زيادة الاسعار و(القرار) .. كيف اوصل الانقاذيون الاوضاع إلى هذا الحد؟ .. ياسر حسن عبد القادر الخرطوم

 


 

 

yassir hassan [yassirha@hotmail.com]

 

دراسة وتحليل التاريخ السياسى للشعوب يعتبر من اهم القواعد السياسية لبناء وتمتين النظم السياسية  ، وفى حالة الاوضاع السياسية التى نعيشها حاليا لابد ان نرجع الى تاريخنا السياسى الذى اصبح يمثل مدرسة نموذجية  يحتذى بها فى اقتلاع النظم الشمولية والقمعية والقضاء عليها ، ولانود الخوض فى التاريخ السياسى البعيد اذ يكفى ان نلقى النظر الى اواخر العهد المايوى لنرى كيف صار الحال بماعرف فى ذلك العهد المشئوم باسم ( الاتحاد الاشتراكى ) ومحاولاته الفاشلة لتجميل وتحسين صورة النظام المايوى رغم الرفض الشعبى له آنذاك وذلك بسبب تلك الممارسات التى انتهجها والقمع والاذلال الذى استخدمه لتركيع جموع الشعب السودانى مستخدما فى ذلك ماعرف بقوانين سبتمبر والتى اسماها سدنة ذلك العهد ومن لف فى حلقاتهم  بقوانين الشريعة الاسلامية ، واخذ ذلك النظام بالاضافة الى ذلك فى تضييق جانب الحياة المعيشية للمواطنين من خلال ذيادة الاسعار والتحكم فى النشاط الاقتصادى بالقدر الذى يسمح له بتوفير الموارد اللازمة للصرف على مؤسساته وتنظيماته السياسية الهشة والتى ادمنت الهتاف وحرق البخور لقيادة النظام المايوى وتدبيج الخطب الرنانة  وكتابة التقارير التى تعكس الرضا الكامل للمواطنيين عن ذلك النظام ، وبالفعل ظل قادة النظام المايوى يعيشون فى تلك الغيبوبة التى نسجها سدنة الاتحاد الاشتراكى رغم تعاظم الرفض الشعبى لسياسات ذلك النظام ووضوح صورته عقب قيام النظام باغتيال شهيد الفكر والحرية الاستاذ محمود محمد طه والذى كان بمثابة الشرارة الاولى لبداية النهاية ، واستمر التفاعل السياسى هذا فى الارتفاع والتوسع حتى تم استدعاء راس النظام الى الولايات المتحدة ليتم اسدال الستار على هذا العهد بعد اندفاع الجماهير وخروجها الى الشارع مطالبة بالتغيير وهى تهتف ( مليون شهيد لعهد جديد ) ، وافاق قادة ذلك النظام من تلك الغيبوبة السياسية التى كانت تتملكهم ليتفاجأوا بان اتحادهم الاشتراكى  لم يكن سوى نمر من ورق .

المقولة المعروفة التى تقول ان التاريخ  لا يعيد نفسه قد تكون صحيحة  ولكنها قد تصح فى بعض الجوانب والتى يمكن مقارنتها بالواقع السياسى الحالى الذى دارت به عجلة التاريخ ووقفت عند ابواب المؤتمر الوطنى الذى يصول ويجول فى الساحة السياسية الحالية ، ومن العلامات البارزة لهذة المرحلة ماقيل عن التحالف بين المؤتمر الوطنى وتنظيم تحالف قوى الشعب العاملة الذى يمثل سدنة العهد المايوى مما يذيد فى تاكيد اوجه الشبه بين الطرفين حتى وان اختلفت الوسائل المؤدية لتحقيق اهداف كل منهما ، فهل تكمل عجلة التاريخ دورتها الى نهاية الامر..؟ الاجابة على هذا التسأول سوف تحمله لنا الايام القادمة يبدو من سياق تطور الاوضاع السياسية الحالية ان قادة المؤتمر الوطنى لم يدرسوا التاريخ السياسى للسودان ولم يطلعوا عليه بطريقة علمية للاستفادة منه فى تجربتهم السياسية الحالية ولم يأخذوا الحكمة التى تستنبط من خلال تجارب الشعوب والامم وسعيها الدوؤب لتطوير نظمها السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، لذلك نراهم يعيدون ويكررون نفس المناهج والوسائل التى اصبحت فى ذمة التاريخ والتى لم تورث اصحابها سوى الهلاك والفناء ،

اصر قادة المؤتمر الوطنى على تبنى وتأييد تلك الزيادات التى اصدرها وزير المالية والمتعلقة بأسعار السكر والمحروقات رغم الضائقة المعيشية التى ظل الناس يعيشون فيها لسنوات طويلة ورغم انتشار واذدياد نسبة الفقر فى المجتمع السودانى وذلك بحجج ومبررات واهية لم تستطع اقناع حتى بعض المحسوبين على التنظيم ، وعلى ضوء ذلك اتسعت موجة الاحتجاج والرفض لهذه الزيادات وانتظمت كل قطاعات المجتمع السودانى ، ولم يقف الامر عند اصدارهذه الزيادات بل وصل الامر لدى قادة المؤتمر الوطنى الى تحدى الرفض الشعبى للزيادات والعمل على الاستفزاز والسخرية من قطاعات هذا الشعب والقوى والتنظيمات السياسية  التى تشكل النسيج السياسى والاجتماعى ( الحقيقى ) للمجتمع ، وعندما خرجت هذة القوى والتنظيمات فى مسيرة سلمية بغرض المطالبة بالغاء هذة الذيادات بأعتبار انها اصبحت فوق طاقة وامكانية المواطنيين وليس هنالك قدرة لتحملها ، قوبلت تلك المسيرة بالقمع والضرب بما يشير الى ان ذلك الاستفزاز لم يكن يستند الى اى اسس منطقية تقوم على حجج سياسية  انما يقوم على اليقين والاستناد على القبضة الامنية للمؤتمر الوطنى وامكانياته المستمدة من موارد الدولة والتى دفعته لزيادة الاسعار لمواجهة متطلباته السياسية و  التى يوظفها فى سبيل المحافظة على سلطته    .

لقد تعودنا من الانقاذ ومنذ مجيئها الى سدة الحكم انها عندما تعمل على حل القضايا والمشاكل التى تعترض طريقها فأنها تعمل على توليد المزيد منها بالاساليب التى تنتهجها وبنظرة فاحصة يمكن التأكيد على ذلك من جملة القضايا التى تعترضها، وليس هنالك مايؤكد جديتها فى اتباع الوسائل الديمقراطية فى امر معالجتها ، مثالا لذلك امر هذه الزيادات والتى تحمل الكثير من الدلالات اولها ان هذة القرارات التى تم اصدارها توضح بأن الذين قاموا بأصدارها يعيشون فى ابراج عاجية ، لايدركون ماوصل اليه الحال المعيشى لجموع الشعب السودانى باستثنناء اتباعهم ومحسوبيهم ، فلو كانوا يدركون ذلك لما اصدروا تلك القرارت ، اما الدلالة الثانية فأن التوقيت الذى تم فيه اصدار هذة القرارت والمبررات غير المنطقية التي صحبته تؤكد فقدان الحس السياسى والحصافه لدى قادة الانقاذ و التى يفترض توفرها فى كل من ولج مجال العمل السياسى العام باعتبار انهم وحسب مايصرحون بذلك مواجهون بضغوط سياسية من الخارج ومن الداخل وبأنهم يعملون لتوحيد الجبهة الداخلية ويعملون لرص الصفوف للوقوف امام تلك الضغوط ، فكيف يتم تفسير امر تلك الزيادات فى ظل ذلك العمل الذى يطرحونه والمتمثل فى الدعوات التى يبثونها ليلا ونهارا وحملات التعبئة التى اخذوا يطلقونها فى كل الاتجاهات  ذلك بأعتبار ان تلك الزيادات باعدت بينهم وبين الذين يمكن ان يكونوا سندا لهم امام تلك المواجهات التى ينوون الوقوف امامها ، لكل ذلك فان الادراك الحصيف والتحليل العميق يمكن ان يعكس ان من اقر امر هذه الزيادات بليل ومن ثم عمل على تمريرها واعلانها والاصرار عليها فهو يعمل بالضد من حيث موقعه ، وهو بذلك قد وضع الخط الفاصل الذى يجعل المؤتمر الوطنى والقلة المحسوبة عليه فى وادى وجموع الشعب السودانى فى وادى آخر ، واذا كان الاتحاد الاشتراكى  وهو فى الرمق الاخير يلفظ انفاسه تحت هيجان الجماهير وانتفاضتها قد وجد ( ابو ساق ) الذى اخذ يلعلع آنذاك ومن خلفه بضعة افراد يمثلون  كل المحصلة  التى كانت تلتف حول مايو ( بكل حبروتها وعنفها ) فأن على الموتمر الوطنى ان يبحث من الان  عن من الذى يعتبر ( ساقا ) للانقاذ .

لم تقف مصائب الانقاذ عند زيادة الاسعار واحكام الحصار المعيشى على المواطنين بل هي تريد خلق وتوليد المذيد من القضايا وذلك من خلال الوقوف امام المجتمع الدولى ممثلاً فى الامم المتحدة والتى يعتبر السودان عضوا فيها ملزم بكل ماتقرره من قرارات ورغم انها السبب المباشر فى وصول الاوضاع السياسية والاحتماعية فى اقليم دارفور الى ذلك  المستوى الذى دفع المجتمع الدولى الى التدخل وجعل قضية دارفور فى مركز الاهتمام الاول لكل المنظمات والمجموعات التى تتعاطى مع الجوانب الانسانية مما ادى الى خلق المبررات الكافية للتدخل ، والحقيقة التى تتجاهلها الانقاذ ان ماجرى ويجرى حاليا فى دارفور لهو قمة المأساة السياسية والاجتماعية  ، واذا افترضت انها بأمكانها ان تعمل على اقناع الرأى العام الداخلى بعكس ما يجرى هنالك رغم ان الكل يدرك مايحدث فإنها لم ولن تستطيع توجيه الرأى العام الدولى والذى يستطيع ان يستقى معلوماته مباشرة من موقع الاحداث والذى ينفعل ويتفاعل مباشرة مع كل القضايا التى تمس الجوانب الانسانية وجرائم انتهاكات حقوق الانسان وبدوره يعمل على التاثير على الحكومات التى تقوم على اسس ديمقراطية راسخة ليس فيها اى مجال لتحقيق منافع ذاتية للافراد او المجموعات ، لذلك فأن العجز الواضح فى معالجة القضايا المحورية والحيوية فى كافة انحاء السودان لهو السبب المباشر  والدافع الاول للتدخل الدولى فى شئون السودان والذى تتحمل وزره الانقاذ بالدرجة الاولى والتى عملت على اقصاء كل الشعب السودانى من قاموس نشاطها السياسى من خلال رفضها الانصياع والخضوع الى آليات التحول الديمقراطى والتداول السلمى للسلطة وسعيها الدوؤب الى الاستئثار بكل الموارد الاقتصادية لصالح مجموعاتها وترك بقية الشعب السودانى يرزح تحت اغلال الفقر المدقع وممارساتها التى تتضح من خلال اتباعها سياسة فرق تسد وسط الفئات الاجتماعية المكونة للنسيج الاجتماعى للمجتمع السودانى حتى عادت بنا عشرات السنين الى الوراء وذلك من خلال تلك المفاهيم التى عملت على احيائها خاصة تلك التى تتعلق بالكيانات القبلية وتقريب بعض القبائل وابعاد البعض الاخر ، ولم تقف عند ذلك فقط بل انها عملت على اضعاف كل الكيانات السياسية والتى كان بأمكانها ترشيد وتوجيه الحياة السياسية والمساهمة المباشرة فى معالجة كل القضايا المستعصية بما لها من اوزان سياسية ( حقيقية ) وعملت على تقسيمها وتفتيتها الى كيانات صغيرة حتى لايكون لها تأثير سياسى فاعل ، لذلك فانها اخذت فى التخبط السياسى واتصفت معظم سياساتها امام القضايا المحورية بالضبابية  وتعدد الاراء التى تطرحها مثلما حدث فى امر دخول القوات الدولية والاصرار الشديد على رفضها من البعض وعدم الممانعة فى قدومها من البعض آلاخر داخل المؤتمر الوطنى ، وقد ادت مسألة قدوم هذة القوات الى احداث دربكة سياسية واضحة داخل كواليس الموتمر الوطنى عكست التخبط السياسى الذى استحكمت حلقاته وفقدان اى منهجية استراتيجية فى التعامل مع القضايا الحيوية خاصة التى ترتبط بتفاعلات خارجية ، ورغم ان القرار الذى اصدره مجلس الامن الدولى ( رقم 1706 ) يجد القبول والموافقة من الاطراف الاخرى المكونة لحكومة الوحدة الوطنية ممثلة فى الحركة الشعبية لتحرير السودان وحركة تحرير السودان ( جناح منى ) ومعظم القوى السياسية الاخرى ( الامة ، الشعبى ، الشيوعى ) بالاضافة لاهل اقليم دارفور خاصة سكان المعسكرات ، ورغماً عن كل اولئك الذين ابدوا موافقتهم على ذلك القرار الا ان ( المؤتمر الوطنى ) يصر على الرفض رغم انه المسئول المباشر عما آلت اليه الاوضاع التى استدعت اتخاذ القرار ، والغريب فى هذا الامر انه رغم الاصرار الشديد على الرفض وانطلاق برامج التعبئة الانقاذية وارتفاع الحناجر والهتافات التى افترضنا ان عهدها قد ولى بتوقيع اتفاقية نيفاشا ومن ثم ابوجا نجد ان المندوب الامريكى فى الامم المتحدة ومعه جينداى فريزار مساعدة وزيرة الخارجية الامريكية  متيقنون من موافقة الحكومة السودانية على ذلك القرار ، لذلك فأن الاعتقاد السايد حاليا ان هذا الرفض والتعبئة التى تتزامن معه ليست سوى محاولة لصرف الانظار عن الاوضاع الاقتصادية الحالية وما افرزتة الزيادات الاخيرة من اوضاع معيشية قد تترك اثارها على مجمل الاوضاع السياسية الحالية ، اما امر القوات الدولية وتداعيات القرار الصادر من مجلس الامن رقم 1706 فأن الرفض والهيجان لن يلغيه ولن يمنع القوات الدولية من الحضور خاصة ان الواقع الحالى لاقليم دارفور يتطلب حضور هذة القوات  وذلك بعد ثبوت عجز القوات الافريقية عن ايقاف مايجرى هنالك من احتراب وانتهاكات والتهديد المستمر لاعمال الاغاثة والعون الانسانى التى تتم فى الاقليم ، وحتى اذا قررت الحكومة الاستمرار فى سياسة الرفض لذلك القرار ومن ضمن ذلك اصدارها  الامر بسحب القوات الافريقية فأنها بذلك سوف تزيد الاوضاع سوءا ولن تنجح فى اثناء المجتمع الدولى عن التدخل ذلك لان مفهوم السيادة الوطنية والذى يتذرع به المؤتمر الوطنى كحجة ظاهرة لرفض القرار قد حدثت فيه كثير من المتغيرات والتى يدركها تمام الادراك خبراء القانون الدولى والتى يمكن بلورتها فى ان الجتمع الدولى لن يقف مكتوف اليد امام الاعمال التى قد تؤثر على السلم والامن العالمى وتشكل تهديداً مباشراً على المجتمعات الانسانية ، وعلى ضوء ذلك يمكن القول ان هذا الرفض سوف يضع الشعب السودانى بأكمله فى مواجهة العقوبات التى سوف يتم فرضها فى حالة استمرار الرفض وماتتضمنه تلك العقوبات من جوانب اقتصادية سوف تشكل حلقة اخرى ضمن الحلقات التى نسجتها الانقاذ لاحكام الضغط الاقتصادى وذيادة حدة الضائقة المعيشية على المواطنين وبالضرورة فان القائمين على امر المؤتمر الوطنى لن يتأثروا بهذة العقوبات ، اما الحجج الاخرى التى تتداولها الاوساط السياسية والمتعلقة برفض القرار الدولى رقم (1706) فأنها ترتبط  بالجانب المتعلق بمحاكمات الاتنهاكات وجرائم الحرب التى وقعت فى اقليم دارفور والتى يسعى المجتمع الدولى ممثلاً فى محكمة العدل الدولية الى اجرائها ، ويقال فى ذلك انها تشكل الاساس الذى من اجله تم رفض ذلك القرار خاصة وانه صدر تحت البند السابع الذى يجيز استخدام القوة العسكرية فى كل الاحوال التى تعترض تنفيذ متطلبات القرار الصادر ، وبغض النظر عن كل تلك الحجج التى تدفع الى رفض ذلك القرار فأن الواقع السياسى الحالى يفترض التعامل بعقلانية والنظر اولا الى تطورات الاوضاع الحالية فى اقليم دارفور وعدم السعى الى زيادة حدتها والعمل على التعاون مع المجتمع الدولى يشكل كامل فى سبيل وضع حد نهائى لتلك المأساة ، والامر الثانى والذى يتطلب الاهتمام من قبل حكومة الوحدة الوطنية خاصة الاطراف التى اعلنت عدم موافقتها على امر تلك الزيادات ان تبادر الى مراجعتها والعمل على الغائها باعتبار انها سوف تعمل على زيادة حجم المعاناة المعيشية للشعب السودانى وسوف تشكل مزيداً من الضغوط التى يمكن ان تولد العديد من المشاكل السياسية والاجتماعية اما التحجج بأن تلك الزيادات تم اقرارها بغرض توفير الموارد لمشروعات التنمية والخدمات فان ذلك لن يقنع احد خاصة اذا ادرك الجميع الحجم الحقيقى للموارد التى تجنى من قبل الدولة والصرف غير المرشد الذى يتم التعامل به ، كذلك فأن هذا الواقع يفرض السماح لكل منظمات المجتمع المدنى والقوى السياسية بالتعبير عن ارائها حتى تستطيع ايصال رسالتها الى العالم بأعتبار ان ذلك يمثل اهم الاسس المتعلقة  بالتحول الديمقراطى الحقيقى ويساعد فى توضيح وبلورة الاراء والافكار التى يمكن ان تساهم فى حل كل القضايا التى تعترض الحياة السياسية فى السودان بدلا عن الاستفراد بكل مقومات السلطة ومواردها والتحكم فى توجيه دفة الحياة السياسية والاجتماعية والتى لم تورثنا سوى الدمار وتوالى الازمات والمشاكل ،

 

آراء