شوقى أنا للبلد بى حالا والشوق لى تراب أهلى …. بقلم: احلام اسماعيل حسن

 


 

 

 

(4)

________________________________________

نحن الآن نستعد لمغادرة عطبرة وهاهى القطارات القادمة من جهات مختلفة يتم وضعها فى مساراتها وترتيب عربات القطار فيفصلوا عربتين من قطار بورتسودان ليضموهما إلى قطار كريمه ويضموا بعض عربات البضاعة لقطار آخر ....

لابد لى قبل أن أغادر عطبرة أن ألقى عليها بعض الضوء كيف لا وهى عاصمة الحديد والنار وبها أقوى نقابة ( نقابة السكه حديد) التى كانت من أقوى النقابات فى إفريقيا وربما فى العالم ، لقد كانت تمثل بوصلة لإصدار قرارات الحكومات التى تحسب لها ألف حساب ، فكانت لهم الكلمة العليا لأنهم يمثلون عصب الحياة فى السودان وأن توقفها عن العمل ولو ليوم واحد يؤثر سلباً على البلاد .... عطبرة هى سودان مصغر تجتمع فيها كل قبائل السودان بمختلف ثقافاتهم ولهجاتهم وألوانهم السياسية ... كانت فى عطبرة نهضة أدبية وفنية ورياضية أثرت العاصمة بالكثير منها ... وكأن عطبرة تريدنا أن لانمر عليها مرور الكرام فاستضافتنا ثلاثة ليال لتعطل قطارنا بها وحدوث بعض الإصابات بين الركاب ... كانت مجموعتنا تتلذذ بهذا التواجد العطبراوى وحكى لنا بعض ممن إلتقيناهم من كبار السن عن عهد تاريخ عطبرة ومكانتها بكل نواحى الحياة المختلفة ... مما أذكر من الطرائف التى صادفتنا فى عطبرة أننا رغبة منا فى توثيق رحلتنا كان أخى وليد يحمل كمرة ليلتقط لنا بها بعض الصور التذكارية وكان الفيلم الذى بها قد خلص فأخرجه أخى وحفظه داخل حقيبة كان يحملها ولم يخبرنا بذلك حتى لا يفسد فرحتنا بجلساتنا وبسماتنا التى نرسمها خصيصاً لأخذ الصور واصل وليد إلتقاط الصور بدون فيلم وكان نور الفلاش يوهمنا أن اللقطة قد أُخذت ... ونحن فى غمرة فرحتنا تلك إذا بأحد المسافرين يختلق مشكلة بحجة أن وليد قد أخذ صورة لزوجته وتطور الأمر إلى أن وصل لمركز البوليس وذهب وليد مع مجموعة من أصحابه للتحقيق عندها أطلق القطار صفارته الأولى معلناً عن إستعداده للرحيل فأسرعنا إلى سائق القطار وأخبرناه أن هنالك ركاب فى قسم البوليس وذهب جزء منا إلى ناظر المحطة كذلك وطلبنا منه أن يساعدنا فى حل المشكلة وإذا بأخى يفاجىء الجميع أن الكمرة لا يوجد بها فيلم اصلاً عندها لم يجد الشاكى مخرجاً غير التنازل عن شكوته وعاد الجميع ليلحقوا بالقطار الذى بدأ تحركه متثاقلا وكأن تثاقله هذا قد إنتقل لركابه المنهكين فبدأ التعب واضحاً عليهم فتمايلوا مع حركة القطار كصبى فى حجر أمه تؤرجحه إستجداءاً للنوم ... بدأت شلتنا فى التجمع محاولين كسر هذه الرتابة ... كان هنالك شاب وشابه ضمن ركاب الدرجة الأولى إستهواهم تجمعنا هذا فتنازلوا عن درجتهم لينضموا إلينا ولعلهم وجدوا فى هذا المناخ الشبابى مجالاً أوسع لممارسة بعض عشق يحملانه ضاقت به الدرجة الأولى ووسعته الدرجة الثالثة وهذه المجموعة الشبابية فانفرجت أساريرهم وجلسوا قبالة بعضهما البعض يسترقون النظرات لنا خيفة أن نكون نراقبهم فلما إطمأنوا لنا سرحوا فى عالمهم الرومانسى بإيماءات وحركات كانت تـُعد تفسخاً فى ذلك الزمان وأخشى إن بينتها لكم لوجدتم ما كان يعد تفسخاً فى ذلك الزمن لايرقى لتسميته عشقاً فى هذا الزمن العجيب ... الذى أباح دم الحب فصار يــُذبح الحب نهاراً جهاراً على المسطحات الخضراء جوار الجامعات وفى الحدائق العامه حتى فقد نكهته و حلاوته وأغتيل العشق الجميل مع كثير من جماليات ذهبت من غير رجعة ... لكن لكل زمن لغة تناسبه ، عندما إسترخى المسافرون وغشاهم النعاس فاض العشق بالحبيبين وكأنما ضاق المكان به فأخرجا رأسيهما بنافذة عربة القطار لينشرا عشقهما مع هواء بارد يسرى خارج عربة القطار فاختلط الهوى بالهواء ... كنت أتابع ما يحدث واستعجب لهما وأتظاهر بالنوم حتى لا أقطع حبل تواصلهما فأفقد شريطاً أستعرضه أمامى لأضيفه ذكرى ضمن ذكريات رحلة الشمال الحبيب ...

أجبر الإرهاق أفراد مجموعتنا من الغناء الجماعى الذى كنا نستمتع به فى بداية الرحلة ... فى ذلك الوقت مر بى مسلسل كان يقدم من خلال الإذاعة إسمه قطار الهم تصحبه مقدمة تقول:

 

 

 

 

قطر ماشي

 

وعمي الزين وكيل سنطور

 

وزي ما الدنيا سكة طويلة

 

مرة تعدي

 

ومرة تهدي

 

ومرة تدووور

وعمي الزين وكيل سنطور

عمي الزين محكر في قطار الهم

يشرّق يوم

يغرّب يوم

شههووور ودهووور

وهنا يدخل الراحل العظيم حسن عبد المجيد(عمي الزين):

أيههه

حفظنا السكة

محطة محطة

جبل موية

جبل رويان

جبل عطشان

ود الحوري

ود النيّل

ود سجمان

وحتي الناظر

وجرسو النايم

ولون المكتب

وعفش الناس

الماشي يناهد بالكيمان

 

 

مجرد خربشات على جدار ذكرى زمن جميل مخضر له لون الطيف وحلاوة الدفيق

 

بالمحبة نتواصل ونواصل

__________________

 

AHLAM HASSAN [ahlamhassan@live.ca]

 

آراء