طلعت الطيب وإطلاق الاحكام النهائية والجازمة حول إصلاح الحزب الشيوعي
صديق الزيلعي
13 June, 2024
13 June, 2024
صديق الزيلعي
أطلق الدكتور طلعت الطيب احكاما قاطعة وجازمة، بل ونهائية حول عدم جدوى قضية اصلاح الحزب الشيوعي. جات تلك الاحكام، خلال عرضه، لندوة اسفيرية نظمها مركز الدراسات السودانية ومنصة المصطبة العجيبة، تحدثت فيها عن الحزب الشيوعي بين الواقع الراهن ومآلات المستقبل. عرضت فيها الأدوار التاريخية المتميزة التي لعبها الحزب الشيوعي في بلادنا، وشرحت مظاهر التفرد والتجديد خلال مسيرة الحزب، كما عددت مظاهر الجمود. خلصت لان الحزب يحتاج ان يجدد طرحه الفكري وبرنامجه وأساليب عمله. وتنبأت ان عدم التجديد سيجعل الحزب الشيوعي مثل الأحزاب الشيوعية الاوربية، التي تقلص دورها السياسي كثيرا.
سعدت بمقال الدكتور طلعت الطيب لأنني من دعاة الحوار العقلاني، وان الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني ليست فوق النقد. وكل ما يطرح في الفضاء العام هو دعوة صريحة للحوار مع تلك الاطروحات برؤى نقدية. والحزب الشيوعي ليس استثناءا عن تلك القاعدة، فتاريخه وأطروحاته الفكرية وبرامجه هي ملك لشعبنا، فور صدورها عن الحزب.
حدد الصديق طلعت نقده لطرحي في أربعة نقاط هي: استحالة اصلاح الحزب الشيوعي، وثيقة الحزب حول الديمقراطية هي استهبال سياسي، جعل عبد الخالق ايقونة الإصلاح في تاريخ الحزب، السدانة الأيديولوجية.
النقطة الأولى:
أعتبر طلعت قضية اصلاح الحزب الشيوعي قضية مستحيلة، فذاك الحزب فات فوقو الفوات حتى انه أصبح عبئا على معارضة مدنية تقف في مواجهة جيوش مدججة بالسلاح. هذا طرح عدمي واحكام قاطعة ونهائية. اعتقد ان معرفة طلعت بتاريخ الحزب الشيوعي معرفة غير دقيقة لذلك لم يتعرف على المحطات التي مر بها والاطروحات التي تمت داخله. آخرها، المناقشة العامة والعلنية التي استمرت لمدة 14 عاما وكانت فرصة لكل من يتابع الحركة السياسية السودانية ليتعرف على حيويتها وتعدد وتنوع طرحها. كما لم يتعرف على مئات المقالات وعشرات الكتب التي أصدرها أعضاء الحزب حول كافة قضاياه. لذلك من التبسيط المخل طرح طلعت مثل هذه الاحكام بثقة تامة في عدم قدرة أعضاء الحزب على تجديد حزبهم.
تعلل طلعت بالمركزية الديمقراطية التي تعوق التجديد. وهذا مؤشر آخر لعدم متابعته النقد الذي قدم للمركزية الديمقراطية والدعوة لتغييرها. كما ان عددا من الأحزاب الشيوعية قد تخلت عن المركزية الديمقراطية. المركزية الديمقراطية ليس نصا مقدسا غير قابل للتغيير.
أحد أهم القوانين التي تتحكم في حياتنا ان لا شيء ثابت، وان التغير هو صيرورة مستمرة. وصدق الفيلسوف الاغريقي الذي لخص المسألة في أنك لا تنزل الي النهر مرتين. طرح طلعت يعني ان كل تلك العوامل لن تؤثر على الحزب الشيوعي الذي هو كتلة صماء جامدة لا حياة فيها ولا حركة.
دعوة طلعت تتعارض تماما مع اجتهاد الالاف من أبناء وبنات شعبنا، من كل التوجهات السياسية، لتطوير وتجديد احزابها، وجعلها أحزاب عصرية. ودعوته تؤدي، في المحصلة النهائية، لإحباط كل أولئك الساعين لإنعاش الحياة السياسية وجعلها أكثر ديمقراطية.
النقطة الثانية:
أعتقد ان طلعت لم يستوعب القيمة التاريخية لدورة اللجنة المركزية التي انعقدت في أغسطس 1977 وصدر عنها البيان الشهير، جبهة للديمقراطية وإنقاذ الوطن. وجاء فيها موقف صريح بتبني الديمقراطية التعددية. كما ان محمد إبراهيم نقد قد كتب مرارا، وفي إصدارات متعددة، عن ذلك الموقف. ويأتي طلعت ليصف كل ذلك بالاستهبال السياسي، وهذا تجني غير مبرر.
النقطة الثالثة:
قال طلعت انني جعلت من عبد الخالق ايقونة للتغيير والإصلاح في تاريخ الحزب. هذا الطرح وما سبقه وما سياتي في النقطة الأخيرة، يجعلني اتشكك في ان طلعت قد استمع للندوة، أو في أسوأ الافتراضات انه يحمل رأيا مسبقا ويريد ان يقوله حول الحزب الشيوعي ووجد الندوة فرصة ليقول ذلك. انا لم اقل ذلك بالصيغة التي كتبها طلعت، كما ان مكانة عبد الخالق كمفكر متميز معروفة لكل أبناء شعبنا. والأهم انني أؤمن، كما قلت في الندوة، ان اسهامات ماركس ولينين وعبد الخالق هي وليدة عصرهم، وان علينا ان ندرس الواقع الراهن ونحدد منهجنا وطرحنا لتحقيق التغيير الاجتماعي الذي نعمل له.
النقطة الرابعة:
اتهمني طلعت بالسدانة الأيديولوجية لأنني قلت في الندوة ان الماركسية فكر متجدد وطرحت ان النموذج السوفيتي ليس هو الوحيد، وشرحت نقد المفكرة الماركسية روزا لوكسمبرج للنموذج التي كان يعمل له لينين وتنبأت بأنه سيصير دكتاتوريا. كما انني فصلت في مواقف الشيوعية الاوربية وخاصة الحزب الإيطالي وعرضت بعض مقولات الأكاديميين الماركسيين الغربيين والمدارس المتعددة داخل الفكر الماركسي.
شاركت في عشرات الندوات وأصدرت عددا من الكتب وكتبت مقالات في المواقع العامة، نقدت فيها الماركسية اللينينية وقلت انني لا أومن بالنصوص واعتمد المنهج فقط، وانه حتى المنهج غير ثابت ومتطور باستمرار، ودعوت للانفتاح على الفكر الإنساني والذي يتجدد باستمرار. بعد كل ذلك يأتي الصديق طلعت وبجرة قلم يتهمني بالسدانة الايدولوجية.
ختمت الدعوة بالدعوة لتجديد الحزب الشيوعي وتنبأت بأن عدم تجديده سيجعله مستقبلا مثل الأحزاب الشيوعية الاوربية، وهذا مصير لا اتمناه لحزب ساهم الالاف في بنائه وقدموا من اجله تضحيات عظيمة في بسالة ونكران ذات يثير الاعجاب.
siddigelzailaee@gmail.com
أطلق الدكتور طلعت الطيب احكاما قاطعة وجازمة، بل ونهائية حول عدم جدوى قضية اصلاح الحزب الشيوعي. جات تلك الاحكام، خلال عرضه، لندوة اسفيرية نظمها مركز الدراسات السودانية ومنصة المصطبة العجيبة، تحدثت فيها عن الحزب الشيوعي بين الواقع الراهن ومآلات المستقبل. عرضت فيها الأدوار التاريخية المتميزة التي لعبها الحزب الشيوعي في بلادنا، وشرحت مظاهر التفرد والتجديد خلال مسيرة الحزب، كما عددت مظاهر الجمود. خلصت لان الحزب يحتاج ان يجدد طرحه الفكري وبرنامجه وأساليب عمله. وتنبأت ان عدم التجديد سيجعل الحزب الشيوعي مثل الأحزاب الشيوعية الاوربية، التي تقلص دورها السياسي كثيرا.
سعدت بمقال الدكتور طلعت الطيب لأنني من دعاة الحوار العقلاني، وان الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني ليست فوق النقد. وكل ما يطرح في الفضاء العام هو دعوة صريحة للحوار مع تلك الاطروحات برؤى نقدية. والحزب الشيوعي ليس استثناءا عن تلك القاعدة، فتاريخه وأطروحاته الفكرية وبرامجه هي ملك لشعبنا، فور صدورها عن الحزب.
حدد الصديق طلعت نقده لطرحي في أربعة نقاط هي: استحالة اصلاح الحزب الشيوعي، وثيقة الحزب حول الديمقراطية هي استهبال سياسي، جعل عبد الخالق ايقونة الإصلاح في تاريخ الحزب، السدانة الأيديولوجية.
النقطة الأولى:
أعتبر طلعت قضية اصلاح الحزب الشيوعي قضية مستحيلة، فذاك الحزب فات فوقو الفوات حتى انه أصبح عبئا على معارضة مدنية تقف في مواجهة جيوش مدججة بالسلاح. هذا طرح عدمي واحكام قاطعة ونهائية. اعتقد ان معرفة طلعت بتاريخ الحزب الشيوعي معرفة غير دقيقة لذلك لم يتعرف على المحطات التي مر بها والاطروحات التي تمت داخله. آخرها، المناقشة العامة والعلنية التي استمرت لمدة 14 عاما وكانت فرصة لكل من يتابع الحركة السياسية السودانية ليتعرف على حيويتها وتعدد وتنوع طرحها. كما لم يتعرف على مئات المقالات وعشرات الكتب التي أصدرها أعضاء الحزب حول كافة قضاياه. لذلك من التبسيط المخل طرح طلعت مثل هذه الاحكام بثقة تامة في عدم قدرة أعضاء الحزب على تجديد حزبهم.
تعلل طلعت بالمركزية الديمقراطية التي تعوق التجديد. وهذا مؤشر آخر لعدم متابعته النقد الذي قدم للمركزية الديمقراطية والدعوة لتغييرها. كما ان عددا من الأحزاب الشيوعية قد تخلت عن المركزية الديمقراطية. المركزية الديمقراطية ليس نصا مقدسا غير قابل للتغيير.
أحد أهم القوانين التي تتحكم في حياتنا ان لا شيء ثابت، وان التغير هو صيرورة مستمرة. وصدق الفيلسوف الاغريقي الذي لخص المسألة في أنك لا تنزل الي النهر مرتين. طرح طلعت يعني ان كل تلك العوامل لن تؤثر على الحزب الشيوعي الذي هو كتلة صماء جامدة لا حياة فيها ولا حركة.
دعوة طلعت تتعارض تماما مع اجتهاد الالاف من أبناء وبنات شعبنا، من كل التوجهات السياسية، لتطوير وتجديد احزابها، وجعلها أحزاب عصرية. ودعوته تؤدي، في المحصلة النهائية، لإحباط كل أولئك الساعين لإنعاش الحياة السياسية وجعلها أكثر ديمقراطية.
النقطة الثانية:
أعتقد ان طلعت لم يستوعب القيمة التاريخية لدورة اللجنة المركزية التي انعقدت في أغسطس 1977 وصدر عنها البيان الشهير، جبهة للديمقراطية وإنقاذ الوطن. وجاء فيها موقف صريح بتبني الديمقراطية التعددية. كما ان محمد إبراهيم نقد قد كتب مرارا، وفي إصدارات متعددة، عن ذلك الموقف. ويأتي طلعت ليصف كل ذلك بالاستهبال السياسي، وهذا تجني غير مبرر.
النقطة الثالثة:
قال طلعت انني جعلت من عبد الخالق ايقونة للتغيير والإصلاح في تاريخ الحزب. هذا الطرح وما سبقه وما سياتي في النقطة الأخيرة، يجعلني اتشكك في ان طلعت قد استمع للندوة، أو في أسوأ الافتراضات انه يحمل رأيا مسبقا ويريد ان يقوله حول الحزب الشيوعي ووجد الندوة فرصة ليقول ذلك. انا لم اقل ذلك بالصيغة التي كتبها طلعت، كما ان مكانة عبد الخالق كمفكر متميز معروفة لكل أبناء شعبنا. والأهم انني أؤمن، كما قلت في الندوة، ان اسهامات ماركس ولينين وعبد الخالق هي وليدة عصرهم، وان علينا ان ندرس الواقع الراهن ونحدد منهجنا وطرحنا لتحقيق التغيير الاجتماعي الذي نعمل له.
النقطة الرابعة:
اتهمني طلعت بالسدانة الأيديولوجية لأنني قلت في الندوة ان الماركسية فكر متجدد وطرحت ان النموذج السوفيتي ليس هو الوحيد، وشرحت نقد المفكرة الماركسية روزا لوكسمبرج للنموذج التي كان يعمل له لينين وتنبأت بأنه سيصير دكتاتوريا. كما انني فصلت في مواقف الشيوعية الاوربية وخاصة الحزب الإيطالي وعرضت بعض مقولات الأكاديميين الماركسيين الغربيين والمدارس المتعددة داخل الفكر الماركسي.
شاركت في عشرات الندوات وأصدرت عددا من الكتب وكتبت مقالات في المواقع العامة، نقدت فيها الماركسية اللينينية وقلت انني لا أومن بالنصوص واعتمد المنهج فقط، وانه حتى المنهج غير ثابت ومتطور باستمرار، ودعوت للانفتاح على الفكر الإنساني والذي يتجدد باستمرار. بعد كل ذلك يأتي الصديق طلعت وبجرة قلم يتهمني بالسدانة الايدولوجية.
ختمت الدعوة بالدعوة لتجديد الحزب الشيوعي وتنبأت بأن عدم تجديده سيجعله مستقبلا مثل الأحزاب الشيوعية الاوربية، وهذا مصير لا اتمناه لحزب ساهم الالاف في بنائه وقدموا من اجله تضحيات عظيمة في بسالة ونكران ذات يثير الاعجاب.
siddigelzailaee@gmail.com