طرفان ،، نعم

 


 

 

المغيرة التجاني علي

mugheira88@gmail.com

لا أظن أن هنالك شعباً أدمن الجدل و أمتهن المغالطات و تشربها مثل شعبنا في بلاد السودان . و لعمري أن ذلك قد أضاع علينا كثيراً من الوقت و أهدر النفيس من الفرص لجهة تقدم و رفاهية انسانها .ولعل استدامة هذا التنازع الطويل الذي قاد البلاد الي مواجهات مسلحة, يعود الي نوع هذه المغالطات و الجدل العقيم و محاولة طمس الحقائق والانتصار للذات والتمسك بالمواقف مهما كان عظمها و عدم التراجع عن الأخطاء في حالة من الكبر و العناد ليس من مثيل له في عالمنا و لا في ما سلف من قصص الأولين .
و للغرابة فإن هذا الجدل يتعدي حدود المواقف و الاتجاهات السياسية و الايدلوجية الي مغالطة التاريخ نفسه , طارفه و تليده , و انكار الوقائع الماثلة , بل يصل الي مغالطة المصطلحات و المفاهيم و مدلولات مفردات اللغات و تظل الأطراف تتمسك برؤاها و معتقداتها حتي و ان بدأ لها خطل مواقفها و تبيان حقيقتها .
و المغالطة التي نشأت و منذ اندلاع هذه الحرب حول مفهوم (( طرفي )) الصراع, و تكرس حتي في أعلي المستويات الادارية و الثقافية والصحفية, جدل بيزنطي , يغالط معني المفردة المعنية و محدداتها و مدلولها في لغتنا السائدة العربية أو جميع لغات العالم . فحينما يقال أن طرفي الصراع في السودان هما الجيش السوداني أو الحكومة أو الدولة , أي كان موقعها و الدعم السريع , سواء أكان مليشيا أو فصيلا عسكريا متمردا أو باي صفة يجي , لهما ( طرفان ) اثنان مهما تغالط المتغالطون أو تجادل المتجادلون , فهذا أمر بين و توصيف واضح و جلي , ناهيك عن ايهما الأصل أو الفرع , أو من الباغي و من المعتدي عليه و الي غير ذلك من الملهيات التي ظلت مكان تجاذب .

قال تعالي ﴿ ۞ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ ( 41 سورة الأنفال )

فالجمعان هنا في كل تفاسير الآية الكريمة هما جمع المؤمنين وجمع الكافرين , فهما طرفان تقابلا في المعركة – معركة بدر – و معلوم من هو علي الحق و من علي الباطل و يدخل في معني ذلك أن كلاً من يكون خصما أو شريكا حتي , ليس له في مدلولات اللغة غير وصف واحد وهو ( طرف ) فقوم موسي و قوم فرعون طرفان و يوسف عليه السلام وشقيه طرف وأخوته طرف ثان . و المعسكر الشرقي و المعسكر الغربي طرفان و الهلال و المريخ في الملعب طرفان و الصائد و الفريسة طرفان و عند انفصال الزوجين يتحزب الأهل طرفين و حينما جلس ممثلو الجيش و ممثلو الدعم السريع في جدة والمنامة فهما طرفان و لا أراني في حاجة بعد كل هذا التمثيل أن أورد ما يعد من باب الاسهاب الممل .

و لا ندري من بعد , لأي لغة نحيل الرافضين لهذا التوصيف ( اللغوي ) حتي يقتنع إخواننا في الوطن أن الحرب الدائرة الان في بلادنا , غض النظر عن تفصيلاتها فهي حرب بين طرفين , الجيش الوطني و فصيل تمرد عليه هو الدعم السريع فهما و لا مشاحة ( طرفان ).

 

آراء