شعار السياحة: الاستثمار في المصائب

 


 

 


كيف لا

طرحت وزارة السياحة برنامجاً من المفترض أن يشجّع على اتخاذ السودان وجهة للسياحة وذلك تحت شعار "إجازتي سودانية"، مؤقتةً بذلك مع إجازة الصيف وعطلات المدارس. وفي إعلانه عن هذا المشروع حدّد وكيل وزارة السياحة د. علي محجوب ولايات معينة هي  : البحر الأحمر، كسلا، الجزيرة، نهر النيل، الشمالية، جنوب دارفور وشمال كردفان . وبالرغم من أنّ ولايتي البحر الأحمر وكسلا شهدتا فعاليات سياحية العام الماضي ، إلا أنّه لم يكن نجاحاً بمقاييس السياحة الأولية ، فما تسميه الوزارة سياحة انحصر في إقامة الحفلات التجارية المنقولة عبر الفضائيات السودانية من على خشبة مسرح الثغر ببورتسودان . وما تراه الوزارة انتعاشاً لقطاع السياحة في الولايتين انحصر في عائدات خطوط الطيران وشركات تفويج السياح والإقامة في الفنادق. ولمزيد من الشفافية نتمنى أن تجيب الوزارة عن استفاهمين هما :هل ساهمت هذه العائدات في ترقية الخدمات السياحية في المنطقة ؟ وهل يجروء أحد على تكرار التجربة خاصة الذين هرولوا بعد إصابتهم بحمى الإعلانات؟
في الواقع أنّ منطقة شرق السودان، تاريخياً وجغرافياً وبوصفها منفذ استراتيجي هام بالنسبة للسودان ولدول الجوار، فقد فرضت نفسها على الواقع السياحي ولم تكن تحتاج من الوزارة لأكثر من تنميتها. وتماثلها في الحاجة إلى التنمية أوّلاً ، ولايات الجزيرة ونهر النيل والشمالية وهي الولايات التي حددتها وزارة السياحة كقبلة سياحية قبل التفكير في تنمية إنسانها ثم تهيئة البيئة المساعدة على تنشيط السياحة فيها.
أما ولاية شمال كردفان فقد أصبحت بسبب العجز في تأمينها ، معبراً للحركات المسلّحة من جنوب كردفان وإلى دارفور. وبالرغم من أنّ طبيعة المنطقة الصحراوية المكشوفة لا تصلح للمعارك إلّا أنّ المناوشات قائمة وأعمال السلب والنهب وترويع المواطنين أصبح المسلسل المنتقل بالعدوى إلى هذه الولاية فهل يذهب السيّاح لسد الثغرات الأمنية هناك.
أمّا حديث السياحة في ولاية جنوب دارفور فهذا حديث آخر يلقي في جوف السامع تساؤلات أكثر منها إجابات وحقائق. هل يدعو وكيل وزارة السياحة لسياحة في ولاية أقلّ ما يسمعه عنها السائح أنها (ولاية أرهقتها التفلتات الأمنية) كما يجيء في التقارير الإخبارية . أو ليست هي الولاية التي أعلن واليها عن حالة الإستنفار القصوى وتكوين كتائب الفوج ولواءات الردع لمواجهة متمردي الحركات المسلحة؟
ولمزيد من التزييف فقد تم في ذات الولاية المنكوبة بحاكميها كما بمتمرديها قبل أسبوع افتتاح المعرض التجاري الاستثماري . وافتتح المعرض  ممثّل النائب الأول لرئيس الجمهورية والوزير بالمجلس الأعلى للاستثمار، د. مصطفى عثمان إسماعيل، رجل المفارقات ، الذي يوجد أينما توجد المتناقضات يسدّ نيابة وأصالة عن الحكومة . أمّا الرسالة المزيفة التي حمّلتها الحكومة لأكثر من 96 شركة فمفادها أنّ الولاية مستقرّة ولا تهتم بالفرقعات الإعلامية حولها . هذا الحدث وغيره يثير السؤال الجدلي : هل البيضة أولاً أم الدجاجة ، وعلى ذات النسق فهل الاستثمار والتنمية أولاً أم تحقيق السلام؟ وإذا كان هذا النشاط والهمّة الاستثمارية لا تستطيع الصبر حتى مجيء السلام، فلما لا يتم الاستفادة منها في ولايات لا توجد فيها حرب ولكنها لا تنعم بالسلام الاقتصادي والاجتماعي الذي ينتظر هو بدوره قطار التنمية الذي يمكن أن يأتي أو لا يأتي . ولكن لِمَ الاستغراب وهذا النهج ليس بغريبٍ على حكومة الإنقاذ التي ما فتئت تستثمر في كل شيء .. حتى في المصائب .
(صحيفة الخرطوم)


moaney [moaney15@yahoo.com]

 

آراء