سيد الرايحة فتح خشم البشير: أو في سيرة من ينتظرون (الحِدايه) أن ترمي لهم (كتاكيت). بقلم: عبد الفتاح عرمان

 


 

 



fataharman@hotmail.com

حضر "عِلية" القوم إلى قاعة الصداقة بالخرطوم يوم أمس الأول، و كل منهم يمنى نفسه بالفوز بـ(يانصيب) تاج السلطان الغاشم الذي يتأرجح أعلى السارية، في حالة تكشف حالة البؤس واليأس الذي أعترت نفوس هؤلاء الشيوخ قليلي العقل والحيلة.

عجبت لقوم لا يحسنون قراءة التاريخ، وإلا أخبروني عن حالة واحدة في التاريخ الغابر والحديث عن طاغية تسنم السلطة عبر دبابة في ليل بهيم وقام بتسليمها طواعية إلى خصومه السياسيين؟! الديكتاتور البشير ليس أفضل حالاً من عبد الملك بن مروان الذي حينما آلت إليه دولة الخلافة الأموية قال: "والله لا يأمرني أحد بتقوى الله بعد مقامي هذا إلا ضربت عنقه." 1 بل عبد الملك بن مروان كان أفضل حالاً منه، إذ  لم يكن ملاحقاً من قبل محكمة الجنايات الدولية بتهم الإبادة الجماعية وإرتكاب جرائم ضد الإنسانية في حق شعبه الأعزل. ولكن ماذا نقول في ساسة عجزوا عن الفعل السياسي وأصطفوا في قاعة الصداقة في إنتظار "الحاوي" البشير لسحب إسم الفائز في مسرحية العودة إلى السلطة عبر بوابة المشير الذي سلبهم ذات السلطة عنوة؛ وسيد السُلطة والمُلك الضائع فتح خشم المشير!

الديكتاتور البشير يسعى إلى فتح صفحة جديدة مع الولايات المتحدة الأميركية لفك الحصار عن نظامه الذي خنقته العقوبات الإقتصادية ولائحة الإرهاب الأميركية عبر إجراء جراحة تجميلية لوجه نظامه الكالح، وهي إصلاحات بمثابة مساحيق التجميل التي تمس المظهر ولا تنفذ إلى الجوهر. بمعني آخر، البشير مستعد إلى إشراك القوى السياسية في عملية وضع دستور جديد للبلاد وتأجيل الإنتخابات من العام القادم إلى 2017م والإتفاق مع القوى الثورية السياسية المسلحة عبر الوصول إلى اتفاق سلام مع الحركة الشعبية-شمال في أديس أبابا، وإلحاق حركات العدل والمساواة، تحرير السودان بجناحيها بإتفاق الدوحة الذي وقع مع تجاني السيسي، كعملية حد أدني مقبولة للجانب الأميركي لفك الحصار عن النظام. والبشير على استعداد لمنح بعض الوظائف الدستورية والتنفيذية للأحزاب والحركات الثورية على أن يدير هو ورهطه دفة الحكم إلى موعد الإنتخابات القادمة في 2017م. وتلك لن تكون مبادرة إصلاحية جديدة بل هي تسويق للنبيذ القديم في قوارير جديدة؛ فهي نفس التجربة التي مرت بها الحركة الشعبية عند توقيع إتفاقية السلام في 2005م وانتهت بإنفصال الجنوب. لذا، مبادرة جيمي كارتر الرئيس الأميركي الأسبق لرأس النظام ليست جديدة؛ فهي تعمل على حمل النظام لإطفاء الحرائق في بيته- دارفور، جبال النوبة، النيل الأزرق والإتفاق مع القوى السياسية المعارضة في الخرطوم ومنظمات المجتمع المدني- مقابل فك الحصار الإقتصادي عن النظام وضمان إقراض البنك الدولي لنظام البشير لإنتشال إقتصاده من الإنهيار الكامل، وفق جداول زمنية محددة.

هناك تقارباً بين المؤتمر الشعبي، المؤتمر الوطني وحركة الإصلاح- جناح غازي صلاح الدين- بمباركة أميركية، وجاء لقاء كارتر بالبشير وتقديم دعوة إلى الترابي لزيارة الولايات المتحدة لفتح صفحة جديدة مع الحركة الإسلاموية السودانية وعرابها الترابي الذي كان في عهد إدارات كلينتون وبوش- الأب والإبن- العدو الأوحد لأميركا عبر إحتضانه للجماعات الجهادية والإرهابية في السودان، وعلى رأسها تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن. فأميركا ترى في اخوان السودان ضمانة لتنفيذ مصالحها في السودان وفي الإقليم، على الرغم من حالة العداء المصطنعة بين الجانبين. فاخوان السودان يتحدثون في العلن عن عدائهم لأميركا- التي دنا عذابها- وفي السر يخدمون الأجندة الأميركية عبر تعاونهم الوثيق مع المخابرات الاميركية تحت مسمى "مكافحة الإرهاب" في براغماتية جبلوا عليها منذ أيام عراب حركات الإسلام السياسي حسن البنا. والولايات المتحدة تعلم جيداً إن اخوان السودان لا يتوانون في سبيل البقاء في سدة الحكم من تفتيت ما بقي شمال السودان، وحماية المصالح الغربية والأميركية أكثر من اي حكومة ديمقراطية قادمة. بالإضافة إلى ذلك، الولايات المتحدة لا تهتم لأمر الديمقراطية في بلادنا كثيراً، وتسعي للأبقاء على الوضع القائم عبر تسوية محدودة حتي ينال عبرها النظام شهادة "حسن سير وسلوك" كي تتفادي العواصم الغربية الحرج لدى تعاملها مع رأس النظام الملاحق دولياً. وترى في اخوان السودان خير من يحمي المصالح الأميركية وكبح جماح المجموعات الإسلاموية المتطرفة التي تعمل على إلحاق الضرر بالمصالح الأميركية في المنطقة. وتاتي دعوة الدكتور حسن الترابي لزيارة أميركا كدليل تحول في الموقف الأميركي حيال توجهات اخوان السودان، وتاكيداً على حسن النوايا الأميركية.

تؤكد كل الشواهد أن اخوان السودان- ومهما بلغت شقة الخلاف بينهم- سوف يتوحدون تحت رأية الترابي مجدداً  لتفادي الثورة الشعبية التي سوف تطيح بكلا الفريقين؛ والبشير والترابي على يقين تام أن سقوط النظام يعني سقوط الإسلامويين- وإلى الأبد- في ديار السودان.. وسوف تكون الغلبة للتيار الديمقراطي الساعي لتأسيس دولة مدنية عنوانها المواطنة أساساً للحقوق والواجبات. لذا، كافة التيارات الإسلاموية- في السلطة والمعارضة- تسعي بشتى السبل للإحتيال على الشعب السوداني بإسم الإصلاح، وتارة أخرى بإسم الخروج على "الحاكم الجائر" الذي عملوا تحت ظله لأكثر من خمسة وعشرين عاماً، دون أن يعتذروا للشعب السوداني. وكما هو معلوم، فإن خلاف الترابي والبشير لم يكن حول اطلاق الحريات- كما يدعى الترابي- بل كان حول السلطة ومكاسبها؛ لكنها لا زالوا يشربون من نفس الكأس ويكتبون من نفس "الدوايه"، فالصراع صراع سلطة لا أفكار.

يتحتم على التيار الديمقراطي العريض أن يتحد في الفترة القادمة لمواجهة الهوس والتطرف الإسلاموي، وترك المعارك الجانبية، لمصلحة بلادنا وشعبنا المكلوم، حتي لا يتفاجأ أحدهم بتغيير "أحمد" بـ"حاج أحمد" في عملية يسطو جديدة يجرى طبخها بين المشير وعراب الحركة الإسلاموية.


1.    تاريخ الخلفاء للسيوطي، صفحة 219؛ عبد الملك بن مروان.

 

آراء