلبة و الطالبات هم أكثر من يعانون . دعونا ننظر لهذا الأمر من هذه الزاوية و ما تفرزه من إيجابيات في الإحصان و السلامة الصحية و المحافظة علي التقاليد و الأخلاق .


 

 

آراء