شبكة الصحفيين ولجنة إزالة التمكين: مش كان أحسن يتكلمو بالتلفون

 


 

 

(20 سبتمبر 2020)

عاد الحزب الشيوعي يطالب بتفكيك نظام الإنقاذ واسترداد الأموال المنهوبة من طاقمه. والناس بحاجة لتطمئن أن الحزب يعني ما يقول عن التفكيك في المرة القادمة بعد اسقاط انقلاب 25 أكتوبر. وليطمئن الناس وجب على الحزب أن "يخفس الدرب" أي أن يخلي طرفه من تاريخ قريب كان فيه معولاً لهدم لجنة التمكين المحلولة حذو الثورة المضادة النعل بالنعل. كان الحزب قد قرر اسقاط حكومة الهبوط الناعم. ولا تثريب. واتضح أنه ليس هناك من هو أحرص منه على اسقاط تلك الحكومة فحسب، بل أن سهمه هو الذي يصيب الطريدة أيضاً بينما يطيش سهم غيره. فيرغب المرء لو عاد الحزب إلى مواقفه من أغلى أهداف الثورة في تفكيك التمكين (المساءلة) وفحصها على الملأ ليرى الناس إن كان قاتل لجنة التمكين بشرف أم بما اتفق له من أدب الثورة المضادة. بل ربما أنكى.
وهذه ملاحظات لي منذ عامين عن بيان لشبكة الصحفيين القريبة من الحزب الشيوعي لم يميز ضربه عن ضرب الثورة المضادة فأبعد النجعة في المعارضة: معارضة العوة والحريق.

لم أجد عبارة عبرت عن سقمي من بيانات أطراف الحرية والتغيير المتبرئة من أداء الحكومة الانتقالية مثل ذاك الذي قال في سياق مماثل إن مثل تلك البيانات مجرد تصريحات خلت من الحس بالمأزق.
There are no dilemmas, only declarations.
فتصدر تلك البيانات عن حسصاحبها بالصواب المرعب الذي يهيئ له إن لو كان الأمر بيده لأصلح الأمر إصلاحا. وتُعَمِم هـذه البيانات في تناول قصور الحكومة هرباً من النفاذ إلى التفاصيل التي تقطنها الشياطين، أو المآزق.
فلا أعرف عدد المرات التي قرأت للحزب الشيوعي يشكو من بطء لجنة إزالة التمكين بدون توقف عند ما أنجزت، وما لم تنجز، والعلة فيه. وفي المرة الوحيدة التي فعلها صوب الحزب نيران مدفعيته الثقيلة للجنة لخرقها حرية التعبير بوضع يدها على جريدة "السوداني". وبدا لي الحزب هناك محرشاً من شبكة الصحفيين التي تأثر صحفيون منها بإيقاف الجريدة، أو أنها جاملت آخرين طال التوقف معاشهم. ولم تتأخر الشبكة فأصدرت بيانها الخاص عن إيقاف السوداني لم يخرج عن منطوق بيان الشيوعيين. وتواضعت الأطراف في الحرية والتغيير، والحال يغني عن السؤال، على أن الحل المتنظر لمأزق الانتقالية والثورة في "فتح" مصفوفة شافية في تاريخ لا مقطوع ولا معلوم. وستظل التصريحات ديدنهم حتى يلقوا الأزمة ذات مصفوفة.
وجدت بيان شبكة الصحفيين الأخير حول قناة الشروق حالة متأخرة جداً من جائحة التصريحات بدلاً عن الاشتباك مع المأزق. وجاء البيان محتجاً على إعفاء لجنة التمكين للأستاذ الشفيع الضو من قيادة قناة الشروق التي كانت اللجنة وضعت يدها عليها. والشفيع مستحق الدفاع عنه في كل منعطف. ولكن ما أزعجني في بيان الشبكة أنهم اكتفوا برواية الشفيع للواقعة. ولم يستحثهم حسهم الثوري في التعامل مع لجنة هي في خشم الثورة المضادة، ولا ميثاقهم الصحفي المهني، من سؤال اللجنة عما فعلت. ولا أقول بهذا لأن اللجنة كانت ستأتي بالقول الفصل. فقد أخذت أنا نفسي عليها أشياء كثيرة في أدائها. وما يلزم الشبكة باستيضاح اللجنة عن موقفها من الشفيع هو تكريم القارئ الذي خاطبه البيان برواية الطرف الآخر من الحادثة ليحكم على بينة.
أما بيان الشبكة نفسه فكئيب. غلب طبع التصريح فيه على طبع الاشتباك مع المأزق بكثافة. وتطابق في أكثر مواضعه مع نقد الثورة المضادة للجنة إزالة التمكين حذوك النعل بالنعل.
بدأ البيان ب"ندين". وهو يدين الطريقة والأسلوب الهمجيين للجنة إزالة التمكين كأن "أساليب" وحدها لا تغني مغنى "طريقه" والعكس. ولم يجدوا ما يعودون بذهنهم إليه من أجل المقارنة بطريقة وأسلوب اللجنة إلا أساليب وطرق السلطة الفاشية أي الإنقاذ. وتساءل البيان عن احتفاظ لجنة التمكين بالمؤسسات التي تضع يدها عليها مثل قناة الشروق "بدون مسوغ أو مبرر" كأن الواحدة لا تغني عن الأخرى. ولم تطرأ لشبكة الصحفيين أن تسأل اللجنة هـذا السؤال غير الملغز كما ينبغي لصحفي. و"نسنس" البيان بالمشي بالفرقة بين اللجنة ووزارة المالية. فقال إن وزارة المالية نفسها شاكية من مثل تسلط اللجنة على ما تضع يدها عليه. فهي لا تسلم الأموال المصادرة لها. وهذا موقف فاسد في قول البيان. بينما المعلوم أن اللجنة هي التي شكت من تباطؤ المالية في تسلم ما تسترده من أموال الشعب.
وأكثر ما أزعجني أن تتردد في بيان الشبكة أصداء من غل الثورة المضادة على اللجنة. فتطابق البيان مع خصوم الثورة في "انزعاجهم" من أن اللجنة في طريقها أن تصبح إمبراطورية يتسلل الفساد إليها. واحتج بيان الصحفيين على اللجنة لأنها في طريقها لاستغلال السلطات الواسعة التي منحت لها لفرض تمكين جديد. وكأن اللجنة تنقل هنا من دفتر الثورة المضادة بالضبانة.
ما ضر لو اتصلت شبكة الصحفيين بلجنة إزالة التمكين واستوضحتها الموقف برمته بل راجعتها فيه بروح الزمالة في ثورة هي في "أمر ضيق". لماذا هـذه العوة بين أطراف في الثورة حول مسألة لم يستكمل الطرفان التداول فيها سباقاً إلى إطلاق التصريحات ومراكمة الضوضاء؟
تذكرني عوة شبكة الصحفيين قبل استنفاد طرق إذا بليتم فاستتروا بفكاهة مروية عن جمال محمد أحمد. قيل إنه كان بمكتبه بوزارة الخارجية فسمع صوتاً عالياً يصدر من أحد المكاتب. فسأل عن مصدره. فقيل له إنه صادر عن مكتب السفير الحضري يحادث أهله في مدني. فقال رحمه الله:
-مش كان أحسن يتكلم معاهم بالتلفون.

IbrahimA@missouri.edu

 

آراء