صناعة النفط وإنتاج الفقر.. تهديد الأمن القومي!!

 


 

 

yassir hassan [yassirha@hotmail.com]

 

ياسر حسن عبد القادر

الخرطوم

 

يمثل النفط عصب الحياة الحديثة وقد لعب ولفترة طويلة دوراً كبيراً في مسيرة الحياة البشرية باعتباره من أهم الموارد الطبيعية التي ساهمت في رسم حياة التطوّر الاقتصادي والسياسي والاجتماعي للمجتمعات البشرية وذلك منذ اكتشافه وحتى هذه اللحظة، وقد كان له دور مباشر في كل المجالات الحيوية التي ارتبطت بالاكتشافات وبالجوانب العلمية التي عملت على توظيفه باتجاه خدمة البشرية في كل المجالات الاقتصادية والصناعية حتى احتل المرتبة الأولى من حيث الأهمية الاقتصادية في الجانب المتعلق بموارد الطاقة والقوى المحركة والتي اصبحت تمثل أهمية كبرى لديمومة الحياة البشرية ومن الصعوبة الاستغناء عنها، ورغم انه يمثل احد الموارد الطبيعية الناضبة والتي تعني انه في طريقة للنفاد إلاَّ أنه تزداد الحاجة اليه بمرور الزمن وعلى هذا الأساس أصبح النفط يمثل سلعة استراتيجية ترتبط في المقام الأول بالنشاط السياسي والعسكري والأمني لتلك الدول التي تتزايد احتياجاتها منه واصبح يمثل عصب الحياة الاقتصادية والسياسية لها، وتولد صراع أصبح مكشوفاً الآن بين تلك الدول المنتجة له وتلك التي تمتلك احتياطيات كبيرة منه من جانب وتلك الدول المستهلكة له من جانب آخر وذلك تبعاً لازدياد الكمية المطلوبة منه.

بسبب تلك الأهمية المتزايدة التي حظى بها النفط باعتباره سلعة استراتيجية اصبح يمثل ضرورة قصوى لكل دولة تسعى الى تحقيق برامج تنموية تستهدف النهوض بأوضاعها الاقتصادية والصناعية في حالة الدول المتقدمة، وأصبح هذا الأمر حلما ينتاب كل تلك الدول النامية والفقيرة باعتبار أن ذلك أقصر الطرق التي يمكن عن طريقها تحقيق ما عجزت عن تحقيقه بسياساتها الاقتصادية التي ظلت متعثرة طوال الفترات السابقة خاصة في ظل ارتفاع حجم الطلب العالمي للنفط والارتفاع المضطرد في أسعاره.

في ظل تلك الأهمية المتزايدة للنفط كسلعة تسعى معظم الدول المتقدمة للحصول على أكبر كمية منه وفق الأسعار التي تتناسب مع أوضاعها الاقتصادية ونسبة للصراع الحاد الذي تولد تجاه هذا المورد الاقتصادي الهام دخل النشاط النفطي دهاليز السياسة واجهزة المخابرات العالمية ومراكز البحوث والدراسات الاستراتيجية والسياسية واخذت الشركات العالمية التي تعمل في هذا المجال في توظيف كل إمكانياتها الاقتصادية والسياسية في رسم السياسات والاستراتيجيات التي تحقق لها اقصى الفوائد الممكنة في ظل هذه المنافسة الحادة، ومن جانب آخر تم التركيز على الجوانب العملية التي تستهدف العمل على اكتشاف واستنباط بدائل اخرى للبترول يمكن استغلالها في مجال الطاقة حتى يتم تفادي الوقوع تحت الهيمنة الاقتصادية والسياسية التي اخذت الدول المنتجة له في فرضها على الدول الصناعية ولتفادي التأثيرات الفجائية المرتبطة بانتاج البترول والتذبذب المتواصل في كمياته المنتجة واسعاره، وقد لجأت الدول الصناعية للبحث عن هذه البدائل المتوقعة وتكثيف جهودها في هذا الجانب للهروب من تلك السيطرة والتحكم الذي تفرضه تلك الدول المنتجة للنفط.

أمّا مفهوم الأمن القومي للدولة فقد خرج من اطار الفهم التقليدي له والذي ارتبط بالجوانب العسكرية والامنية وظل على ذلك الأمر لفترات طويلة حتى منتصف القرن السابق، ومن ثم اخذ في التطور تبعاً لتطور انماط الحياة السياسية والاقتصادية للمجتمعات البشرية وتطوّر احتياجاتها المرتبطة بتلك الانماط خاصة في مرحلة الصراع الدولي التي عرفت باسم الحرب الباردة واتخذت ابعاداً متسعة شملت كل اوجه الحياة الانسانية بما في ذلك الجوانب الاجتماعية والثقافية لكل المجتمعات، لذلك نجد ان ذلك المفهوم قد اخذ بالخروج تدريجياً من نطاق الجغرافية السياسية الخاصة بكل دولة لترتبط بنطاق الأمن الاقليمي ثم يتطور لاحقاً ليرتبط بكل العالم ولم يعد يتصف بالمحدودية الجغرافية أو السياسية، وقد ساعد على تطور هذا المفهوم واتساعه التطور المذهل الذي حدث في جانب تكنولوجيا الاتصال ونقل المعلومات والذي تعتمد عليه بشكل أساسي كل الأجهزة والمؤسسات التي من مهامها الأساسية العمل على حماية الأمن القومي لكل دولة وتأمينه من كل المخاطر التي تستهدف الحاق اي اضرار به واتسع ذلك المفهوم تبعاً لذلك ليشمل كل الجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية مع التركيز بشكل أساسي على الجانب الاقتصادي الذي فرضته طبيعة المنافسة الاقتصادية الحادة في العالم وذلك من اجل الحصول على الموارد اللازمة بأسعار مناسبة خاصة موارد الطاقة كما فرضته ظاهرة اتساع الأسواق التجارية وتمددها وازدياد احجام التبادل التجاري بين الدول، كما فرضته طبيعة المزايا الاقتصادية للموارد التي يقوم عليهما النشاط والتبادل الاقتصادي والتي تتصف بالمحدودية والتناقص المستمر مما جعل الدول وخاصة الصناعية منها في تسابق محموم للحصول على أعلى المزايا الاقتصادية التي تضمن لها توفير احتياجاتها من خلال علاقاتها الدولية وتحالفاتها السياسية مستفيدة من ذلك من اتساع مفهوم الأمن القومي لديها وارتباطه المباشر بالأطر السياسية والاقتصادية لها والعمل على توظيف كل الإمكانيات التي تمتلكها في الجوانب الأمنية والاستخبارية لرسم الاستراتيجيات التي تضمن لها نجاح خططها وبرامجها السياسية والاقتصادية.

لم يكن السودان بمساحته الجغرافية الكبيرة وبإمكانياته وموارده الاقتصادية التي يذخر بها بعيداً عن خارطة السياسة الدولية والتنافس المحموم من اجل الحصول على الموارد خاصة تلك الموارد المتعلقة بالطاقة والتي كانت تشير كل البحوث والدراسات الاستكشافية انه يمتلك احتياطيات ضخمة منه مما جعله يقع ضمن الخطط والاستراتيجيات الدولية الموضوعة منذ عقود. وهذه الخطط والاستراتيجيات الدولية الموضوعة منذ عقود، وهذه الخطط والاستراتيجيات كانت تتحين الوقت المناسب الذي يمكن فيه العمل على استغلال هذه الاحتياطيات وذلك عندما تتناقص الكميات المنتجة منه في المناطق الأخرى، وقد بدأت العملية الخاصة بالاستكشاف والتنقيب عن النفط في السودان منذ النصف الأول من القرن الاسبق إلاَّ انها لم تتصف بالجدية اللازمة لذلك، حتى منتصف السبعينات عندما قام النظام المايوي بالولوج الى هذا المجال ممنياً نفسه بأن ينجح في ذلك ومدفوعاً بالأزمات الاقتصادية والسياسية التي كان يعاني منها آنذاك حتى يستطيع معالجة القضايا السياسية والاقتصادية التي تراكمت عليه وحتى يستطيع تخدير المواطنين واغرائهم بالثروة التي سوف تهبط عليهم من صناعة النفط، حتى انه احضر زجاجة ممتلئة بالسائل الأسود واخذ في عرضها على أجهزة الإعلام حتى يقنع بها الجماهير التي ضجت وتململت من سياسته الاقتصادية التي ادت الى اتساع دائرة الفقر والافقار في ذلك العهد ولم ينجح في مسعاه هذا.

عند قدوم الإنقاذ الى السلطة في منتصف العام 1989م كانت تدرك تماما الإدراك الاهمية لاقتصادية والسياسية لصناعة النفط ووضعت ذلك الأمر ضمن أولوياتها القصوى وعملت على تكريس كل جهودها وإمكانياتها في سبيل تحقيق ذلك، ساعدها في تحقيق ذلك الأمر ازدياد حدة المنافسة الدولية في سبيل الحصول عليه وازدياد حجم الطلب العالمي آنذاك وبروز ما اصطلح على تسميته بحرب الموارد الى حيث الوجود تزامن كل ذلك بانتهاء مرحلة الحرب الباردة وانتهاء عهد الايديولوجيات والأفكار وسيطرة المصالح الاقتصادية في توجيه السياسة الدولية بشكل مباشر، وفي ظل ازدياد حجم الطلب العالمي على النفط وتناقص الكميات المنتجة منه ازدادت الأهمية السياسية والاقتصادية له، والمعروف ان السودان يمتلك العديد من الموارد الاقتصادية الأخرى خاصة الطبيعية منها والمتمثلة في الأراضي الزراعية الخصبة والمياه الوفيرة والخبرات المكتسبة في المجال الزراعي بالاضافة الى اعداد ضخمة من الثروة الحيوانية، وهذه الموارد لا تقل اهميتها بأي حال من الأحوال عن النفط إذا احسن استغلالها بالسياسات الرشيدة إلاَّ ان سلطة الانقاذ ابدت اهتمامها وتركيزها على قطاع النفط منذ قدومها دون الوضع في الاعتبار الابعاد الاستراتيجية والسياسية التي تحيط بهذا المجال والمخاطر التي يحملها في داخله ومدفوعة بالرغبة السياسية التي تحملها في داخلها لاقناع المجتمع بالمستقبل النفطي الذي تحمله وتخطط له والذي يذخر بالثروة والثراء حتى تؤول اليها كل مقاليد الدولة وتركت بقية القطاعات الاقتصادية الخرى للإهمال والدمار رغم ما تمثله تلك القطاعات من أهمية اقتصادية لأهل السودان، وقد نجحت في مساعيها تلك وبالفعل وتمكنت من استخراج النفط وتصديره إلاَّ ان ذلك قد وضع السودان ضمن الاجندة المحركة للسياسة الدولية المخفى منها والظاهر والذي تتضح صورته بشكل لا لبث فيه في الأزمات والقضايا السياسية التي استحكمت حلقاتها في كل أنحاء السودان ووصلت مرحلة الصراعات المسلحة نتيجة لتراكم الغبن السياسي الذي تولد من ممارسات الانقاذ وسياساتها خاصة الاقتصادية منها والتي لم تراع فيها القواعد والأسس الطبيعية لحقوق الإنسان وحقوق الفئات الاجتماعية والسياسية التي تكفلها المواثيق والقوانين الدولية والمحلية وذلك في المساواة التامة في كل الحقوق والواجبات، وهذا الحديث في مجمله ليس اعتراضاً على استغلال مورد البترول وتوظيفه من اجل تطوير النشاط الاقتصادي ورفع المستوى المعيشي لإنسان السودان، بل ان هذا الأمر يدفع للتوقف عند مجمل السياسات الاقتصادية التي انتهجتها سلطة الانقاذ والتي كانت من ضمنها السياسة المتبعة تجاه قطاع النفط والتي ادت الى انعكاس نتائجها وبشكل واضح على مجمل الأوضاع السياسية والاقتصادية والتي كانت تميز تركيبة الشعب السوداني وتحكم نشاطه السياسي والاقتصادي والاجتماعي في السابق، وهذا الأمر يمكن أن يشكل تهديداً للكيان السياسي الذي يضم الجميع وبالتالي يدخل ضمن المهددات التي تؤثر على الأمن القومي للدولة بشكل مباشر، ويمكن بلورة تلك المهددات التي اتضحت طوال عهد الانقاذ وترتبت على مجمل السياسيات التي انتهجتها خاصة الاقتصادية في الآتي:

أولاً:

تم التركيز على قطاع النفط منذ استيلاء الانقاذ على السلطة دون الوضع في الاعتبار ضرورة ان يتم ذلك من خلال وضع الخطط الاستراتيجية التي تمكن من استغلاله وتوظيفه بطريقة تحقق أقصى الفوائد السياسية منه قبل الفوائد الاقتصادية حتى يتم تفادي ما قد يترتب على ذلك من تولد الصراعات وتفشي الغبن السياسي وفي هذا الجانب فإن الأمر كان يتطلب ابداء بعض المرونة السياسية التي تدفع باتجاه تطوير النظام السياسي لكي يستوعب كافة المتغيرات والمطالب السياسية ويصب باتجاه احداث التحول الديمقراطي مستقبلاً والذي يشكل صمام الأمان أمام الصراعات والتجاذبات السياسية التي تتولد من الاحساس بالغبن والتهميش، وفي ذلك كان بالإماكان الاستفادة من تجارب الدول التي سبقتنا في هذا المجال وحققت نجاحاً كبيرا ولتفادي ما يعرف بلعنة النفط التي اصابت بعض الدول لعدم قدرتها على توظيف مواردها النفطية بأسلوب رشيد.

ثانياً:

تم التركيز والاهتمام فقط بقطاع النفط دون وضع الاعتبار للقطاعات الاقتصادية الأخرى رغم ما تمثله من أهمية اقتصادية لغالبية الشعب السوداني وذلك مثل القطاع الزراعي والذي يعمل به أكثر من 75% من سكان السودان وينتج القوت الضروري لحياة كل اهل السودان بالاضافة لقطاع الثروة الحيوانية الذي اصابه ما اصاب القطاع الزراعي نتيجة للسياسات غير الرشيدة، وقد ادى اهمال هذين القطاعين الى الحاق الدمار بهما بل وصل الأمر الى خلق المعوقات أمام أي فرصة لتطورهما من خلال فرض الرسوم والجبايات المالية على نشاطهما وهو الأمر الذي تفننت فيه سلطة الانقاذ بمستوى لم يسبقها فيه اي نظام سياسي آخر، وكان من نتيجة ذلك أن تدهور نشاط القطاعين وانعكس ذلك في زيادة درجة الفقر واتساع مساحته في السودان وانعكس ذلك على التركيبة الاجتماعية للمجموعات السكانية التي تعمل بتلك القطاعات من خلال العزوف عن العمل بهما والنزوح المستمر من المناطق الزراعية والرعية الى المدن ومن ثم الوقوع تحت دائرة الفقر مما زاد من حدة التناقضات الاقتصادية والاجتماعية التي عمت السودان، والدليل على ما ذكر من أمر تلك السياسات وما ترتب عليها من أثار ان سلطة الانقاذ عملت على تدارك تلك الأوضاع الاقتصادية بعد ان ادركت اخطاءها التي ارتكبتها في حق تلك القطاعات من خلال ابتداع ما عرف حالياً باسم (النفرة الخضراء) وهي في الأساس وحسب ما عرف عن الانقاذ انها برنامج للاستهلاك السياسي الغرض منه الترويج الإعلامي والسياسي للمؤتمر الوطني دون وضع الاعتبار للفوائد والمكاسب الاقتصادية التي يمكن تعود على المواطنين من ذلك البرنامج.

ثالثاً:

الاحتكار السياسى والاجتماعي الذى احاط بقطاع النفط بالصورة التى أدركها الكل وذلك من خلال جعل العمل والتوظيف في هذا القطاع يقوم على الولاء السياسي للتنظيم الحاكم بالاضافة الى ربط هذا الأمر بفئة قبلية معينة مما زاد من درجة الغبن السياسي الذي استشرى في عهد الانقاذ، وتطوّر هذا الغبن وتولد عنه رفض عام لذلك النهج وتبلور في اتجاه  الدعوة والمطالبة بالحقوق في ثروات البلاد المستغلة اقتصادياً من قبل السلطة الحاكمة وذلك من معظم المجموعات السكانية خاصة تلك التي عانت أكثر من غيرها من سياسات التهميش الاقتصادي ووصل الحال ببعضها الى رفع السلاح في وجه سلطة الانقاذ للمطالبة بهذه الحقوق مما ادخل البلاد في دائرة العنف والعنف المضاد وبالتالي الدخول في ازمات سياسية متلاحقة قد يصعب ايجاد الحلول السياسية لها حتى في ظل الاتفاقيات التي يتم توقيعها وهو ما يشكل تهديداً مباشراً للأمن القومي قد يصعب تداركه في المدى السياسي المنظور، وهذا الأمر كان بالإمكان تفاديه من خلال تحقيق العدالة والمساواة التي تنبع من النظام السياسي الذي يتم الاجماع عليه من كل الناس ويضمن ديمومة تحقيق الأمن الاجتماعي.

رابعاً:

تعرضت الخدمة المدنية في عهد الانقاذ الى اجراءات وممارسات هدفت الى اعادة صياغتها على حسب ما تسعى اليه الانقاذ من اطروحات وشعارات تم رفعها آنذاك كان من نتيجتها ابعاد كل أصحاب الكفاءاة واحلال اصحاب الولاء ضمن ما عرف بسياسات التمكين والتي ادت الى ابعاد اعداد كبيرة من هذه الخدمة واضافتهم الى جيوش العاطلين مما ادى الى احداث انخفاض مريع في مستويات الكفاءة الادارية والتنظيمية في هذا القطاع وانعكس ذلك في مجمل مستويات العمل الإداري في السودان الذي اصبحت تتحكم فيه معايير الولاء السياسي والانتماء الاجتماعي والقبلي يقابل ذلك الاهتمام الواضح بقطاع النفط وتمتعه بالأوضاع الاقتصادية المتميزة عكس بقية القطاعات الاقتصادية الأخرى مما يشكل تهديداً واضحاً للتركيبة الاجتماعية في السودان كان من نتيجتها زوال الطبقة الوسطى التي ميزت الخدمة المدنية طوال العهود السابقة وكانت الدينمو المحرك لها وللمجتمع السوداني وانضمام فئاتها الى جيوش العاطلين عن العمل ودخولهم الى دائرة الفقر الاقتصادي والاجتماعي مما زاد من جملة المخاطر والمهددات التي قد تعصف بالسودان وبمستقبله السياسي.

خامساً:

الاعتماد الأساسي على تصدير النفط وإهمال بقية المنتجات الاقتصادية الأخرى والتي كان السودان يتمتع فيها بالمزايا النسبية في مجال التجارة الدولية، وهي منتجات رغم محدوديتها إلاَّ انها كانت ترفد الخزانة العامة بما هو مطلوب لتسيير امور الدولة واعطاء صادرات النفط الأهمية السياسية والاقتصادية على ما عداه من الصادرات الأخرى مما يعرض النشاط الاقتصادي في الدولة لمخاطر اقتصادية وسياسية عديدة اتضحت صورتها في الزيادات التي فرضت أخيراً على اسعار المحروقات بحجة الاختلال الذي حدث في الموازنة العامة نتيجة للتضارب والارتباك الذي لازم وضع وتنفيذ هذه الموازنة رغم المعروف عن الارتفاع العالمي في أسعار النفط، وتتضح خطورة هذه السياسة أكثر بادراك ان هنالك تذبذباً مستمراً في اسعار النفط ووجود بعض الاتجاهات التي تطالب بالتحكم في اسعاره وتحديد الكميات المنتجة منه، وعندما ادركت السلطة خطورة هذا الأمر لجأت أخيراً لمعالجة ذلك من خلال انتهاج ما عرف بسياساة تنمية وتطوير الصادرات غير النفطية، وهو أمر في مجملة يؤكد خطورة تلك السياسات الاقتصادية التي تم انتهاجها خاصة في مجال النفط.

وانعكاس ذلك على الأوضاع السياسية والاقتصادية في البلاد.

سادساً:

عدم الاهتمام بقواعد وأسس حماية البيئة التي تضمن توفير السلامة والحماية لها وتتأثر بشكل مباشر بكل الأنشطة الصناعية والنفطية وهذه القواعد تقوم على مبادئ دولية تم وضعها لأجل حماية البيئة والحفاظ عليها من الآثار التي تترتب على نشاط الإنسان ويفترض تعضيد تلك القواعد والأسس على المستوى المحلي من خلال وضع القوانين واللوائح التي تتكفل توفير الحماية الشاملة للبيئة الطبيعية والتي قد يتدخل الانسان من خلال  نشاطه الطبيعي ويعمل على احداث تأثيرات سالبة بها والعمل على الحد من التلوث البييئي الذي قد ينتج من الأنشطة الصناعية والتعدينية مما قد يعرض حياة الانسان والمجتمعات الى مخاطر صحية كما يعرض الكثير من الموارد الاقتصادية الأخرى الى اضرار تحد وتقلل من فرص الاستفادة منها مستقبلاً من قبل الاجيال القادمة، واذا لم يتم وضع هذه الجوانب المتعلقة بالبيئة في الاعتبار فان ذلك يدخل في جانب احداث الاضرار التي يمكن ان تؤثر بشكل مباشر في مستقبل النشاط الاقتصادي للدولة وبالتالي تتدخل ضمن المهددات السياسية والامنية للبلاد.

لكل ما سبق ذكره فان صناعة النفط تشكل في مجملها مجموعة من الانشطة والعمليات المعقدة التي تحتاج الى كم هائل من الدراسات والبحوث التي تقوم على ابعاد استراتيجية واسعة والتي تمكن من التعامل معها بافاق سياسية واقتصادية واجتماعية حتى يتم تقليل المخاطر التي تكتنفها الى الحد الأدنى مع التقييم الشامل لكل الفوائد التي يمكن ان تعود منها، وفي حالة السودان والذي يذخر بكافة انواع الموارد الاقتصادية الأخرى والتي يمكن وبقليل من الاهتمام والتكاليف ان تحقق كل الآمال والطموحات التي يسعى الشعب السوداني الى تحقيقها خاصة في مجال التنمية والتطوّر الاقتصادي، حيث ان الموارد الطبيعية التي يمتلكها لا تتوفر في كل العالم فهي تحتاج فقط الى تطوير العقلية الادارية والتنظيمية التي يتم بها ادارة وتوظيف هذه الموارد لمصلحة إنسان السودان بعيداً عن طموحات الكسب السياسي والذاتي والتي يمكن أن تشكل في حالة السعي الى تحقيقها تهديداً مباشراً لوجود السودان ومستقبله السياسي، ويمكن التأكيد على ذلك بالنظر الى الأوضاع السياسية الحالية وما تحمله من مهددات ومخاطر تمس وجود السودان ككيان سياسي وخروج ذلك الأمر من الاطار المحلي الى الاطار الدولي مدفوعاً بالصراعات الدامية التي اندلعت في اطراف السودان وما خلفته من مآسٍ سياسية وانسانية دفعت المجتمع الدولي الى التدخل من خلال منظوماته ومؤسساته الاقليمية والدولية بغرض ايجاد الحلول لتلك الصراعات من خلال اعادة التوزيع العادل لمقومات السلطة والثروة واللذان أصبحا من المطالب الأساسية للذين يعيشون في دائرة التهميش والإهمال في كل انحاء السودان وليس في الأطراف فقط وما ينتج عنهما من فقر وإفقار مقابل تركيزهما في يد مجموعات وفئات محددة مما يشكل أكبر تهديد للأمن القومي السوداني.

 

 

آراء