شروط حكومة خلاص وطني في السودان وحظوظها وهذا مبلغ مطمحنا من الكلمة والصرخة والدموع 

 


 

 

بــهدوووء_

حكومة "خلاص وطني" في السودان جملة وافدة من الشرق العربي، فبعد أن استوردنا الانقلاب (لفظا وفعلا) ها نحن نلقي في الساحة بلفظ الخلاص الوطني. لقد كنا نتمنى الخلاص فقط للنفساء حتى يخلص وحلها (أي تلد)، وها قد وصلنا إلى تمني خلاص وحل البلدة عساها تلد ديمقراطية لا ينقلب عليها كل طائش وكل مغامر.

ألقى الكثيرون الجملة بعد طول تدبر. المنتظر أو المؤمل أن تكون حكومة خلاص وطني لا تأتي بها دبابة لتسيطر على الحكم من دبابة سبقتها، لكن هل ستمتلك هذه الحكومة أسباب بقاء ونجاح؟ نناقش إمكانيات بقاء حكومة مدنية تحاول إنقاذ بلد من انقلاب مسلح بأدوات الدولة العميقة و العنيفة، وهي سابقة في تاريخ الحكومات والانقلابات.

مستقبلا ولنفترض عندما يعقد البرلمان جلسته (الأولى) ويصدر القانون رقم(1)  لسنة 2022 ويسقط به مراسيم الانقلاب، حتما سيظهر المنقلب ردا عنيفا ويحرك آلة القضاء المطيعة له ليتهم النواب بجرم يؤدي إلى المشنقة. والمؤكد أن إعلان حكومة خلاص (أو إنقاذ) ستكون بمثابة إعلان حرب على المنقلب وحكومته التي عينها بالمراسيم التي جاءت بعد انقلاب (الربو).

نتوقع أنه ستكون مطاردة قضائية لأعضاء الحكومة، وستكون محاكمات تجمع (الوزراء) مع محاكمة النواب، بحيث ستكون القيادة كلها أمام المحاكم، فهل يملك المنقلب قوة كافية لمواجهة معارضة نظمت نفسها ووضعت خطتها لتجاوزه؟

سؤالي عن قوة المنقلب ناتج عن آخر تتبع للآراء من مؤسسات لا تجامل الرئيس الجنرال الحاكم بسطوة السلاح فتعطيه أقل من واحد في المائة كنسبة رضا شعبي عن حكمه الانقلابي. المنقلب بعد شهور سبعة من الفشل المتكرر في إدارة البلد مختلف عن وضعه يوم 25 اكتوبر، فحتى الإعلام والحركات المسلحة التي روجت لحركته ووصفتها بالتصحيحية تراجعت عن ذلك وبدأت تعلن موقفا متراجعا و خائفا ليس على بنيان الدولة والجمهورية التي تحتاج في بنائها لكثير من الجهد والأمل ولكن خشية السقوط معه لذلك تبدلت المواقف كثيرا بخبث الغرض منه القفز من السفينة الغارقة لا محالة وحجز مقعد في اي مشهد سياسي مستقبلي.

 المنقلب يتراجع والمعارضة تتقدم في المجالات السياسية التي حاول إغلاقها، ولذلك فإن ردود الفعل ستكون عدوانية وسيزيد في عدوانيتها أن الأجهزة التي سايرته وحمت انقلابه سترى نفسها في وارد السقوط معه، لذلك ستدفعه إلى المزيد من القمع لأن ذلك هو منفذها الوحيد من محاسبة قاسية. هل ستكون حكومة شهداء؟ هي مغامرة نعم، لكن هناك محاذير تخفض سقف التوقعات.


فرصة أخيرة لا تسمح بخطأ آخر

إعلان (حكومة خلاص) سيكون من وجهة نظر علوم السياسة حركة مدنية تنهي انقلابا وتشكل سابقة في تاريخ النضال السياسي المدني، ومن وجهة نظر الشارع المعارض للانقلاب خطوة كبيرة إلى الأمام، إنها حركة تجاوز نحو إنهاء الانقلاب لذلك لن يكون مسموحا لهذه الحكومة بأي خطأ ينقض غزلها.

إعلان الحكومة حركة حاسمة ضد الانقلاب ليس بعدها تراجع أو اعتذار أو فتح حوارات جانبية أو تفاوض، إنها حكومة قطيعة ولها ثمن باهظ كما سلف، حكومة لا حق لها في الخطأ.

من الأخطاء الخطيرة بناء الحكومة على توليفة حزبية أو محاصصة تنشغل بإرضاء جميع فصائل المعارضة المتجمعة الآن تحت عناوين متوافقة إلى حد ما تقريبا على إسقاط الانقلاب، لكن نواياها تجاه بعضها البعض غير جلية (معاينتنا لواقع القوى المعارضة يخفف من درجة تفاؤلنا بتوافق نضالي صادق، فنحن إزاء إخوة أعداء داخل غلاف ديمقراطي). لقد فشلت حكومة الثورة لأنها حرصت على إرضاء الجميع فلم تُرض أحدا، وقد خربت الحكومة من داخلها لأن الشركاء كانوا يرغبون في أدوار أكبر من أحجامهم على الأرض.

من الأخطاء المحتملة إعلان حكومة دون إعلان برنامج إنقاذ اقتصادي واجتماعي. لقد خلق الإعلام المعادي للثورة وللديمقراطية حالة نفور من الطبقة السياسية التي حكمت بعد الثورة(إعلام الدولة العميقة)، وكثير من وجوه هذه المرحلة لا تزال فاعلة في المشهد المعارض بل هنالك تسريبات تقول إن منها ستنبثق فكرة حكومة الخلاص، ولذلك فإن الاستقبال الشعبي لها لن يكون بالورود. ولهذا فهي مجبرة على إبراز برنامج إنقاذ حقيقي لا يقف عند السياسي، بل يتعداه وجوبا إلى إنقاذ اقتصادي سريع يطلق حركة نمو وتنمية اجتماعية تشغل الناس بما هو مهم، وتخرجهم من حالة البؤس التي دفعهم إليها الإعلام وأغرقهم فيها الانقلاب حتى أفقدهم كل أمل من السياسة.

إننا نرى إعلان البرنامج أكثر أهمية من إعلان الحكومة، وحوله يمكن تجميع عدد كبير من الناس ممن يرجون الخلاص الاقتصادي قبل الخلاص السياسي، بحيث تكون الحكومة أداة تنفيذ برنامج مقبول شعبيا بعد أن يخضع لتداول شعبي على نطاق واسع. وسيكون من المفيد لنجاح الحكومة (ولو بقيت حكومة افتراضية لمرحلة معينة) أن يسبقها إعلان خطة إنقاذ اقتصادي.


حوار الصراحة أو الصمت

الجهة التي أعلنت عن حكومة الخلاص الوطني قالت إن حوارا سيجري بين مكونات المعارضة الديمقراطية وفيه يعلن البرنامج ومنه تنبثق الحكومة. وهذه خطة سليمة (ولو أن الانقلاب سيمنع كل حركة تؤدي إلى الحوار). لذلك فإننا نكتب منبهين إلى أهمية خطة الإنقاذ الاقتصادي لتكون عنصر جذب لفئات واسعة تنتظر اتضاح الرؤية لما بعد الانقلاب.

هل يكون حوار الصراحة والصدق لتجاوز كل المخاتلة والنفاق الذي طبع تفاهمات كثيرة أفضت إلى فشل الحكم بعد الثورة؟ نتابع على سبيل المثال مناورات كثيرة لتقديم السيد عبدالله حمدوك بصورة المنقذ، لكن لم نتلق أية تطمينات على أن لا يحدث معه كما حدث من قبل وأن يسير فعلا في خطة إنقاذ وطني، وليس فقط الترتيب لاستقرار سياسي مريح يرضي غرور البعض ويفخر به تاريخه السياسي فحسب.

ترى هل تصارح قوى الحرية والتغيير   بقية الشركاء من القوى الثورية الأخرى والشعب السوداني عموما بنواياهم السياسية بعد سقوط الانقلاب وتكشف التلاعب في التمكين الذي مورس خلال الفترة الانتقالية السابقة ؟

إذا كشف الحوار الوطني هذه النوايا فإن التقدم على طريق الديمقراطية يكون قد انطلق، وما الانقلاب إلا قوس يغلق بقليل من الصبر وسيكون لحكومة الخلاص الوطني جمهورها وبرنامجها وخطتها النضالية والتنموية

حتى ذلك الحوار نحن في وضع المراقب الحذر، فقد سبق للنخب أن خدعتنا بطيبتنا وقد أخسرتنا الكثير، وكثير من خسارتنا يحملها من جلس وفاوض على كاهله، ولكن لننظف الطاولة أولاً  ..

وقلبل اي حوار هنا تتجمع عندي أهم الأسباب للحذر من أفق ديمقراطي مصاب بفيروس الزعامات الطارئة والزعامات المستنفدة والشخصيات السفيهة. إني لا أملك هنا مقياسا للنضالية وللثورية ولكن استصحاب التجربة السابقة بكل فشلها ومراراتها جديرة بالقراءة المعمقة قبل البدء في حوار يفضي إلى بناء تشكيل حكومي و برلمان يروج للمستقبل مع الجراثيم السياسية في بلادنا.

عند الحديث عن أخطاء السنوات الماضية (برغبة التجاوز) أضع خطأ التسليم بنضالية الأفراد كخطأ مركزي دمر الثورة والانتقال الديمقراطي كما أعتبر أن الاعتماد على الزعامات التي تتفضل علي الجمهور بتاريخها خطأ كبير. يتجاهل الدور السلبي الذي لعبته هذه القيادات في تخريب الثورة. خاصة أن أي من هؤلاء لم يتوجه للشعب السوداني بنقد ذاتي واعتذار فصيح عن دوره ولا يزال يبرر أنه كان في الموقع السليم دوما.

من أين سنأتي بقيادات جديدة؟ هذا سؤال عاجز وغير واثق من نفسه. القيادات ظاهرة في الصورة وهي تقود الشارع فعلا وتأثيرها بين وجلي لكن حديث الزعامات يصغرها ليجد مكانا فوق رؤوسها. وهي من فرط استصغار نفسها تسلم له بهذا الدور. وإن فعلت ستكون ما هي إلا بيدق بيد منظومة الفساد والاستبداد.

ما بعد الانقلاب يصير يقينا ويقترب لكن البناء بعده يقتضي غربلة حقيقية لأخطاء من حكم قبله وقبل الثورة ومن تزعم على الفراغات الكبيرة ومن يتربص بكل مغنم ممكن. لهذا نتفاءل ولكن نغلب الحذر من موقع المواطن الذي لا يريد منح فرصة مرة ثانية بخديعة لن تختلف عن خطيئة (التطبيع خيانة عظمى). سنسير معكم بوعي تام ضد الانقلاب ولكن لن نسمح بسرقة إيماننا مقابل مغانمكم. من أنتم؟ نحن من سنحرس ثورتنا و حقوقنا وحقوق اجيالينا القادمة من كل زيف. وهذا مبلغ مطمحنا من الكلمة والصرخة والدموع.

أخــر الـهدوووء:-

- ما يتوجب علي قوي الثورة الانتباه له هو محاولة تكرار سيناريو الحادي عشر من ابريل 2019م بازاحة البرهان وطاقمه اما بالكامل او من واجهة هياكل السلطة والدفع بوجوه اخرى تعمل علي إعادة انتاج الشراكة بصورة جديدة بما يضمن الحفاظ علي المصالح الاقتصادية لهذا التحالف ومن هم خلفه من دول الاقليم، واكثرما اخشاه هو انقسام الشارع في حاله تنفيذ هذا السيناريو بما يفتح الطريق امام القوي السياسية الداعمة للتسوية للانخراط في تفاوض مضر يفضي إلى اعادة انتاج هذه الشراكة.

- تاريخيا ، تنتهي نظم الانقلابات العسكرية بأحد طريقين : هزيمة عسكرية فادحة ، أو انهيار اقتصادي ، في السودان نقترب من السيناريو الثاني ، بدأ العد التنازلي ، هي مسألة وقت ، لكن المسار حتمي ، وسيتعين على الجيش وقتها تقديم اعتذار صريح للشعب ، والتعهد ـ علنا بعدم خروجه من ثكناته مرة أخرى.

- عاطفة وحنان يا ناس .. يمتاز بالوفاء والاحترام الشديد لزملائه الفنانين اللذين سبقوه في المجال الفني وفي ذلك يقول إذا قارنا أداءنا بما قدمه كبار الفنانين فنحن لانزال نحبو في ظلهم الوارف ونتنفس ألحانهم أمثال ابوداؤود وعثمان الشفيع وعثمان حسين ونحن لازلنا صفرا على الشمال مقارنة بإنتاجهم الكبير وهم رحلوا بأجسادهم ولكنهم خالدين بيننا بابداعاتهم ). ذلك الحديث الطيب يدل على أصـالة وتواضع ووفاء الفنان الإنسان محمد ميرغني .. وهذا ماسطره يراع الفنان محمد ميرغني في ذكرى الراحل المقيم احمد المصطفى

في جريدة الصحافة في تاريخ 26/10/2000 م


mido34067@gmail.com

 

آراء