سقوط الأقنعة وبداية العد التنازلي لإخوان مصر

 


 

د. عمر بادي
2 December, 2012

 

ombaday@yahoo.com

عمود : محور اللقيا
كنت قد كتبت عند ظهور الربيع العربي في الشمال الأفريقي أن الأحزاب في الأقطار التي تأثرت به قد قررت أن تتبع النهج الديموقراطي في تداول السلطة عن طريق الإقتراع الحر و النزيه و الشفاف , و أن تجنح للإعتدال من غير تطرف يميني أو يساري , و أن تخاطب قضايا المواطنين جميعا دون تمييز بين معتقداتهم أو أعراقهم .هذا ما ورد من حزب الفضيلة التونسي برئاسة الشيخ راشد الغنوشي و أيضا من حزب الحرية و العدالة التابع لحركة الأخوان المسلمين . عندما كون الأخوان المسلمون في مصر حزب الحرية و العدالة كواجهة لتنظيمهم , ذكروا أنه حزب مدني ملتزم بالتحولات الديموقراطية و حرية الرأي و التعبير و قبول الآخر و التعددية الحزبية عن طريق الإنتخابات و تساوي الناس أمام القانون , و أن الأمة هي التي تجيز الدستور !
في مصر و في الجولة الأولى من الإنتخابات الرئاسية نال المرشح الدكتور محمد مرسي خمسة ملايين صوتا هي عبارة عن أصوات الأعضاء الملتزمين في حزبي الحرية و العدالة وحزب النور الذي يمثل السلفيين في مصر و قطعا ضمت أصوات بعض المتعاطفين من غير الحزبيين . أما في الجولة الثانية فقد كان جل هم الدكتور مرسي أن يكسب الأحزاب التي خرجت من التنافس منذ الجولة الأولى و التي كانت مع المد الثوري كارهة للفلول من سدنة نظام حسني مبارك البائد , فسعى لطمأنتهم جميعا بمن فيهم اليساريين و المسيحيين الأقباط من انه سوف يكون رئيسا لكل المصريين و ان دولته سوف تكون دولة المواطنة !
في هذه الأيام تعيش مصر أزمتين رئيسيتين : أزمة الإعلان الدستوري , و أزمة مشروع الدستور الجديد . الأزمة الأولى قد فجرها الدكتور مرسي دون الرجوع إلي مستشاريه و إنما عملا بتوجيهات المرشد العام لجماعة الأخوان المسلمين السيد محمد بديع ! لقد وضح أن الإعلان الدستوري يعزز من سلطات رئيس الجمهورية و يجعل قراراته محصنة ضد النقض أو الطعن من رقابة القضاء , و هو بذلك قد سحب حق التقاضي ضده بالقانون ! قبلا كان الرئيس مرسي قد أقال المشير طنطاوي و عين مكانه في قيادة الأركان أحد الموالين لجماعة الأخوان المسلمين في هيئة الأركان رغم صغر سنه , كبداية لتطبيق سياسة التمكين , ثم إلتفت بعد ذلك للنائب العام فاقترح إقالته على ان يعينه سفيرا في الخارجية و عندما لم يجد تجاوبا في ذلك قام بإقالته من منصبه بدون أن يكلفه بأي مهام أخرى ! هذا ما دعا قضاة محكمتي النقض و الإستئناف إلى الإعتصام و الإضراب عن العمل , هذا و قد قرر قضاة المحكمة الدستورية رفض قرار الإعلان الدستوري و لو أدى الأمر إلى فقدهم لحياتهم . في مقارنة طريفة شبه أحد المعلقين المصريين الرئيس مرسي بالحاكم بأمر الله الذي كان قد أصدر قرارا منع به المصريين من أكل الملوخية وقال هذه المرة سوف يصدر الرئيس مرسي قرارا يمنع به المصريين من أكل البامية !
الأزمة الثانية التي يدور رحاها هذه الأيام في مصر هي أزمة مشروع الدستور الجديد , فقد شرعت الجمعية التأسيسية في صياغة مشروع الدستور الجديد مستغلة في ذلك الأغلبية الميكانيكية للإخوان المسلمين فيها , و قد صار ذلك واضحا لممثلي القوى المدنية و الليبراليين و أحزاب اليسار و الكنائس في الجمعية التأسيسية فانسحبوا منها في مناهضة ماثلة لمرسي الذي نكث عهده معهم . لقد صار النصاب القانوني غير مكتمل بعد إنسحابهم و لكن الجمعية إستمرت في عملها بعد أن قامت بعملية إحلال للمنسحبين بآخرين من الإحتياطي . هكذا إستمرت الجمعية التأسيسية في إتمام و طرح الدستور لإجازته و فعلا تمت إجازته و تم رفعه للرئيس مرسي ليجيزه ثم ليطرحه للإستفتاء الشعبي . لقد أعطى الرئيس مرسي الجمعية التأسيسية شهرين لمناقشة و إجازة الدستور , فما الذي حدا بالجمعية التأسيسية كي تجيز الدستور في هذه المدة الوجيزة ؟ إن السبب هو موعد إصدار قرار المحكمة الدستورية المقرر له يوم 2 ديسمبر من أجل حل مجلس الشورى و الذي بموجبه ستحل الجمعية التأسيسية !
لقد دخل الرئيس مرسي مع المصريين في مساومة غريبة في شأن الإعلان الدستوري , و هي أنهم إذا ما صوتوا لصالح الدستور الجديد فسوف يقوم هو من جانبه بإلغاء الإعلان الدستوري ! هذا بإيجاز ما يحدث في أرض الكنانة حاليا . دعونا نتعمق في ما وراء الأحداث و نلقي الضوء على ماهية الإعلان الدستوري و على ما يتضمنه الدستور المصري الجديد في بنوده , ثم نعرج على مفهوم السلطة عند الإخوان المسلمين و مدى إيمانهم بالتعددية الحزبية و بالتداول الديموقراطي , مع تكرار ظاهرة نقض العهود عندهم  .
الإعلان الدستوري يكرس  سلطة رئيس الجمهورية و يجعله فوق السلطات الثلاث , التشريعية و التنفيذية و القضائية , و يناقض الإلتزام بالنهج الديموقراطي لحكومة وصلت إلى الحكم على أكتاف الديموقراطية , أما ما رشح من بنود الدستور الجديد المثيرة للجدل فقد وردت كالآتي : رئيس الجمهورية يعين أعضاء المحكمة الدستورية , يتم إسقاط عضوية أعضاء مجلس الشعب بموافقة الثلثين , إحالة المدنيين للمحكمة العسكرية , الحق في حل النقابات , التدخل في حرية الصحافة , تقييد حرية التعبير , عدم مساواة المرأة بالرجل ... لقد راى مفجرو ثورة 25 يناير من عامة الشعب أن الإعلان الدستوري و الدستور الجديد لا يعكسان روح الثورة و إنما يكرسان للشمولية و للإنقضاض على السلطة , و لذلك خرجت جموع المواطنين في ردة فعل هادرة يتقدمهم محمد البرادعي و صباحي و عمرو موسى و كل وجوه المجتمع المصري من الكتاب و الممثلين و الفنانين الذين يمثلون مصر الحرة و مصر الحضارة و إعتصموا بميدان التحرير منذ يومين و إلى أن يشاء الله . أما ردة فعل الحزب الحاكم فكانت أن حشد جماهيره أمام جامعة القاهرة في تآزر لقراراته , و قد كانت هذه الخطوة في غير صالح الحزب الحاكم إذ أنتجت فرزا للكيمان !
عندما قامت الثورة الإيرانية ضد الشاه إنقض عليها آيات الله و فرضوا ولاية الفقيه و بذلك لم تجد الأحزاب الأخرى فرصة لها في التنافس و لا حتى في الوجود ! أما في قطاع غزة فقد وصلت منظمة حماس إلى الحكم عن طريق الإقتراع الديموقراطي و لكنها بعد ذلك تمسكت بالسلطة و تناست تداولها , و عندنا في السودان قفز الإخوان المسلمون على السلطة بإنقلابهم العسكري و لا زالوا عليها رافضين العودة إلى الديموقراطية الحقة , و الآن ينحو إخوان مصر نحو التمسك بالسلطة كما فعل الذين إخوانهم الذين من    قبلهم !
لقد سقط القناع عن الإخوان المسلمين في مصر فظهروا على حقيقتهم بنفس وجوه إخوتهم الذين سبقوهم في حكم شعوبهم بالخديعة و الغدر و العدوان , لا فرق بين من ياتي إلى السلطة على دبابة و بين من يأتيها بصندوق الإقتراع ! مصر هي أم الدنيا و قد كانت في كل تاريخها موطنا منفتحا على كل أجناس العالم و كانت جاذبة لهم لحسن إدارتها للتنوع و لبعدها عن التطرف و لإيمانها القاطع بقبول الآخر و بالتعايش السلمي . سوف يفقد الإخوان المسلمون كل المتعاطفين الذين وقفوا معهم و سوف تبتعد عنهم الأحزاب التي كانت قد تحالفت معهم في الجولة الثانية من الإنتخابات و سوف يعيد بعض أعضائهم النظر في إنتمائهم لهم و بناء على كل ذلك فقد بدأ حقا العد التنازلي لهم !

 

آراء