سير وأخبار بأشعار ومسارح وأوتار

 


 

 

سير وأخبار، بمسارح وأشعار ..!!بقلم: صديق السيد البشير

siddigelbashir3@gmail.com

(1)

بكره يا أمدرمان تعودي
زي ما كنتي زمان جميلة
رافلة في أثواب عفافك
ورمز للحب والفضيلة
وتسجع أطيارك تغني
في ربى الروض الجميلة
بهذه المفردات، ومن داخل مدينته كوستي هكذا كان يناجي الشاعر عثمان جمعة، العاصمة الوطنية السودانية أمدرمان، مدينة التأريخ والأصالة والمعاصرة، راثيا حالها بعد الحرب المشتعلة في عاصمة البلاد ومدنها الثلاث، المنتقلة إلى مناطق أخرى من السودان، والتي قضت على الأخضر واليابس، من خلال ريشة وألوان ، يرسم عثمان ، لوحة (العودة إلى أمدرمان)، لوحة حسناء للمدينة، تاريخا وجغرافيا، وتفاصيل العفة والمحبة والفضيلة والعشق، مستشرفا مستقبل باهر لها في قادم السنوات.
لسنوات خلت، لم يبارح عثمان جمعة مدينة كوستي، التي بادلها المحبة والمودة والعشق العذب، عذوبة الشعر الذي يتذوقه نظما وحفظا وقراءة، تأمله بلغة عامية سودانية، أثيرة للعقل والروح، خاصة في (زينة المدن)، حين يمدح مدينة كوستي
زينة المدن كوستي في الدنيا وين زيك
واحشاني والله كتير كيف حالك إزيك
أجمل سنين عمري قضيتها في نيلك
ما بين سنا القمرا وبين ضي قناديلك
منك يجي الإلهام اشدو واغنيلك
أصبحتي في عيوني أجمل مدن جيلك
هاجرت شفت الناس ما شفت زي ناسك
في طيبة المعشر وفي صدق إحساسك
عبق العطور بتغير من بعض أنفاسك
في الفن مع الإبداع راسي وعميق ساسك
أنجز عثمان جمعة مجموعتين شعريتين، أجيزا من مجلس المصنفات الأدبية والفنية الإتحادي قبل سنوات، وهما قيد الطبع، (إلى أمي)، و (العودة إلى أمدرمان)،
منذ سنوات، يشارك عثمان في مختلف الفعاليات الثقافية بولاية النيل الأبيض، ليمضي في إنجاز مشروعه الإبداعي في هذه الحياة، بنبل وصدق ومحبة، محبة يترجمها عبر أشعار فضيحة وعامية، لتتحول إلى لوحات غنائية عذبة، عذوبة النص واللحن والأداء، أمنيات له بالمزيد من المنجزات الأدبية التي تصافح الأسماع والأبصار والعقول.
ونردد مع عثمان جمعة في (كوكب الإشراق)
على الرصيف سابني واخد الإشارة يقوم
فايت ربوع كوستي وقاصد ربى الخرطوم
حتى الأشرجي بكى عرف الفراق محتوم
لولاك يا قطر الهم انا كان سعادتي تدوم
بسلام تصل يا قطار مع كوكب الإشراق

(2)

أنا وحزن الأماسي
وصدى قافية حزينة
نترقب التلاقي
فيطوينا مدى الإنبهار
وتنوء في أعماقنا
روعة اللحن النشيد
فأتلصص انا على الدروب
إن حملت الربى نسمة
في رحم غيبها الأخبار
عطر يضوع أو همسة ولهى
تؤطر الفرح الجديد
ما أتت النسمات عنها بشئ
غير صمت مريب
وضحكات سكران حملها النسيم
من البعيد للبعيد
ثلاثون عاما أنفقها صلاح إبراهيم في عابدا في محراب الثقافة السودانية في بعديها المحلي والكوني، مؤلفا، ممثلا، ومخرجا، عشرات الأعمال المسرحية المبذولة على الفضاءات المختلفة، إعلاما وثقافة، صلاح العصفور المسمى مجازا (اسكندر)، مزج بين محبة الشعر الحر وتأليف السلاسل الدرامية للراديو والتلفزيون، ثم مجموعة من الأعمال على خشبة المسرح، ومشاركات في مهرجانات ولائية وقومية،هو ذاته المنتمي إلى طائفة المسرحيين الشعراء، من لدن إبراهيم العبادي، خالد أبو الروس، إسماعيل خورشيد، قاسم أبوزيد، يحيى فضل الله، مجدي النور، جمال حسن سعيد، سعد الدين إبراهيم، وآخرين، خلدت أسماءهم في تاريخ الإبداع السوداني، بمهنية، وصدق، ورصانة، وتميز.
كان إسكندر يتجلى في أداء دوره المسرحي بتميز في نص من تأليفه وإخراجه، والموسوم (المرسوم الملكي الأخير)، المشارك به في إحدى دورات مهرجان البقعة، حين يقول (لم أكن يوماً راضيا بشجار ينجم ما بين شخص وآخر، كيف لي أن أرضى بشجار يقع بين أمة وأخرى : أيها الكاتب أكتب، لقد أمرنا نحن ملك هذه البلاد بتنحي الوزير من منصبه، وتجريد الملكة من صلاحياتها الملكية.
في قراءات فاحصة لمشروع صلاح إسكندر الفني، يجده مضيئ بشمعات درامية ساطعة، تجمع الفكرة والجمال والمعرفة، العناصر الثلاثة المكونة للعمل الإبداعي.
وضع إسكندر بصمته المميزة في كتاب الدراما بولاية النيل الأبيض، منذ كتابته لأول نص مسرحي موسوم (الفانوس) عام 1992م، ثم (الماسورة) أول نص مسرحي يجتاز مشاهدات مهرجان الفرق والجماعات المسرحية في تسعينات القرن الماضي، ليمضي في التأليف، منجزا مسرحية (القانون في قفص الإتهام) عام 1994م، ثم (الزمن ودائرة المستحيل) عام 1996م، و (المرسوم الملكي الأخير) عام 2009م،حيث نالت جائزة النقاد في نسخة من مهرجان البقعة، وواصل مسيرته الدرامية، تأليفا وإخراجا، مقدما لعشاق أبوالفنون، مسرحية (حاجب الدهشة) عام 2014م، و (لت وعجن) عام 2015م، ليردفها بمسرحية (درب الخلاص) عام 2023م، ليتوج مسيرته بنيل الجائزة الأولى من منظمة سودو، ثم جائزة التمثيل عام 2019م، عن مسرحية (الظل) لعبد الله ونيس، ضمن أربع جوائز في نسخ مختلفة من مهرجانات قومية، كمهرجان البقعة، ليخلد صلاح إبراهيم (إسكندر) اسمه في ذاكرة الدراما على المستويين الولائي والقومي.

(3)

أحب نصر الدين مصطفى المسرح حبا جما، يأكل خبزه من (أبو الفنون)، بمحبة وموهبة صقلها بالإطلاع والممارسة الممتدة لنحو عقدين مم الزمان، أنجز مصطفى مع آخرين باقة منتقاة من سلاسل درامية، بثت على شاشة تلفزيون النيل الأبيض أيام بثه المحلي، ثم حلقات عانقت أالأسماع والعقول، وحفلت بها موجات هنا كوستي، إذاعة النيل الأبيض سنين عددا، تنوعت أعماله الدرامية، بين توعوية وتراجيدية، إلى جانب تجارب ذاتية.
يتمتع بذاكرة فوتوغرافية، وعقل راجح، وبصيرة متقدة، دماغ يحفظ كامل النصوص المسرحية، لا دوره فقط، سواء أكانت نصوصا مكتوبة بلغة عامية سودانية، أو فصحى، هو (مشخصاتي) من طراز فريد، تابعته عن كثب من خلال عروض مسرحية على الهواء الطلق، او تسجيلات اذاعية تلفزيونية، أو مهرجانات ولائية وقومية.
في مسرحية (الزمن ودائرة المستحيل)، تأليف وإخراج صلاح إبراهيم (اسكندر)، كان نصر الدين مصطفى يؤدي دور (الرسام)، يقول لي من ذاكرته الحية متخيلا دوره : (رسمت بريشتي على جدران الزمان عصفورا من عالمي الخاص، يحمل طفلا باسم الثغر وضاح المحيا، وصفوني بالإرهاب، ممنوع جدا أن تتكلم عن الله، يستحسن ان تحضروا ليالي الخمر وتصفف حارا لرعاة البقر في هوليود)، عمل شارك به مع آخرين في فعاليات مهرجان البقعة بمدينة أمدرمان السودانية قبل سنوات.
أنجز مصطفى مع صلاح اسكندر أغلب أعمال الأخير الدرامية في سنوات خلت، يكاد مصطفى، يحفظ كل نصوص (اسكندر) المسرحية عن ظهر قلب ، أعمال شملت الراديو والتلفزيون والمسرح، كدوره في مسلسلي (الزمن والضياع)، و (يوميات علوب)، وهما من تأليف قاسم أحمد يونس، تم بثهما على أثير إذاعة النيل الأبيض، إلى جانب، مسرحيات (كواليس إنسان عربي)، (القانون في قفص الإتهام)، والتي عرضت في مهرجان المسرح الجامعي، المقام عام 2018 م بجامعة كسلا شرقي السودان، فضلا عن دوره (كبير التجار) في مسرحية (المرسوم الملكي الأخير)، والتي ناقشت علاقة السلطة بالشعب، ثم مسرحية (الزمن ودائرة المستحيل)، و (الخلاص) التي ناقشت قضايا الراهن السياسي، والتي شاركت في فعاليات الخرطوم عاصمة الثقافة العربية 2005م، تأليف وإخراج صلاح اسكندر.
هذا هو (المشخصاتي) نصر الدين مصطفى بن مدينة كوستي ، المحب للتحليق في فضاء المسرح، بخشبته وجمهوره ورجع صداه، زاوج بين حرفة التمثيل والتخصص في تنفيذ برامج توعوية لعديد المؤسسات الحكومية والخاصة، إلى جانب، مشروعات خاصة بحفلات التخرج في رياض الأطفال، ثم المضي في التأسيس لجسم يعني بمسرح العرائس بعد إشتغال بحرفة التمثيل في عدد من المجموعات المسرحية بولاية النيل الأبيض، أمنيات ودعوات له بالمزيد من المنجزات الفنية على الخشبات والأثير والشاشات والمنصات.

(4)

بوجه مليح، وشعر مسدل بعناية و (طاقية) خضراء اللون، بملامح تمزج التصوف بالفنون، وإبتسامة تتحدى الزمن والرحلة، هكذا يصافح الأسماع والأبصار والعقول منذ أول إطلالة له على الخشبات والإذاعات والشاشات والمنصات، خمسة عشر عاما، أنفقها الفنان مستعين بشير في حقل الدراما بولاية النيل الأبيض، بسيرة مضيئة يمضي في طريق الفن السوداني بخطى راسخة، يضع بصمته المميزة في الحركة المسرحية، داخل وخارج السودان، إلى جانب مشاركات فاعلة في المشهد الدرامي على مختلف الصعد.
عرفته معظم الفعاليات الثقافية التي شاهدتها الولاية، حاملا مشاعل التوعية والتنوير بقضايا الصحة والبيئة والحقوق، مشاركاً رئيسيا في الفعل المسرحي على المستويين الولائي والقومي، مستعين بشير عرفه أهل الولاية (مشخصاتيا) في فرقة أماسي للآداب والفنون بولاية النيل الأبيض، ثم فرقة (تيراب) الكوميديا بالعاصمة السودانية الخرطوم، ومجموعة (نبض الكوميديا) بمدينة أمدرمان، إلى جانب (ليالي أم درمان)، و (الصداقة)، إضافة لفرق أخرى بمدينة كوستي، مثل (أديب) للآداب والفنون، و(نجوم النيل)، و(النيل)، و (أماسي)، و (سلامات).
في تجربة، قليلة السنوات، عظيمة النتائج، نال مستعين بشير جائزة التمثيل من مهرجان الشباب الأفريقي عام 2003م، ضمن فرقة (أماسي) للآداب والفنون، عن مسرحية (بيت المجانين)، ثم أردفها بنيله جائزة التمثيل عن فئة (رجال)، تأليف صلاح إسكندر، إخراج هارون شلتوت.
تميز مستعين بشير بأداء مميز عن دوره في (إتنين في قفة) أول مسلسل تبثه هنا كوستي إذاعة النيل الأبيض، المسلسل من تأليف طه الشجرابي، إخراج الطيب عبدالحليم، إلى أداء شخصية البطل (خالد) في مسلسل (الزمن والضياع)، تأليف قاسم أحمد يونس، إخراج صلاح إسكندر، توهج مستعين بشير في المشهد الدرامي، منتقلا من عالم الخشبات وأثير الإذاعات، إلى سحر الشاشات، مؤديا دور (أحد المتطوعين) في المسلسل التلفزيوني الموسوم (المملكة المنسية)، تأليف محمد أحمد الشاعر، إخراج صلاح الجاك، والذي بث على شاشة قناة الخرطوم الفضائية قبل سنوات قليلة ماضية.
بهذه المنجزات الفنية، يمضي مستعين بشير في درب الدراما، التي تعد إحدى وسائل التوعية والتنوير، وأداة للتغيير في حياة الإنسان.

(5)

لو أني أعرف
كيف يزف الخاطر حرف الضوء..
ليخرج من أقبية الحاضر بعد وضوء ..
على مصلاة نقاء الروح ..يصلي الفجر..
ويسكب فينا فيض هدوء
ويرسم صبحا
دون عناء
دون غثاء
دون عواء
ينثر جند طيور الحب
لتغلق كل دروب السوء .
جمعتني بها شاشة الشروق لسنوات خلت، مزجت بين دراسة البيطرة ومحبة الأدب، شعرا ونثرا، ثم كتابات مبذولة في الفضاءات الرقمية المختلفة، مثل (نوح المسارج)، إلى جانب مخطوطات من أشعار، تصافح العقول والقلوب بمحبة وعذوبة، عذوبة المفردة وجماليات التقديم التلفزيوني، بين محطات فضائية عدة، بجانب مشاركات في مهرجانات الأدب، تحيات طيبات لتيسير محمد حسين، ودعوات مباركات بالتوفيق في إنجاز مشروعات ها الإبداعية، عملا وعلما ومعرفة، وتردد معها :
نلتقي ..
..نغافل الزمان
و نرسم الأمان
بحافة المكان لوحة
ندسها في دفتر الحضور
الرسم أبيض
هل غابت الألوان
في غيمة الغياب ؟
هل مضت مع السحاب
قبل موعد الهطول ؟
لا ..
فاحتشاد اللون أبيض
والصدق أبيض
والنور أبيض
والضوء يغسل الأفول..
في زفة الغروب
تحلق الطيور عودة
للعش والصغار
وتخطف الأحلام
من ستائر الظلام
من مخالب النسور
للنهر أغنياته القديمة
التعلقت بجيد موجة
ودست الحروف في العميق
في المياه والصخور
هل يهجر النشيد
صدر ذي الكمنجة القديمة
وضحكة الأوتار في سرور ؟
الطير لن يغيب
مد النهر لن يخيب
واللحن لن يفارغ الكمنجة
وصدرها الرحيب
كذلك الحبيب
يقوده الحنين
للأرض والبذور
لأول المنازل
وأول الإنبات
وأول الزهور.
*صحافي سوداني

 

آراء