سبروق النهضة الزراعية

 


 

 

الأخيرة

Abdelrmohd@hotmail.com

 

بنية سيئة مبيتة ضد ناس الحض والمدن ر الذين نسميهم في أقاليمنا ناس "الخرتوم " أو ناس "السكّي " قصدت الأ اضع كلمة سبروق بين قوسين  وما على اذا لم تفهم ناس الحضر ؟. ولكني مع ذلك سألت نفسي :

-أسع الجاب سيرة السبروق شنو؟

 والحقيقة يا إخواني من يعيش في مثل هذه المدن البعيدة مثلنا وفي هذا الفصل الشتوي بالذات يعرفون فوضوية الذاكرة وتبعثر محتوياتها وذكرياتها هنا وهناك على أرصفة المدن والذكريات فاليوم شعرت بنكهة السبروق تأتيني من عالم فطرة خيالية بصحن قراصة قمح وملاح سبروق بائت فطعم ورائحة السبروق لا يعطيان هذا الملاح نكهته وطعمه الا اذا كان بائتا . ان السبر وق يا سادتي أهل الحضر هو ملاح أوراق نبتة البامية الغضة ولا بأس من اضافة شوية بامية خضراء عليه لمنح قوام الملاح خاصية تجلطية لزجة وربما نقول خاصية انسيابية حتى لا يعتقد القارئ الحضري أن السبروق يسبب الجلطة  ...حماكم الله.

وسواء صحت هذه التهمة على ملاح  السبر وق الذي هو برئ منها براءة الذئب من دم ابن يعقوب  فلا يهم ذلك أهل الحضر في شيء فمن ناحية  فليس في الحضر نبات سبروق  كما أن نساء المدينة في عصر" البكيات " بالموبايل  لا نثق في قدرتهن على طهي هذا الملاح العظيم الذي شممته كقميص يوسف من هنا من بعيد اثر "جوعة " مفاجئة فابيضت عيناى من الحزن وكنت كظيما مرددا صبرا جميلا معلبات المدن والله المستعان.ان لملاح السبروق منيو أو وصفة بسيطة فلا يحتاج الا لشوية شرموط وبهارات وشرائح بصل ومسحوق فلفل أسود .عطر اللله تعالى ثرى عمتنا زينب بت عشماني رائدة رواد السبروق في منطقتنا وحق لها أن تجد هذا الملاح هناك في عالمها الأخروي  ولكن بما لا عين رأت ولا خطر على قلب بشر. ودعائي الى الله أن يبدلها أحسن منه فقد شملت ذلك الملاح بقراصتها  السميكة الناضجة بلا احتراق والمستوية بلا بوتاجازات مع فحل البصل المسيل للعيون .

 

مع حالة الجوع التي أصابتني اليوم ، أحدثت ذكرى السبروق ثقبا هائلا في طبقة أوزون معدتي  وتمنيت أن لو عاد الزمن وقمت بقطف أوراق السبروق مع العمة زينب في جروفنا تلك . ولكن العمة زينب لم تعد هناك وبيني وبين جروفنا بحار من الظلمات  وملامح القرية لم تعد كما هي منذ أن بهدلها ذلك الفيضان الشهير عام 1988م  وعدم وجود "آليات " بلغة اليوم لتعليم بنات الزمن دا كيفية جنى أوراق السبروق كما كانت تفعل العمة زينب  ، كان  ذلك سيجنب الجيل الجديد من خرق حقوق  البامية  بعدم قطف زهورها الصفراء اليانعة مع ورق البامية اللي هو السبروق  خاصة اذا علمنا ان العمة الراحلة زينب بت محمد ود علي ود أبو سوار المعروفة اجتماعيا بزينب بت عشماني  كانت  أثناء قطفها ووضعها للناتج في "عبّها " بكسر وتشديد الباء كانت تردد ما سمعته ذات يوم من راديو  عتيق اسمه قرونديج يعمل باالبطارية بيريك في دكان عمنا عبد الله ود عايد والد حبيبنا في الله وفي السبروق الدكتور فتح العليم عبد الله:

أنا ما بقطف زهورك

بعاين ..بعيوني

وكم كنت  أتمنى  أن لو كانت لدينا طرق ووسائل لنقل مثل هذه الخبرات عبر الأجيال لأن طعام بنات هذا الزمن يسبب العديد من العلل التي أقلها الإمساك .المهم أن الحالة السبروقية جعلتني أتطلع الى أن نرى عودة السبروق مع عودة النهضة الزراعية  التي نتمنى منها رد الاعتبار الى العديد من منتجاتنا الفكهانية  والخضرية بحيث نلحظ هذا التوازن في مفرداتنا الغنائية التي تتغنى بما عندنا أو ليس عندنا من الفاكهة أو الخضروات  . وفي عالم أصبح سريع النرفزة  من الظلم وهضم حقوق الناس والحيوانات  بعد أن عم العدل جميع أرجائه  نخشى أن يقدم الى محكمة جنايات الخضر والفاكهة الدولية  سعادة الدكتور المتعافي وزير الزراعة  لمممارسته فن الابادة الغنائية للعديد من  الأطباق . ويستطيع الفول والعدس والفاصوليا مثلا اقامة دعوى ناجحة ضد الدولة في هذا الخصوص  . ان هذه الأنواع تتعرض لظلم بائن لأن وظائفها على موائدنا  أصبحت لا تراعى لتوجه الفنانين الى أصناف الفواكه المدارية الأخرى مثلا :

وين يا الموزة وين ..الله يا ربي نروق متين  ، و المنقة  منقولا الفي قلبي مشتولا ، ومنقة كسلا حلوة وصافي لونا ، والليمون سقايتو عليا ، والبرتكان الناير ،  وسمسم القضارف على حين تجد أصناف أخرى كالذرة بأنواعها والقمح وعباد الشمس والكركديه  والقنقليز  والفول والعدس  نفسها عرضة للتهميش  وسوء توزيع الثروة  والسلطة غتائيا وفنيا مما جعلها دائما مرددة لأغنية الراحل الجابري تلك "مظلوم في حبي مالي ايه ذنبي الجنيت؟؟"ان  العالم  سيتهمنا قطعا بأننا ظلمة ودعاة تهميش  بل نتوقع مقاطعة أحبابنا النواب من محبي الفول والعدس لجلسات البرلمان   فيعلم الله أن الفول الذي ظل واقفا مع الشعب السوداني في أحلك المواقف  والعدس الذي كان سمة ملازمة لعهد الداخليات السعيد الماضي  ، لعبا دورا رائدا في إقامة الأود وسد الرمق  بل أن موية الفول بكل غنائها الغذائي  وقوامها العكر  وقفت معنا بمعاونة الزيت تقدم لفقرائنا غذاء دسما لذة للآكلين .وفي وطن  يرقد تحت شمس الاستواء الحارة  أعجب لماذا يستنكف الشعراء والمغنيين من التغني بفضائل عمنا البطيخ  أو الشمام فنجد مثلا أغنية تقول :

بطيخة نوارة الفريق

أنا أصلي في حبك غريق

وربما غنى فرفور مثلا لشابة  هناك بعيدة  في مدينتها النائية :

شمامة شمامة

فعلا تمام يا أخوان

الدنيا ظلامة

أنا للبراري رحل

وبقيتي ديامة

لماذا لا ينبري مثلا أحد شعراء السوق المحلي باكيا نائحا من مخرنه الكبير مشبها ندرة العدس في السوق بجفاء الحبيبة واختفائها هناك في طيات المدينة فلا سؤال ولا جواب :

يا حبيبي جمالك عدس

يا الرحلت بقيت في كلس

شن لقيت وراك غير فلس

وبعضهم قال الزول دقس

أما سيد وجبات الوطن الفول فمن حق شاعر كبير كالشاعر محجوب شريف أن يخلده باعتباره وجبة جميع الطبقات  :

أمولة ... أمولة

يا حلوة زى فولة

بعدك وطنا رماد

أبوابو مقفولة

وبعدك نشيد الحب

أيديهو مغلولة

أننا نود أن يفعل الشعراء شيئا ما حتى لو استخدموا بذرة القطن التي تنتج أجود أنواع الزيت في شكل هجاء لحبيب بعيد:

يا مرة زي بذرة

والله خليتي

ليل الحبيب عبرة

أصلك  تركتيني

هلكان بلا قدرة

ولنا في أسماك الموردة  وقشورها الزاهية على الشط الأمدرماني ملايين الأغاني التي لم تولد بعد . ولأن المدينة العاشقة أم درمان هي حرم الحقيبة ومنتداها  العريق فلا بأس من أغنية للبلطي  حقيبية الطابع :

البنات مرقن

زى  بياض مرصوص

للقلب خربن

الله ....الله

ليتو  لو  عدلن

جابن الأسماك

وللفسيخ تبخن

الله ..الله

وفي زمن وصل فيه السردين المغربي والملوخية والبامية المصريتين  والتمر السعودي  والحمص اللبناني الى شواطيء المحيط الهادي  فدعونا نحلم بنهضة زراعية لا تعيد السبروق الى موائدنا فحسب  وانما تبعث الى المستهلكين في كل أرجاء العالم   بخيرات الأرض الولود  ولكن بمزيد من العذوبة القادمة من النهر الخالد والشعب النبيل.

 

آراء