سقوط البرهان.. في مستنقع الخيانة العظمى!!

 


 

 

(وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَاءٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ)
صدق الله العظيم

لم يكن غائباً عن السودانيين محاولات الحكومات المصرية المتعاقبة، لاستغلال السودان، وخلق علاقة فوقية معه تحقق مصالح مصر، دون أي اعتبار لمصالحه. وذلك منذ محمد علي باشا، وحتى حكومة الرئيس جمال عبد الناصر الذي بنى السد العالي لمصلحة مصر، ولم يهمه أن ذلك كان ثمنه أغراق حلفا، وتهجير أهلها وضياع الآثار السودانية. وكلما تدهور الوضع الاقتصادي في مصر، نتيجة للزيادة غير المرشدة في السكان، وفشل سياسات الأنظمة الدكتاتورية في تحسين معاش الشعب المصري، كلما ظهر الطمع والهلع لنهب خيرات السودان، بواسطة الحكومة المصرية، دون أي مراعاة للعلاقة الأزلية بين الشعبين، أو اعتبار حقوق الجوار والأخوة في الإنسانية.
إن ثورة ديسمبر المجيدة، لم تكشف فساد وسوء نظام الإخوان المسلمين فحسب، ولكنها كشفت أيضاً سوء وفساد لجنته الأمنية، التي قامت بانقلاب لتعيد النظام البائد!! ولكن الشباب الثائر اعجزها عن مرادها، فظن العسكر أنهم لو منحوا الحكومة العسكرية الدكتاتورية المصرية، مطماعها في السودان، لدعمتهم، ومنعت ثورة الشعب من اسقاطهم، بينما يستمروا هم في مماطلة السياسيين، فلا يرفضوا التوقيع على الاتفاق الاطاري، ولا يوقعوا عليه، ترقباً لتدخل مصري، يبقيهم في حكم شعبهم، الذي لا يريد حكمهم، بل يطالب بحكومة مدنية ديمقراطية. كما أن الشباب الثائر، كشف للسودانيين، مبلغ السوء الذي تقوم به الحكومة المصرية، ومبلغ الجبن، والخور، والعجز، والانبطاح، الذي يقوم به البرهان، إزاء هذه الجرائم المنكرة، التي تتم بواسطة النظام الدكتاتوري المصري.
التحية والاجلال لترس الشمال، ولجان مقاومة الشمالية، الذين أوقفوا الشاحنات المصرية، التي تنهب القمح والسمسم، والصمغ العربي، وتدفع فيه بالجنية السوداني، وكأنها لا تشتري من دولة أخرى، يجب ان تدفع لها بالعملة الصعبة!! ثم أن هذه الجنيهات السودانية مزورة، ونقلت الوسائط صورة المطابع، في العتبة بالقاهرة، التي تطبع الجنيهات السودانية، التي يشتري بها سائقي الشاحنات المنتجات السودانية!! هذا نصب، واحتيال منظم، تقوم به حكومة أجنبية، تهدف الى تحطيم اقتصادنا الوطني، ويساعدها أذنابها من حكامنا العسكريين، الذين باعوا أنفسهم للشيطان، ليحفظ لهم كراسي لن تدوم!! وفوق ذلك، عندما أوقف الشباب شحنات القمح، وفتحوا جوالاته، وجدوا الذهب السوداني يهرب داخل جوالات القمح، مما يضيف جريمة السرقة، لجرائم النظام المصري في السودان.
وحين أوقفت لجان المقاومة شريان الشمال، انزعجت الحكومة المصرية، ووجهت اعلامها المسيس، ضد السودانيين، يسيئون تارة، ويهددون تارة أخرى.. وكأن السودانيين قد اعتدوا عليهم، مع أنهم فقط أوقفوا نهبهم المنظم. ولما لم يجد ذلك، عدلوا عنه، لخلق بديل، فأوعزوا الى تابيعهم الأذلاء، البرهان ومن معه، أن يرفعوا مطار مروي، لينقل البضائع، ولا يستطيع الشباب إيقاف الطائرات، كما أوقفوا الشاحنات. لذلك قال وزير الدفاع المصري الفريق أول محمد زكي (ترفيع مطار مروي للمصاف الدولي تعظيم لدور وموقع المطار من الحدود المصرية وفك أي ضائقة محتملة من تتريس شارع شريان الشمال من قبل لجان المقاومة ومتوقع ذلك بشكل كامل لذلك سعينا مع القيادة السودانية لوضع بديل استراتيجي عاجل لفك أي اختناق محتمل من تروس الشمال علماً بأننا متعاقدين مع عدة شركات ودول خارجية على استقرار صادرات مصر المعدنية والحيوانية والزراعية بشكل منتظم ضيف على ذلك مسألة الشروط الجزائية القاسية في حالة عجز مصانع مصر بالايفاء في الأزمنة المحددة لها فضلاً عن أن مدينة مروي تعد بعد أمني استراتيجي لمصر لا تهاون فيه) (نقلاً عن وسائل التواصل الاجتماعي).
ما هو النفع الذي نرجوه من مصر، حتى نرفع مطار مروي لقربه من الحدود المصرية؟! لماذا لا نرفع مطار القضارف لقربه من الحدود الاثيوبية؟! ولماذا تتعاقد الحكومة المصرية، وتقيم المصانع، لتصدر معادن، وحيوانات، ومحاصيل زراعية لا تملكها، وانما تريد أن تنهبها مجاناً من دولة مجاورة؟! وما معنى أن مروي بعد أمني لمصر؟ هل تريد الحكومة المصرية استغلال مطار مروي، لتضرب به سد النهضة الاثيوبي، فتغرق السودان، وتقضي على أهله تماماً، ثم تحتل أراضيه الخصبة، التي طالما طمعت فيها، وادعت أن السودان تابع لمصر؟! هذا الأمر الذي يبدو بعيداً، قال به خبير، هو العميد اركان حرب أحمد رحال السوري فقد قال (الميزة الاستراتيجية من مطار مروي يضع سلاح الجو المصري في درجة ارتفاع متدني يصعب على الرادارات الاثيوبية تغطيته لذلك الخطر عظيم على السودان وأعظم على اثيوبيا فكيف سمح النظام السوداني بأن تهيمن قوات أجنبية على مطار استراتيجي.. الآن اثيوبيا في خطر والسودان في خطر أعظم لأن ضرب سد النهضة هو دمار الانسان السوداني تماماً يعني مصر تستلم السودان كثروة من غير بشر وهذه أمنية تراود مصر بكل أسف) (المصدر السابق).
ولكننا نقول لوزير الدفاع المصري، أن مطار مروي لن يمكنكم من خيرات السودان، لأنها ليست موجودة في الشمالية. وإنما هي في عمق السودان، تأتي من كردفان، والجزيرة، والقضارف، ويمكن للجان المقاومة أن توقف الشاحنات، قبل ان تصل عطبرة، أو عند خروجها من ودمدني، فلا تصل الى مطار مروي. أما استغلال السودان لضرب اثيوبيا، فلن يحدث، فالشعب السوداني لن يخوض حربكم بالحوالة، ولن يعادي اثيوبيا ليرضي حكومة مصر. فلو كانت الحكومة المصرية، قادرة على حرب اثيوبيا، لتفعل دون إدخال السودان. ولا تحسبوا أن السودانيين إذلاء، خانعين لكم، خائفين منكم، مثل الفريق البرهان، الذي قبل على نفسه، أن يرفع التحية العسكرية للرئيس السيسي، مع أنه ليس أكبر منه رتبة عسكرية، بل قبل أن يقول عنه السفير المصري في السودان هاني صلاح (أوجه رئيس مجلس السيادة أن يسرع ...)!! السفير المصري الذي لا يستطيع أن يقول مثل هذه العبارة عن سواق الرئيس السيسي يقولها دون تردد عن رئيس مجلس السيادة السوداني، فهل رأى الناس هوان الرجال عندما يكسرهم الخوف والطمع؟!
ثم إننا نسأل حكومة البرهان الخائرة، الميتة، حتى لو أنها رفعت مطار مروي ليخدم مصالح مصر، لماذا تركت المخابرات المصرية، تشرف على المطار، وتبعد السودانيين عن ادارته؟! يقول المراقب الجوي م. د في شهادته (حينما اصر الطاقم الاستخباراتي المصري على تسليمهم برج المراقبة اعترضنا وخالفنا كسودانيين تسليم برج المراقبة بتاتاً ولكن للأسف صدرت تعليمات كتابة من رئيس مجلس السيادة بتسليم برج المراقبة للاستخبارات المصرية.. وللأسف اكتشفنا منذ أسبوعين أن الاستخبارات المصرية ابعدتنا من هذا المرفق لتمارس بشكل ممنهج تهريب الذهب والآثار التاريخية القيمة من الموقع المكتشف حديثاً لذلك ابعدوا كل الإدارة السودانية بشكل كامل واصبح المطار في قبضة المصريين) (المصدر السابق).
ما هو المقابل الذي ستعطينا له الحكومة المصرية، بعد أخذ مئات الآلاف من الاطنان من محاصيلنا الزراعية، ومئات الألاف من المواشي، وآلاف الاطنان من الذهب بالعملة السودانية المزورة؟! ستعطينا ألف ميقاوات من الكهرباء، على حد تعبير السفير المصري، الذي وجه الفريق البرهان، ليسرع في اكمال هذه الصفقة، من دون أن يخبرنا بكم ستبيع لنا الحكومة المصرية الكهرباء، وهل سيكون السعر أقل أم أكثر من سعر الكهرباء من اثيوبيا؟ وهل يمكن أن تقبل أن ندفع لها بالجنيه المصري، الذي يمكن أن نطبعه في مطابع السوق العربي بالخرطوم؟!
إن قطوعات الكهرباء التي تشهدها البلاد هذه الأيام، مع ارتفاع درجات الحرارة، وقدوم شهر رمضان المبارك، ليست قطع عادي، وإنما هو تواطؤ من الحكومة، مع الحكومة المصرية، حتى تأتينا الكهرباء المصرية، كمنقذ للعباد، فيفرح الشعب من الحكومة المصرية، ويفضلها على الحكومة الاثيوبية، ويقف معها اذا قررت محاربة اثيوبيا. وهذا تخطيط ساذج، ولا يجوز على شعب واعي، مثل الشعب السوداني، فلترد لنا الحكومة المصرية، ما نهبت منا، أولاً، ولترجع حلايب وشلاتين، قبل أن تتصدق علينا بدعاوى الاخوة والتعاون المشترك.
إن الشعب السوداني ليس لديه مشكلة مع الشعب المصري، بل هما شعبان شقيقان. ولكن المشكلة في الحكومات الدكتاتورية العسكرية، التي ترى مصلحة بقاءها في الحكم، فوق مصلحة شعوبها في الحياة.
لقد رفض الشعب السوداني الدكتاتورية، أكثر من مرة، واطاحت ثورته الشعبية بثلاث نظم دكتاتورية، آخرها نظام البشير، الذي لا زلنا نعاني من عقابيله، في صورة حكومة البرهان الحالية، التي طالبنا بزوالها، واستبدالها بحكومة مدنية ديمقراطية. ونحن كما نرفض الدكتاتورية لشعبنا، نرفضها للشعب المصري، ولو نجحنا في إقامة الدولة الديمقراطية، فإن الشعب المصري سيثور على حكومة السيسي، ليحقق هو ايضاً حكومة ديمقراطية. وهذا هو مصدر الانزعاج الحقيقي للحكومة المصرية، وهو سبب تدخلها السافر، واستغلالها لحاجة حكومة البرهان غير الشرعية، والتي جاءت بانقلاب فاشل، الى الدعم الذي يبقيها في السلطة ويحصنها من المساءلة بغير حق. والبرهان يقمع المظاهرات السلمية لشعبه كل يوم، دون أن يستطيع اخماد صوته، وهو يحاول الآن التنصل، والفرار من التوقيع النهائي، بعد ان وقع على الاتفاق الاطاري، الذي نص على ابعاد العسكر عن السلطة، وتطبيق النظام الديمقراطي. وحتى يبقى في السلطة، رغم خلف الوعود، أخذ يستقوي بالنظام المصري، ليعينه اذا استدعى الأمر لمواجهة قوات الدعم السريع التي اصر قائدها على الاتفاق الاطاري.
لقد خان البرهان ثورة ديسمبر المجيدة، حين وجّه قواته المسلحة، وقوات أمنه، ومليشيات الدعم السريع، وكتائب الظل الاخوانية، بالهجوم على الأبرياء، العزل، من المعتصمين أمام القيادة العامة. فقتلوا الشباب دون رحمة، واغتصبوا الحرائر، دون حياء، وهم يرفعون شعار (هي لله .. هي لله)!! ثم خان قوى الحرية والتغيير، الذين شاركوه الحكومة الأولى، فلم يرع القسم والعهد، وقام بانقلاب ٢٥ أكتوبر، وألقى بهم في السجن، وحل لجنة تفكيك النظام البائد، والغى قراراتها، وارجع للاخوان المسلمين الأموال التي نهبوها من الشعب، وصادرتها منهم اللجنة، واعادهم الى مواقعهم في الدولة، ومكنهم من خناقها، في محاولة لإعادة النظام المباد، نكاية في ثورة الشعب. ولما فشل انقلابه، وعجز عن إقامة حكومة، عاد مرة أخرى، لقوى الحرية والتغيير، ووقع معها الاتفاق الاطاري. ولما اكتملت كل الورش، التي اوضحته للشعب، ووجد تأييداً كبيراً، نكص عن التوقيع التهائي، وتماطل فيه، وتباطأ، وتملص، أكثر من مرة!! وكان يبحث عن جهة يعتمد عليها، ليرفض الاتفاق، الذي وقع عليه. فلم يجد غير الحكومة المصرية، التي شعرت بورطته، فأستغلت الموقف، واخضعته لها، ينفذ مطامعها، في مذلة، ومهانة، وحقارة، لم يكونوا يحلمون أن يجدوا مثلها في السودان. لقد سقط البرهان في وحل الخيانة العظمى، حين سلم أمن البلاد، وخيراتها، بلا مقابل للحكومة المصرية. والخيانة العظمى جريمة قذرة، لا يقع فيها إلا شخص منذور الحظ من الكرامة الإنسانية، والغيرة الوطنية. وكل هذا لن يخلده في السلطة، ولن يمنعه من المساءلة والعقاب. وإنما سيجعله في تاريخ بلادنا مذموماً مدحوراً، وهو في الآخرة من الخاسرين.
٨ مارس ٢٠٢٣م

 

آراء