صندوق النقد , عليك اللعنة
د. حسن بشير
26 July, 2012
26 July, 2012
يجب علي الحكومة قبل ان تفرح بإشادة صندوق النقد الدولي ( IMF) بإجراءاتها الأخيرة، أن تتذكر بان الصندوق هو اكبر أداة رأسمالية لدول (الاستكبار) التي تستهدف المشروع الحضاري للإنقاذ، وهنا لابد من التأمل في مغزى الإشادة، هل هي من عدو أم صديق؟الصندوق هو نادي أثرياء العالم وأكثر أدواتهم فتكا وأمضاها في وظيفة مص دماء الشعوب المستضعفة واستنزاف مواردهم.صندوق النقد الدولي هو اللاعب الأكثر احترافية في أسواق المقامرة الدولية والأكثر مهارة في إدارة دفة ميسر العولمة الاقتصادية . هذا النادي اذا كان فعلا مقتنعا بان الإجراءات الحكومية الأخيرة هي إجراءات تقشف تستحق الإشادة وإنها يمكن ان تنعش النمو الاقتصادي في السودان وتعيد التوازن الاقتصادي ، فعليه ان يقرن القول بالفعل وان يقوم بإسناد تلك الإجراءات بقروض (ربوية) ميسرة، مثلما فعل مع الدول الأوربية المتعثرة، التي تم إسعافها بمئات مليارات اليوروهات من نفس الصندوق ولفترة زمنية كافية (للانتعاش) الاقتصادي.
إذن علي الصندوق ان يقدم ما لا يقل عن 5 مليار دولار لفترة لا تقل عن خمس سنوات (قبل الشروع في السداد) حتى يسترد الاقتصاد السوداني عافيته ويستعيد توازنه عبر عدة عوامل منها علي سبيل المثال: تسجيل معدلات نمو مستقرة ومستدامة، خفض معدلات التضخم المتسارعة الي مستوي معتدل كما عليه الحال في أكثر الدول الأوربية تعثرا (3 الي 5%), ان يستعيد الجنيه السوداني عافيته وقدرته الشرائية وان يقف صامدا في سعره التبادلي أمام العملات الاخري, ان ينتعش القطاع الخاص ويستطيع ان ينتج بشكل يمكنه من تلبية الطلب المحلي والتصدير بشكل يلبي الحاجات الأساسية في جودة الإنتاج ومتطلبات التوازن في ميزان المدفوعات بما فيها أصول مالية خارجية وتدفقات مستمرة لرؤوس الأموال، أن ينمو الإنفاق الحكومي بفضل ضخ إيرادات معتبرة من مختلف مصادر عوامل الإنتاج وان يستطيع كل من القطاع الخاص والقطاع العام توفير فرص عمالة تعيد معدلات البطالة الي مستويات مقبولة (10% وسط الخريجين). في هذه الحالة سيكون للإشادة مغزى، من حيث أهمية الإجراءات الحكومية وتحولها إلي إصلاح اقتصادي بالمقاييس الاقتصادية المحضة واستنادا الي العدالة الاجتماعية التي يجب ان تكون من أهم أهداف السياسة الاقتصادية العامة. يمكن إسقاط معني التقشف بغرض الإصلاح علي الإجراءات الأوربية التي لم تجد رواجا شعبيا بالرغم من استنادها الي ضغوط من جهات مانحة ، أهمها الدول الأوربية الاقوي اقتصاديا وبدعم فعال من صندوق النقد الدولي نفسه، ومن دول اخري يهمها ان يكون السوق الأوربي منتعشا مثل الصين وروسيا، إضافة إلي اعتمادها علي خطط محددة المعالم والمدى تهدف الي تحقيق الانتعاش الاقتصادي وإعادة الاقتصاد الي مسار النمو. أما في السودان فان تلك الإجراءات جاءت في فراغ مطلق دون سند وبدون خطط وإنما هي قفزة في المجهول.
ليس من المستغرب رؤية الصندوق سعيد بالإجراءات الحكومية وليس من المستبعد ان (ينصح) بمزيد من تحرير الأسعار و(تعويم) الجنيه السوداني فهذا نهجه، نهج مصاصي الدماء. يسمي الصندوق ما تم من إجراءات إصلاحا في بلد يعاني من مستويات قياسية من الفقر أدخلت أكثر من 90% من سكانه في قائمة الفقر المطلق (حد العوز والجوع) والفقر المدقع (عدم القدرة علي الوفاء بالمتطلبات الأساسية من تعليم، صحة وتأمين المستقبل للشخص وعائلته)، بلد يعاني من معدلات متصاعدة من التضخم ومن بطالة جماهيرية ومن درجة من تكاليف الإنتاج وانعدام الجدوى الاقتصادية للإنتاج والأعمال، جعلت الناس يهجرون مزارعهم في موسم مطير في البحث عن مهنة هامشية في المدن او عن وهم الثراء بالذهب في أنفاق مظلمة. كل ذلك أدي الي وضع جعل السودان يأتي في مؤخرة التصنيف العالمي من حيث مؤشرات الأداء الاقتصادي (انظروا الي تقارير الاستثمار والتنافسية الدولية إضافة لتقارير التنمية البشرية).
أما من جانب أخر فيأتي السودان ضمن الأربعة الأوائل من حيث مستويات الفساد المالي وانعدام الشفافية (تقارير الشفافية الدولية)، ذلك الأمر أهله لان يحتل تصنيف متقدم في مصاف الدول الفاشلة. علي كل حال عندما يري الشعب السوداني ان الإجراءات الحكومية قد تحولت إلي نمو مرتفع وتحسن في الأداء الاقتصادي وفي مستويات المعيشة سيشكر الصندوق علي إشادته ، لكن حتى ذلك الوقت سيراقب، وهو شعب يمتاز بقوة الذاكرة، ، إذا استمر الوضع كما هو عليه او إذا استمر في التدهور سيتذكر إشادة الصندوق بالإجراءات الحكومية القاسية وسيكون لديه ما يكفي من مبررات بالدعاء علي الصندوق ولسان حاله يردد يا أيها الصندوق – عليك اللعنة-.
Hassan bashir Mohamed nour [mnhassanb85@yahoo.com]