صبرا أخانا د . حامد فضل الله فالفقد جلل والمصيبة كبيرة
حمد النيل فضل المولي عبد الرحمن قرشي
19 September, 2023
19 September, 2023
صبرا أخانا د . حامد فضل الله فالفقد جلل والمصيبة كبيرة ورحيل الإنسانة الخلوقة ( برجتا ) زوجتكم الفاضلة لا شك أنه سيحدث شرخا عظيما والما حادا لكم ولكن بجميل الصبر وقوة الايمان يمكن تجاوز هذه المحنة مع الدعاء وحسن العزاء .
تعود بي الذاكرة الي شهر ابريل من العام ١٩٨٦ وقد وطئت قدماي لأول مرة أرض برلين الغربية حيث يقيم اخونا د . حامد فضل الله عمدة السودانيين في تلك الديار وكانت الرحلة بغرض العلاج من داء الانزلاق الغضروفي الذي يري كل من يكابده نجوم الضهر .
وصلت البيت وكانت برجتا في عيادة د. حامد تقوم بإعادة ترتيبها وقد عرف عنها الدقة وحسن النظام .
ومنذ اليوم الذي حللت به في بيتهم المضياف أدركت أن هذه السيدة الألمانية الراقية تكن حبا عظيما وتقديرا عميقا لزوجها وأهله وقد لمست ذلك منها شخصيا لدرجة أنها كانت تهتم بأن يكون في المائدة اطباق سودانية صميمة من شاكلة ( ملاح ام رقيقة ) و ( سلطة الروب ) مع المبالغة بعض الشيء في إضافة البهارات وخاصة التوم علي الطريقة السودانية لزوم المزيد من الحرارة التي تفتك باللسان وتجعل الجسم يتصبب عرقا في تلك الربوع الباردة . وبين وجبة واخري كانت تتحفنا ب ( كاسات الزبادي ) من صنع يدها ، ويوما ادهشتني بتقديم ( كورية ) محترمة من مشروب ( الأبري الأبري الأبيض) فقلت لها من اين لك هذا فقالت : هذا ماتبقى من كوتة رمضانية احضرتها والدة حامد ( الحاجة برة ) عندما زارتنا قبل كم سنة مضت !!..
زارت الراحلة السودان وسافرت مع زوجها الي جوبا عندما نقل الي هنالك طبيبا مع الجيش. وقد كانت طيلة مدة إقامتها في السودان مثال للتواضع والبساطة تكنس وتطبخ وترتب بيتها وترعي أطفالها بكل مسؤولية وتذهب الي السوق لشراء احتياجات المنزل بنفسها ولم تكن تميل الي شراء السلع الكمالية التي ليس لها لزوم خلاف الشوفونية وانما كانت تحب الأشياء الشعبية الغنية بالتراث .
في بيتهم العامر ومن خلال الونسة بالصالون كان د.حامد يتصفح كميات من المطبوعات الصادرة في برلين بالعربية وكانت برجتا تشغل جزءا من وقتها في أشغال الإبرة تقوم بصيانة الملابس وتضعها في نصابها بعد ان تعيد تأهيلها .
تحمل السيدة برجتا درجة علمية في الاقتصاد ولابد أنها قدمت الكثير لوطنها من خلال هذا التخصص الهام وكانت ساعدا ايمن لزوجها في عيادته المختصة بأمراض النساء والتوليد حيث اضطلعت بالاشراف والتنظيم والترتيب من كافة جوانبه .
اذكر أنني قضيت في ضيافة د.حامد والسيدة حرمه برجتا طيلة شهر ابريل من العام ١٩٨٦ وكان الجو رغم أنه بارد لامثالي القادمين من بلاد الشمس المشرقة إلا أنه بالنسبة للخواجات كان نار جهنم الحمره.
وبمناسبة الخواجات كان د.حامد يتعمد أن ينادي زوجته الطيبة بكلمة ياخواجية عندما يريد منها مثلا أن ( تكرب الحلة ) أي عندما يريد تناول الطعام.
طبعا د.حامد رغم أنه أقام في المانيا قرابة نصف قرن إلا أنه مازال يحتفظ بالعامية السودانية المحببة مثل ( ود ام زقدة ) وهي تقال لشخص وقع في شر أعماله ولم يركز واصابته الجرسة !!..
وكانت برجتا تزعل من كلمة خواجية وكأنها تريد ان تقول له أنا سودانية اصلية وكمان جعلية مثلك تماما من المطمر وقدو وجبل ام علي.
تجولت في برلين بالسيارة مع د. حامد بسبب أن عملية الغضروف التي أجراها د. بنجاس مازالت جديدة وقد كانت عملية ناجحة والحمد والشكر لله العلي القدير وقد كانت بلسما لمعاناة امتدت سنينا .
رايت حائط برلين وبعض معالم تلك الربوع والنجوع الساحرة الفتانة وقابلت بعض السودانيين ومنهم الراحل د. يسن اخصائي أمراض الصدر وكانت عنده عيادة وقد تناولنا معه افطار رمضان حيث كانت المائدة عامرة بأصناف الطعام والشراب السودانية المحببة ولم تنقصنا الا ( شوربة اربجي ) الطبق المفضل في رمضان عند اهلنا بالمسلمية ود نوة .
في ختام الرحلة وبعد العملية الناجحة والتحسن الكبير بحول الله وقوته كان لا بد من السودان وان طال أو قصر السفر .
ونسبة لارتباط اخونا حامد بمحاضرات ولقاءات مع طلابه بالجامعة اصطحبتني برجتا الي المطار وودعتني بكامل التقدير والاحترام مع لقطات من كاميرتها الذكية تحكي عن اختتام لزيارة رائعة لبلد متحضر ومطار غاية في الانسجام.
وكانت هذه اخر مرة اقابل فيها هذه السيدة النادرة واليوم وقد بلغنا نعيها لا نملك الا ان نتضرع لله العلي القدير أن يتغمدها بواسع رحمته وأن يلطف بنا جميعا خاصة ونحن في ظروف الشتات هذه بسبب الحرب اللعينة العبثية وليتنا كنا جميعا في بلادنا الحبيبة لنعزي بعضنا بعضاً في رحيلك يا برجتا أيتها السيدة الفاضلة الخلوقة .
جبر الله كسرك يا اخ حامد وصبرك علي هذا الفقد الجلل و ( إنا لله و إنا إليه راجعون ) .
أخوكم حمدالنيل .
ghamedalneil@gmail.com
تعود بي الذاكرة الي شهر ابريل من العام ١٩٨٦ وقد وطئت قدماي لأول مرة أرض برلين الغربية حيث يقيم اخونا د . حامد فضل الله عمدة السودانيين في تلك الديار وكانت الرحلة بغرض العلاج من داء الانزلاق الغضروفي الذي يري كل من يكابده نجوم الضهر .
وصلت البيت وكانت برجتا في عيادة د. حامد تقوم بإعادة ترتيبها وقد عرف عنها الدقة وحسن النظام .
ومنذ اليوم الذي حللت به في بيتهم المضياف أدركت أن هذه السيدة الألمانية الراقية تكن حبا عظيما وتقديرا عميقا لزوجها وأهله وقد لمست ذلك منها شخصيا لدرجة أنها كانت تهتم بأن يكون في المائدة اطباق سودانية صميمة من شاكلة ( ملاح ام رقيقة ) و ( سلطة الروب ) مع المبالغة بعض الشيء في إضافة البهارات وخاصة التوم علي الطريقة السودانية لزوم المزيد من الحرارة التي تفتك باللسان وتجعل الجسم يتصبب عرقا في تلك الربوع الباردة . وبين وجبة واخري كانت تتحفنا ب ( كاسات الزبادي ) من صنع يدها ، ويوما ادهشتني بتقديم ( كورية ) محترمة من مشروب ( الأبري الأبري الأبيض) فقلت لها من اين لك هذا فقالت : هذا ماتبقى من كوتة رمضانية احضرتها والدة حامد ( الحاجة برة ) عندما زارتنا قبل كم سنة مضت !!..
زارت الراحلة السودان وسافرت مع زوجها الي جوبا عندما نقل الي هنالك طبيبا مع الجيش. وقد كانت طيلة مدة إقامتها في السودان مثال للتواضع والبساطة تكنس وتطبخ وترتب بيتها وترعي أطفالها بكل مسؤولية وتذهب الي السوق لشراء احتياجات المنزل بنفسها ولم تكن تميل الي شراء السلع الكمالية التي ليس لها لزوم خلاف الشوفونية وانما كانت تحب الأشياء الشعبية الغنية بالتراث .
في بيتهم العامر ومن خلال الونسة بالصالون كان د.حامد يتصفح كميات من المطبوعات الصادرة في برلين بالعربية وكانت برجتا تشغل جزءا من وقتها في أشغال الإبرة تقوم بصيانة الملابس وتضعها في نصابها بعد ان تعيد تأهيلها .
تحمل السيدة برجتا درجة علمية في الاقتصاد ولابد أنها قدمت الكثير لوطنها من خلال هذا التخصص الهام وكانت ساعدا ايمن لزوجها في عيادته المختصة بأمراض النساء والتوليد حيث اضطلعت بالاشراف والتنظيم والترتيب من كافة جوانبه .
اذكر أنني قضيت في ضيافة د.حامد والسيدة حرمه برجتا طيلة شهر ابريل من العام ١٩٨٦ وكان الجو رغم أنه بارد لامثالي القادمين من بلاد الشمس المشرقة إلا أنه بالنسبة للخواجات كان نار جهنم الحمره.
وبمناسبة الخواجات كان د.حامد يتعمد أن ينادي زوجته الطيبة بكلمة ياخواجية عندما يريد منها مثلا أن ( تكرب الحلة ) أي عندما يريد تناول الطعام.
طبعا د.حامد رغم أنه أقام في المانيا قرابة نصف قرن إلا أنه مازال يحتفظ بالعامية السودانية المحببة مثل ( ود ام زقدة ) وهي تقال لشخص وقع في شر أعماله ولم يركز واصابته الجرسة !!..
وكانت برجتا تزعل من كلمة خواجية وكأنها تريد ان تقول له أنا سودانية اصلية وكمان جعلية مثلك تماما من المطمر وقدو وجبل ام علي.
تجولت في برلين بالسيارة مع د. حامد بسبب أن عملية الغضروف التي أجراها د. بنجاس مازالت جديدة وقد كانت عملية ناجحة والحمد والشكر لله العلي القدير وقد كانت بلسما لمعاناة امتدت سنينا .
رايت حائط برلين وبعض معالم تلك الربوع والنجوع الساحرة الفتانة وقابلت بعض السودانيين ومنهم الراحل د. يسن اخصائي أمراض الصدر وكانت عنده عيادة وقد تناولنا معه افطار رمضان حيث كانت المائدة عامرة بأصناف الطعام والشراب السودانية المحببة ولم تنقصنا الا ( شوربة اربجي ) الطبق المفضل في رمضان عند اهلنا بالمسلمية ود نوة .
في ختام الرحلة وبعد العملية الناجحة والتحسن الكبير بحول الله وقوته كان لا بد من السودان وان طال أو قصر السفر .
ونسبة لارتباط اخونا حامد بمحاضرات ولقاءات مع طلابه بالجامعة اصطحبتني برجتا الي المطار وودعتني بكامل التقدير والاحترام مع لقطات من كاميرتها الذكية تحكي عن اختتام لزيارة رائعة لبلد متحضر ومطار غاية في الانسجام.
وكانت هذه اخر مرة اقابل فيها هذه السيدة النادرة واليوم وقد بلغنا نعيها لا نملك الا ان نتضرع لله العلي القدير أن يتغمدها بواسع رحمته وأن يلطف بنا جميعا خاصة ونحن في ظروف الشتات هذه بسبب الحرب اللعينة العبثية وليتنا كنا جميعا في بلادنا الحبيبة لنعزي بعضنا بعضاً في رحيلك يا برجتا أيتها السيدة الفاضلة الخلوقة .
جبر الله كسرك يا اخ حامد وصبرك علي هذا الفقد الجلل و ( إنا لله و إنا إليه راجعون ) .
أخوكم حمدالنيل .
ghamedalneil@gmail.com