شوقي بدري وبلة عبدالله – صديقي غاندي والوفاء الباذخ

 


 

 

 

(1)

كلما أردت اختبار حجم الوفاء الذي بدواخلي اعدت قراءة ما كتبه الموسوعة الوطنية الدكتور شوقي بدري عن توأم روحه ( كما يسميه هو) و الراحل بلة عبدالله احمد ، الامدرماني المنحدر من جبال النوبة و جنوب السودان.
و بلة عليه رحمة الله لم يكن بروفيسوراً او وزيراً أو تاجراً ثرياً بل كان رجلاً عادياً بسيطاً لكنه كان بحراً من الخير و جميل الخصال كما أخبرنا به صديقه الذي يحمل شهادات ما فوق الدكتوراة و هنا يكمن النبل و الإنسانية الخالصة من لدن العلامة شوقي بدري.
و صاحب كتاب (حكاوي أم درمان) لا يعلمنا الشجاعة والصدق والنقاء فحسب بل يعلمنا البذخ في الوفاء؛ يتجلى ذلك في كل حرف كتبه في حق صديقه بلة وأسرته الامدرمانية النوبية الدينكاوية الممتدة.


(٢)
نحن الذين مازلنا في أحضان الغربة ؛ فإن أي اتصال مصدره الوطن يعني كم من الشجون واستدعاء للدموع .
إتصل بي صديقي غاندي معتصم ، الشاب الإسلامي الذي حاول إغلاق مجاري فساد كبار رجال الإنقاذ براحة يده، فجرفه السيل ،فكان أول ضحايا الفاسد عوض أحمد الجاز.
كعادته حدثني عن هموم الوطن و انسانه و عن إيمانه بتعافى حال البلاد والعباد.
قلت له ممازحاً (و جاداً ايضاً): كنتم معارضين عند النظام السابق و الان فلول بنظر حكومة الثورة؛ ضحك الرجل !!


(٣)
كتبتُ عن غاندي أكثر من مرة عندما أبعده ثم اعتقله النظام الذي ينتمي إليه بسبب مناهضته لفساد الكبار .
في واحدة منها و كان ذلك في 2013 كتبت الرد التالي على من أوعز إليه من قبل دوائر الدكتور عوض الجاز لتشويه صورة غاندي : (( قرأت ما تفضلت به عن الفساد في شركة أساور المملوكة لنظام الفصل العنصري في الخرطوم و علاقة مديرها التنفيذي الباشمهندس غاندي معتصم ؛
اخي الكريم انا ادعي بأنني واحد من الذين يبغضون هذا النظام و أهله بغضا ليس من بعده شيء.
الا أن الأخ غاندي رجل من معدن آخر .
الخيانة عنده تحت الصفر و كذا العنصرية . لقد حاربه اللص الكبير عوض احمد الجاز و الكثيرون من أقطاب النظام الفاسد لكنه لم يساوم و لم يتراجع , حاربوه لأنه نقي و لأنه لا يشبههم .
للرجل قصص مع كل رؤوس الفساد في السودان من عبدالله حسن احمد البشير الي اصغر فاسد نافذ.
أقول ذلك و انا شخص محروم من دخول السودان – ما مر على الدولة السودانية مسئول يفوق نقاء و اخلاص غاندي معتصم.
سيأتي اليوم الذي يكتب عنه الكثير .
ببساطة فهو إنسان استثنائي و من كوكب غير كوكب الجبهة الاسلامية .
لو لم يكن غاندي لأصبح اليوم من أثرى أثرياء افريقيا و ليس السودان فحسب .
ربما تسألني لماذا ترك في موقعه لكل هذه الفترة ليعمل في وسط ذئاب المؤتمر الوطني – ببساطة لأنه ناجح و يصنع النجاح و يدهشهم بنجاحه .
معاناة غاندي مع كبار المؤتمر الوطني عندما رفض توظيف الناس على الأساس القبلي و الجهوي و السياسي كانت لا توصف .
اغتنم الكثير من أبناء الهامش السوداني للعمل معه على أسس الكفاءة رغم رفض الفاشي عوض الجاز و غيره من مرضى الإنقاذ. غاندي لا يهمه من اي الأقاليم او القبائل او الأحزاب انت ، بل يهمه كفاءتك و اخلاصك. سيحاربونه و يلطخون سمعته الحسنة لبعض الحين و لكن العاقبة للمتقين.
في الأصل لا يوجد نظام عدلي في السودان حتى أتوقع انصاف غاندي لكن من المؤكد ان غاندي و رفاقه سينتصرون عندما ينتصر الشعب السوداني على نظام اللصوص القتلة)). إنتهى الإقتباس


(٤)
قبل الانقطاع الذي تجاوز العام كان كثيراً في نقاشاتنا ما يدافع الاخ غاندي عن الشباب الإسلاميين داخل مؤسسات المنظومة الحاكمة آنذاك. و كيف أن بعض رؤوس الفساد و الإفساد اعتمدوا على بعض الانتهازيين و المتسلقين لنهب اموال الشعب.
وحدثني عن السيد عوض أحمد الجاز كنموذج فساد مكتمل الأركان، كيف كان يبعد الشباب الإسلاميين من حوله و يأتي بمن يثق بهم من الانتهازيين خوف ان يتواصل الشباب الإسلاميون مع القيادات الاعلى منه من الناحية التنظيمية ؛ في مقدمتهم مرشدهم الراحل ( الإمام) حسن الترابي عليه رحمة الله. (و لفظ الإمام هذا من عندي و اعني به حسن الترابي المفكر المجدد و ليس حسن الترابي السياسي الذي تخرج على يديه لصوص و كذابون و قتلة و الذين مارسوا كل الموبقات بحق السودانيين).


(٥)
بأسف لا يخلو من الحزن قال لي غاندي : " من الطبيعي أن تعمل حكومة الثورة على تغيير الطواقم الإدارية والمالية و الفنية بالوزارات و هيئات الدولة ، و من الطبيعي أيضا أن يكون الذين حاربوا فساد النظام السابق خارج تشكيلات حكومة الثورة بسبب خلفيتهم التنظيمية، لكن من المؤسف أن يبقى الانتهازيون الذين عملوا مع الفاسدين من أقطاب النظام السابق في مواقعهم بالوزرات بسبب رمادية انتمائهم و قدرتهم على تغيير جلودهم ليستمروا في تدمير الدولة تحت غطاء الشرعية الثورية في هذه المرة ".
لقد إنتصر الشعب على نظام اللصوص كما حلمنا به ؛ لكن من الإنصاف ان تراعي حكومة الثورة تضحيات (بعض) الشباب الإسلاميين الذين حاربوا فساد الكبار و الصغار. و ذلك حتى لا يصبحوا ضحايا العهدين بإمتياز.

د. حامد برقو عبدالرحمن
NicePresident@hotmail.com

 

آراء