سد النهضة واشتداد حدة الصراع علي الموارد (2)

 


 

 

 

 


1
كان من المحطات المهمة، في تجاوز الاتفاقات السابقة التي تمت في غياب دول المنبع ، وفي المفاوضات حول "سد النهضة" بين السودان ومصر واثيوبيا التوصل الي "إعلان المبادي" الذي تمّ التوقيع عليه في 23 مارس 2015 من رؤساء الدول الثلاث لمصر والسودان واثيوبيا ( عبد الفتاح السيسي ، عمر البشير ،هيلا ماريم ديسلين، علي التوالي).
رغم أن "اعلان المبادئ" لم يشمل كل دول المنبع ، الا أنه أعطي الضؤء الأخضر لاثيوبيا في المضي قدما في تنفيذ السد ، وفي إعلان تمويله من الشركات الاوربية والخليجية والاسرائيلية والصينية.الخ، بعد أن بدأ تمويله محليا في ظل تصاعد الخلاف حوله مع دول المصب، في حملة وصلت الي حوالي مليار دولار.
فقد ركز الإعلان علي الجوانب الفنية مثل : أمان السد ، مراعاة ظروف وأوضاع كل دولة، والتنمية والاستخدام المنصف ، التعاون في الملء الأول ،واحتياج كل دولة من مياه النيل وغير ذلك من النقاط التي تمّت صياغتها في الإعلان في 10 مبادي نوجزها في الآتي:
أولا - مبدأ التعاون علي أساس التفاهم ، المنفعة المشتركة ، حسن النوايا ، المكاسب للجميع ، مبادئ القانون الدولي، التعاون في تفهم الاحتيادات المائية لدول المنبع والمصب بمختلف مناحيها.
ثانيا - مبدأ التنمية ، التكامل الاقليمي والاستدامة الذي أشار الي أن هدف السد توليد الطاقة ، والتعاون والتكامل الاقليمي لتوليد طاقة نظيفة ومستدامة يعتمد عليها.
ثالثا- عدم التسبب في ضرر ذي شأن ، وفي حالة الضرر، وفي غياب اتفاق حول هذا الفعل ، اتخاذ كافة الإجراءات المناسبة بالتنسيق مع الدولة المتضررة لتخفيف أو منع هذا الضرر، ومناقشة مسألة التعويض كلما كان ذلك مناسباً.
رابعا- الاستخدام المنصف والمناسب الذي يراعي علي سبيل المثال لا الحصر: العناصر الجغرافية ، الجغرافية المائية، والمائية، والمناخية، والبيئية وباقى العناصر ذات الصفة الطبيعية، الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية لدول الحوض المعنية، والسكان الذين يعتمدون علي الموارد المائية في كل دولة من دول الحوض، وتأثيرات استخدامات الموارد المائية فى إحدى دول الحوض على دول الحوض الأخرى، والاستخدامات الحالية والمحتملة للموارد المائية؛ و عوامل الحفاظ والحماية والتنمية واقتصاديات استخدام الموارد المائية، وتكلفة الإجراءات المتخذة في هذا الشأن،مدي توفر البدائل، ذات القيمة المقارنة لاستخدام مخطط أو محدد، مدي مساهمة كل دولة من دول الحوض في نظام نهر النيل، وامتداد وتسبة مساحة الحوض داخل إقليم كل دولة من دول الحوض.
خامسا- مبد التعاون في الملء الأول وإدارة السد، بالاتفاق علي الخطوط الإرشادية وقواعد الملء الأول لسد النهضة والتي ستشمل كافة السيناريوهات المختلفة، بالتوازي مع عملية بناء السد، وقواعد التشغيل السنوي لسد النهضة ، والتي يجوز لمالك السد ضبطها من وقت لآخر، واخطار دولتي المصب بأية ظروف غير منظورة أو طارئة تستدعي إعادة الضبط لعملية تشغيل السد، وقيام آلية مناسبة لضمان استمرارية التعاون والتنسيق حول تشغيل سد النهضة.
سادسا - مبدأ الثقة ، باعطاء دول المصب الاولوية في شراء الطاقة المولدة من سد النهضة.
سابعا - مبدأ تبادل المعلومات والبيانات ، بهدف اجراء الدراسات المشتركة للجنة الخبراء الوطنيين، وذلك بروح حسن النية وفي التوقيت الملائم.
ثامنا - مبدأ أمان السد ،باستكمال و بتنفيذ اثيوبيا بحسن نية للتوصيات الخاصة بأمان السد الواردة في تقرير لجنة الخبراء الدولية.
تاسعا- مبدأ السيادة ووحدة اقليم الدولة ، بهدف تحقيق الاستخدام الأمثل والحماية المناسبة للنهر.
عاشرا- مبدأ التسوية السلمية للمنازعات بالتشاور أو التفاوض وفقا لمبدأ حسن النوايا. وإذا لم تنجح
الأطراف في حل الخلاف من خلال المشاورات أو المفاوضات، فيمكن لهم مجتمعين طلب التوفيق، الوساطة أو إحالة الأمر لعناية رؤساء الدول/رئيس الحكومة.

2
تباينت المواقف حول "إعلان المبادئ" ، كما أشرنا سابقا ، فان اثيوبيا استندت علي هذا الاتفاق باعتباره كان ضوءا أخضرلاتمام ملء سد النهضة بدون الرجوع إلى كل من القاهرة والخرطوم، رغم فشل جميع المفاوضات وآخرها تلك التي عقدت في كينشاسا (عاصمة جمهورية الكونغو الديمقراطية).
كما انتقدت المعارضة المصرية الرئيس عبد الفتاح السيسي لتوقيعه علي اتفاق اعتبرته إهدارا لحقوق مصر التاريخية في نهر النيل ، فقد كان من المفترض عدم الاقرار بالسد إلا بعد الحصول على الضمانات الكافية بعدم وجود ضرر على مصر، والاقرار بالحقوق التاريخية لمصر في المياه، ومشاركة مصر في إدارة السد ، وتحديد سعة الخزان وكيقية الملء بما لا يرتب ضررًا على مصر، والزام اثيوبيا بتنفيذ توصيات لجنة الخبراء الدولية.
بينما دافع مؤيدون للسيسي بأن الاتفاق يخلو من أي صفة شرعية تدعيها إثيوبيا أو إهدار لحقوق مصر التاريخية في مياه نهر النيل.
أما المخلوع عمر البشير ونظامه الديكتاتوي الفاشي، فقد فرط في مصالح السودان، بتمرير "اعلان المبادئ " دون الوصول لاتفاق ملزم لضمان وزيادة نسبة المياه للسودان لمواجهة التوسع في مشاريعه الزراعية والعمرانية ، ومراجعة نسبة تقاسم المياه في اتفاقية 1959 المجحف للسودان، اضافة لمد السودان بالكهرباء ،فاعلان المبادئ في البند السادس تحدث عن اعطاء الاولوية لدول المصب في شراء الطاقة الكهربائية المولدة من السد ، ولكن الاعلان ليس اتفاقا ملزما.
هذا فضلا عن تفريط نظام البشير في "الفشقة " علي الحدود السودانية – الاثيوبية ، بعد التدخل في شؤون اثيوبيا بعد محاولة مقتل الرئيس المصري حسني مبارك ، والتفريط في حلايب وشلاتين التي احتلها المصريون بعد حادثة محاولة الاغتيال، والتفريط في السيادة الوطنية عموما ، بالتورط في حلف اليمن، وعمل اتفاق مبدئي مع الروس لقيام قاعدة لحماية نظامه المتهالك، اضافة للمشاركة في قوات الافريكوم ، والتفريط في جنوب السودان، مما أدي لانفصاله.
هذا اضافة كما لاحظ بعض المحللين، لتنصل اثيوبيا من " إعلان المبادئ" الذي لم يكن ملزما ، كما في تصريحاتها بأن سلطاتها مطلقة في إدارة وتشغيل وملء سد النهضة باعتباره في أرض إثيوبية، وتم تشييده بأموال وطنية خالصة، وأن لأديس أبابا سيادة مطلقة على نهر النيل الأزرق الذي يجري في إقليمها .علما بأن اتفاق المبادئ أكد علي عدم الاضرار بالغير.اضافة لعدم التزامها بما ورد في الإعلان من ضرورة السعي بحسن النية وإرادة سياسية للتوصل للاتفاق النهائي.
اضافة لاستغلال اثيوبيا الظروف الموضوعية غير المواتية التي واجهتها مصر اثناء ثورة 25 يناير 2011 ، حتى وضعت اثيوبيا دولتي السودان ومصر أمام الأمر الواقع ، وقام السد، مما حدا بالبعض للقول بأن مصر دخلت مفاوضات فاشلة نتيجتها معروفة.، كما اتهم البعض اسرائيل وأمريكا بوقوفهما الي الجانب الاثيوبي ، مما شجعها للتشدد والتعنت .
وأخيرا، كما هو واضح ، رغم التوقيع علي " إعلان المبادئ"، فقد استمر الخلاف الذي انفجر بعد شروع اثيوبيا في استكمال السد الذي اصبح أمرا واقعا ، ومعترفا به مصريًّا ودوليًّا، واستمر التفاوض كما هو جاري الآن ، بما في ذلك الضغوط علي اثيوبيا، والتهديد بالحرب.
(نواصل)

alsirbabo@yahoo.co.uk

 

آراء