ضـروريات التعاون الاقتصـادي بين السـودان وجنوب السـودان .. إعـــداد :د. ريم محمد موسى

 


 

دراسات وبحوث
20 December, 2012

 



بسم الله الرحمن الرحيم

جامعــة القاهـــرة

معـهد البحـوث والدراسـات الأفريقـية

مؤتمر دول حوض النيل الشرقي :تحديات التنمية ومستقبل التعاون المصري

ورقة بعنوان :


ضـروريات التعاون الاقتصـادي بين السـودان وجنوب السـودان وإمكانيـة تحقـيق التكـامل


إعـــداد :

د. ريم محمد موسى

قسم العلوم السياسية

جامعة بحـــري – الســـودان

Email: reemb122@gmail.com
مقدمـة :
جاء إنفصال جنوب السودان عقب الإستفتاء الشعبي لمواطني الجنوب في يناير 2011 ، وقد جاء الإستفتاء تطبيقاً لبنود إتفاق السلام الشامل الموقع بين حكومة السودان وبين الحركة الشعبية لجنوب السودان في نيافاشا بكينيا في العام 2005 ، وقد أسفر هذا الإستفتاء عن إنفصال جنوب السودان  وقيام دولة جديدة بأسم (دولة جنوب السودان) .
وقد أثرت الدولة الجديدة على الساحة السياسية الإقليمية والدولية ، وبدخولها إلى المجتمع الدولي غيرت الخارطة الجيبولوتكية للمنطقة ، وعملت على بناء إستراتيجية لتوجهاتها الخارجية إيزاء علاقاتها مع القوى الدولية والإقليمية ودول الجوار الجغرافي .
وتناقش الورقة إمكانية وجود تعاون اقتصادي مشترك بين الدولتين والضروريات الملحة لذلك ، والتحديات التي تواجه هذا التعاون الاقتصادي ، كما تناقش الورقة النفط باعتباره مورد اقتصادي ومدى تأثيره على العلاقات الثنائية بين الدولتين .
وفي محاولة لإستشراف مستقبل العلاقات بين الدولتين ، تطرح الورقة محاولة الوصول إلى صيغة تكامل اقتصادي في المدى البعيد و أهم العوامل التي تساعد على تحقيق ذلك التكامل ، باعتبار أن التكامل الاقتصادي ضرورة ملحة من الناحية الاقتصادية والسياسية للدولتين .
وتناقش الورقة المحاور الآتية :
أولاً – تداعيات قيام دولة جنوب السودان .
ثانياً – الاثار السياسية والاقتصادية للإنفصال.
ثالثاً- التعاون الاقتصادي بين السودان وجنوب السودان ، الضروريات والتحديات .
رابعاً – أثر النفط على العلاقات الثنائية بين الدولتين .
خامساً – إمكانية تحقيق التكامل الاقتصادي ومستقبل العلاقات بين الدولتين .


    أولاً – تداعـيات قيام دولـة الجنـوب :
يشير حق تقرير المصير – Right of Self Determination إلى حق كل مجتمع ذا هوية جماعية متميزة مثل شعب أو مجموعة عرقية وغيرها بتحديد طموحاته السياسية وتبني النطاق السياسي المفضل عليه من أجل تحقيق هذه الطموحات وإدارة حياة المجتمع اليومية دون تدخل خارجـي أو قهر من قبل شعـوب أو منظمـات أجنبية  .(1)
ويلاحظ أن حق تقرير المصير مقصود به الدول المستقلة ذات السيادة على إعتبار أن من حق شعوبها نتيجة لهذا الإستقلال أن تقدر شكل الحكم أو السلطة أو النظام السياسي لتحقيق الطموحات السياسية دون تدخل أجنبي ، وقد يتم حق تقرير المصير عن طريق الإتفاق بين الأطراف المعنية أو الإنفصال بالتراضي عن طريق الإستفتاء .
وجرى استفتاء حق تقرير المصير لشعب جنوب السودان، في 9 يناير 2011، كاستحقاق لاتفاقية السلام الشامل بين حكومة السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان (الجيش الشعبي لتحرير السودان) التي وُقِّعت في 9 يناير 2005 في نيروبي باشراف منظمة الإيقاد وقد ورد النص الخاص بالاستفتاء في الفصل الأول من الاتفاقية الذي يحتوى المبادئ الأساسية المتفق عليها بين الطرفين (2)، ولعل أهم الانتقادات التي وجهت لهذا الإتفاق هو أنه تم بين طرفين لا يمثلان كل السودان وقواه السياسية جنوباً وشمالاً وانه تجاهل أغلب مكونات الدولة السودانية وتاريخها ، وقد جاءت نتيجة الإستفتاء مؤيدة للإنفصال بنسبة 98% .
وقد ساهمت الولايات المتحدة وأسرائيل في قيام دولة الجنوب لتكون الحد الفاصل للمصالح الأميركية في العمق الأفريقي وحوض النيل ، ولكي تكون حداً فاصلاً بين الجنوب الأفريقي العالم العربي الإسلامي ، وبالتالي فأن إتفاق السلام لم يهدف إلى حسم الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب بقدر ما يهدف لفصل جنوب السودان ليتم من خلاله تهديد الأمن العربي .
وعليه فأن إنفصال جنوب السودان وقيام الدولة الوليدة لا يمثل نهاية المطاف ، فهنالك العديد من القضايا والمشاكل الخلافية بين الدولتين : (3)
1.    الخلاف حول الحدود ، وذلك نتيجة للتداخل القبلي والسكاني على طول الشريط الحدودي ، وهذه الحدود لم يتم ترسيمها نسبة لعدم التعاون بين الدولتين ، وهنالك مشكلة أبيبي التي لم تحسم بالرغم من قرار التحكيم الدولي .
2.    مشكلة الهوية وتعريف من هو الشمالي ومن هو الجنوبي ، وذلك بحكم الروابط التي حدثت في النسيج الاجتماعي والثقافي في الشمال والجنوب من بعد الإستقلال ، وبالتالي سوف تبرز قضية النازحين الجنوبيين في الشمال والذين اندمج معظمهم في المجتمع الشمالي .
3.    حدوث بعض المشاكل الإقليمية بشأن الإتفاقيات الدولية التي يجب الإلتزام بها من جانب دولة الجنوب مثل إتفاقية مياه النيل ، وكذلك مشكلة الديون الخارجية التي بلغت حوالي 35.7 مليار دولار ، هذا بجانب قضايا النفط ومصير التعاقدات مع الشركات الأجنبية .
4.    فصل الجنوب ربما يترتب عليه المطالبة بتقرير المصير في مناطق أخرى في ظل إحساس بالتهميش وعدم العدالة خاصة في مناطق دارفور وجنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان .
5.    مخاطر التفكك بسبب انفصال الجنوب ستؤثر على إتزان القارة الأفريقية ، لأنها تهدم حدود تم تخطيطها خلال فترة الإستعمار وأتفق عليها القادة الأفارقة ، وهذا يؤدي إلى تفكك الدول في زمن أتجه فيه العالم نحو التكتل والإندماج .

    ثانياً – الأثـار السـياسية والاقتصـادية للإنفصـال :
أن إنفصال جنوب السودان وقيام دولة الجنوب الوليدة ترتب عليه العديد من الأثار السياسية والاقتصادية بالنسبة للدولتين
الأثار السياسية للإنفصال :
فيما يتعلق بدولة السودان فأن الإنفصال حرم السودان من عمقه الأفريقي ، وقطع الإتصال بينه وبين دول منابع حوض النيل . كما أن الإنفصال نهى التماس التمازج الحضاري بين العالم العربي والأفريقي عبر البوابة السودانية وجعل حدود السودان الجنوبية عند ولاية النيل الأبيض ، وهو ما يعنى إقتطاع أكثر من 247 ألف ميل من مساحته .
إنفصال دولة الجنوب حرم السودان من ميزة الكيان الموحد ، مما يجعله يخسر جزء من وزنه الإقليمي والدولي ، وربما فتح الإنفصال ثقافة الإنفصال لبعض المناطق مطالبة بالمزيد من الحكم اللأمركزي وإعادة إقتسام الثروة مع الخرطوم وربما يؤدي ذلك إلى إشعال مناطق التوتر في دارفور وجنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان .
وسيزداد الاستقطاب السياسي بين الحكومة والمعارضة، وستحمِل المعارضة الشمالية حزب المؤتمر الوطني الحاكم مسئولية انفصال الجنوب واشتعال الاضطرابات في مناطق أخرى، وربما تستغل المعارضة الاضطرابات السياسية لمحاولة تغيير السلطة في الخرطوم خاصة إذا ما بقيت خارج الحكم عن طريق انتفاضة شعبية ظلت ترددها لسنوات عديدة .
وقيام دولة الجنوب سيعمل على ازدياد الضغوط الدولية على السودان في مجالات التعامل مع المحكمة الجنائية الدولية ورعاية حقوق الإنسان وتحقيق بنود اتفاقيات السلام وغيرها، وذلك بقصد الضغط على الحكومة حتى تستجيب لمطالب أهل دارفور وولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق أو يتغير النظام .(4)
وفيما يتعلق بدولة جنوب السودان ، فأن الإنفصال جعل من جنوب السودان دولة حبيسة ليس لها منفذ بحري وسيفقد الإنفصال دولة الجنوب الوليدة نصيبها من البنيات الأساسية التي نشأت كممتلكات مشتركة من خلال التاريخ الطويل والمشترك ، كما أن الدولة الوليدة ستفقد الإستفادة من فوائد البوابة الشمالية نحو العالم العربي وعدم الإستفادة من المؤاني السودانية للتصدير .
ستكون الدولة في جنوب السودان هشة غير قوية نسبة لإفتقار الحركة الشعبية للخبرات الكافية في القيادة وفي إدارة الدولة والموارد ، وهنالك غياب للعناصر اللأزمة لتكوين الدولة .
هناك مشكلة أخرى تشكل عائقا أيضاً في سبيل بناء الدولة في الجنوب، هي غياب المؤسسية بمعناها المدني الحديث. فمازالت "القبيلة" بعاداتها التقليدية، هي المؤسسة الوحيدة اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا التي يلجأ إليها المواطن. والأمل معقود على الحركة الشعبية لتحرير السودان باعتبارها نواة لأول مؤسسة مدنية حقيقية في الجنوب، كي تجمع الجنوبيين من القبائل كلها حول هدف واحد هو بناء "السودان الجديد" الذي تشكل فيه المواطنة أساسا لحقوق المواطن وواجباته بغض النظر عن دينه وعرقه وثقافته. هذه المؤسسية الحميدة للحركة الشعبية، يخشى عليها من التحول إلى شمولية تتمدد في الفراغ السياسي للجنوب على حساب الآخرين. وليس من المتوقع أن تطبق الحركة الشعبية، على الأقل في المدى القصير، الديمقراطية المرجوة بمعناها الحقيقي .


الأثار الاقتصادية للإنفصال :
وفيما يتعلق بالسودان ، فأن الإنفصال حرم السودان ما يعادل 80% من البترول وهذا سؤثر على الاقتصاد خاصة وأن الاقتصاد السوداني تحول من الاقتصاد الإنتاجي إلى الريعي الذي يعتمد على إيرادات البترول ، حيث يمثل النفط حوالي 50% من إيرادات الحكومة السودانية ، وهذا يفسر الإنخفاض الكبير في العملة الصعبة .(5)
الإنفصال سيؤدي إلى إعادة تقسيم مياه النيل خاصة إذا أنضمت دولة الجنوب إلى الدول الموقعة على إتفاق عنتبي والتي تطالب باعادة تقسيم حصص مياه النيل بصورة عادلة بين دول المنابع ودول المصب ، مما يترتب عليه إنخفاض حصة السودان ومصر من مياه النيل ، وهذا سوف يخدم بعض الدول التي لها نظرة مستقبلية لمياه جنوب السودان مثل دولة إسرائيل التي كان لها دور كبير في الإنفصال .
وفيما يتعلق بدولة جنوب السودان ، فأن الإنفصال جعل الدولة الوليدة تعتمد إعتماد كلي على النفط ومبيعاته التي تشكل 98% من ميزانية الدولة ، مما يجعل الاقتصاد معرضاً للهزات الناتجة عن عدم إستقرار اسعار النفط العالمية .
كما أن إفتقار الدولة للبنيات التحتية خاصة البنيات المناسبة لتصدير النفط سيجعلها تعتمد على البنيات الموجودة في دولة السودان سواء كانت خطوط أنابيب أو المؤاني البحرية والنهرية .
وهنالك رؤية بأن الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية بجانب المؤسسات الدولية المانحة سوف تقدم قروض ميسرة لدولة الجنوب بهدف النهوض وتشييد بنى جديدة ، كما أن الولايات المتحدة ستضغط باتجاه إعفاء دولة الجنوب من الديون الخارجية خاصة وأن حكومة السودان تطالب دولة الجنوب أن تتحمل ثلث أعباء ديون السودان باعتبار أن الجنوب كان له نصيب في هذه الديون المقدرة بحوالي 35 مليار دولار .

     ثالثاً – التعاون الاقتصادي بين السودان وجنوب السودان ، الضروريات والتحديات :
يعتبر التعاون الاقتصادي بين السودان ودولة جنوب السودان ضرورة اقتصادية وسياسية ملحة نسبة للروابط العضوية بينهما ، ونسبة لوجود بعض القضايا الاقتصادية التي مازالت عالقة بين الدولتين والتي يحتاج حلها للتعاون والترابط لتحقيق التنمية بالنسـبة للطرفين ،وبالتالي يكون التعاون الاقتصادي من أهم أسس العلاقة بين الدولتين ، وذلك للفرص الاقتصادية الهائلة التي يمكن أن تتحقق في حالة استدامة السلام ، ويأتي النفط وتمدد أنابيبه حتى البحر الأحمر زائدا المصافي والخبرة السودانية من أهم المرتكزات لإستدامة علاقة مثمرة ومفيدة لكل الأطراف .
لعل من أكبر عوامل التعاون المشترك التداخل الكبير على مستوى السكان والامتدادات القبلية والحدود المشتركة الطويلة بين البلدين ، فمن شأن كل ذلك أن يسهم في إقامة منطقة تعاون مشترك ربما تصبح من أغني المناطق في كل أنحاء الدولتين وذلك لتوافر مجموعة من العوامل الاقتصادية أهمها الثروة الحيوانية الكبيرة واعتدال المناخ  طوال فترات العام تقريبا وتوفر المياه لشهور طويلة بالإضافة إلي الأنهار والجداول والخيران الموسمية والثروات المعدنية الاخرى المطمورة في باطن الأرض.(6)
ومن جهة أخرى فأن التعاون والتنسيق بين البلدين يوفر للدولة الجديدة حماية معقولة وإستقلالية ضد الأطماع الخارجية وخصوصا من دول جوارها الإقليمي المباشر كما في حالتي كينيا ويوغندا ، وبالتالي فإن التنسيق مع شمال السودان قد يُسهم في توفير الحماية القانونية وبقاء السلطة في يد الجنوبيين المنحدرين من دولة جنوب السودان دون شكوك كبيرة حول هذا الأمر .
وهنالك مجموعة من الضرورات التي تحتم بناء علاقات إقتصادية قوية بين الدولتين :-
أولاً : سوف يساعد التعاون الاقتصادي بين الدولتين على نزع فتيل التوتر حول الحدود كما يعمل على قسمة الموارد ، وعليه سوف يحقق مكاسب اقتصادية لا غناء عنها لأي من الطرفين .
ثانياً : من أهم الضرورات التي تستوجب التعاون الاقتصادي بين الطرفين بعد الإنفصال ، تحقيق معدلات نمو تضمن تحسن المستوى المعيشي المتدهور والذي كان من مخرجات عملية الإنفصال في الدولتين ، وتوفير فرص عمل في الحضر والأرياف والتخلص من عوامل الفساد ، فهذه التحديات في كل من الدولتين من الأفضل أن تواجه بصورة جماعية ومشتركة من قبل الدلوتين . (7)
ثالثاً : إحتياج دولة جنوب السودان إلى دولة السودان لتصدير النفط ، فهو انسب الطرق للتصدير لقرب المسافة بين مناطق الإنتاج والتصدير .
رابعاً : إستفادة دولة جنوب السودان من الخبرات في مجال البنيات التحتية ، وذلك من خلال الشركات التي تعمل في مجال تطوير البنيات التحتية الموجدة في السودان .
خامساً : تعود المواطن الجنوبي على السلع الإستهلاكية الموجودة في السودان ، والتي تعتبر جزء من ثقافته الإستهلاكية .
وهنالك عوامل قد تساعد في تحقيق التعاون الاقتصادي والتبـادل التجاري بين الدولتين ، أهمها:- (8)  
1.    الجوار الجغرافي الذي يعتبر نقطة قوة للتعاون الاقتصادي بعد الانفصال ، حيث تتوفر وسائل النقل التي تربط بين الدولتين سواء كانت برية أو نهرية أو جوية مما يعني سهولة الإتصال مما يسهل التجارة البينية وتبادل السلع والخدمات بين الدولتين .
2.    وحدة المصالح الاقتصادية بين السودان ودولة جنوب السودان ، خاصة في مجال النفط وتصديره عبر المؤاني السودانية ، وكذلك التداخل الواسع في حركة الرعي بين القبائل الجنوبية والسودانية على طول الشريط الحدودي بين الدولتين .
إلا أن تحقيق التعاون الاقتصادي يحتاج إلى إرادة سياسية تتخطى الخلافات الحادة المتراكمة بين الدولتين واحتواء أي توترات محتملة من المتوقع حدوثها مثل التوترات التي كانت في مناطق النفط في حقول هجليج والتي كانت مستهدفة من قبل القوات المسلحة لدولة جنوب السودان في مارس الماضى .
وهنالك تحديات تواجه التعاون الاقتصادي بين السودان ودولة جنوب السودان ، تتمثل هذه التحديات في :-
أولاً – الوجود الأسرائيلي في جنوب السودان :
منذ إنفصال جنوب السودان تحركت إسرائيل بديناميكية عالية وسريعة في العمل على أن تضع يدها مع حليف تتعاون معه في وسط إفريقيا يربط لها الجنوب الإفريقي مع الشمال، وتضع من خلاله مخططاتها في مياه النيل في شقها الجنوبي، وبالتالي من خلال علاقاتها مع جنوب السودان وإثيوبيا تكون قد أوجدت موقعها وقرارها في منابع ومياه النيل، فعملت إسرائيل عبر المساعدات والدعم لإستقطاب الدولة الجديدة والتي بالضرورة وهي في مراحل تأسيسها تفتقد الكثير من البنيات وتحتاج المزيد من العون.
أن الموقع الجيوسياسي لمنطقة جنوب السودان ذا أهمية بالغة لإسرائيل نسبة لوقوعها في أعالي منابع نهر النيل وبالتالي فإن إقامة علاقات قوية معها من شأنه أن يحقق مكاسب عديدة لإسرائيل سياسياً واقتصادياً وأمنياً، وتهدف أسرئيل بذلك لان تكون قوة ضاربة سياسياً واقتصادياً في المنطقة بجانب بناء علاقات مع دول منابع حوض النيل لحل مشكلة المياه بالنسبة لها .(9)
ثانياً – الشركات الإستثمارية الغربية :
وهذه الشركات لها قدرة تنافسية على الفوز بالعطاءات المطروحة من الجهات الإدارية في حكومة جنوب السودان ، خاصة وأن العالم يمر بازمة اقتصادية معروفة . وربما يتحول جنوب السودان إلى منطقة نفوذ اجنبي معادي للسودان بسبب التدفقات المالية و الشركات الغربية التي جاءت بغرض الاستثمار .
ثالثاً – حصة جنوب السودان من مياه النيل :
حيث تشكل المياه عنصراً أساسياً في الجانب الاقتصادي في المنطقة ، وقد أصبح الوضع أكثر تعقيداً فيما يتعلق بحصة جنوب السودان بعد الإنفصال - وهل ستكون من إجمالي حصة السودان التي أقرتها إتفاقية 1959 ، وأصبحت المياه هاجساً بالنسبة للسودان الشمالي وكذلك مصر ، نسبة للعلاقات المتميزة لحكومة جنوب السودان بدول المنابع ، مما يعني بأن الدولة الوليدة ستجد الدعم الكامل من تلك الدول في حال مطالبتها بحصتها من مياه النيل وستجد دول المنابع سانحة لخلخلة الإتفاقيات القائمة والتي دعت لإلغائها في عدة مناسبات وسعت إلى لإعادة توزيع حصص المياه بين دول المنبع والمصب حسب بنود إتفاق عنتبي الإطاري .
إضافة إلى أن كل مشاريع زيادة إيراد نهر النيل (جونقلي1و2 ، بحر الغزال ، مشار) توجد في جنوب السودان ، ونسبة لعدم الإستقرار الأمني فأن هذه المشاريع لن تجد طريقها للتنفيذ في المدى القريب وإذا نفذت سوف يكون هنالك جدل بشأن توزيع عائداتها .(10)
وقد كان للتدخل الخارجي دور في الصراع حول موارد المياه في المنطقة ، خاصة أسرئيل التي عملت على تفتيت وحدة السودان كأحد أهداف الإستراتيجية الأسرائيلية للسيطرة على مياه النيل ، لذلك عملت اسرئيل على الإعتراف بالدولة الجديدة وإقامة علاقات تعاون معها ، وبالتالي عملت على إنشاء مشاريع المياه والسدود بواسطة رأس المال الأسرائيلي تمهيداً للسيطرة على مياه النيل والتي سوف تحدث الضرر في نصيب السودان الشمالي الذي يعتبر العمق الإستراتيجي بالنسبة لمصر ، ويمكن أن يؤثر ذلك على قطاع الزراعة وعائداته وبالتالي يحدث خلل في الميزان التجاري فيما يتعلق بالصادرات الزراعية .

    رابعاً – أثر النفط على العلاقات الثنائية بين الدولتين :
بداء الإنتاج التجاري للنفط في السودان في عام 1999 وذلك قبل إنفصال دولة الجنوب ، في حدود 150 ألف برميل في اليوم بعائدات صادرات من النفط تقدر بحوالي 275.9 مليون دينار ، وعملت هذه العوائد النفطية على تخلص السودان من فاتورة النفط المستورد الذي يكلف الخزينة العامة للدولة حوالي 400 مليون دولار سنوياً والتي كانت تساوي 80% من عائدات الصادر .(11)
وعقب إستفتاء حق تقرير المصير وإنفصال جنوب السودان ، أصبح النفط يشكل إداة توتر وعدم إتفاق بين حكومتي السودان وجنوب السودان ، وذلك لعدم الإتفاق على تقسيم العوائد النفطية ، والإختلاف حول تبعية الحقول البترولية لأي من دولة السودان وجنوب السودان .
ومعظم إنتاج النفط السوداني(70-80%) يأتي من حقول جنوبية ، وتعتبر أبيي من أكبر الحقول لإنتاج النفط في السودان ، ويمثل النفط عصب الاقتصاد السوداني ، حيث يمثل 90% من حجم الصادرات السودانية ، كما يمثل 50-60% من إجمالي الموارد العامة لموازنة دولة السودان ، ويمتاز السودان بامتلاكه للمصفاة الوحيدة لتكرير النفط بجانب خطوط تصدير النفط عبر ميناء بشاير على ساحل البحر الأحمر .(12)
أما حكومة الجنوب تمتلك حوالي 73% من إجمالي النفط السوداني ، بعوائد تقدر بنحو 4 مليار دولار ، بمعدل 500 ألف برميل يومياً وإستثمارات تقدر بأكثر من 9 مليار دولار ، ولا يعرف لحكومة جنوب السودان مورد اقتصادي أخر غير النفط عدا بعض المداخل الضعيفة من الرسوم الجمركية بنسبة 2% من إجمالي موازنة الحكومة ، بمعنى ان النفط يشكل 98% من جملة صادرات دولة جنوب السودان ، ودلوة الجنوب تمتلك الحجم الأكبر من حقول النفط ولكن السودان يمتلك كافة البنى التحتية لخدمات البترول .(13)
وفيما يتعلق بقسمة عائدات النفط ، فقد أوضحت إتفاقية نيفاشا التي تم التوقيع عليها في يناير 200 إلى أن يتفق الطرفان على اسا الإطار المحكم المتفق عليه لتنمية قطاع البترول خلال الفترة الإنتقالية يتضمن إستغلالاً مستداماً للبترول كمصدر طبيعي غير متجدد متفقاً مع المصلحة القومية والصالح العام ومصلحة الولايات ومصالح السكان المحليين في المناطق المتأثرة ، كما أشارت الإتفاقية للإهتمام اللازم لتهيئة المناخ المناسب لتدفق الإستثمارات الأجنبية و تهيئة مناخ اقتصادي كلي مستقر يعزز على إستقـرار قطاع البترول ، على أن يتفق الطرفان على تشكيل مفوضية  مستقلة للنفط خلال الفترة الإنتقالية تتخذ قراراتها بتوافق الأراء، واشارت الإتفاقية لقسمة عائدان النفط مناصفة بين حكومة الشمال وجنوب السودان بعد خصم 2% هو نصيب الولايات المنتجة مقابل.(14)
وبعد الإنفصال لم يتم إتفاق حول تقاسم العوائد النفطية  بجانب الإختلاف على تبعية بعض حقول البترول في منطقة أبيي لأي من حكومة الشمال أو دولة الجنوب ، وقد كانت مشكلة أبيي حجر عثرة في التوصل إلى غتفاق سلام بين طرفي التفاوض في نيفاشا ، وقد قبل الطرفان إعلان المبادي المقدم من السناتور دارنفورث على أن أبيي هي جسر بين الشمال والجنوب ، ومؤخراً حسمت محكمة العدل الدولية في لأهاي في يوليو 2009 النزاع حول ترسيم حدود أبيي والذي قضى بتقليص حدود أبيي من 850 كلم إلى 10 ألف كلم وعليه باتت الحدود الشمالية للمنطقة عند خط العرض 10 درجات ، وقد منح هذا الترسيم الجديد حوالي 12.10 كلم من جملة 16 ألف لحكومة الشمال .
لكن حكومة دولة جنوب السودان وقفت موقفاً رافضاً بعد الإنفصال لداد ماعليها من متأخرات أعلنتها وزارة النفط في وقت سابق ، حيث أتهمت دولة الجنوب بالمماطلة والنكوص عن تسديد الرسوم التي بلغت 727 مليون دولار ، وبدلاً من الإتفاق والإقرار بمستحقات السوادن تعمل حكومة جنوب السودان للبحث عن خيارات اخرى لتصدير النفط إلى الأسواق العالمية عبر مؤاني كينيا ، ويرى المحللون صعوبة ذلك نسبة لعدة صعوبات تتمثل في التكلفة العالية والتضاريس الوعرة حسب التكوين الجغرافي .(15)
ومن الواضح أن صراع النفط بين السودان وجنوب السودان هو جزء من الصراع الأميركي الصيني غير الظاهر للإستيلاء على الموارد في أفريقيا ، ولهذه القوى الغربية مصلحة في إنفاذ بعض الأجندة الخاصة بها خاصة الولايات المتحدة التي تعمل لمصلحة اليمين المسيحي المتطرف ومن خلفه شركات البترول التي تسعى لإستعادة حقها المسلوب من بترول الجنوب والتي تدعي ملكيته لأنها قامت باكتشافه ، كما أن الولايات المتحدة تعهدت بدفع كل منصرفات الفجوة المتعلقة بإيقاف النفط عبر الأراضي السودانية لمدة خمس سنوات قادمة وساهمت بنسبة 40% لبناء الخط الجديد الناقل للبترول عبر ميناء لامو في كينيا .(16)
ويتضح أن كل من حكومتي السودان وجنوب السودان لا تتحملان وقف البترول وان أختلفت درجات التحمل ، ومن المحتمل أن يتوصل المفاوضون في أديس ابابا في هذه الفترة إلى حلول ترضي الطرفين بعد إيقاف ضخ البترول الجنوبي عبر خط الأنابيب السوداني ووصل القضية إلى مرحلة الأزمة بين الطرفين ، وعليه هنالك سناريوهات يمكن أن يلعبهما النفط باعتباره مورد اقتصادي في التأثير على طبيعة العلاقات الثنائية بين الدولتين :
أولاً : أن يكون النفط وسيلة تعاون واتفاق وتقارب بين الدولتين لأن دولة الجنوب دولة حبيسة وكل البنى التحتية لتسويق النفط موجودة في السودان ، بجانب إحتياج السودان للعائد المادي جراء تصدير نفط الجنوب للمحافظة على الإستقرار السياسي والاقتصادي . وعليه سوف يتفق الطرفان في هذه الحالة على إجراءات قانونية على العوائد النفطية بصورة مرضية لكل من الطرفين .
ثانياً : يكون النفط وسيلة توتر وإختلاف وبالتالي يقود إلى حرب ثالثة بين الطرفين ، نسبة لعدم التوصل إلى صيغة ترضى الطرفين في المفاوضات بشأن العوائد النفطية ، وهو مسبعد لدرجة ما لأن حكومة السودان التي قبلت بنتيجة تقرير المصير وإقتطاع الجنوب كحل للمشكل لا يعقل أن تعود للحرب مرة أخرى بسبب النفط .

    خامساً – إمكانية تحقيق التكامل الاقتصادي بين الدولتين ومستقبل العلاقات :
التكامل الاقتصادي بين مجموعة الدول هو تحقيق الإعتماد المتبادل بين اقتصادياتها بدرجات تتراوح تصاعداً بين صور التعاون الاقتصادي البسيط وبين أقصى درجات الإندماج الاقتصادي الكامل ، ويبدأ التكامل الاقتصادي بمرحلة التجارة التفضيلية ثم مرحلة التجارة الحرة ثم الاتحاد الجمركي ثم السوق المشتركة وأخيراً تحقيق التكامل الاقتصادي . (17)
ويفتقد كل من السودان ودولة الجنوب بشكل اكبر الي المقومات الاقتصاديات الحديثة من بنيات تحتية و هياكل وأنظمة اقتصادية ومالية متطورة و مستويات الكفاءة والقدرات البشرية مع تفشي البطالة بشكل كبير وارتفاع معدلات الفقر.، بالتالي هذا الواقع يضفي أهمية للتكامل الاقتصادي بين دولتي السودان لتحقيق نهضة صناعية تعتبر شرطا أساسيا لتحديث الهيكل الاقتصادي .
ويعتبر التكامل الاقتصادي صيغة متقدمة للعلاقات الاقتصادية بين البلدين وعمليات تنسيق مستمرة ومتصلة تهدف لإزالة القيود على حركة التجارة والمعاملات الاقتصادية والإنتاجية بين الدولتين ، وبناء أنظمة اقتصادية متجانسة بهدف تحقيق معدلات مقبولة للنمو الاقتصادي . لذلك فأن تحقيق التكامل الاقتصادي يبين الدولتين يعتبر من الضرورات الاقتصادية والسياسية الملحة في مسار العلاقات بين الدولتين في المدي القريب .
ويحتاج تحقيق التكامل بين الدولتين إلى كثير من الجهود والزمن حتى تتضـح معالمه ، لذلك تعتبر عمليات التكامل عمليات متدرجة تتم من خلال الإدراك السليم لمقاصدها وتخضع لإتفاقيات يحكمها القانون مما يجعلها خاضعة لإحكام شبيهة بالمعاهدات الدولية .
وهنالك عدد من العوامل التي يمكن الاعتماد عليها في بناء التكامل الاقتصادي بين الدولتين هي : (18)
أولاً : التفاهم حول قسمة الموارد المشتركة او المتداخلة بين الطرفين والتي أهمها المياه و الأراضي الزراعية ومسارات الرعاة وحقول النفط المتداخلة و عناصر الإنتاج ومصادره ذات المزايا الاقتصادية المشتركة ، بجانب الاستخدام المشترك للموارد البشرية خاصة في مجالات مثل التعليم العام والعالي و التدريب و الخدمات الصحية و الخدمة المدنية و القطاع المصرفي وتنسيق المواقف الدولية المتصلة بتلك العناصر .
ثانياً : إقامة مناطق للتجارة الحرة المعتمدة علي اتحاد جمركي يشمل ذلك إزالة القيود الجمركية و حرية انتقال السلع و توحيد التعريفات للتجارة الخارجية ، وترشيد عمليات النشاط الاقتصادي ، وتنسيق السياسات الاقتصادية الخارجية بين الدولتين .
ثالثاً : إقامة اتحاد نقدي بين البلدين حتي في حالة اختلاف الوحدتين النقديتين والشروع في إجراءات وحدة اقتصادية مؤسسة علي سوق مشترك يشكل بورصة للتداول بين الشمال والجنوب.
رابعاً : بناء الثقة بين المنتجين وتوسيع فرص ومزايا الاستثمار المشترك بين المؤسسات الإنتاجية الاقتصادية للسير نحو الاندماج للاستفادة من مزايا الإنتاج الكبير مما يشكل عاملا حيويا يسهم في تطوير الإنتاج وتحديثه ومواكبة التقدم التكنولوجي الحديث في عمليات الإنتاج ومراحله المختلفة ، مع ضرورة التركيز علي أهمية توسيع فرص الاستثمار الصناعي
خامساً :  السعي نحو الاندماج الاقتصادي الكامل، الذي يؤدي الي توحيد السياسات النقدية والمالية وتكون متمتعة بسلطة اتخاذ القرارت الملزمة للطرفين ، ودعم قدرات القطاع العام لضمان وضع سياسات تكاملية وتنفيذها بشكل فعال تهدف إلى دعم المناخ التنافسي والمزايا النسبية للمنتجات في الدولتين وشفافية ووضوح القرارات الاقتصادية والتي بدورها تعمل على التطبيق التدريجي لقوانين واجراءات التكامل الاقتصادي واتباعها في الممارسة العملية على مستوى المؤسسات العامة .
من الشروط الضرورية لنجاح التوجه نحو التكامل الاقتصادي بين دولتي الشمال والجنوب لأبد من وجود التجانس في الأنظمة السياسية والاقتصادية، وقد يشكل ذلك معوقاً أساسياً نسبة لأن كل من الدولتين تتبعان مناهج متباينة في السياسة والاقتصاد، وتجاوز هذه العقبة يكمن في إدراك أهمية التكامل الاقتصادي بين الدولتين وأنه يشكل ضرورة قصوى لتحقيق الاستقرار المطلوب بجميع عناصره والذي يعتبر بدوره شرطا أساسيا لضمان الأداء الاقتصادي النشط وتحقيق أهداف التنمية والنمو الاقتصاديين.
وتحقيق التكامل الاقتصادي بين السودان وجنوب السودان يتطلب كذلك الإنتقال من العقلية الحزبية المسيطرة على الشراكة بين حزب المؤتمر الوطني وبين الحركة الشعبية إلى عقلية الدولة التي تحكمها المشاركة الواسعة لجميع مكونات المجتمع وقواه الفاعلة إستناداً إلى المؤسسية والمواثيق القانونية على شاكلة المعاهدات الدولية الملزمة للطرفين .
وبصفة عامة، فأن مستقبل العلاقات بين السودان الجنوبي والشمالي سيكون مرهونا بنتائج المفاوضات بين الدولتين حول القضايا الجوهرية العالقة وترتيبات ما بعد الاستفتاء، حيث يعد كل من ملف مستقبل منطقة أبيي وملف ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب هما الأكثر خطورة فيما يتعلق باستقرار العلاقات بين دولة شمال السودان ودولة جنوب السودان الوليدة.
وعلي الرغم من العديد من التصريحات الإيجابية لدولة الجنوب التي تؤكد دوما أنها تضع العلاقات مع دولة شمال السودان ضمن أولويات علاقاتها الخارجية، فإن العديد من المراقبين يعكسون عدم تفاؤلهم لسير طبيعة العلاقات بصورة جيدة وهي لم تكن واضحة ، وذلك بسبب إنعدام الثقة في الفترة الإنتقالية التي أعقبت الإنفصال ، وكان متوقعاً أن يسعى الجانبان سريعاً إلى إقامة علاقات تؤدي إلى تعاون اقتصادى يصل إلى درجة التكامل، بناء على أن الجنوب تدخله حوالى150 سلعة من الشمال عبر منفذ ميناء كوستي والطرق البرية في الولايات الاخرى، إلا أن الأوضاع لم تسير كذلك .(19)
ويتوقع المحللون زيادة حدة التوتر السياسي بين السودان و دولة جنوب السودان خاصة في الفترة الحالية التي أعقبت الإنفصال ، وذلك لوجود العديد من العوامل الداخلية والخارجية التي ستعمل علي إفساد العلاقات المستقبلية بين الدولتين والتي تتمثل في : (20)
1.    وجود العقيدة القتالية لجيش جنوب السودان ، والتي ستوجه ضد السودان باعتباره العدو التاريخي والإستراتيجي لدولة الجنوب .
2.    تغيير نمط القيادة السياسية في الجنوب بإنتقال رئيس حركة التمرد إلى قائد للتحرير ، فمن المتوقع أن يكون أقل مرونة وأقل تفهماً لحل القضايا العالقة مع السودان .
3.    إحتمالية لجوء دولة الجنوب مع ظهور بؤر تمرد وعصيان على حكم الحركة الشعبية بعد الإنفصال ، بدوافع قبلية واقتصادية إلى حيلة توحيد الجبهة الداخلية على مزاعم وجود تهديد وعدوان خارجي يهدد بقاء دولة الجنوب من قبل السودان الشمالي .
إلا أن التوقيع الذي تم مؤخراً  في أديس ابابا في 13 مارس 2012 على الإتفاق الإطاري بين حكومتي السودان وجنوب السودان من المتوقع أن يعمل على تغيير مسار العلاقات بين الدولتين ، حيث أكد الطرفان أن شعبي السودان وجنوب السودان راغبان في التعايش السلمي وبناء علاقات متجانسة ، ويؤكد الإتفاق ضرورة تأسيس ترتيبات التعاون المشترك والتنفيذ للسياسات والإلتزامات ذات الصلة ، كما نص الإتفاق على ضمان الحريات الأربعة " الإقامة ، التنقل ، العمل ، التملك" لكل من مواطني الدولتين .(21)
وقد أثار هذا الإتفاق الإطاري بين الدولتين جدلاً واسعاً في أوساط المحللين السياسيين ، حيث أكدوا أنه بالرغم من هذا الإتفاق إلا أنه هنالك قضايا لم تحسم بصورة نهائية مثل قضية النفط ، وبما أن مواطني دولة الجنوب قد اختاروا الإنفصال فليس لهم الحق في التمتع بالحريات الأربعة هذه ، ويبقى نجاح هذا الإتفاق مرهون بمدى إلتزام الطرفين بالبنود التي جاءت فيه مع إثبات حسن النوايا من كل طرف تجاه الأخر .



    النتائج والتوصيات :
من خلال التحليل للموضوع محل الدراسة تم التوصل إلى النتائج الآتية :
أولاً :
هنالك مجموعة من الروابط التي لا يمكن إغفالها حتى بعد الإنفصال بين دولة السودان وجنوب السودان في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، تشكل قاعدة لتنمية العلاقات بين الدولتين .
ثانـياً :
هنالك حاجة ملحة لضرورة التعاون الاقتصادي بين الدولتين ، وذلك لمعالجة القضايا التي ما زالت عالقة والتي لا يمكن معالجتها إلا بالتعاون وتوافق الرؤي بين الدولتين ، وذلك نسبة لتأثيرها على مؤشر الاقتصاد في كل من الدولتين ، على أن تتم الاستفادة من الجوار الجغرافي والمصالح المشتركة في تحقيق ذلك التعاون .
ثالثـاً :
الموقف المتزمت والرافض للحوار من قبل حكومة جنوب السودان بخصوص توزيع العوائد النفطية سيضر باقتصاد دولة الجنوب في المقام الأول ، لأنها تعتمد على الإيرادات البترولية بنسبة 98% وبالتالي لا يكون لها خيار إلا بالتفاوض والتعاون مع حكومة السودان لتحقيق المنفعة للطرفين بدلاً من التعاون مع دول الجوار الإقليمية التي تحقق في تعاونها مع حكومة جنوب السودان تنفيذ مصالح الدول الغربية في سبيل الإستيلاء على الموارد في القارة الأفريقية .
وعليه توصي الورقة بالآتي :
1.    ضرورة صياغة إستراتيجية واضحة لعلاقات السودان بدولة جنوب السودان ، وتكون علاقة أكثر تميزاً على علاقات دول الجوار الآخرى .
2.    يكون التعاون بين الدولتين على درجة عالية من الشفافية والوضوح بعيداً عن الفساد المالي ن ودرجة من الثقة المتبادلة بجانب وضع تشريعات مشابهة للصيغ الدولية .
3.    الوصول بواسطة الآلية الأفريقية إلى حلول نهائية لأزمة النفط بين الدولتين ، والاتفاق على ترتيبات اقتصادية فاعلة ، على أن تكون المفاوضات بقيادة فنيين وخبراء اقتصاديين من الدولتين مع الإستعانة بالخبرات الدولية .


الهــوامــش :

1.    غراهام ايفانز وجيفري نوينهام – قاموس بنغوين للعلاقات الدولية – دبي : مركز الخليج للأبحاث – 2004 – ص 681.
2.    إتفاقية السلام الشامل، الفصل الأول، الجزء أ، المادة 1-3،  يناير 2005، ص2 .
3.    السماني النصري محمد أحمد – مستقبل التواصل مع دولة جنوب السودان – ورقة مقدمة لمؤتمر علاقات السودان بدول الجوار – الخرطوم : جامعة أفريقيا العالمية – أكتوبر 2011 .
4.    مدثر أحمد إسماعيل – مستقبل السودان بعد الإنفصال – ديسمبر 2010 www.sudanesonline.org.
5.    المعتصم أحمد علي الأمين - محفزات ومهددات العلاقة بين السودان ودولة جنوب السودان- يناير 10-4-2012
6.    إجلال رأفت – إنعكاس قيام دولة الجنوب على الوضع في السودان ودول الجوار – المركز العربي للأبحاث والدراسات السياسية - 10 فبراير 2011 .
7.    حسن بشير محمد نور – امكانية تحقيق التكامل الاقتصادي بين السودان وجنوب السودان – مركز التنوير المعرفي – 22 فبراير 2011 .
8.    عبد الرحمن أحمد عثمان – الأسس الإستراتيجية لعلاقات السودان بدولة جنوب السودان – ورقة مقدمة لمؤتمر علاقات السودان بدول الجوار – الخرطوم : جامعة أفريقيا العالمية أكتوبر 2011 .
9.    المعز فاروق محمد أحمد – إسرائيل والصراع الإستراتيجي في القرن الأفريقي – الخرطوم : شركة مطابع السودان للعملة 2010 – ص 409.
10.    سيف الدين يوسف محمد سعيد – الأمن المائي السوداني – ورقة مقدمة لمؤتمر قضايا ما بعد الإستفتاء – الجمعية السودانية للعلوم السياسية – نوفمبر 2010.
11.     عادل أحمد إبراهيم – ورقة عن النفط مقدمة لمؤتمر قضايا ما بعد الإستفتاء ، الجمعية السودانية للعلوم السياسية – 2010 .
12.     همام سرحان – التفاهم حول تقسيم نفط السودان بين الشمال والجنوب هو الحل – يناير 2011 www.swissinfo.ch
13.     خالد حسين محمد – الصراع على النفط بين الشمال والجنوب – المركز السوداني للخدمات الصحفية –31-1-2012 www.smc.sd
14.     إتفاقية السلام الشامل CPA – نيافاشا 2005 .
15.     هنادي النور- الخرطوم وجوبا، النفط صراع المصالح- صحيفة الإنتباهة ، العدد 2115 يناير 2011  www.alintbaha.net
16.     خالد حسين – مصدر سابق .
17.     عبد الحافظ الصاوي – مقومات ومعوقات التكامل الاقتصادي بين مصر والسودان – ورقة مقدمة لمؤتمر التكامل الإقليمي في أفريقيا ، رؤى وآفاق – القاهرة : معهد البحوث والدراسات الأفريقية ، جامعة القاهرة – أبريل 2005 .
18.     حسن بشير محمد نور – مصدر سابق .
19.     سيف جامع –  مفاوضات اديس ابابا ، معركة النفط ما زالت مستمرة بين الخرطوم وجوبا – صحيفة الأهرام اليوم - بتاريخ 20-3-2012 على الموقع   www.alahram.com               
20.     نورا اسامة – حسابات الدولة الوليدة "العلاقات الخارجية لدولة الجنوب" – الأهرام الرقمي – يوليو 2011 www.digital.ahram.org
21.    www.sudanjem.com      بتاريخ 21-3-2012

 

آراء