شــنـــودة .. لـــمـــن ؟

 


 

 

ahmadalkhamisi2012@gmail.com
في 2008 كتبت قصة بعنوان" الباب المغلق" عن طفلة يتيمة تتبناها أسرة مسيحية فيتم انتزاع الطفلة من الأسرة لأسباب دينية، والمعروف أن الخيالات الأدبية لا تنقلب إلى حقائق في الواقع، لكن ذلك ما حدث في فقد تحولت القصة المؤلفة إلى حقيقة مع أخبار الطفل شنودة الذي عثرت عليه أسرة مسيحية لا تنجب في حمام كنيسة وعمره أيام، وقامت بتربيته أربع سنوات، إلى أن تقدمت قريبة الزوج حرصا على الميراث ببلاغ تطعن في تبني الطفل فانتزعته السلطات من الزوجين وأودعته دار أيتام واعتبرته مسلما فغيرت اسمه من" شنودة " إلى يوسف. ورفع الأبوان دعوى هي الأولى من نوعها ضد وزارة التضامن الاجتماعي، يلتمسان فيها تسليم الصغير إليهما ووقف تغيير ديانته، فقد عثرا عليه في كنيسة وهناك شهود من المسلمين والمسيحيين على ذلك. وقد ودع الطفل أباه لحظة انتزعوه من البيت قائلا :"ماتزعلش ماما في حاجة.. ماما بتحبك"، بينما أعرب أبوه عن استعداده وزوجته للعمل خادمين في دار الرعاية فقط ليظلا بجوار شنودة. إلى هذا الحد يصل بنا الألم من حكاية تمزيق المحبة والأسرة لمصلحة القانون، بينما المفترض أن يخدم القانون الإنسان لا أن يجرده مما لديه.
وتطرح تلك الواقعة مشكلة تحديد ديانة مجهولي النسب، كما في حالة شنودة، إذ يستند قانون التبني في مصر إلى الشريعة الاسلامية التي تعتبر أن فاقد الأهلية كالأطفال مسلم بالفطرة، وتطرح الواقعة ضرورة تعديل التشريعات، والاسراع بتسليم الطفل شنودة إلى أبويه اللذين قاما بتربيته ورعايته أربع سنوات، فأمسى قطعة منهما كما أنهما قطعة منه. مأساة التفرقة بين الوالدين والطفل تستدعي إلى الذهن مسرحية بريخت " دائرة الطباشير القوقازية" التي عرضت لأول مرة عام 1948، وفيها ملكة تتخلى عن طفلها خلال هروبها من تمرد سياسي، فترعاه الخادمة وتقوم على تربيته سنوات طوال، وتعود الملكة مع استقرار الأوضاع وتطالب بالطفل، لكن الخادمة تتمسك به، ويحتار القاضي أيهما أم الطفل؟ هل هي تلك التي أنجبته؟ أم التي تعبت عليه؟ فيرسم دائرة ويضع بداخلها الطفل ويطلب من الملكة والخادمة أن يجذباه لخارج الدائرة. تنجح الملكة في انتزاعه لأن الخادمة من حبها للصغير أشفقت عليه من عنف التجاذب فتركته، وهنا يحكم القاضي لمصلحتها، لأن الأم الحقيقية حسب فكرة الكاتب قد لا تكون من أنجبت لكن من تعبت وربت وسهرت. وقد فعل والدا شنودة بالتبني كل ذلك فهما والداه وليست دور الرعاية الحكومية.
لقد تحولت قصة" الباب المغلق" وهي من خيالي إلى حقيقة مؤلمة في حكاية شنودة. وأذكر أن الشاعر الكبير أحمد حجازي تناول تلك القصة في جريدة الأهرام في مقال خاص بعنوان" الباب لايزال مغلقا" في 15 يناير 2014، وقال فيه إن:" حياتنا المشتركة التي بدأناها معا قبل عشرة آلاف عام فوق هذه الأرض وعلي ضفتي هذا النهر وتحت هذه السماء, قبل أن نكون مسلمين وقبل أن نكون مسيحيين هي الأصل, هل نضحي بهذه الحياة المشتركة لأننا أصبحنا ندين بدينين مختلفين؟.. إنني أدعوكم ليس فقط لنقرأها معا, بل لنتقدم نحو هذا الباب المغلق حتي نفتحه". نحن في أمس الحاجة إلى تغيير التشريعات التي تتعلق بالتمييز، وأن نتصدى لكل أشكاله في الجامعات ونوادي كرة القدم وغيرها، وأن نكرس الشعور بالوحدة ، وبأن الدين لله والوطن للجميع، وحينئذ سيكون شنودة لمصر كلها.. تتقدم به، وبأخوته، وبنا ، وتنجح، وتنتصر.
***
د. أحمد الخميسي. قاص وكاتب صحفي مصري
/////////////////////////

 

آراء