طموحات قائد الجيش غير المشروعة !!

 


 

 

لا تسطيع إقناع مُجنّد مُستجِد حليق الرأس حديث الدخول لأرض (حرام) الكلية الحربية السودانية، بأن مهمته بعد التخرج ستنحصر في استراتيجيات الحروب وشئون الطيران الحربي والمدرعات والمدفعية والبندقية، وذلك لأنه ابتداءًا يحلم باعتلاء كرسي الحكم بمجرد أن يصبح ضابطاً بالجيش، كيف لا يمني النفس بهذا الطموح الممكن ولخريجي هذه المؤسسة تاريخ مشهود من تمتعهم بالجلوس على قمة هرم السلطة، لأكثر من خمسين عاما، فما على كل طامع في بهرج الصولجان إلّا أن ييمم وجهه شطر منطقة كرري العسكرية، حيث سفينة السلطة رابضة هناك على شواطيء بحيرة مصنع الرجال وعرين الأبطال، فطول أمد فترات الحكم العسكري في هذه البلاد خلق حالة ذهنية لدى الشباب دفعتهم لأن يكرّسوا جهدهم لدخول هذا الصرح العظيم، الذي جيّر السياسيون والحزبيون مخرجاته لتصب في مصلحة مطامعهم وماعون جشعهم التسلطي غير المشروع، فابتليت البلاد ببلاء الدكتاتوريات العسكرية المكبلة للانطلاق نحو آفاق التنمية الاقتصادية والنهضة الصناعية، فقد استوعب راعي الأغنام بريف كردفان أن هياكل الحكم لم تعد تتسع لوجود البزّة العسكرية، مهما كانت التبريرات المقدمة من الناطق الرسمي لقائد الجيش، ومن دار حوله من داعمي الإنقلاب الكاسر لجبيرة رَجُل افريقيا المُعاق، بعد اندلاع ثورة الوعي والمفاهيم الصحيحة في ديسمبر قبل ثلاثة أعوام.
قائد الجيش الذي عطّل الحياة السياسية بعد انقلابه على حكومة رئيس الوزراء المستقيل، فأزاح حكومة الانتقال وأحرج الوسطاء الاقليميين والمسهّلين الدوليين، ومن مستغرب الأمور أنه يلوح بعصا الشرعية الدستورية التي يفتقر إليها، فتصريحات ناطقه الرسمي مراراً وتكراراً تقول بعدم تنازله عن المقعد السلطوي إلّا لحكومة منتخبة، في الوقت الذي تشير فيه كل الدلائل إلى فقدانه للشرعية التي تخوّله للحديث عن الشرعية، فانقلابه على الوثيقة الدستورية والحكومة الانتقالية في الخامس والعشرين من شهر اكتوبر الماضي، لا يجعل منه شخصاً شرعياً يحاضر الناس في مشروعية تسليم وتسلم مفاتيح مؤسسات الحكم، أياً كانت نوعية هذه الشرعية، فالأولى أن يتنحى جانباً ويترك الأمر لأهله الذين مهروا الأرض بدمائهم الزكية الطاهرة (يا الطاهر ابو هاجة) أمام بوابة القيادة العامة لهذا الجيش الذي مايزال يمثل قيادته العليا هذا القائد (البائد)، الجيش الذي لم يحمي الثائرين من أجل خلاص وطنهم من براثن الطغمة الدكتاتورية الفاسدة، في تلك اللحظات العصيبة والمفصلية الحاسمة من تاريخ الأمة، حينما وثقوا في قائدهم (الحارس مالهم ودمهم)، فكسر خاطرهم وخيّب حسن ظنهم به حينما فتكت بهم كتائب ظل علي عثمان محمد طه، نائب الدكتاتور الذي حذّر من دموية وفظاعة تلك الكتائب قبل اندلاع شرارة الثورة، فسالت باحات بوابة الجيش بالدماء المسفوحة وبالأوصال المقطوعة.
قائد الجيش الذي أتى به الثوار إلى منصة تأسيس الحكم الانتقالي بعد أن أسقطوا الطاغية، فخذلهم وعمل على وأد مشروعهم الهادف لكنس آثار العهد البائس، فأعاد الحرس القديم من منسوبي النظام (البائد)، وخدم أجندة الثورة المضادة بنكران الجميل الذي أسداه الذين قاوموا الجبروت والظلم والطغيان، فلم يستوعب حتميات أحكام التاريخ، ولم يعتبر بتدابير الأقدار المحددة لمصائر الأمم والشعوب، ولم يصل لحقيقة أن فرس الحكم الاسلاموي قد هرب إلى غير رجعة، لقد أبى قائد الجيش أن يقتنص السانحة التاريخية البديعة التي منحها إيّاه الشباب الثائر بميدان الاعتصام، عندما أمسك بساعده الرئيس السابق لحزب المؤتمر السوداني، واختاره من بين صفوف ضباط القوات المسلحة ليكون طوقاً لنجاة الشعب السوداني، لكنه وللأسف ناصر البطانة القديمة التي أورثت البلاد الحرب العبثية والاقتصاد المنهار، دون أن يدرك حتمية بلوغ الحراك الثوري غاياته المنشودة رغم كره (البائدين)، وها هو اليوم يقف موقفاً لا يحسد عليه حاصداً محصول عمله غير الطيب الذي استهدف كسر شوكة دعاة التغيير، فلن يلقى مصيراً آخراً غير هذا المصير الذي يتناسب مع كل المخذّلين والمتربصين بآمال الشعوب الحرة، إنّه مآل كل من يلعب (بالاتجاه المعاكس لمصلحة أوراق شعبه)، فالمواقف الوطنية لا يصنعها إلّا الرجال الوطنيين الذين لا يأبهون للوم الشائن ولا يرتجفون لتهديد الخائن.

اسماعيل عبدالله
ismeel1@hotmail.com
20 سبتمبر 2022

 

آراء