صلاحُ المبادراتِ

 


 

سامر عوض حسين
28 November, 2022

 

هذهِ المرةِ لا ينقصُ مبادرةَ قوى الحريةِ والتغييرِ أنْ يُعلّمَ لها الصلاحُ فقدْ كانتْ المبادرةُ لجمعِ قوى الثورةِ والمجلسِ العسكريِ على كلمةٍ سواءٌ حاضرةٌ في كدباسْ - الشيخُ الجعلي ونتمنى ألا تخرَ هذهِ المبادرةِ الماءُ مجددا وتغرقُ سفينةُ الإصلاحِ والدستورِ الانتقاليِ هذهِ المرةِ. فقدٌ انقضتْ المبادراتُ السابقةُ بالفشلِ حيثُ تمَ بالتوقيعِ على الوثيقةِ الدستوريةِ للفترةِ الانتقاليةِ. الآنُ تمرُ ثلاثَ سنواتٍ وينقضي الجميعُ في نفسِ الملابساتِ والظروفِ وينتظرُ الشارعُ مجددا إعلانَ رئيسِ وزراءَ لحكومةِ السودانِ ومجلسٍ تنفيذيٍ وتشريعيٍ وولاةٍ للولاياتِ.

على مرِ التاريخِ كانتْ المبادراتُ السياسيةُ السودانيةُ ترعى منْ قبلِ رجالِ الدينِ أوْ فلنقلْ بالأحرى منْ قبلُ أهلَ السجادةِ الصوفيةِ، نظرا لما يمثلونهُ منْ ثقلٍ اجتماعيٍ في صوغِ هويةِ السودانِ ودورهمْ الفعالِ في المجتمعِ. ومنذُ عهدِ استقلالِ السودانِ نرى أنَ مؤتمرَ الخريجينَ قدْ لقيَ المباركةَ والدعمِ منْ السجادةِ الهنديةِ بقيادةِ الشريفْ يوسفْ الهنديَ عندما زارهُ الزعيمانِ إسماعيلْ الأزهري وأحمدْ خيرِ المحامي وطلبا منهُ المساعدةُ في إيجادِ مقرٍ لنادي الخريجينَ الذي انبثقتْ فكرةَ تأسيسهِ عقبَ الاستجابةِ الواسعةِ لتكوينِ مؤتمرِ الخريجينَ ، ليكونَ مركزا للإشعاعِ العلميِ والحضاريِ والسياسيِ والثقافيِ والفنيِ ويقالُ أنهُ عندما علمَ الشريفْ حسينْ بالغرضِ منْ قيامِ النادي ، أعلنَ للراحلينَ أحمدْ خيرْ والأزهريِ عنْ تبرعهِ بقطعةِ الأرضِ لتكونَ مقرا للنادي وتكفلهِ بقيامِ المباني على قطعةِ الأرضِ . كذلكَ لا ننكرُ دورُ السيدْ علي الميرغني في استقلالِ السودانِ والموقفِ الذي تبناهُ وأتباعهُ الختمية، في مسرحِ الأحداثِ السياسيةِ التي عصفتْ بالسودانِ، معَ رصدِ تحركاتِ كلِ القادةِ السياسيينَ المؤثرينَ، وأبرزهمْ السيدْ عبدُ الرحمنْ المهدي، زعيمُ الأنصارِ، والسيدُ إسماعيلْ الأزهريَ والجماعاتِ والأحزابِ السياسيةِ الأخرى، حسبَ ظهورهمْ على المسرحِ السياسيِ والظروفِ التي جعلتهمْ يلجؤونَ إلى خيمةِ طائفتيْ الختمية والأنصارِ، قبلُ الاستقلالِ وبعدهُ. وتذكرَ هذهِ المواقفِ في الوثائقِ السودانيةِ والمصريةِ والبريطانيةِ، وأرشيفَ عائلةِ الميرغني، إضافةٌ إلى دراساتٍ كتبتْ في الإنكليزيةِ والعربيةِ.

يمكنَ تعريفُ الإجماعِ بطريقةٍ مهنيةٍ بأنهُ قرارٌ مقبولٌ يجبُ تطبيقهُ حتى لوْ لمْ يرضى بهِ الفردُ. وبحسبَ المتعارفِ عليهِ، فإنَ للتوافقِ خاصيتينِ: أولاً حصولهِ على القبولِ بشكلٍ عامٍ وثانيا يلقى تضامنُ المجتمعِ على الإيمانِ بهِ. وتشملَ دلالةُ مصطلحِ الإجماعِ مضمونينَ هما النتيجةُ وآليةُ الوصولِ لهذهِ النتيجةِ معا. كثير منْ الباحثينَ اهتموا بالإجماعِ وأدركوا أهميتهُ في تجديدِ الفقهِ والتشريعِ الإسلاميِ، وقيمتهُ وفعاليتهُ في تزويدِ المجتمعاتِ بالتشريعاتِ اللازمةِ لتدبيرِ شؤونِ الاجتماعِ البشريِ، فقدْ عولَ كثيرُ منهمْ في أعمالِ التشريعِ على الإجماعِ، وذلكَ بعدَ انتقادهمْ وتقييمهمْ لمفهومِ الإجماعِ الأصوليِ. نرى أهميةُ الإجماعِ وقيمتهِ، في تحقيقِ مرونةِ الشريعةِ وتطورها وصلاحيتها لكلِ زمانٍ ومكانٍ، وقدرتها على مواكبةِ كلِ المستجداتِ والمتغيراتِ، إذْ منْ شأنِ إعمالهِ وتفعيلهِ تزويدَ الدولةِ بالتشريعاتِ والقوانينِ اللازمةِ لتنظيمِ المجتمعِ. وعلى الساسةِ أنْ يفطنونَ على أهميةِ الإجماعِ منْ حيثُ تحقيقهُ لمبدأِ سيادةِ الأمةِ وسلطتها في التشريعِ، ومنْ حيثُ ارتباطهُ بالشورى وبنظامِ الحكمِ النيابيِ.

بمجردُ اتخاذِ قرارِ بالإجماعِ منْ قبلِ قوى الحريةِ والتغييرِ والتي أثبتتْ الأيامُ والممارسةُ أنها ممسكةٌ بخيوطِ اللعبةِ السياسيةِ الكبرى داخلَ السودانِ وتبقى عمليةُ إرضاءٍ المؤيدينَ والموقعينَ على الميثاقِ السياسيِ الجديدِ أوْ ما يسمى بمسودةِ الدستورِ هيَ عمليةٌ تقومُ بها مجموعةٌ منْ الأفرادِ للتوصلِ إلى قرارٍ موحدٍ يلائمُ أفضلَ ما يصلحُ للتأسيسِ للحكمِ الديمقراطيِ الذي ترتضيهُ مجموعةٌ أوْ طيفٍ كبيرٍ منْ المجتمعِ السودانيِ.

 

سامر عوض حسين

28 نوفمبر 2022

samir.alawad@gmail.com

 

آراء