طريق الموت إلى …الحياة
منى عبد الفتاح
7 April, 2013
7 April, 2013
كيف لا
إعلان وزارة النقل عن مسار إضافي لطريق الخرطوم/مدني (طريق الموت )، إعلان يستحق الوقوف عنده لأنّ أهل الجزيرة الذين يشق الطريق قراهم ظلوا لعقود من الزمان يحملون موتاهم من ضحايا هذا الطريق ويدفنونهم في صمت مهيب. وفي صمتهم هذا كلام لم يجرأوا يوماً على خروجه من صدورهم بالرجاء والمطالبة وإنما زيّن أملهم في توسعة الطريق بإضافة مسار آخر، الانتظار والصبر الجميل في أن يحس الولاة المتعاقبين على ولايتهم تحملهم فارهات السيارات على ذات الطريق إلى مواقع عملهم. أو أن تعكس مأساة الطريق والحوادث المتكررة عليه صداها على زيارات المسئولين الحكوميين لأغراض أولها الاستثمار وأوسطها سحب الدعم الشعبي وآخرها الذي لم يفكر فيه مسئول واحد هو مشكلة هذا الطريق. فلو لم يكن هناك إحساس به كمشكلة على المستوى الإنساني، ألم يفكّر مسئول واحد بأنّ هذا الطريق القومي كان بإمكانه أن يساهم في التنمية بشكل أكبر لو تمّ الاهتمام به؟
على ذات الطريق كانت تُخرجنا إدارات المداس من مدارسنا بعد أن تنزعنا من صباحاتنا الجميلة ودروسها ووقفة الطابور لتوقفنا طابوراً آخر ننتظر مسئولاً زائراً، محشورين على جنبات الطريق الإسفلتي الذي لا يتجاوز عرضه بضع خطوات لا تتسع لمركبتين معاً. وفي هذا الطابور الممتد تلسعنا حرارة الشمس المنعكسة من سواد الأسفلت وكأننا نقف على حواف جهنّم لا يبردها وعد المسئول بأن سنفعل كذا وكذا . كم أرهقونا منذ أن كنا صغاراً بسين الوعود هذه ، ونحن لم نكن ندرك أنّ وعد مسئول حكومي يعني إحدى الفقاعات الكبيرة التي تتلاشى بعد النطق بها ومغادرتها فِيه مباشرة ،حتى لو تردد صداها عبر مكبرات الصوت لحين يتثاقل بين السمع والوعي وعدم التصديق لما يقول . وفيه أيضاً نرى كيف تتغول المركبات على الرصيف الترابي الذي يقف عنده من ينتظر المواصلات تحمله إلى موقع عمله أو إلى جامعته أو إلى أي غرض يرجوه، بل يرغمه المرّ على سلوك هذا الطريق الذي تستعيذ منه النساء الماضيات إلى الاستشفاء أو زيارة قريب بعيداً عن مركز البلدة وكأنهن يرين الشيطان الرجيم.
والمسعودية من ضمن البلدات الموزعة على جنبات هذا الطريق يشقها إلى نصفين، لم تتعود أن تسأل أو تطلب من مسئول ماراً بها شيئاً ، كانت تكتفي بإكرامه ذبائح أنعام من خالص انتاج البلدة، حيث لا تأكل مواشينا من فتات الحكومة وانتاجها، ولا تعرف عنها وزارة الثروة الحيوانية شيئاً ولا تدري وزارة الزراعة أي عشب تتناوله. كل شيء محلي خالص :الماء ، العشب ، حتى الأمصال البيطرية يتداولها الأهالي فيما بينهم بعد أن تصل طرودها من الأطباء البيطريين المغتربين.
يُكرم المسئول ذبائح محلية بالكامل ، ويتعفف أهل البلدة من سؤاله عما ينقصهم أو يكدّر حياتهم وهو هذا الطريق المأساوي. قامت نهضة البلدة على أكتاف بنيها الذين تقاطروا على دول الخليج وبالذات المملكة العربية السعودية ، وأصبحو يزجون بأولادهم إلى نار الغربة حتى ترسخت قناعة الاغتراب كمعين أساسي على ظروف الحياة ، وتحولت هذه القناعة إلى عقيدة إنقاذية . بنى المغتربون المدارس وأسسوا المشاريع وازدهرت التجارة ، ومع كل حكومة جديدة يزدادون انكفاءً على أنفسهم باكتفائهم الذاتي .
سيعمل هذا الطريق بمساره الجديد بالإضافة إلى تسهيل الحركة المرورية ، على انخفاض الحوادث وسيؤدي إلى سلامة مستخدمي الطريق راكبين وراجلين ، وبه تُصان الأنفس وتدعو بالرحمة لما تم حصادها على مرّ السنين .
(عن صحيفة الخرطوم)
moaney [moaney15@yahoo.com]